"جيشنا سيوظف كل قوته فوراً لتدمير قدرات حماس.. سوف ندمرهم"، هذا جزء مما قاله رئيس وزراء إسرائيل يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 لمواطنيه، فماذا تحقق من "وعود" نتنياهو بعد 3 أشهر من الحرب على غزة؟
"بعد 3 أشهر، إسرائيل تدخل مرحلة جديدة من الحرب، فهل لا تزال تحاول "تدمير" حماس"؟، تحت هذا العنوان نشرت شبكة CNN الأمريكية تقريراً يرصد "وعود نتنياهو المستحيلة والتي لم يتحقق منها شيء يُذكر".
كانت إسرائيل قد شنَّت منذ عملية "طوفان الأقصى" العسكرية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول قصفاً جوياً وبحرياً على قطاع غزة تبعه اجتياح بري، معلنةً عن هدفين رئيسيين هما: تدمير المقاومة، وتحرير الأسرى بالقوة العسكرية.
و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر ذلك اليوم، رداً على "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني". ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر، حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.
ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود جيش الاحتلال والمستوطنين وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.
وعد نتنياهو الأول.. "القضاء على حماس"
زعم المتحدث باسم جيش الاحتلال، السبت 6 يناير/كانون الثاني 2024، أن القوات الإسرائيلية أكملت تفكيك "الهيكل العسكري" لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) في شمال غزة وقتلت حوالي 8000 مسلح في تلك المنطقة، وأضاف الأميرال دانيال هاجاري في إفادة صحفية أن الجيش استولى أيضاً على عشرات الآلاف من الأسلحة وملايين الوثائق في تلك المنطقة. وتابع: "نركز الآن على تفكيك حماس في وسط وجنوب قطاع (غزة)"، بحسب رويترز.
هذه التصريحات تشير إلى أن قوات جيش الاحتلال دخلت مرحلة جديدة في حربها على قطاع غزة، ومع هذه المرحلة تتغير أيضاً أهداف جيش الاحتلال. "لا تصب السوابق التاريخية في صالح الحملات العسكرية الساعية إلى تدمير حركة سياسية وعسكرية متجذرة في منطقتها. تفهم قيادة الجيش الإسرائيلي جيداً أن أقصى ما يمكنهم تحقيقه هو تقليص القدرات العسكرية لحماس"، بحسب ما قاله بلال صعب، الزميل في معهد تسازام هاوس لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لشبكة CNN.
وعلى الرغم من أن إسرائيل تزعم أنها حققت بعض النجاح في تخفيض قدرات حماس العسكرية في شمال قطاع غزة، إلا أن الهدف الذي أعلنه نتنياهو لا يزال أبعد ما يكون عن التحقق، بحسب تقرير الشبكة الأمريكية. "لا تضع الدول في حالة الحرب موعداً نهائياً لتلك الحرب. لكن المسؤولين في إسرائيل يحذرون من حرب ممتدة قد تستمر طوال عام 2024 وما بعده حتى".
لكن المؤكد هنا هو أن إسرائيل لا تمتلك كل هذا الوقت لتحقيق هذا الهدف الذي يصفه أغلب المراقبين والخبراء العسكريين بأنه "مستحيل"، وذلك بحسب تقرير لصحيفة هآرتس الإسرائيلية. فمن ناحية، لا يتحمل اقتصاد إسرائيل التكلفة الباهظة لحرب ممتدة، إذ يعتمد جيش الاحتلال بالأساس على قوات الاحتياط التي يؤثر غياب الآلاف منها عن سوق العمل ورطة كبيرة.
ومن ناحية أخرى، تعاني إسرائيل من ضغوط دولية متزايدة، وحتى من أقرب حلفائها في واشنطن، بسبب الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في غزة، بعد أن ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين إلى ما يقرب من 23 ألفاً، غالبيتهم الساحقة من الأطفال والنساء، إضافة إلى نزوح أغلب سكان القطاع البالغ عددهم أكثر من 2.3 مليون نسمة، بعد أن دمر العدوان الإسرائيلي المستمر غالبية مساكن ومنشآت القطاع المدنية.
"هناك سباق ضد الزمن.. ما الثمن الذي ستدفعه إسرائيل حتى تحقق أي أهداف تكتيكية دون التعرض لفورة من الغضب الدولي قد تكون مكلفة للغاية؟"، تساءل صعب في حديثه للشبكة الأمريكية، مشيراً إلى السؤال الأبرز الذي يتعين على قيادة إسرائيل الإجابة عنه.
وتطرق الباحث أيضاً إلى الانقسام في الجبهة الداخلية، حيث يواجه نتنياهو تمرداً متصاعداً داخل المجتمع الإسرائيلي، يقوده أهالي الأسرى الذين لا يزالون محتجزين داخل قطاع غزة. وقد شهدت شوارع تل أبيب، السبت 6 يناير/كانون الثاني، مظاهرات حاشدة شارك فيها عشرات الآلاف مطالبين باستقالة حكومة نتنياهو وعقد انتخابات عامة مبكرة.
مرحلة جديدة من الحرب على غزة؟
ترسم هذه المعطيات معاً صورة قاتمة بالنسبة لنتنياهو، الذي قطع وعداً بتدمير حماس، وهو هدف "متعالٍ وعصي على التنفيذ"، ويراه كثير من المحللين "مستحيلاً"، بحسب CNN. "هذه المهمة مستحيلة التنفيذ، وقد رأيناها تفشل مرات عديدة من قبل على مر السنين"، يقول بلال صعب.
إن تأثير حماس وشعبيتها يمتدان خارج قطاع غزة أيضاً، وهو ما يعني أن إلحاق الهزيمة بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية يمثل "طموحاً صعب المنال" بالنسبة لإسرائيل، هذا إذا كان يمكن تحقيقه من الأساس، بحسب الشبكة الأمريكية. ورغم ذلك، فإن نتنياهو، في خطابه بمناسبة مرور 3 أشهر على الحرب، أعاد التأكيد على أهدافه: "القضاء على حماس وعودة الأسرى وضمان ألا تمثل غزة تهديداً لإسرائيل".
لكن من الناحية العسكرية، لا يبدو أن قيادات جيش الاحتلال يتفقون مع أهداف رئيس الوزراء الساعي للبقاء في منصبه. فبحسب الإعلام الإسرائيلي، تخلى مدير الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال، الجنرال أهارون هاليفا، عن هدف تدمير حماس، خلال كلمة له، الخميس 4 يناير/كانون الثاني، حدد خلالها الأهداف من وجهة النظر العسكرية.
وفي السياق ذاته، كشف وزير الدفاع يوآف غالانت، الخميس أيضاً، عن خطط المرحلة الجديدة للحرب على غزة، مؤكداً على "تكتيك عسكري جديد في شمال القطاع" واستمرار التركيز على استهداف قيادات حماس المشتبه في وجودهم في الجنوب.
وفسر غالانت المرحلة الجديدة من الحرب بقوله إن "عمليات الجيش في الشمال ستشمل غارات وتدمير الأنفاق وأنشطة جوية وبرية وعمليات خاصة". السؤال هنا: كيف تستقيم هذه التصريحات مع الزعم بأن جيش الاحتلال أنهى عملياته في الشمال وفكك القدرات العسكرية لحماس هناك؟
"ستكون هذه المرحلة أقل كثافة لكنها ستستغرق وقتاً أطول"، بحسب ما قاله يوهانان بلينسر، رئيس معهد الديمقراطية في إسرائيل وعضو الكنيست السابق عن حزب كاديما، لشبكة CNN.
ماذا عن هدف "تحرير" الأسرى؟
الهدف الآخر أو "الوعد" الذي يصر نتنياهو على تقديمه للإسرائيليين هو "تحرير" الأسرى، وهو الهدف الذي فشلت إسرائيل في الاقتراب من تحقيقه على مدى الأشهر الثلاثة الماضية.
لم تتمكن إسرائيل من استعادة أي من الأسرى المحتجزين لدى فصائل المقاومة في غزة إلا من خلال صفقة تبادل تم التوصل إليها بوساطة قطرية ومصرية وأمريكية خلال الأسبوع الأخير من نوفمبر/تشرين الثاني، عبر هدنة مؤقتة كسرتها إسرائيل واستأنفت عدوانها على القطاع صباح الجمعة 1 ديسمبر/كانون الأول.
والآن يواجه نتنياهو ضغوطاً داخلية متزايدة، يقودها أهالي الأسرى الذين يزيد عددهم على المئة، بعد أن قتلت نيران جيش الاحتلال وصواريخه وقذائفه نحو 25 أسيراً، لاستعادة باقي الأسرى على قيد الحياة.
وقال مكتب نتنياهو لشبكة CNN، الجمعة 5 يناير/كانون الثاني، إن جثث 25 أسيراً و107 من الأسرى الأحياء لا يزالون محتجزين في قطاع غزة. وتمثل عودة هؤلاء الأسرى هدفاً من أهداف نتنياهو، لكن إعادتهم أو "تحريرهم" بالقوة، من خلال "المرحلة الجديدة" من الحرب لا تبدو مهمة ممكنة، بحسب المراقبين.
ويمثل الفشل في تحقيق هذا الهدف ضغطاً متزايداً على نتنياهو. "منذ اليوم، كان هناك تناقض واضح بين الدعم الشعبي لأهداف الحرب وللجيش من جهة والثقة المنخفضة للغاية في الحكومة الإسرائيلية من جهة أخرى"، بحسب ما قاله بلينسر للشبكة الأمريكية.
هذه المعطيات ترسم صورة أخرى قاتمة بالنسبة لوعود نتنياهو ومدى قدرته على تحقيقها، لكن رئيس الوزراء الساعي للتشبث بمنصبه بأي ثمن لا يبدو مستعداً للتراجع أو وقف الحرب وإفساح المجال للوساطة بشأن تبادل الأسرى مرة أخرى، وهو السبيل الوحيد على ما يبدو لتحقيق هذا الهدف.
إذ يواجه نتنياهو تدنياً غير مسبوق في شعبيته، إضافة إلى محاكماته القائمة بتهم تلقي الرشوة وخيانة الأمانة والفساد، وهو ما يجعل مغادرته لمنصبه ليس فقط نهاية لمشواره السياسي الممتد، ولكن ربما ينتهي به الحال خلف القضبان أيضاً.