كشفت مصادر عسكرية يمنية لـ"عربي بوست"، الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول 2023، عن تحركات ميدانية جديدة لقوات طارق صالح، الموالية للإمارات في اليمن، للحد من عمليات الحوثيين ضد إسرائيل وسفنها التجارية في البحر الأحمر، الأمر الذي قالت عنه مصادر مقربة من الحكومة إنه يثير قلقاً من انهيار اتفاق وقف الحرب في البلاد.
أوضحت المصادر أن تحركات قوات طارق صالح ضد الحوثيين تركزت جهودها في الساحل الغربي بتحركات ميدانية عسكرية جديدة في منطقة ساحل البحر الأحمر، وعلى الدفع نحو المشاركة في الحلف البحري الذي تحاول واشنطن تشكيله لمواجهة هجمات الحوثيين، التي تستهدف الاحتلال الإسرائيلي وسفنه التجارية.
تحركات قوات طارق صالح ضد الحوثيين
حول التحركات الميدانية، كشف المصدر العسكري وهو مسؤول في القوات المشتركة في الساحل الغربي لـ"عربي بوست" طبيعة التحركات الأخيرة، قائلاً إن تحركات قوات طارق صالح ضد الحوثيين بدأت في التحرك عسكرياً في المياه المقابلة لمدينة المخا والمناطق الساحلية الخاضعة لسيطرة قواتها على مضيق باب المندب، بحجة المشاركة في "تأمين البحر الأحمر".
الجدير ذكره بهذا الإطار، أن طارق صالح هو قائد قوات "المقاومة الوطنية" المدعومة من الإمارات في الساحل الغربي.
بحسب المصدر، فإن قوات طارق صالح، نجل شقيق الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، كثّفت خلال الفترة الماضية من وجودها على المناطق الساحلية في كل من مديرية الخوخة، جنوبي الحديدة، وأجزاء من حيس والتحيتا، التي تسيطر عليها والمطلة على البحر الأحمر، كما هو الحال في مدينة المخا الاستراتيجية الساحلية، ومديرية ذو باب، اللتين تقعان في نطاق مضيق باب المندب نفسه.
وأشار كذلك إلى زيارة قام بها طارق صالح، في 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، إلى مقر قيادة قوات خفر السواحل، ليعلن خلالها لأول مرة عن اللواء الأول مشاة بحري.
إعلان تشكيل اللواء البحري الجديد رأى فيه المصدر اليمني المقرب من الحكومة، والمطلع على مفاوضات الاتفاق مع الحوثيين، أنه قد يُمثل "استفزازاً للحوثيين في هذا التوقيت، الذي يشهد فيه تحركات لهم في البحر الأحمر ومضيق باب المندب"، وفق تصريحه لـ"عربي بوست".
ولفت إلى وجود القوات الموالية لصالح أيضاً في عدد من المواقع الحيوية والجزر المهمة في البحر الأحمر، منها جزيرة زقر وجزيرة حنيش، وبالقرب من مضيق باب المندب.
كذلك قامت قوات طارق صالح باستعراض عسكري لقوات خفر السواحل التابعة لها على سواحل البحر الأحمر، في 13 ديسمبر/كانون الأول 2023.
وكانت مصادر خاصة كشفت في تقرير سابق لـ"عربي بوست"، في 16 ديسمبر/كانون الأول 2023، توصل الحكومة اليمنية إلى اتفاق مع الحوثيين بوساطات إقليمية لوقف الحرب في اليمن، إلا أنه جرى تأجيل الإعلان والتوقيع عليه بسبب حرب غزة.
هذا الاتفاق قالت مصادر لوكالة "بلومبرغ" الأمريكية، إن الإمارات تُعرّضه للخطر من خلال "دفعها باتجاه القيام بعمل عسكري ضد الحوثيين في اليمن، ورغبتها بإعادة تصنيفهم جماعة إرهابية من قِبل الولايات المتحدة".
وأكدت في التقرير الذي نشرته، في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، أن "ذلك قد يعرّض الهدنة الهشة في اليمن للخطر، ويحبط محاولة السعودية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار دائم مع الحوثيين".
الانضمام إلى حلف بحري جديد
طارق صالح، وهو عضو في المجلس الرئاسي اليمني، قال المصدر المطلع إنه "يقود مع العضو الآخر عيدروس الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي، أحد الجناحين داخل المجلس الرئاسي، المؤيد لانضمام القوات الحكومية إلى الحلف البحري الجديد الذي تشكله واشنطن، في حين أن جناحاً آخر في المجلس يرفض ذلك، ويرى أنه قد يؤدي إلى انهيار اتفاق وقف الحرب مع الحوثيين".
وكشف المصدر العسكري المسؤول في قوات طارق صالح، عن أن فريقاً من قوات الأخير المتمركزة في الساحل الغربي، يشارك في النقاشات التي تستضيفها العاصمة البحرينية في المنامة، حيث مقر الأسطول الخامس في الجيش الأمريكي، لبحث المشاركة ضمن القوات البحرية للتحالف البحري الجديدة بقيادة واشنطن.
هذه المشاركة تأتي رغم الموقف الحكومي الرسمي السابق الذي أكد عدم المشاركة في هذه الاجتماعات.
جاء النفي الرسمي على لسان مصدر مسؤول في وزارة الدفاع، الخميس 14 ديسمبر/كانون الأول 2023، نقلته الوكالة الرسمية "سبأ"، بشأن صحة الأنباء المتداولة التي تحدثت عن مشاركة الحكومة اليمنية في تحالف دولي جديد لحماية خطوط الملاحة البحرية تقوم واشنطن بتشكيله.
وأقر المصدر من قوات الساحل الغربي أن "هناك تباينات في مجلس القيادة الرئاسي (أعلى سلطة حاكمة في اليمن)، بين أعضاء متحمسين للانخراط في هذا التحالف العسكري، وآخرين يرون عدم المشاركة فيه، نظراً لحالة التعاطف الشعبي مع الهجمات التي تنفذها جماعة الحوثي ضد الاحتلال الإسرائيلي".
وتَوَاصل "عربي بوست" مع المجلس الانتقالي والحوثيين للتعليق على هذه التحركات، إلا أنه لم يتلقَّ رداً.
وسبق أن حذَّر عضو المكتب السياسي للحوثيين، محمد البخيتي، من "إنشاء أمريكا تحالفاً دولياً ضد اليمن"، قائلاً عبر موقع "إكس"، الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول 2023: "إذا ما نجحت أمريكا في إنشاء تحالف دولي ضد اليمن، فإنه سيكون أقذر تحالف عرفه التاريخ، وكيف سيُنظر إلى الدول التي سارعت لتشكيل تحالف دولي ضد اليمن لحماية مرتكبي جرائم الإبادة الإسرائيلية؟".
وأعلن البيت الأبيض أن واشنطن "تعمل على تعزيز قوة مشتركة لأمن البحار تكون قادرة على الحماية ضد هجمات الحوثيين"، وذكرت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في تقرير لها، الأحد 17 ديسمبر/كانون الأول 2023، أن القوة البحرية الموسعة ستضم دولاً عربية، وسيعلن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن عن هذه القوة البحرية خلال زيارته للشرق الأوسط".
في حين حذَّرت إيران واشنطن، في 14 ديسمبر/كانون الأول 2023، من أي تحالف عسكري قد تشكله في البحر الأحمر، مؤكدة أن لها سيطرة هناك.
التأثير على اتفاق وقف الحرب
أوضح المصدر المقرب من الحكومة اليمنية، أن الموقف الرافض داخل الحكومة من المشاركة في تشكيل الحلف البحري، رغم ضغوط صالح والزبيدي "سببه خشية توسع الصراع وعسكرة المياه، وتحويلها إلى مسرح لحرب جديدة مع الحوثيين".
وشدد على أن "موقف السلطة اليمنية الشرعية المتمثلة في مجلس القيادة الرئاسي، متسق مع موقف الوساطات الإقليمية التي عملت للتوصل إلى الاتفاق، المتمثل بالرغبة في الإعلان عن توقيعه بين الحوثيين والسلطة الشرعية، لتعزيز التفاهمات مع إيران، برعاية من الصين التي لعبت دوراً في التوقيع على اتفاق عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما في مارس/آذار 2023".
وقال إن "الحكومة اليمنية وأطرافاً إقليمية تخشى من أن يسبب الحلف البحري الذي تشكله واشنطن إفشال عملية التوقيع على الاتفاق، لا سيما أن واشنطن تضغط لتنفيذ عملية عسكرية لاستعادة محافظة الحديدة الساحلية من قبضة الجماعة"، وفق قوله.
وأوضح: "تُعدّ هذه المحافظة (الحديدة) نقطة انطلاق للهجمات الصاروخية الحوثية ضد السفن التجارية في البحر الأحمر، التي تقول الجماعة الحوثية إنها هجمات تضامنية مع غزة".
وكانت السعودية بحسب تقرير لوكالة "رويترز"، نشرته في 6 ديسمبر/كانون الأول 2023، طلبت من الولايات المتحدة "ضبط النفس" في الرد على هجمات جماعة الحوثي على سفنٍ في البحر الأحمر، وذلك بهدف دفع عملية السلام في اليمن، وخشيةً من امتداد الحرب في غزة إلى هناك.
يشار إلى أن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي، جون كيربي، قد صرّح في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول 2023، بأن وزارة الخارجية والبنتاغون يعملان على تجنيد أكبر عدد ممكن من الدول لإرسال سفن إلى فرقة العمل التي ستعمل تحت القيادة المركزية للجيش الأمريكي.
ويستهدف الحوثيون السفن التي تملكها أو تشغّلها شركات إسرائيلية، أو تنقل بضائع من وإلى الأراضي التي تحتلها "إسرائيل"، لدى مرورها بمضيق باب المندب، تضامناً مع قطاع غزة، الذي يتعرض لعدوان متواصل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويسيطر الحوثيون على معظم مناطق محافظة الحديدة على البحر الأحمر، باستثناء مديريات الخوخة وأجزاء من التحيتا وحيس جنوبي المحافظة القريبة من مدينة المخا التابعة لمحافظة تعز، التي تبعد عن باب المندب عشرات الكيلومترات.
بحسب المصدر المقرب من الحكومة، فإن قوات طارق صالح "تسعى إلى تثبيت هيمنتها ونفوذها وحضورها في مناطق الساحل اليمني الممتد من بحر العرب مروراً بخليج عدن، وصولاً إلى ميناء المخا الاستراتيجي".
يأتي ذلك مرتبطاً وفق تقديره بدخول الموانئ اليمنية ضمن طريق الحرير الصيني، إذ سبق للحكومة اليمنية السابقة التوقيع مع بكين على تطوير وتشغيل ميناء عدن أواخر عام 2013، في مشروع تبلغ تكلفته 507 ملايين دولار بتمويل صيني.
وكان وزير الثقافة اليمني السابق، مروان دماج، اتهم الإمارات- كان لا يزال وزيراً في الحكومة السابقة (عام 2019)- باستغلال الأزمة التي تمر بها اليمن، لبناء ميليشيات محلية تؤمّن لها السيطرة على الموانئ والسواحل اليمنية، لصالح الموانئ في دبي.
ويُعدّ البحر الأحمر شرياناً مهماً للتجارة والاقتصاد العالميين، لا سيما أنه يربطه مضيق باب المندب من الجنوب بالمحيط الهندي وبحر العرب، وتربطه قناة السويس شمالاً بالبحر المتوسط.
ويمر من مضيق باب المندب نحو 12% من حجم التجارة العالمية، وفق تقديرات دولية، ويُعدّ الطريق الأسرع والأقصر بين آسيا وأوروبا.
يشار إلى أن طارق صالح يعدّ من أبرز القيادات العسكرية في نظام عمه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح، وسبق له أن تحالف مع الحوثيين بعد سيطرة الجماعة على صنعاء عام 2014، لكنه بعد اغتيال عمه في ديسمبر/كانون الأول 2017 تحول إلى مناوئ لهم، وإلى حليف للإمارات في عدن.
تمكن طارق صالح من مغادرة صنعاء في 7 ديسمبر/كانون الأول 2017 إلى مدينة مأرب، ومنها إلى الإمارات التي استمر وجوده فيها إلى حين إعلان رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من إماراتياً عيدروس الزبيدي في يناير/كانون الثاني 2017 دعمه ما وصفها بتشكيلات مقاومة سيقودها طارق صالح ضد الحوثيين، ليظهر بعدها بعام في يناير/كانون الثاني 2018، بمحافظة شبوة جنوب اليمن.
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.