6 عوامل ساهمت في طفرة الصين العسكرية

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/26 الساعة 12:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/26 الساعة 12:31 بتوقيت غرينتش
6 عوامل ساهمت في طفرة الصين العسكرية /عربي بوست

بعدما كانت من أكبر مستوردي الأسلحة في العالم، باتت الصين تحتل الآن المركز الرابع في قائمة أكثر الدول تصديراً للسلاح عالمياً بفضل الطفرة التي شهدها قطاع التصنيع العسكري في الدولة الآسيوية الأبرز.

ورصدت تقارير غربية عدة ملامح لهذا التقدم الصيني في صناعة الأسلحة إلى الحد الذي قالت فيه صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن بكين لم تعد تكتفي بإنتاج أسلحتها الخاصة، بل تبيع المزيد منها في الخارج.

وفي بعض التقنيات العسكرية، باتت الصين تضاهي كبرى شركات إنتاج الأسلحة العالمية، بل وتتفوق عليها.

وتُعدّ القدرة على إنتاج أسلحة متطورة عنصراً أساسياً في رؤية الزعيم الصيني شي جين بينغ لجعل بلاده أقل اعتماداً على العالم الخارجي في كل شيء، بدءاً من الغذاء والطاقة وصولاً إلى أشباه الموصلات. وقد أكد شي أن تحقيق الاكتفاء الذاتي للصين أمر ضروري لمنع الدول الغربية من إحكام قبضتها الاستراتيجية عليها.

ولكن كيف تمكنت الصين من تحويل وجهتها من بلد مستورد للأسلحة العسكرية إلى بلد مصدر ومنتج على الصعيد العسكري.

تبرز العديد من العوامل والأسباب التي ساهمت في نجاح الصين في تحقيق طفرة كبيرة في مجال الصناعات العسكرية وفي مقدمتها:

  1. دعم التصنيع المحلي
  2. سد الثغرات التكنولوجية
  3. الاكتفاء الذاتي العسكري
  4. إعادة هيكلة الصناعات الدفاعية
  5. تطوير بناء السفن الحربية
  6. إنتاج رقائق أشباه الموصلات المتطورة

أولاً: دعم التصنيع المحلي

في عام 2016، أطلقت بكين تكتلاً جديداً لصناعة الطيران والفضاء حمل اسم شركة محركات الطائرات الصينية. وكان أمامها مهمة صعبة: تطوير محركات طائرات متطورة، وهي تقنية لطالما كافحت الصين لإتقانها.

وبعد أقل من عقد من الزمان، أدخلت الصين المحركات المصنعة محلياً على أحدث مقاتلاتها الشبحية.

وشكّل هذا التقدم علامة فارقة في مسعى الصين لبناء صناعة أسلحة تليق بقوة عالمية صاعدة. ولسنوات، أعاق صعود الصين حقيقة مقلقة: أنها لم تكن قادرة على تصنيع جميع أسلحتها بنفسها.

وقبل عقدين من الزمن، استوردت الصين أسلحة أكثر من أي دولة أخرى، وفقاً لمعهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري).

واعتادت الصين الاعتماد على دول مثل روسيا وفرنسا في الحصول على الطائرات الحربية ومحركات الطائرات وأنظمة الدفاع الجوي، بل وأبرمت صفقات لشراء معدات عسكرية الولايات المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي، بما في ذلك أنظمة الرادار وتكنولوجيا المدفعية.

لكن حصة الصين من واردات الأسلحة العالمية انخفضت بشكل ملحوظ، وخرجت القوة الآسيوية من قائمة أكبر عشرة مشترين للأسلحة في العالم خلال السنوات الأخيرة، وفقاً لبيانات معهد سيبري. ويقول المحللون إن الصين باتت قادرة الآن على إنتاج معظم التقنيات العسكرية التي تحتاجها، حتى وإن استمرت في استخدام بعض المعدات الأجنبية لأسباب تتعلق بالتكلفة أو الجودة.

طائرات صينية مقاتلة من طراز "شينغدو جي-20" التابعة للقوات الجوية خلال عرض جوي في الصين (أرشيفية – رويترز)

ثانياً: سد الثغرات التكنولوجية

وقال مسؤولون ومحللون غربيون إن الصين سدّت أيضاً بعض الثغرات التكنولوجية عبر التجسس والهندسة العكسية غير القانونية للمعدات المستوردة. وكشف مسؤولون أمريكيون عما وصفوه بهجمات إلكترونية صينية تهدف إلى سرقة أسرار أمريكية في مجالات الطيران والفضاء، والبحرية، وغيرها من التقنيات.

وقال سيمون ويزمان، وهو باحث كبير في برنامج نقل الأسلحة التابع لمعهد سيبري، لصحيفة وول ستريت جورنال: "استخدمت الصين كل حيلة ممكنة".

وتتفوق الصواريخ الصينية فرط الصوتية، التي تبلغ سرعتها خمسة أضعاف سرعة الصوت على الأقل وتستطيع اختراق معظم الدفاعات الجوية، على القدرات الغربية.

وأكدت وزارة الدفاع الصينية لصحيفة وول ستريت جورنال أن "الصين لطالما التزمت بمبادئ الاستقلال والاكتفاء الذاتي والابتكار المحلي في تطوير المعدات العسكرية، معتمدةً على قدراتها الذاتية في البحث والتطوير والإنتاج".

ثالثاً: الاكتفاء الذاتي العسكري

سعى الحزب الشيوعي الصيني إلى الاكتفاء الذاتي العسكري منذ توليه السلطة في عام 1949. وعلى الرغم من أنه طور قدراته النووية والصاروخية الباليستية الخاصة به في عهد ماو تسي تونغ، إلا أنه ظل متخلفاً في التقنيات العسكرية الحديثة الأخرى.

وأدى الحظر الغربي على مبيعات الأسلحة إلى الصين بعد القمع الدموي لاحتجاجات ميدان تيانانمين في عام 1989 إلى تعقيد المهمة بالنسبة لبكين.

وكثف القادة الصينيون اللاحقون الإنفاق لشراء التكنولوجيا الأجنبية ودعم تطوير الأسلحة المحلية.

وفي تسعينيات القرن الماضي، اشترت الصين مقاتلات سوخوي-27 الروسية وأعادت هندستها لإنتاج نسختها الخاصة: طائرات J-11. وفي وقت لاحق، اتهمت شركة روستيك، وهي تكتل دفاعي روسي مملوك للدولة، الصين بنسخ المعدات العسكرية الروسية بشكل غير قانوني، بما في ذلك طائرات سوخوي.

وفي عام 2016، أقر مسؤول تنفيذي صيني في مجال الطيران بالذنب في الولايات المتحدة بتهمة التآمر لاختراق وسرقة البيانات شركات الدفاع الأمريكية، بما في ذلك معلومات عن طائرة النقل C-17 بالإضافة إلى المقاتلات الشبحية F-22 وF-35.

الصين
وارادات الصين العسكرية/عربي بوست

رابعاً: إعادة هيكلة الصناعات الدفاعية

كما أعادت بكين تنظيم صناعتها الدفاعية، التي كانت تهيمن عليها شركات عملاقة تابعة للدولة عانت من عدم الكفاءة والفساد في الوقت الذي قاومت فيه جهود الحكومة لتعزيز التعاون مع الشركاء المدنيين.

وتأسست شركة "إيرو إنجن"، المعروفة أيضاً باسم "إيه إي سي سي"، والتي فرضت عليها الولايات المتحدة عقوبات في عامي 2020 و2021، من خلال تجميع نخبة من العلماء والموارد من عشرات شركات الطيران والفضاء ومعاهد البحوث. 

وضخت بكين مليارات الدولارات في هذا التكتل الجديد لمنافسة شركات عملاقة مثل "جنرال إلكتريك" و"برات آند ويتني". كما قامت بكين بدمج شركتين مملوكتين للدولة لتأسيس أكبر شركة لبناء السفن في العالم.

وساعدت هذه التحركات الصين على تسريع تطويرها لحاملات الطائرات والغواصات والطائرات الحربية محلية الصنع، مثل مقاتلة بكين الشبحية الثانية، J-35، والتي كان ظهورها العلني الأول في عام 2024 يعني أن الصين انضمت إلى الولايات المتحدة كدولتين وحيدتين تشغلان أكثر من طراز واحد من المقاتلات الشبحية.

وكان تحسين جودة محركات الطائرات النفاثة أحد أكبر التحديات. وصرّح طيار اختبار عسكري صيني بارز لصحيفة صينية عام 2016 بأن المحركات المصنعة محلياً تعاني من ضعف قوة الدفع، وارتفاع معدلات استهلاك الوقود، وانخفاض الموثوقية.

وعززت شركة "إيه إي سي سي" التعاون البحثي مع الجامعات الصينية، وأعلنت أنها استعانت بتقنيات جديدة، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، لتسريع تصميم المحركات واختبارها. وأظهرت وسائل الإعلام الرسمية مهندسي "إيه إي سي سي" كشخصيات ملهمة تُساعد الصين على كسر احتكار التكنولوجيا الغربية.

وبدأت الجهود تؤتي ثمارها. فقد تم تزويد النسخ الأحدث من الطائرات المقاتلة الصينية المصممة أصلاً بمحركات روسية، بما في ذلك ما يسمى بمقاتلات "الجيل الرابع" مثل J-10 وJ-11، بمحركات طورتها وأنتجتها كيانات صينية تم ضمها إلى شركة "إيه إي سي سي".

خامساً: بناء السفن الحربية

كما نجحت الصين في توطين قدرات عسكرية أخرى، بما في ذلك تفوقها على الولايات المتحدة في قدرتها على بناء السفن الحربية بسرعة وبتكلفة منخفضة.

ففي الفترة من 2015 إلى 2024، أطلقت البحرية الصينية 152 سفينة، بينما أطلقت الولايات المتحدة 70 سفينة، وفقاً لتقديرات المحلل الدفاعي المستقل توم شوغارت.

ويُعد الأسطول الصيني الآن الأكبر في العالم من حيث عدد السفن، على الرغم من أن البحرية الأمريكية تقول إن سفنها لا تزال أفضل.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع بالرئيس الصيني شي جين بينج خلال زيارته الرسمية إلى فرنسا في 2018 – shutterstock

وحاملة الطائرات الثالثة والأحدث لبكين، فوجيان، هي الأولى التي تم تصميمها وبناؤها بالكامل في الصين، وتتميز بمنجنيقات كهرومغناطيسية لإطلاق الطائرات.

ودخلت حاملة الطائرات الصينية الخدمة في نوفمبر/تشرين الثاني، وهي تمثل نقلة نوعية مقارنةً بحاملتي الطائرات الصينيتين السابقتين، اللتين تفتقران إلى منصات إطلاق الطائرات القياسية الموجودة في حاملات الطائرات الأمريكية.

وجُدِّدت حاملة الطائرات الصينية الأولى من هيكل سوفيتي الصنع تم شراؤه من أوكرانيا عام 1998، بينما استند تصميم حاملة الطائرات الثانية بشكل كبير على تصميم الأولى.

سادساً: إنتاج رقائق أشباه الموصلات المتطورة

يأتي ذلك بينما كشفت وكالة رويترز أيضاً قبل عدة أيام تفاصيل عما أسمته "مشروع مانهاتن" الصيني الذي تمكن من خلاله علماء صينيون ببناء ما حاولت واشنطن منعه لسنوات: نموذج أولي لآلة قادرة على إنتاج رقائق أشباه الموصلات المتطورة التي تشغل الذكاء الاصطناعي والهواتف الذكية والأسلحة التي تعتبر أساسية للهيمنة العسكرية الغربية.

ووفقاً لرويترز، اكتمل بناء النموذج الأولي في أوائل عام 2025، وهو يخضع حالياً للاختبار، ويشغل مساحة تقارب مساحة أرضية مصنع كامل. وقام ببنائه فريق من المهندسين السابقين في شركة أشباه الموصلات الهولندية العملاقة ASML (ASML.AS).

وبحسب شخصين مطلعين على المشروع، قام شخصان بهندسة عكسية لأجهزة الطباعة الحجرية بالأشعة فوق البنفسجية المتطرفة التابعة للشركة.

النجاح الصيني في باكستان

ورغم صعوبة تحديد المحللين الغربيين مدى تطور بعض الأسلحة الصينية محلية الصنع بشكل قاطع، إلا أن بعض المؤشرات ظهرت خلال المناوشات التي جرت بين باكستان والهند في مايو/أيار الماضي، عندما أسقطت مقاتلات J-10 الباكستانية صينية الصنع، بحسب التقارير، عدداً من الطائرات الحربية الهندية، من بينها طائرة رافال فرنسية الصنع على الأقل، باستخدام صواريخ موجهة بالرادار صينية. وكان هذا أول انتصار جوي معروف تحققه طائرة صينية الصنع ضد مقاتلة غربية.

وبعد أيام، بثت قناة التلفزيون المركزية الصينية الحكومية فيلماً وثائقياً من جزأين بعنوان "أسطورة الطائرة J-10″، والذي استعرض تطور الطائرة المقاتلة منذ ثمانينيات القرن الماضي، واصفة إياه بأنه دليل على أن "نظام البحث والتطوير المحلي الصيني للطائرات العسكرية قد نضج".

وبينما لا تزال الظروف الدقيقة لإسقاط الطائرة غامضة، قال بريندان مولفاني، مدير معهد دراسات الفضاء الجوي الصيني، وهو مركز أبحاث تابع لوزارة القوات الجوية الأمريكية: "إنها تثبت ما يقوله الصينيون والجميع – هذه أشياء ذات قدرات عالية ولا ينبغي الاستهانة بها".

تحميل المزيد