بينما ما زال هناك غموض حول أسباب قرار شركة كوسكو الصينية تعليق رسو سفنها بإسرائيل، فإن القرار يثير قلق السلطات المعنية في الدولة العبرية، ليست فقط من تأثيراته على تجارة إسرائيل مع آسيا، ولكن لأنه أيضاً قد يكون له تأثير الدومينو، إذ قد تقوم شركة ملاحة عالمية أخرى باتخاذ قرارات مماثلة بالابتعاد عن إسرائيل.
ويقدر الخبراء في صناعة الشحن بأنه بعد إعلان الشركة الصينية العملاقة "كوسكو" تعليق أنشطتها للنقل البحري في إسرائيل، فإن ذلك لن يؤثر بشكل كبير على سلاسل التوريد الإسرائيلية. على أن ما يخشاه الخبراء في الصناعة أكثر احتمال أن يقع تأثير الدومينو، حيث قد تحذو شركات الشحن الأخرى حذو الشركة الصينية، ما سيتسبب في ضغوط على تجارة إسرائيل مع العالم، حسبما ورد في تقرير لصحيفة Calcalist الإسرائيلية.
وجاء قرار شركة كوسكو الصينية، الذي تعد رابع أكبر شركة شحن في العالم والأكبر في آسيا وتحمل نحو 11% من التجارة العالمية، في الوقت الذي تعطلت فيه الممرات الملاحية في البحر الأحمر بسبب الهجمات التي نفذها مسلحو الحوثي المدعومون من إيران في اليمن ضد السفن المرتبطة بإسرائيل، تضامناً مع غزة، حيث قررت العديد من الشركات الكبرى تجنب الملاحة عبر مضيق باب المندب الذي تمر به نحو 10% من التجارة العالمية.
كوسكو لديها خط أسبوعي في ميناء حيفا الذي تديره شركة صينية أخرى
ولم تفسر شركة كوسكو يوم الأحد 7 يناير/كانون الثاني قرارها بتعليق عملياتها في إسرائيل، التي تتم بشكل رئيسي في ميناء خليج حيفا، الذي اُفتتح عام 2021 وتديره شركة SIPG الصينية الحكومية، حيث لدى كوسكو خط أسبوعي لنقل الحاويات إلى هذا الميناء.
ولدى العملاق الصيني خط آخر يعمل بالاشتراك مع شركة الشحن الإسرائيلية زيم.
وحتى في مكاتب التمثيل الرسمية لشركة كوسكو في إسرائيل، التي تديرها شركة كارمل لخدمات الشحن، التزم مسؤولو الشركة الصمت ورفضوا التعليق.
وتتساءل مصادر في صناعة الشحن الإسرائيلية عما إذا كان القرار المتخذ في الصين يرجع أساساً إلى تهديد الحوثيين في اليمن بتدمير السفن التي تتجه إلى إسرائيل أو أنه بالأحرى يتعلق العلاقات الدافئة والواسعة بين الحكومة الصينية وإيران.
وكما هو الحال مع العديد من شركات الشحن، فقد اضطرت كوسكو مؤخراً أيضاً إلى تغيير مسار سفنها إلى البحر المتوسط، وتجنب المرور بالبحر الأحمر عبر مضيق باب المندب بعد تهديد الحوثيين في اليمن بمهاجمة أي سفينة متجهة إلى إسرائيل.
ورغم أن كوسكو فعلت مثل العديد من شركات الشحن الكبرى؛ حيث وجهت أطقم سفنها بالتوجه إلى البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق متخذة طريقاً طويلاً حول القارة الإفريقية، إلا أنها على عكس الشركات العالمية قررت تعليق أنشطتها في الموانئ البحرية الإسرائيلية.
وتعتزم شركة كوسكو إنهاء رحلاتها الملاحية في البحر الأبيض المتوسط في ميناء بيريوس الذي تملكه منذ عام 2016، ليتم تفريغ الحاويات التي تنقلها إلى إسرائيل في اليونان. ومن هناك سيتم إرسالها إلى إسرائيل باستخدام سفن شركات أخرى، وهي عملية قد تطيل مدة نقل البضائع من الصين وآسيا إلى إسرائيل وقد تزيد تكلفتها أيضاً.
القرار سيؤثر على تجارة إسرائيل مع آسيا
ووفقاً لتقديرات مصادر في صناعة الشحن الإسرائيلية، فإن قرار كوسكو سيؤثر بشكل رئيسي على ميناء حيفا، الذي تديره شركة صينية، وزيم، التي سيتعين عليها إيجاد بديل لخطها المشترك مع كوسكو، حيث كان الميناء يعتمد على العديد من سفن كوسكو التي تزوره.
إلى جانب التأثير على التجارة بين الشرق الأقصى وإسرائيل، فإن قرار شركة كوسكو مؤثر، لأن الشركة الصينية تتعاون مع خط الشحن الإسرائيلي زيم، الذي سيتعين عليه تشغيل المزيد من السفن على طرق الشرق الأقصى، الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الشحن، حسب موقع Globes الإسرائيلي.
وكان المؤشر على خطوة كوسكو، هو استباقه بصدور إعلان عن شركة OOCL التابعة لها ومقرها هونغ كونغ بأنها توقفت عن الإبحار إلى إسرائيل بسبب "مشاكل تشغيلية".
أسباب قرار كوسكو بالتوقف عن التعامل مع إسرائيل.. خطوة سياسية أم لأسباب اقتصادية
وحرص كبار المسؤولين في صناعة الشحن في إسرائيل، يوم الأحد، على الامتناع عن التعليق علناً على خطوة كوسكو. وقال البعض إن مؤشرات على خطوتها غير الاعتيادية ظهرت في الأسابيع الأخيرة حين لم تُحمَّل السفن بحاويات البضائع المتجهة إلى إسرائيل.
مسؤولو الشحن الإسرائيليون ربطوا هذه الخطوات بالعلاقات السياسية المعقدة بين إسرائيل والصين وعلى خلفية دعم الصين لحركة حماس، الذي رافقته انتقادات لاذعة لحرب إسرائيل في غزة وموقف الصين في مجلس الأمن الدولي، الذي نسف مشروع قرار مقترح لإدانة حركة حماس عقب هجوم غلاف غزة.
هذا إلى جانب العلاقات الدافئة التي تربط بكين بإيران.
سفن الصين لا تتعرض لهجمات من الحوثيين، فلماذا اتخذت الشركة هذا القرار؟
الحوثيون في اليمن هم حلفاء لإيران، وهي تسلّحهم بصواريخ باليستية بعيدة المدى وصواريخ ساحلية وطائرات مسيرة من مختلف الأنواع، ويتدربون على يد ضباط الحرس الثوري وحزب الله. وعلى هذه الخلفية، يعتقد المسؤولون في صناعة الشحن أن شركات السفن الصينية لها ما يشبه حصانة من هجمات الحوثيين في منطقة باب المندب، فالصين هي حليف لإيران والعميل لـ 90٪ من نفطها، وبالتالي فإن فرص قيام الحوثيين بإطلاق النار على سفن تابعة لشركة صينية مملوكة للدولة منخفضة للغاية. ويقول المسؤولون بصناعة الشحن الإسرائيلية إن الدليل على ذلك أنه لم تُهاجَم أي سفينة صينية في هذه المنطقة منذ اندلاع الحرب.
وانتقدت المصادر نفسها القرارات التي اُتخذت في إسرائيل في السنوات الأخيرة بالاستعانة بالشركات الصينية لإنشاء وتشغيل البنية التحتية الأساسية في البلاد، وذلك لأنه في حالة طوارئ، اختارت الصين إيران. وتفسر مصادر أخرى في صناعة الشحن في إسرائيل قرار "كوسكو" بأنه تجاري بحت لمواجهة المخاطر الناجمة عن حرب إسرائيل على حماس في غزة، وتفاقم التوترات مع حزب الله في لبنان.
وقال مصدر في الصناعة لصحيفة Calcalist الإسرائيلية إن "كوسكو ربما قررت أن إسرائيل صغيرة جداً وغير ذات أهمية في أنشطتها التجارية، وعلى أي حال فقد حولت حركة مرور سفنها إلى طريق يدور حول القارة الأفريقية بسبب تهديدات الحوثيين وتدخل سفن الشركة البحر الأبيض المتوسط عبر مضيق جبل طارق.
فإسرائيل وجهة صغيرة وبأهمية محدودة لشركة الشحن الصينية العملاقة كوسكو، رغم أنها أول شركة تنقل أنشطتها من ميناء حيفا المملوك للحكومة إلى ميناء الخليج في حيفا الذي تديره شركة صينية، والكمية التقديرية للحاويات التي تفرغها شركة كوسكو في إسرائيل صغيرة نسبياً، حيث تمثل حوالي 5% من إجمالي الحاويات في الميناء. وهذا المستوى من النشاط كان ثابتاً، وهي تتعاون أيضاً مع شركة زيم الإسرائيلية للشحن.
إسرائيل تخشى تأثير الدومينو
وقال مسؤول كبير في الصناعة لصحيفة Calcalist الإسرائيلية: "أن تقرر شركة شحن عدم العمل في مناطق الحرب أمر اعتيادي. فقد قررت بعض الشركات الامتناع عن زيارة الموانئ البحرية في روسيا وأوكرانيا، والنشاط في هذه المناطق يزيد من تكلفة وثائق التأمين الخاصة بالشركة، وأحياناً يضاعف أجور أفراد الطاقم على متن السفن إلى ثلاثة أضعاف، وتوجد عوامل أخرى تجعله صعباً على النشاط التجاري الحالي بسبب الحاجة إلى التعامل مع مجموعة متنوعة من التهديدات، مثل هجوم بحري. وكما أن الشركات حذرة مع روسيا وأوكرانيا، فـ"كوسكو" حذرة مع الحرب في إسرائيل".
قد يكون لقرار كوسكو بتعليق عملياتها آثار على سلاسل التوريد إلى إسرائيل، وهذا قد يؤثر على شركة الشحن الإسرائيلية زيم. ويتوقع أن يحدث هذا التأثير بسبب تحول المستوردين والمصدرين عن استخدام خدمات النقل البحري التي تقدمها شركة كوسكو. وتتعاون زيم مع كوسكو في بعض طرق الشحن العالمية. ورداً على خطوة كوسكو، من المتوقع أن توسع شركة زيم خطوط عملياتها إلى إسرائيل لتخفيف الآثار السلبية على الاقتصاد الإسرائيلي.
وشركة زيم أول من غيَّرت حركة سفنها في بحر العرب ومضيق باب المندب عقب محاولات الحوثيين مهاجمة السفن المتوجهة إلى إسرائيل، وأدخلت أيضاً تعديلات إلى أسطولها للتكيف مع أزمة نقل البضائع التي تصاحبها زيادة في الأسعار بأكثر من 200%. وفي إطار هذه التعديلات زادت من عدد سفنها وحجم البضائع التي يمكنها حملها.
وتشير التقديرات في قطاع الشحن، بعد التعليق الأخير لأنشطة شركة كوسكو في إسرائيل، إلى أن ذلك لن يؤدي إلى ارتفاع غير اعتيادي في الأسعار، عدا التأخير المحتمل في تسليم البضائع المستوردة. وصرح مسؤول بارز في صناعة الشحن: "رغم الزيادة الملحوظة في الأسعار، فالسوق الإسرائيلي يشير إلى أن المزيد والمزيد من الشركات تختار التعاقد مع زيم انطلاقاً من مستوى الثقة في أنه رغم تمديد وقت الشحن، ستصل البضائع إلى وجهتها".
وبلغت القيمة السوقية لشركة زيم في بورصة نيويورك 1.75 مليار دولار. ويوم الجمعة 5 يناير/كانون الثاني، ارتفع سهم الشركة بنسبة 7%. والأسبوع الماضي، ارتفع سهمها بنحو 40%، والشهر الماضي أتم ارتفاعاً بنسبة 97%.
ولكن قبل نحو أسبوعين، حذر رئيس جمعية المصنّعين في إسرائيل (MAI) رون تومر، في حوار مع Calcalist، من السيناريو الذي ستقرر فيه شركات الشحن تقديم "خدمة أقل جودة" لإسرائيل، على غرار خطوة COSCO. ووفقاً له: "قد تتخذ بعض شركات الشحن قراراً بتقديم خدمة أقل جودة لإسرائيل، وفي محاولة لتجنب التهديد الحوثي ستقوم بتفريغ البضائع المتجهة إلى إسرائيل في الموانئ البحرية الأوروبية، ما يعني أن البضائع المتجهة إلى إسرائيل سيتعين عليها استخدام بعض نظام الترانزيت، ما يزيد التكاليف ويطيل أوقات الإبحار".
وأضاف أن مثل هذا الوضع قد يضر بالتجارة مع إسرائيل والقدرة التنافسية للمصدرين الإسرائيليين في العالم. ووفقاً له، "في مثل هذا الوضع، قد تنظر الشركات في العالم إلى إسرائيل كدولة صعبة وفوضوية للتجارة معها".