نظرة تفصيلية: مآلات سيطرة الدعم السريع على حقل هجليج النفطي

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/10 الساعة 12:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/10 الساعة 12:26 بتوقيت غرينتش
نظرة تفصيلية: مآلات سيطرة الدعم السريع على حقل هجليج النفطي؟/عربي بوست

في تطور يعيد رسم خرائط الصراع في ولاية غرب كردفان جنوبي السودان، فرضت ميليشيا الدعم السريع سيطرتها على حقل هجليج النفطي، أحد أكثر المواقع حساسية في ميزان القوة والاقتصاد.

وتقع منطقة هجليج على الحدود الجنوبية للسودان، وتوجد بها منشأة المعالجة الرئيسية لنفط جنوب السودان، الذي يشكل مصدراً رئيسياً لإيرادات حكومة جنوب السودان.

ويأتي هجوم ميليشيا الدعم السريع على منطقة هجليج النفطية رغم إعلانها القبول بهدنة إنسانية لمدة 3 أشهر من طرف واحد منذ 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

بعد استعادة الخرطوم.. لماذا يستهدف الدعم السريع شرق السودان؟
قائد قوات "الدعم السريع" حمدان دقلو، وقائد الجيش السوداني، عبد الفتاح البرهان – عربي بوست

ويتجاوز استهداف الدعم السريع للحقل النفطي حدود المعارك الميدانية إلى مستقبل البلاد الاقتصادي، لا سيما أنه يشكل مورداً مهماً للجيش السوداني مكنه من التحكم بمسارات الحرب، وفق تقرير لوكالة الأناضول.

ماذا حدث؟

أعلنت الدعم السريع، الإثنين 8 ديسمبر/كانون الأول، في بيان، سيطرتها على الحقل النفطي في هجليج، وادعت أن قواتها "تؤمن وتحمي المنشآت النفطية الحيوية بالمنطقة، لضمان مصالح جمهورية جنوب السودان التي تعتمد بشكل كبير على تدفق النفط السوداني للأسواق العالمية عبر أراضيها".

كما ادعت "توفير الحماية اللازمة لجميع الفرق الهندسية والفنية والعاملين في المنشآت النفطية، بما يوفر البيئة الملائمة لهم لأداء أعمالهم".

وقالت مصادر عسكرية لموقع ميدل إيست آي البريطاني إن اللواء 90 مشاة التابع للجيش السوداني انسحب من منطقة هجليج وحقولها النفطية بعد التوصل إلى اتفاق مع قادة من مجموعة المسيرية المحلية وقوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان.

وعمل اللواء 90 مشاة وقوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان سابقاً معاً لتأمين حقول النفط التي تمتد على طول الحدود بين السودان وجنوب السودان.

وبث تلفزيون جنوب السودان لقطات لجنود جنوب سودانيين مع مقاتلي الدعم السريع في هجليج، لكن موقع ميدل إيست آي أفاد أنه في مواجهة قوات الدعم السريع المتقدمة، لم يكن أمام قوات الدفاع الشعبي لجنوب السودان خيار سوى تسهيل مغادرة الجيش السوداني واستقبال قوات الدعم السريع.

وقال جهاد مشامون، المحلل السوداني لشؤون السودان والقرن الأفريقي، لموقع ميدل إيست آي: "أعتقد أن المسؤولين في جنوب السودان منقسمون حول ما إذا كان ينبغي دعم قوات الدعم السريع".

ماذا نعرف عن منطقة هجليج النفطية؟

تقع منطقة هجليج على بعد نحو 250 كم جنوبي بابنوسة، وكذلك إلى الشمال من منطقة أبيي المتنازع عليها بين السودان وجنوب السودان، وإلى الشمال الشرقي من مدينة كادقلي عاصمة ولاية جنوب كردفان، فضلاً عن كونها منطقة حدودية مع دولة جنوب السودان.

وتضم المنطقة الواقعة في حوض موغلاد على الحدود بين ولاية جنوب كردفان السودانية وولاية الوحدة في جنوب السودان بعضاً من أهم حقول النفط في السودان والبنية التحتية الرئيسية، بما في ذلك حوالي 75 حقلاً، وأهمها حقل "مربع 6"، بالإضافة إلى الخزانات ومحطات المعالجة.

وتعد منطقة هجليج، التي تضم مطاراً مدنياً ومستشفى ميدانياً، محطة حاسمة على خط أنابيب النفط النيلي الكبير الذي يبلغ طوله حوالي 1600 كم، والذي يمتد من حقل نفط الوحدة في جنوب السودان إلى بورتسودان، حيث يتم تصدير النفط إلى الأسواق الدولية، وفق تقرير موقع ميدل إيست آي.

وتعني السيطرة على منطقة هجليج أن ميليشيا الدعم السريع تسيطر الآن على كامل غرب كردفان وجزء حيوي من الاقتصاد السوداني وجنوب السودان.

ماذا يعني سيطرة الدعم السريع على حقل هجليج النفطي؟

بحسب مراقبين، فإن توقف الإنتاج بحقل هجليج يعني خروج البلاد من قائمة الدول المنتجة للنفط.

وفي أبريل/نيسان 2023، وبالتزامن مع اندلاع الحرب بين الدعم السريع والجيش السوداني، أظهرت بيانات من شركة S&P Global Commodities at Sea أنه تم شحن حوالي 130 ألف برميل يومياً من النفط الخام من محطة البشاير في ميناء بورتسودان إلى الإمارات وماليزيا.

ويعد هجليج أكبر حقول النفط في البلاد، ويحتوي على أنابيب ناقلة ومحطة ضخ لدولة جنوب السودان، بغرض تصديره عبر ميناء بشائر شرقي السودان.

وكان إنتاج الحقل قبل الحرب نحو 80 ألف برميل يومياً، فضلاً عن معالجة نحو 130 ألف برميل يومياً من النفط الخام الجنوب سوداني، وفقاً لبيانات حكومية، إلا أن الإنتاج تدنى إلى ما دون النصف مؤخراً، بسبب الأعطال الفنية بالحقل، وعدم وجود موارد مالية لإصلاحها.

عدوان الإمارات
مسلحون من قوات الدعم السريع في الخرطوم، السودان/ رويترز

ونقلت وكالة الأناضول عن مهندس بالحقل أن الإنتاج انخفض إلى 22 ألف برميل يومياً في الأسابيع الأخيرة.

ويمثل توقف الحقل خسارة دولة جنوب السودان إيرادات من العملات الأجنبية، إذ يشكل النفط 90% من الإيرادات.

وتعتمد دولة جنوب السودان على حقل هجليج في سياقين: الأول تصدير نفطها عبر أراضي السودان للعالم الخارجي، والثاني تكرير نفطها الخام في محطة المعالجة الموجودة بالحقل.

أما السودان نفسه، فسوف يتكبد خسارة رسوم العبور والتصدير التي تقدر بأكثر من مليون دولار يومياً.

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أرسلت شركة البترول الوطنية الصينية المملوكة للدولة (CNPC) خطاباً إلى وزارة الطاقة والنفط السودانية، نشرته وسائل إعلام محلية، تطلب فيه اجتماعاً لبحث الإنهاء المبكر لاتفاقية تقاسم الإنتاج بولاية غرب كردفان، بسبب إعلان الخرطوم حالة "القوة القاهرة".

وتنص الاتفاقية الموقعة بين الشركة الصينية ووزارة النفط السودانية في 1995 على أن ينتهي التعاقد في أواخر 2026.

وعزت الشركة الصينية طلب الإنهاء إلى "التدهور المستمر لبيئة أمن الحقل بعد العديد من أعمال التخريب والسرقة وانهيار سلاسل التوريد خلال الصراع، ما جعل قطع الغيار والمعدات الأساسية غير متاحة".

هل استهدفت الدعم السريع حقولاً نفطية أخرى؟

ليست هذه المرة الأولى التي تستهدف فيها الدعم السريع حقولاً نفطية، إذ سبق أن اتهمتها السلطات السودانية بشن هجوم بطائرات مسيرة على محطة معالجة بترول جوبا في الجبلين بولاية النيل الأبيض في 15 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ما أدى إلى توقف مؤقت لتصدير النفط.

وفي 13 من الشهر نفسه، تعرض حقل هجليج إلى هجمات بطائرات مسيرة تسببت في مقتل 3 عمال، وألحقت أضراراً بمختبر محطة المعالجة المركزية.

كما أدانت الحكومة السودانية هجوماً شنته الدعم السريع في أغسطس/آب الماضي على هجليج، أدى إلى مقتل مدنيين، وإغلاق مؤقت للحقل.

وطالت هجمات الدعم السريع أيضاً حقل بليلة في ولاية غرب كردفان، الذي ينتج 16 ألف برميل يومياً، كما تم تدمير مرافق مطار بليلة بالكامل، ونهبت المعسكرات السكنية ومكاتب الشركات العاملة بالحقل.

وشملت عمليات التخريب مكاتب شركة "بترو إنرجي" المالكة للحقل بالشراكة مع الشركة الوطنية الصينية، بحسب السلطات السودانية والعاملين في الحقل.

ووفق آخر تقرير رسمي، خرجت 10 حقول بولاية غرب كردفان عن الإنتاج، بينها دفرة ونيم وموقا وبرصاية وكيي وشارف، وتعرضت الآبار النفطية للتخريب من قبل الدعم السريع.

وفي إقليم دارفور استهدفت الدعم السريع الحقول النفطية، وهاجمت حقل سفيان وحديدة بولاية شرق دارفور، كما نهبت مخازن الشركات ومحطات الكهرباء، ودمرت آليات النفط في الحقول.

ما التالي؟

قال محللون إن الخطوة التالية للدعم السريع ستكون مدينة الأبيض، التي تقع على الطريق من دارفور إلى الخرطوم، والذي لم يتخل قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو عن استعادته.

وقال عماد الدين بادي، مؤلف تقرير حديث عن اقتصاد الحرب في السودان، لموقع ميدل إيست آي: "عسكرياً، يفتح سقوط غرب كردفان ممراً نحو مدينة الأبيض، وفي نهاية المطاف طريقاً إلى أم درمان والخرطوم".

وأضاف بادي: "هذا هو الهدف الاستراتيجي لقوات الدعم السريع، وهو هدف تعمل دولة الإمارات على تسهيله من خلال ضمان الإمدادات والدعم المالي".

وتابع: "من الناحية الاقتصادية، تعتبر هجليج مركزاً حيوياً لنقل البضائع، بينما تضم الأبيض مصفاة رئيسية. وسيوفر تأمين كلا المنطقتين مصدراً إضافياً للدخل لقوات الدعم السريع ويعزز اقتصادها في زمن الحرب".

وقال محلل عسكري غربي، طلب عدم الكشف عن هويته، إنه يتوقع أيضاً أن تستولي الدعم السريع على المزيد من المناطق الحدودية مع جنوب السودان، خاصة حول ولاية أعالي النيل.

وقال بادي: "المسار واضح، وهو توغل أعمق عبر كردفان واستيلاء منهجي على العقد المرتبطة باقتصاد النفط السوداني".

وأفاد مصدر مطلع من قادة الدعم السريع أن الجماعة شبه العسكرية تطالب بحصة أكبر من عائدات نفط هجليج. وكان الجيش والدعم السريع قد أبرما سابقاً اتفاقيات لتقاسم عائدات الموارد.

وفي الوقت نفسه، أفادت مصادر مطلعة أن رجال أعمال مرتبطين بالدعم السريع في دارفور يريدون نقل النفط من هجليج ومناطق أخرى في كردفان وشرق دارفور، ووضعه في شاحنات حاويات ونقله براً لتكريره خارج السودان.

تحميل المزيد