رغم الحرب المستمرة في قطاع غزة، وعملية جيش الاحتلال الإسرائيلي التي بدأها شرقي مدينة رفح، إلا أن ذلك لم يمنع الفلسطينيين من إكمال حلمهم بإعادة جزء من الحياة التي سعى الاحتلال لطمسها، بإطلاقهم مشروع التعليم المدرسي للطلبة والطالبات النازحين، من المرحلتين الابتدائية والإعدادية، باستخدام خيم مدرسية في رفح لاستقبالهم وتعليمهم فيها.
"مدرسة العودة"، اسمٌ لأول مدرسة للنازحين يتم افتتاحها في مدينة رفح، التي تضم ما يزيد على 1.4 مليون شخص، بعد عمليات النزوح بسبب العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2024.
إطلاق مشروع خيم مدرسية في رفح
من داخل خيم اللجوء، افتتح المشروع التعليمي الجديد "مدرسة العودة" صفوفاً تعليمية، ووضع القائمون عليه مقاعد خشبية داخل كل خيمة مدرسية في رفح، يقوم المعلمون والمعلمات فيها بإعطاء الدروس التعليمية للأطفال، الذين ظهرت عليهم السعادة الغامرة لعودة التعليم والنظام المدرسي، رغم حالة النزوح والحرب.
أجرى "عربي بوست" جولة داخل المدرسة للتعرف عن قرب على المشروع الذي أطلقه الدكتور نهاد بدرية، صاحب مشروع مدرسة العودة، الواقعة في الجنوب الغربي من المدينة، تحديداً في حي تل السلطان، على بعد أمتار عن الحدود مع مصر.
تحدث الدكتور بدرية لـ"عربي بوست"، عن المشروع، وقال: "إطلاق المبادرة جاء بالنظر للحاجة الملحة والماسة، جراء انقطاع أبنائنا الطلبة عن التعليم منذ 7 أشهر، ما ينذر بكارثة خطيرة تهدد مستقبل هذا الجيل، وتضعه أمام خيارات ليس أقلها الضياع والتشتت، والاكتئاب، وانتشار الأمراض النفسية".
لكنه أكد القول: "نحن شعب قوي، أسقطنا بإرادتنا مشروع التهجير القسري الذي خطط له الاحتلال في هذه الحرب، وبإرادة المعلم سنفشل ما يسعى إليه الاحتلال بإسقاط مشروع التجهيل، ولدينا من الأدوات والإصرار ما يمكننا من مواجهة هذه المحنة وتخطيها".
عن أهداف مشروع خيم مدرسية في رفح، قال بدرية: "نسعى لتعزيز روح الانتماء وحب الوطن من خلال غرس مفاهيم وقيم وطنية لها علاقة بالخدمة المجتمعية، والعمل التطوعي في صفوف هذا الجيل، لأن تركه دون توجيه سيمكن الاحتلال من تحقيق أهدافه".
لاقت مبادرة إنشاء خيم مدرسية في رفح، بمخيمات النازحين، استحساناً وقبولاً من الطلبة والأهالي على حد سواء، بالرغم من أنه يفتقر لمرافق أساسية لإنجاح عملية التدريس، كما هو الحال في الوضع التقليدي.
يركز المشروع التعليمي على القيام بأنشطة تدريسية وجلسات للتفريغ النفسي، ومع ذلك وحده، تجاوز عدد الطلبة الملتحقين في المبادرة 900 طالب وطالبة من المرحلتين الابتدائية والإعدادية، موزعين على 7 صفوف دراسية هي عبارة عن 7 خيم مدرسية في رفح.
طلاب متفوقون حُرموا من التعليم
من جهته، قال الطالب محمد شملخ وهو نازح من حي الشيخ عجلين غرب مدينة غزة، لـ"عربي بوست": "كنت من الطلبة المتفوقين في مدرسة خليل الوزير في غزة، ولكن شغفي وحبي للدراسة دفعاني للالتحاق بمدرسة العودة، أملاً في بناء مستقبل أفضل".
أما الشقيقتان ندى وتسنيم بدرية، النازحتان قسراً من مدينة غزة، والمتواجدتان في رفح منذ 7 أشهر، أصرتا على إكمال حلمهما في بناء مستقبل مشرق والعودة لمقاعد الدراسة، وبدأتا بالتعلم داخل خيم مدرسية في رفح.
تقول تسنيم وهي حاصلة على جائزة التفوق في مجال البحث العلمي على مستوى فلسطين، لـ"عربي بوست"، إنه "على الرغم من الأسلوب الهمجي الذي يمارسه العدو باستهداف جميع المرافق التعليمية في غزة وتدميرها بالكامل، إلا أنني وبكل عزيمة وإصرار وتحدٍّ أرغب في مواصلة مسيرة التعليم لتحقيق حلمي".
شقيقتها ندى قالت لـ"عربي بوست" إنها افتقدت في هذه الحرب صديقاتها في المدرسة، ومدرساتها والأجواء الدراسية، مضيفة: "لكن علمتنا هذه الحرب أن إرادة الحياة أقوى من المحتل، وافتتاح مدرسة العودة أعاد لي جزءاً من روحي التي فقدتها في هذه الحرب".
من جانبه، أثنى أبو محمد وهو ولي أمر أحد الطلبة، على افتتاح مدرسة العودة، "كونها السبيل الوحيد لحفظ مستقبل أبنائنا من الضياع".
وقال لـ"عربي بوست": "أدعو جميع أولياء الأمور من آباء وأمهات لضرورة إحضار أبنائهم للمدرسة" التي تتكون من خيم مدرسية في رفح في مخيمات النازحين.
معلمون يتطوعون للتعليم مجاناً
تطوع عدد من المدرسات في مدرسة العودة للتعليم وبشكل مجاني للأطفال، من بينهم المعلمة ميساء أبو شملة، التي قالت لـ"عربي بوست": "وضعنا الله في هذه الظروف الصعبة لكي نقوى عليها، ونجتاز هذا البلاء، وما كانت مشاركتنا في المشروع التعليمي إلى لنعيد الأفكار وعقلية التدريس".
وقالت إن مهمة المعلمين تتركز بمحاولة "تنشيط عقول الطلبة والطالبات من خلال كتابة المسائل الرياضية والإملاء والألعاب التنشيطية".
وكانت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية علّقت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، التعليم في جميع المؤسسات التعليمية في قطاع غزة، بسبب القصف المتعمد لها من قوات الاحتلال الإسرائيلي، ولم يتم استئنافها حتى الآن؛ نتيجة لاستمرار حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
في حين يرى خبراء أن استئناف العملية التعليمية في القطاع بشكل كامل يحتاج لسنوات، ما يهدد بـ"إبادة الوعي لدى جيل فلسطيني كامل"، بحسب ما يحذر منه كثيرون.
استهداف القطاع التعليمي
كان يوجد في قطاع غزة 796 مَدرسة قبل الاجتياح الإسرائيلي، منها 442 مدرسة حكومية و284 مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأونروا، و70 مدرسة خاصة.
بحسب وزارة التربية والتعليم في غزة، كما تعرضت 286 مدرسة حكومية للاستهداف المباشر، و65 أخرى تابعة لوكالة الغوث، ويزيد عدد المدارس المستخدمة كإيواء عن 133 مدرسة.
واستشهد من الطلبة 5994 طالباً حتى الآن، وأصيب نحو 10 آلاف آخرين، فيما بلغ عدد الشهداء من الهيئة التدريسية 266 معلماً ومعلمة، وأصيب 973 آخرين.
يذكر أن الحرب في غزة خلفت أكثر من 34 ألف شهيد غالبيتهم من الأطفال والنساء، ومئات الآلاف من الجرحى والنازحين جراء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.