اغتيال العاروري.. ما التداعيات المحتملة لـ”جريمة” إسرائيل في لبنان على المنطقة والعالم؟

عربي بوست
تم النشر: 2024/01/03 الساعة 11:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2024/01/06 الساعة 08:08 بتوقيت غرينتش
نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري - مواقع التواصل

تسبَّب اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، صالح العاروري، في لبنان في ارتفاع التوقعات بتحول حرب إسرائيل على قطاع غزة إلى صراع إقليمي أوسع، فكيف تم الاغتيال؟ وما ردود الفعل الأولية؟

مصادر أمنية لبنانية وفلسطينية قالت، الثلاثاء 2 يناير/كانون الثاني 2024، إن إسرائيل اغتالت صالح العاروري في ضربة بطائرة مسيَّرة في العاصمة اللبنانية بيروت، ليصبح أول قيادي سياسي بارز لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) يتم اغتياله منذ شنَّت إسرائيل عدوانها المستمر على غزة منذ عملية طوفان الأقصى العسكرية يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

و"طوفان الأقصى" هو الاسم الذي أطلقته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على العملية العسكرية الشاملة، التي بدأت فجر ذلك اليوم، رداً على "الجرائم الإسرائيلية المتواصلة بحق الشعب الفلسطيني". ففي تمام الساعة السادسة صباحاً بالتوقيت المحلي في فلسطين، شنّت "حماس" اجتياحاً فلسطينياً لمستوطنات الغلاف المحاذية لقطاع غزة المحاصَر؛ حيث اقتحم مقاتلون من كتائب عز الدين القسام البلدات المتاخمة للقطاع، في ظل غطاء جوي من آلاف الصواريخ التي أُطلقت من غزة باتجاه تل أبيب والقدس ومدن الجنوب.

ووسط حالة الذعر والصدمة التي انتابت الإسرائيليين، وانتشار مقاطع فيديو وصور لدبابات ومدرعات تابعة لجيش الاحتلال، إما محروقة أو تحت سيطرة المقاومين الفلسطينيين، وأسر العشرات من جنود من جيش الاحتلال والمستوطنين وسيطرة فلسطينية كاملة على مستوطنات، أعلنت دولة الاحتلال أنها "في حالة حرب"، للمرة الأولى منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973.

إسرائيل واغتيال العاروري في لبنان

لم تؤكد إسرائيل أو تنفِ تنفيذها عملية اغتيال العاروري، لكن الأميرال دانيال هاجاري المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي قال إن القوات الإسرائيلية في حالة جاهزية مرتفعة ومستعدة لأي احتمالات. وقال رداً على سؤال من مراسل عن تقارير اغتيال العاروري: "أهم شيء نقوله الليلة هو أننا في حالة تركيز ويبقى اهتمامنا منصباً على قتال حماس"، بحسب رويترز.

اغتيال العاروري بيروت
موقع اغتيال العاروري في بيروت/رويترز

وكانت وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية أفادت بأن إسرائيل اغتالت العاروري في هجوم بالضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت، لتعلن في وقت لاحق ارتفاع حصيلة قتلى عملية الاغتيال إلى 7، بالإضافة إلى 11 جريحاً.

وأكدت "حماس" اغتيال نائب رئيس مكتبها السياسي صالح العاروري واثنين من قادة كتائب القسام الجناح المسلح للحركة، بحسب وكالة "الرأي" الحكومية في غزة.

ماذا قال لبنان وحزب الله؟

تعليقاً على الهجوم، قال رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي، في بيان، إن "الانفجار جريمة إسرائيلية جديدة تهدف إلى إدخال لبنان في مرحلة جديدة من المواجهات، بعد الاعتداءات اليومية المستمرة في الجنوب، والتي تؤدي إلى سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى"، بحسب وكالة الأناضول.

وأضاف ميقاتي: "لبنان ملتزم بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، لا سيما القرار 1701، ولكن الذي يسأل عن خرقه وتجاوزه هي إسرائيل التي لم تشبع بعد قتلاً وتدميراً (…) والمطلوب ردعها ووقف عدوانها".

كما أعلنت وزارة الخارجية اللبنانية أنها تقدمت باحتجاجين "شديدي اللهجة" إلى الأمم المتحدة، بشأن الغارة الإسرائيلية على ضاحية بيروت. فيما قال حزب الله اللبناني، في بيان، إن عملية اغتيال العاروري "اعتداء خطير على لبنان ولن تمر من دون رد وعقاب".

ورأى الحزب أن "هذه الجريمة النكراء لن تزيد المقاومين في ‏فلسطين ولبنان واليمن ‏وسوريا وإيران والعراق إلا إيماناً بقضيتهم العادلة والتزاماً ‏وتصميماً أكيداً وثابتاً على مواصلة طريق ‏المقاومة والجهاد حتى النصر والتحرير".

أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، فقد قال إن "دماء الشهيد ستشعل بلا شك جذوة المقاومة ودافعها لقتال المحتلين الصهاينة، ليس في فلسطين فحسب، وإنما في المنطقة أيضاً وبين جميع الباحثين عن الحرية في العالم". كما ندَّد كنعاني بانتهاك "النظام الصهيوني العدواني" سيادة لبنان وسلامة أراضيه.

ومن جانبه، قال إسماعيل الثوابتة، مدير عام المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، في بيان، إن اغتيال إسرائيل للعاروري في بيروت، "جريمة متوقعة لن توقف المقاومة".

حزب الله غزة الاحتلال
الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله/رويترز

بينما ندَّد القيادي في "حماس" عزت الرشق بـ"عمليات الاغتيال الجبانة التي ينفذها الاحتلال الصهيوني ضدّ قيادات ورموز شعبنا الفلسطيني داخل فلسطين وخارجها"، بحسب الموقع الإلكتروني للحركة.

وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واصل أبو يوسف، للأناضول، إن "ما قامت به إسرائيل (اغتيال العاروري) جريمة حرب كبرى وإرهاب دولة". وأكد أن "ما تقوم به دولة الاحتلال الإسرائيلي، هو نتيجة الصمت الدولي وعدم وجود آليات لمحاسبته وفتح تحقيقات في تلك الجرائم".

واعتبرت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في بيان، أن استهداف العاروري "يأتي في سياق المحاولات الصهيونية لتحقيق أي إنجاز ميداني تقدمه حكومة الاحتلال (الإسرائيلي) لجمهورها".

وأشارت الجبهة الشعبية إلى الدور "القيادي المحوري للعاروري، في تعزيز وتطوير قدرات المقاومة في مختلف المجالات والميادين والساحات".

هل يجر نتنياهو المنطقة إلى حرب أوسع؟

تناولت وسائل الإعلام الأمريكية والغربية والعالمية اغتيال العاروري، وجاء التحذير من احتمالات خروج الحرب الإسرائيلية على غزة عن حدود القطاع وربما فلسطين ككل، في صدر تلك التغطية الإعلامية.

يهدد اغتيال العاروري باتساع "رقعة الحرب (الإسرائيلية) على غزة وتحولها إلى حرب شاملة بين إسرائيل وحليفتها أمريكا من جهة وإيران وحلفائها من جهة أخرى رغم سعي الأطراف لتجنب تلك الحرب منذ السابع أكتوبر"، بحسب ما جاء في تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية.

ونقل تقرير "واشنطن بوست" عن مصدر إسرائيلي رفيع تأكيده تنفيذ تل أبيب للهجوم في بيروت، وأضاف المسؤول الذي لم تذكر الصحيفة الأمريكية اسمه أن جيش الاحتلال تلقى تعليمات برفع مستوى "الحذر" تحسباً لردود الفعل على اغتيال العاروري.

الرسالة نفسها عكسها تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية عنوانه "اغتيال العاروري في هجوم بمسيرة إسرائيلية على ضاحية ببيروت يهدد بتصعيد كبير للحرب في المنطقة". ونقل تقرير الغاردين تصريحات مستشار رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، مارك ريغيف، التي قال خلالها إن إسرائيل "لم تعلن مسؤوليتها عن هذا الهجوم".

نتنياهو إسرائيل الحرب على غزة
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – رويترز

لكن ريجيف أضاف في تصريحاته لشبكة MSNBC الأمريكية أنه "بغض النظر عمن نفذ الهجوم، لا بدَّ أن يكون واضحاً أنها عملية جراحية ضد قيادة حماس وليست موجهة إلى لبنان أو حزب الله".

تعكس تصريحات ريجيف وغيره من المسؤولين الإسرائيليين ما قد يؤدي إليه اغتيال العاروري من تداعيات، وبخاصة من جانب حزب الله؛ إذ كان حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، قد حذَّر إسرائيل بشكل مباشر من الإقدام على اغتيال أي مسؤول فلسطيني على الأراضي اللبنانية، معتبراً أن ذلك يمثل "خطاً أحمر".

في هذا الإطار، تشير تقارير إعلامية متطابقة، سواء إسرائيلية أو أمريكية، إلى أن نتنياهو يسعى إلى إطالة أمد الحرب على غزة وربما توسيع رقعتها وذلك لأغراض سياسية خاصة به. فرئيس الوزراء الإسرائيلي يواجه محاكمات بالفساد وتلقي الرشوة وخيانة الأمانة من جهة، فضلاً عن التدني الكبير في شعبيته من جهة أخرى، والسبيل الوحيد لبقائه في منصبه هو استمرار الحرب.

هل كان البيت الأبيض على علم مسبق؟

موقع أكسيوس الإخباري الأمريكي نشر تقريراً نقل فيه عن مسؤولين اثنين أمريكيين ومسؤول إسرائيلي، دون تسمية أي منهم، التأكيد على أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تكن على علم مسبق بالهجوم الإسرائيلي، وأن تل أبيب أبلغت البيت الأبيض وقت تنفيذ الهجوم فقط.

وفي السياق، كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يستعد للقيام بزيارة جديدة إلى إسرائيل، لكن الخارجية الأمريكية أصدرت بياناً، بعد اغتيال العاروري، أعلنت فيه تأجيل زيارة بلينكن. لكن مصادر أمريكية رفضت التعليق على ما إذا كان قرار تأجيل زيارة بلينكن خطوة احتجاجية من جانب الولايات المتحدة على الهجوم الإسرائيلي في لبنان أم لا.

تزعم واشنطن أنها تحاول احتواء الحرب، ومن ثم نشرت مجموعتان من حاملات الطائرات في البحر الأبيض المتوسط وبذلت جهوداً دبلوماسية من أجل ذلك، ومع ذلك فإن إدارة بايدن لا تزال ترفض حتى الآن المضي إلى أسرع سبيل لتقليل مخاطر اتساع الصراع، وهي الدفع من أجل وقف فوري لإطلاق النار في غزة.

من جهة أخرى، يردد المسؤولون الإسرائيليون المتشددون بأنه لا يمكن لإسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول أن تسمح لقوة مسلحة معادية مثل حزب الله بالبقاء على حدودها. وتتصاعد في إسرائيل ضغوط من المستوطنين وسكان الشمال بمواجهة حزب الله وردعه عن الاستمرار في هجماته، لا سيما أن هذه الهجمات اضطرت أكثر من 100 ألف من سكان شمال إسرائيل إلى النزوح عن الأراضي الحدودية.

في غضون ذلك، تشن جماعات مدعومة من إيران هجمات متوالية على قواعد عسكرية أمريكية ومنشآت دبلوماسية في العراق وسوريا، تضامناً مع الفلسطينيين في غزة، وقد ردَّت الولايات المتحدة بضربات جوية قتلت فيها مقاتلين من هذه الجماعات.

بايدن نتنياهو
الرئيس الأمريكي جو بايدن خلال زيارته الأخيرة لإسرائيل مع بنيامين نتنياهو/رويترز

وأعلن الحوثيون كذلك عن تضامنهم مع غزة، وهاجموا بعض المدن في جنوب إسرائيل بصواريخ وطائرات مسيرة، ثم أعلنوا استهدافهم للسفن المرتبطة بإسرائيل والمتجهة إليها، ما دفع بعض شركات الشحن العملاقة إلى إيقاف عبور سفنها في البحر الأحمر. وأعلنت الولايات المتحدة ودول غربية عن تشكيل قوة بحرية لحماية حركة المرور البحرية في المنطقة. ومع ذلك، فقد تختار إسرائيل أو الولايات المتحدة أو الحلفاء الغربيين ضرب الحوثيين، وبعض السفن الإيرانية التي تزعم المصادر الغربية أنها تزود الحوثيين ببيانات السفن المتجهة إلى إسرائيل. وهذه الخطوة إن حدثت فمن شأنها أن تزيد من التوترات في المنطقة برمتها.

وكان متحدث جماعة الحوثي اليمينية محمد عبد السلام، قد علق في منشور بمنصة إكس على اغتيال العاروري قائلا: "نعزي حركة المقاومة الإسلامية حماس باستشهاد نائب رئيس المكتب السياسي للحركة الشيخ المجاهد صالح العاروري". وأضاف: "ندين بشدة جريمة الاغتيال التي تشكل عدواناً غادراً على لبنان"، مؤكداً "وقوف جماعة الحوثي إلى جانب المقاومة في فلسطين ولبنان".

في نهاية المطاف وعلى الرغم من أن اتساع نطاق الحرب قد لا يكون ما يريده أطراف الصراع (باستثناء نتنياهو ربما)، فإن الأمور قد تنحدر إلى خلاف المراد، وخاصة إذا استمر العدوان الإسرائيلي المنفلت على غزة. إذ إن أي هجوم -على الحدود اللبنانية، أو في العراق، أو في سوريا، أو البحر الأحمر، أو الخليج العربي- يؤدي إلى مقتل أعداد كبيرة من الإسرائيليين أو الأفراد الأمريكيين، هذا الهجوم قد يستدعي دوامة لا زمام لها من الضربات الانتقامية. وإذا هاجمت إسرائيل حزب الله، فلعله في حكم المؤكد أن تندلع حرب واسعة في المنطقة، وربما يفضي الأمر إلى تورط الولايات المتحدة في هذه الحرب.

تحميل المزيد