جاء آخر تطوُّر مفاجئ في حرب غزة من جانب الولايات المتحدة هذه المرة؛ إذ أفاد تقرير لقناة ABC الأمريكية بأن حاملة الطائرات "يو إس إس جيرالد فورد" ستغادر منطقة الشرق الأوسط، مع فرقتها وسفن الحرب المرافقة لها، متجهةً إلى مينائها الرئيسي في فرجينيا خلال الأيام المقبلة. وهذا يعني أنهم سيتركون حاملة طائرات أمريكية واحدة فقط في المنطقة وهي "يو إس إس دوايت أيزنهاور". فلماذا يعد تراجع الوجود البحري الأمريكي في المنطقة لا يبشر بخير بالنسبة لإسرائيل كما تقول صحيفة هآرتس؟
ماذا يعني تراجع الوجود البحري الأمريكي بالمنطقة بالنسبة لإسرائيل؟
انخرطت الولايات المتحدة في حوار مثمر مع إيران لتبادل الرسائل السرية والعلنية. وربما يأتي تخفيف الوجود البحري الأمريكي في المنطقة مصحوباً بإشارةٍ سرية لطهران بعدم تصعيد الوضع المتوتر بالفعل بناءً على ذلك كما تقول صحيفة Haaretz الإسرائيلية. لكنه قد يكون كذلك رهاناً خاطئاً من جانب الولايات المتحدة هنا، وربما يفسر حزب الله هذه الخطوة على اعتبارها فرصةً لأخذ المزيد من المخاطر.
إذ بدأ الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، في الاشتباك مع إسرائيل؛ رداً على حرب غزة، لكنه حرص على عدم الانجرار إلى صراع شامل. بينما يكمن مصدر القلق في أن كلا الجانبين يرفع وتيرة الضغط، مع انضمام المزيد من الأهداف الإيرانية إلى الصراع تدريجياً عبر الهجمات المنسوبة لإسرائيل.
وبعد اغتيال نائب رئيس حركة حماس، الشيخ صالح العاروري، مع اثنين من قادة القسام في الخارج٬ في وسط بيروت ليلة أمس الثلاثاء 2 يناير/كانون الثاني 2024 بغارة جوية٬ تسود حالة من الترقب بين لبنان وإسرائيل وعض على الأصابع، حيث يشكل اغتيال قادة من حركة حماس في العمق اللبناني بالتزامن مع استمرار الحرب على غزة والمواجهات في جنوب لبنان، تصعيداً غير مسبوق، وينذر بمواجهة كبرى قد تمتد على صعيد المنطقة بأكملها، بين محور المقاومة وإسرائيل٬ وهو ما لا تريده أمريكا.
وفي الوقت ذاته، تحاول الولايات المتحدة برهنة حسمها المتزايد في التعامل مع الحوثيين؛ حيث منعت البحرية الأمريكية يوم الأحد، 31 ديسمبر/كانون الأول، قوةً حوثية من مهاجمة سفينة في البحر الأحمر وأغرقت زوارقها مُخلِّفةً 10 قتلى.
لكن تراجع الوجود البحري الأمريكي في المنطقة لا يُعد خبراً ساراً بالنسبة لإسرائيل، كما تقول هآرتس. وربما كان الدعم الأمريكي لجهود الحرب الإسرائيلية مكثفاً، لكن حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لا تتمتع برصيد مفتوح، بل على العكس تماماً.
إذ جرت مؤخراً بعض المكالمات الهاتفية المتوترة بين بايدن ونتنياهو، ودارت بشكلٍ أساسي حول علاقات الأخير مع السلطة الفلسطينية؛ حيث إن استمرار تصريحات وزراء اليمين المتطرف في حكومة نتنياهو، بشأن نقل الفلسطينيين خارج غزة وإحياء المستوطنات اليهودية هناك، لا يساعد على خلق مناخ للثقة في إسرائيل داخل واشنطن.
إسرائيل تقول إنها تحتاج وقتاً أطول للقتال في غزة
بدأ الجيش الإسرائيلي انتقاله إلى المرحلة الثالثة التي كثر الحديث عنها في حملته العسكرية. ومن المقرر تسريح العديد من ألوية الاحتياط على مدار الأيام المقبلة، بعد نحو ثلاثة أشهر من القتال. وشرع الجيش في هذه الخطوة لتخفيف الضغط عن الاقتصاد المنهك، وبسبب تراجع حدة القتال في شمال قطاع غزة أيضاً.
حيث تتركز عمليات الجيش الهجومية الآن على مخيمات اللاجئين في وسط غزة ومنطقة خان يونس. بينما كانت أعداد الخسائر البشرية الإسرائيلية المسجلة في الأيام القليلة الماضية أقل من المعهود خلال الأسبوع السابقين، ويرجع ذلك على الأرجح إلى حقيقة تركيز المعارك في مناطق أقل.
لكن التحدي الرئيسي للجيش لا يزال يتمثّل في الحاجة لدخول المناطق كثيفة السكان، حيث زرعت حماس الأفخاخ المتفجرة في العديد من منازلها ويخرج مقاتلوها لإطلاق القذائف صاروخية الدفع من مسافات قصيرة، وذلك بواسطة فرق تخرج من الأنفاق على الأرجح. ولا تُعد عمليات المشاة وفرق المدرعات والمهندسين شديدة الخطورة أثناء الهجوم، ولكنها تكون كذلك عندما تستقر القوات في مواقعها الجديدة وتبدأ في مسح المنطقة. وقد سقطت أعداد كبيرة من القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي نتيجة "النيران الصديقة والحوادث التشغيلية"، كما تقول هآرتس.
ويتحدث وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت عن قرابة عامٍ آخر من القتال في غزة ولكن بصورةٍ مختلفة عما يحدث اليوم، بينما تُقدِّر خطط القيادة الجنوبية للجيش أن يستمر القتال لفترةٍ تتراوح من عامٍ إلى عامين. لكن نطاق القتال سيكون أكثر محدوديةً مما كان عليه الوضع في ذروة الحملة العسكرية.
الحرب لم تنتهِ بعد
مع ذلك، ستكون هناك حاجة لقواتٍ أكبر من تلك التي كانت متمركزة بطول الحدود في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، وذلك للأغراض الدفاعية ولأغراض مواصلة الحملة الهجومية داخل غزة. كما سيجري نشر المزيد من القوات والمعدات بطول الحدود اللبنانية طوال عام 2024 سواءً كان هناك تصعيد أم لا٬ خصيصاً بعد اغتيال العاروري وسط بيروت٬ وكسر خط أحمر وضعه حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله في أكتوبر الماضي الذي يهدد بأن الحزب لن يتسامح مع أي عملية اغتيال على الأراضي اللبنانية.
وفي الوقت ذاته، يجري تنفيذ أعمال هندسية كبرى لتسوية المنطقة الواقعة وراء السياج الحدودي وداخل أراضي قطاع غزة؛ حيث تنوي إسرائيل إنشاء محيط أمني جديد أو منطقة عازلة٬ سيُمنع سكان غزة من دخولها، كما تقول هآرتس.
ولم يحسم الجيش بعد موقفه النهائي من عودة سكان بعض مناطق شمال غزة -الذي تعرض لدمار هائل- إلى منازلهم في المرحلة المقبلة. لكن انتشار الفرقة 99 مشاة يقطع الطريق بين شمال وجنوب القطاع بطول وادي غزة في الوقت الراهن.
ورغم الوجود العسكري الإسرائيلي المستمر هناك، فقد عاد آلاف سكان غزة إلى أحيائهم ومخيمات اللاجئين المدمرة. ولا يفرض الجيش سيطرةً كاملة على هذا الأمر من الناحية العملية. ومن المرجح أن مقاتلي حماس يتحركون بين هؤلاء السكان دون لباس عسكري أو أسلحة ظاهرة. ويحدث هذا في المناطق التي تراجع وجود الجيش فيها بصفةٍ أساسية.
في ما أعلنت مؤسسة الدفاع يوم الإثنين، الأول من يناير/كانون الثاني، أنها ستسمح لسكان الأحياء الأقل تضرراً في منطقة غزة الحدودية بالعودة إلى منازلهم تدريجياً عما قريب. ونتحدث هنا عن سكان الأحياء التي تقع على مسافة تتراوح بين 4 و7 كيلومترات من الحدود بطول الجزء الشمالي من غزة.
بالتالي فكل ذلك يعني أن المعركة لم تنتهِ بعد بل ربما ستصل ذروتها الآن خصيصاً على الجبهة الشمالية٬ التي من المؤكد أنه سيزداد التصعيد فيها بشكل غير مسبوق منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول بعد الغارة التي نفذتها إسرائيل وسط بيروت لأول مرة منذ عام 2006.
بالتالي قد لا يجد حزب الله وإيران رداً بعد سحب حاملة الطائرات الأمريكية "يو إس إس جيرالد فورد" من البحر المتوسط الآن٬ والتي قد تجر خلفها حاملة طائرات "يو إس إس دوايت أيزنهاور" خلال وقت قريب إذا شعر الأمريكيون بخطورة الموقف وطول أمد الحرب.