“أمنيات وليست أهدافاً”.. تشكيك إسرائيلي بجدوى استمرار الحرب في غزة والخلافات تعصف بحكومة نتنياهو

عربي بوست
تم النشر: 2023/12/23 الساعة 19:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/02 الساعة 08:23 بتوقيت غرينتش
الحكومة الإسرائيلية / رويترز

تظهر معالم الخلاف داخل الحكومة الإسرائيلية بشأن عدوان جيش الاحتلال في قطاع غزة والتوصل إلى هدنة، وفق ما أكدته وسائل إعلام عبرية، والتي لفتت إلى أن عدم تحقيق أي من الأهداف الأساسية المعلنة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أثار تساؤلات بشأن أسباب استمرارها حتى الآن. 

حتى إن الكاتب الإسرائيلي ناحوم برنياع في صحيفة "يديعوت أحرنوت"، وصف أهداف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو من الحرب في قطاع غزة، بأنها "أمنيات متوقعة، وليست أهادفاً قابلة للتنفيذ".

"اغتيال، قضاء على حماس، انهيارها"، كلها مصطلحات استخدمها نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت وعضو المجلس الوزاري الحربي الإسرائيلي بيني غانتس، وأثارت حفيظة برنياع، الذي قال: "الأمنيات ليست خططاً عسكرية، ولا استراتيجية، والتوقعات المبالغ فيها تولّد إحباطاً، موجعاً بشكل خاصّ في أوساط القوات المقاتلة".

وأكد أن "الأهداف التي وضعها المستوى السياسي أمام الجيش غير قابلة للتنفيذ، وأنه كان واضحاً للجميع منذ اليوم الأوّل أن الأهداف المعلنة، أمنيات متوقعة".

ووجَّه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود أولمرت، انتقادات حادة لنتنياهو، الذي تعهد بداية الحرب بالقضاء على "حماس"، وقال إن "التوقعات التي صنعتها حكومتنا المشؤومة فيما يتعلق بأهداف الحرب، لا أساس لها من الصحة، وغير حقيقية، وغير قابلة للتحقيق منذ البداية".

وأضاف أولمرت في مقال نشره بصحيفة "هآرتس": "أطلق نتنياهو التوقعات بوجه محمر، وعيناه ترتجفان، ويداه تتحركان بوتيرة مسرحية، بعد وقت قصير من امتصاص الصدمة الأولية في 7 أكتوبر/تشرين الأول. لقد بدا كأنه رجل انقلب عالمه".

وتابع أن نتنياهو يشن حرباً شخصية، وقال: "تم إعلان أهداف الحرب لأسباب شنيعة، ولو كان نتنياهو واعياً تماماً عندما أطلق لأول مرةٍ هذا التعهد المتبجح، أو عندما كرره في كل مؤتمراته الصحفية البشعة، لكان عليه أن يعرف أنه لا توجد إمكانية لتحقيق ذلك".

خلافات الحكومة الإسرائيلية بشأن الهدنة

عدم تحقيق جيش الاحتلال أي هدف معلن في عدوانه على غزة، فتح باب الخلافات بين أقطاب الحكومة حول مسألة التوقف عن القتال، وقبول هدنة مؤقتة، إما للإفراج عن باقي الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، أو الاستجابة للقبول بهدنة إنسانية، استجابة لضغوط أمريكية بهذا الخصوص.


بحسب محررة الشؤون السياسية في صحيفة "معاريف"، آنا برسكي، فقد "شكلت الانتماءات الحزبية معالم خطوط الانقسام بين أقطاب الحكومة، ففي محادثات مغلقة، تحدث زعيم حزب عوتسما يهوديت، أنه إذا لم تتقدم الحرب كما هو مخطط لها، أي حتى القضاء التام على حماس، فإنه مستعد لترك الحكومة الإسرائيلية". 

هذه التصريحات أغضبت نتنياهو، وفقاً لمقربيه، وتحدث وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، مؤخراً مع رئيس الحكومة، وأخبره بطريقة صريحة بأنه يرفض وقف الحرب، بحسب برسكي. 

وعبّر بن غفير عن موقفه بصراحة على موقع "X"، قائلاً: "إذا كان هناك من ينوي كبح جماح الجيش الإسرائيلي قبل هزيمة حماس، وإعادة جميع المختطفين، فليأخذ في الاعتبار أن عوتسما يهوديت (حزب يميني) ليس معهم".

بن غفير هدد بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية - رويترز
بن غفير هدد بالانسحاب من الحكومة الإسرائيلية – رويترز

في رسالة منه إلى مجلس الحرب، أضاف بن غفير: "فكرة تقليص العمليات في غزة تمثل فشلاً للحكومة المختزلة في إدارة الحرب، ويوجب حلها فوراً، وحان الوقت لإعادة زمام الأمور إلى الحكومة الموسعة". 

كان التصريح بمثابة تهديد واضح من بن غفير، بالتسبب في حل الحكومة إذا أقدم نتنياهو على الذهاب إلى تهدئة وهدنة، وتغيير مسار الحرب من دون تحقيق الأهداف المرسومة.

أما الشريك الآخر لنتنياهو من جهة اليمين المتطرف، وزير المالية زعيم حزب الصهيونية الدينية بتسلئيل سموتريش، فإنه يتبنى الموقف الرافض ذاته، لأي وقف لإطلاق النار.

وعبر عن ذلك برفضه ذهاب رئيس الموساد ديفيد (دادي) برنيع، إلى قطر، من أجل التفاوض على صفقة للأسرى، وقال على موقع "X": "كان يجب على حكومة الحرب أن ترسل رئيس الموساد للقضاء على قادة حماس، وليس التفاوض معهم".

وفي الوقت الذي يؤكد فيه نتنياهو أن لا توقف للحرب إلا باستسلام حماس أو القضاء عليها، فإنه يظهر مستعداً للقبول بتهدئة قد تمتد لأيام أو أسابيع، يمكن من خلالها إطلاق سراح عدد من الإسرائيليين، وذلك ما ترجمه إرسال "دادي" إلى قطر لمناقشة إمكانية التوصل إلى صفقة جديدة لتبادل الأسرى، قبل أن يأخذ موافقة الكابنيت بذلك، وأن ينتظر مواقف كل من بن غفير وسموتريش، كما أشارت إلى ذلك المعلقة الإسرائيلية مورا أسرف في القناة "13".

مسار الهدنة يحظى كذلك بدعم كلٍّ من وزير الحرب غالانت والوزير غانتس، ورئيس الأركان السابق غادي آيزنكوت، وهذا ما أكده يهود باراك رئيس الوزراء الأسبق، في تعليق على المواقف المتعارضة بمجلس الحرب، نقلته عنه القناة 11 (كان) العبرية.

ويضم المجلس الوزاري الحربي الذي شكله نتنياهو برئاسته، كلاً من "وزير الحرب يوآف غالانت، ووزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، والوزيرين بلا حقيبة بيني غانتس، وغادي آيزنكوت"، واستثنى منه بن غفير وسموتريش.

التداعيات على تماسك الحكومة

على الرغم من أنه لا توجد علامات على التوصل إلى تهدئة شاملة في غزة، فإن تقديرات الموقف الإسرائيلية تذهب باتجاه توقع تهدئة مؤقتة، وفق آنا برانسكي من صحيفة معاريف، التي أشارت إلى أنه حينها سيقف بن غفير على مفترق طرق مع نتنياهو، ولن يقبل بمثل هذه التهدئة.

وأشارت إلى أن بن غفير وجد نفسه مستفيداً شعبوياً من تبني الخط المتشدد خلال حرب غزة، وسيحافظ عليه. 

بحسب آخر استطلاع للرأي نشرته القناة 12 العبرية، فإن هناك إمكانية لحصول بن غفير على 8 مقاعد بدلاً من (7 مقاعد) حالياً في حال إجراء انتخابات، ولذلك فإنه يذهب بعيداً في رفض التوقف عن القتال، والذهاب إلى التهدئة، أو تقديم أي شكل من التسهيلات لقطاع غزة. 

لكن تقريراً لـ"معاريف" رجح أنه على الرغم من ذلك، فإن بن غفير يدرك أهمية أن يقبل معادلة بقاء الحكومة، ليحتفظ بحرية الحركة له ولمؤيديه، مقابل عدم التصويت على إسقاط الحكومة.


في السياق ذاته أيضاً، فإن سموتريش المعارض الآخر لفكرة التهدئة، أو التفاوض مع حماس، لن يذهب بعيداً في التهديد بحل الحكومة، لا سيما أن وضعه في استطلاعات الرأي متأرجح، وبالتالي فهو غير مستعد للمغامرة بالدفع بحل الحكومة، بحسب الصحيفة ذاتها.

في المقابل، فإن غانتس وإيزنكوت يريان أنه لا يجب أن تكون الحكومة أسيرة لمثل مواقف بن غفير وسموتريش، حتى إن الأول خلال لقائه عائلات الأسرى، صرح بأن اغتيال قادة حماس لن يحل مشكلة حكم الحركة في قطاع غزة، مشككاً بذلك في هدف رئيسي من أهداف الحرب التي أعلن عنها نتنياهو. 

الخلاف على مجلس الحرب

مع تشكيل مجلس الحرب، كمجلس متخصص في إدارة العدوان على قطاع غزة، والذي أقامه نتنياهو، في 11 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اشتعل الخلاف داخل الحكومة الإسرائيلية.

وكان واضحاً أن الهدف منه هو الحد من دور وزراء الحكومة الأمنية أو "الكابينت الأمني" الذي يضم ممثلين عن الأحزاب المشاركة في الحكومة والمنوط به إدارة الشأنين الأمني والسياسي، ولتجنب الشغب والتسريبات من داخل هذا المجلس، من قبل بن غفير، وسموتريش. 

وكان في مقدمة الأمور اللافتة في تشكيل مجلس الحرب، أنه ضم حزب الدولة بقيادة بيني غانتس، ورئيس الأركان السابق غادي إيزنكوت، إلى جانب إعطائهما دوراً في إدارة الحرب، ما يخفف من التكلفة السياسية على نتنياهو في تحمل مسؤولية النتائج المتوقعة للحرب.

مجلس الحرب كان بديلاً عن الكابينت الأمني المصغر من الحكومة الإسرائيلية - رويترز
مجلس الحرب كان بديلاً عن الكابينت الأمني المصغر من الحكومة الإسرائيلية – رويترز

تراجع نتنياهو

مواقف نتنياهو وأهدافه المتعلقة بالعدوان على غزة، شهدت تراجعاً، لا سيما مع تزايد الضغوط الداخلية الإسرائيلية للقبول بصفقة تبادل أسرى جديدة. 

موقف نتنياهو الذي بدا فيه أكثر قبولاً لتهدئة أخرى مع حماس، جاء بعد استطلاع الرأي الذي نشره معهد رايخمن في جامعة تل أبيب، وأشار إلى أن 47% من الجمهور يؤيدون الذهاب إلى صفقة جديدة.


ومع تصاعد الضغوط الشعبية للذهاب إلى صفقة جديدة، خاصة بعد ازدياد القناعة لدى ذوي الأسرى باستحالة الإفراج عن ذويهم من خلال العملية العسكري، إثر مقتل 3 من الأسرى على يد الجيش الإسرائيلي، تزايد التذمر في أوساط ذوي الجنود الذين يقاتلون في غزة، خاصة بعد الكشف عن الأعداد الكبيرة من القتلى والجرحى من الجنود. 

التوجه  الشعبي عبّرت عنه أيضاً استطلاعات الرأي، التي نشرتها صحيفة "معاريف" في 22 ديسمبر/كانون الأول 2023، حيث كشفت أن 67% من الجمهور الإسرائيلي يؤيدون الذهاب إلى تهدئة مقابل صفقة أسرى، في حين يعارض ذلك 22%.

الحكومة الإسرائيلية تشهد خلافات بشأن التهدئة في غزة وصفقة تبادل جديدة - رويترز
الحكومة الإسرائيلية تشهد خلافات بشأن التهدئة في غزة وصفقة تبادل جديدة – رويترز

يشار إلى أنه وفق الحكومة الإسرائيلية، فقد أسرت فصائل المقاومة الفلسطينية 239 شخصاً خلال معركة طوفان الأقصى التي أطلقتها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبادلت العشرات منهم خلال هدنة إنسانية استمرت 7 أيام حتى 1 ديسمبر/كانون الأول 2023، مع الاحتلال الإسرائيلي الذي يحتجز في سجونه أكثر من 7800 أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء.

ويشن الاحتلال عدواناً دموياً على غزة، خلّف حتى الآن أكثر من 20 ألف شهيد بينهم أكثر من 8 آلاف طفل، وإصابة أكثر من 53 ألف شخص معظمهم أطفال ونساء، ودماراً هائلاً في البنية التحتية، وكارثة إنسانية غير مسبوقة، وفقاً للسلطات المحلية في القطاع والأمم المتحدة.​​​​​​​

تحميل المزيد