حمَّل موقع أمريكي الرئيس جو بايدن مسؤولية الكارثة المحتملة التي قد تقع بسبب الهجوم على رفح الذي تستعد له إسرائيل.
فمع دخول دخول حملتها العسكرية المدمرة على قطاع غزة شهرها الخامس، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إصراره على تنفيذ الهجوم البري، قائلاً: "سننفذه"، دون أن يأبه لدعوات بايدن الواهنة بالحذر، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وبدأت إسرائيل قصفاً جوياً على مدينة رفح؛ أسفر عن مقتل ما يقرب من 70 مدنياً حتى صباح الإثنين 12 فبراير/شباط.
وقالت الرئاسة في جنوب أفريقيا، الثلاثاء 13 فبراير/شباط 2024، إن البلاد قدمت طلباً عاجلاً إلى محكمة العدل الدولية للنظر في قرار إسرائيل الهجوم على رفح وتحديد ما إذا كان يتطلب أن تستخدم المحكمة سلطتها لمنع المزيد من الانتهاكات لحقوق الفلسطينيين في قطاع غزة.
الهجوم على رفح قد يصبح الفصل الأكثر فظاعة في الحرب ويغضب حتى حلفاء إسرائيل
وبقدر ما كانت الحرب مميتة على المدنيين الفلسطينيين حتى الآن، فإنَّ المرحلة المقبلة ستكون أكثر فظاعة. فقد احتشد نحو 1.4 مليون فلسطيني في رفح منذ بدأت الحرب، ولم يتبقَّ لهم مكان يذهبون إليه. وحتى بعض مؤيدي إسرائيل الأكثر موثوقية في الولايات المتحدة وأوروبا يخشون من أن تكون العملية العسكرية في رفح كارثية بالنسبة لشعب غزة.
وقالت الحكومة الألمانية، الداعم المعتاد للحرب الإسرائيلية، في وقت سابق من هذا الشهر إنَّ الهجوم على رفح "ببساطة غير مبرر".
وينذر الهجوم المُخطَّط أيضاً بتعكير صفو علاقات إسرائيل مع مصر. وقال وزير الخارجية المصري، سامح شكري، إنَّ الهجوم سيسفر عن "عواقب وخيمة". ووفقاً لوكالة The Associated Press، صرح مسؤولان مصريان إنَّ مصر قد تعلق معاهدة 1978 مع إسرائيل إذا تابعت هجومها البري، ولكن أعقب ذلك استبعاد وزير الخارجية هذا الخيار.
وقد يكون هذا تهديداً فارغاً، حسب وصف موقع Responsible Statecraft، لكن حقيقة حدوثه هي مقياس لمدى سوء العلاقات بين إسرائيل ومصر.
قد يؤدي لأزمة لاجئين على حدود مصر وبايدن يكتفي بتحذير شكلي
لأنَّ رفح تقع على الحدود المصرية، فإنَّ الهجوم من شأنه خلق أزمة لاجئين كانت مصر تسعى جاهدة إلى تجنبها. ولا تريد الحكومة المصرية أن يُنظَر إليها على أنها تسمح بالتهجير القسري للفلسطينيين، ولا تريد أن تتحمل تكاليف الحملة الإسرائيلية.
وأصدرت إدارة بايدن تحذيراً شكلياً مفاده أنَّ العملية "لا ينبغي أن تستمر دون خطة موثوقة وقابلة للتطبيق لضمان السلامة والدعم لأكثر من مليون شخص لجأوا هناك"، لكن هذا التحذير، مثل التحذيرات الأخرى التي سبقته، ليس له أي معنى؛ لأنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه ستكون هناك أية عواقب إذا تجاهل نتنياهو التحذير.
أمريكا تكرر قبل كل هجوم الدعوات لإسرائيل لاحترام القانون وحماية المدنيين
في كل مرحلة من مراحل الحرب، حثت الإدارة الأمريكية الحكومة الإسرائيلية على الالتزام بالقانون الدولي وحماية المدنيين، لكن القوات الإسرائيلية شنت واحدة من أكثر الحملات تدميراً في القرن الحادي والعشرين، التي أوقعت عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين في أربعة أشهر فقط. وقد افترض نتنياهو أنه قادر على تجاهل طلبات واشنطن لأنه وحكومته لا يدفعان أي ثمن عندما يفعلان ذلك – وهو ما كان محقاً بشأنه.
وهناك تقارير تفيد بأنَّ بايدن صار أكثر إحباطاً من نتنياهو، لكن يبدو أنَّ هذه التسريبات حول إحباط بايدن ليس الغرض منها سوى التداول المحلي. إذ لا توجد دلالة على أنه سيكون هناك أي تغيير في السياسة الخارجية الأمريكية.
وفي الواقع، في بعض التقارير نفسها، يقول مسؤولو الإدارة إنَّ الرئيس ومستشاريه "ما زالوا يعتقدون أنَّ نهجه المتمثل في دعم إسرائيل المُطلَق هو النهج الصحيح". وبالمثل، فإنَّ تعليقات الرئيس بايدن الأسبوع الماضي التي بدا فيها وكأنه ينتقد الحملة الإسرائيلية لا معنى لها إذا لم تؤدِّ إلى إجراءات تهدف إلى كبح جماح نتنياهو، حسب الموقع الأمريكي.
كان النهج "الثابت" الذي تبناه الرئيس في التعامل مع إسرائيل والحرب في غزة خطأ فادحاً منذ البداية، ومن الواضح أنَّ بايدن هو من جلب لنفسه هذا الفشل.
وقد أشار هذا النهج إلى نتنياهو بأنه يستطيع تجاهل جميع الشكاوى والمخاوف الأمريكية بأمان. والافتراض القائل بأنَّ الدعم للحرب دون أي نقد من شأنه أن يكسب الولايات المتحدة نفوذاً أكبر لدى الحكومة الإسرائيلية قد خضع للتجربة وثبت خطؤه.
غياب الضغط جعل بايدن مساهماً في تمكين حملة التطهير العرقي
إنَّ رفض واشنطن استخدام نفوذها تَرَكها في موقف سخيف يتمثل في تمكين إسرائيل من انتهاك القانون الدولي، بينما تطالب الولايات المتحدة بضعف بوقف الانتهاكات.
وقد أدى الدعم الأمريكي غير المشروط للحرب إلى تمكين حملة متواصلة من التطهير العرقي ضد الفلسطينيين، حيث هُجِّروا من جزء تلو الآخر من قطاع غزة. وبينما تستمر إدارة بايدن في القول إنه يجب السماح للسكان بالعودة إلى منازلهم، فقد دمر الجيش الإسرائيلي البنية التحتية والمساكن بالكامل في معظم أنحاء المنطقة بحيث لا يوجد شيء يمكن للناس العودة إليه لاحقاً.
وشرَّدت الحرب جميع السكان تقريباً، لكن كل مكان افترضوا أنه ملجأ في جنوب القطاع سرعان ما صار منطقة حرب جديدة. ولم يعد هناك ملاجئ أخرى. لا يوجد مكان آمن ليذهب إليه الناس في رفح الآن. وإذا كرر الجيش الإسرائيلي ما فعله في مدينة غزة وخان يونس، فسوف تتحول رفح إلى خراب مشتعل، وسوف ترتفع أعداد القتلى المدنيين ارتفاعاً هائلاً.
إنه حكم بالإعدام على عشرات الآلاف من الفلسطينيين
إنَّ الأزمة الإنسانية في غزة حادة بالفعل، والقتال المستمر يؤدي لتفاقمها. ويمثل الهجوم على رفح حكماً بالإعدام على عشرات الآلاف من الأشخاص، وربما على أكثر من ذلك بكثير. ويقف سكان غزة بالفعل على حافة الهاوية، وهذا الاعتداء من شأنه أن يدفع العديد منهم إلى قاع الهاوية.
لقد كانت هناك العديد من الفرص خلال الأشهر الأربعة الماضية للولايات المتحدة لإنهاء دعمها الشامل لهذه الحرب والمطالبة بوقف إطلاق النار، لكن حتى الآن فشل الرئيس في الاستفادة منها. وقد يكون وقف الهجوم البري على رفح هي الفرصة الأخيرة أمام إدارة بايدن لمنع وقوع كارثة إنسانية أكبر.
ويتعين على الولايات المتحدة أن تجري تغييراً جذرياً في سياستها فيما يتعلق بإسرائيل والحرب في غزة. وتحتاج إدارة بايدن إلى التوقف عن تقديم الدعم غير المشروط للحرب، وتحتاج إلى إعادة التمويل لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التي أوقفتها خطأ، وتحتاج إلى تدعيم تحذيراتها الفارغة سابقاً بعقوبات جدّية في شكل قطع المساعدات وفرض عقوبات على كبار المسؤولين إذا لم توقف الحكومة الإسرائيلية الهجوم.
وبخلاف منع الهجوم البري على رفح، يتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تضغط على إسرائيل من أجل وقف كامل ودائم لإطلاق النار ورفع الحصار الذي أدى إلى خلق ظروف المجاعة في غزة. هذه كلها أمور كان ينبغي للولايات المتحدة أن تفعلها قبل أشهر، ومع ذلك لا يزال هناك وقت لتصحيح المسار وتجنب السيناريو الأسوأ.