لا يقتصر التواجد الأمريكي في مركز التنسيق المدني والعسكري، الذي تم إنشاؤه لدعم اتفاق وقف الحرب في غزة، على الجانب العسكري فقط، بل يمتد ذلك ليشمل شركات تكنولوجيا خاصة لدعم عمليات مراقبة الفلسطينيين في غزة، وترسيخ السيطرة الأمنية الإسرائيلية على القطاع، وفق ما كشف تقرير لمجلة +972 الإسرائيلية.
ومنذ منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2025، يعمل نحو 200 عسكري أمريكي في مركز التنسيق المدني والعسكري، الذي أنشئ برعاية أمريكية في منطقة صناعية بجنوب إسرائيل ظاهرياً لتسهيل تنفيذ "خطة السلام " التي وضعها الرئيس دونالد ترامب، والمكونة من 20 بنداً، والتي تنص على "نزع سلاح حماس"، و"إعادة إعمار غزة"، ووضع الأسس لـ"تقرير المصير الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية"، والتي حظيت بموافقة مجلس الأمن الدولي.
I visited the Civil-Military Coordination Center today. Established by @CENTCOM, the brave men and women serving here are overseeing implementation of President Trump's 20-point peace plan and humanitarian aid in Gaza. Our goal remains progress toward lasting peace. pic.twitter.com/1z4VOxW0KE
— Secretary Marco Rubio (@SecRubio) October 24, 2025
ورغم عدم إشراك أي جهة فلسطينية في النقاشات المتعلقة بمستقبل غزة، فقد تمكنت شركتان أمريكيتان خاصتان للمراقبة، وهما شركتا بالانتير عبر منصتها "مافن" وداتامينر، من الوصول إلى مخططات البيت الأبيض لما بعد الحرب في القطاع، بحسب ما أضاف تقرير مجلة +972.
ومن المعروف أن شركة بالانتير قد دعمت جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدار عامين من الحرب على غزة. وبعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، زودت بالانتير إسرائيل بأدوات تحليل بيانات متعددة مدعومة بالذكاء الاصطناعي لأغراض عسكرية واستخباراتية.
ماذا نعرف عن منصة "مافن" التابعة لشركة بالانتير؟
وفقاً لمجلة +972، يبرز الدعم الذي تقدمه شركة التكنولوجيا الأمريكية، بالانتير، عبر منصتها "مافن"، التي ظهر شعارها في العروض التقديمية المقدمة داخل مركز التنسيق المدني والعسكري.
ووفق تقرير المجلة الإسرائيلية:
- تتولى منصة "مافن" مهمة جمع وتحليل بيانات المراقبة المأخوذة من مناطق الحرب لتسريع العمليات العسكرية الأمريكية، بما في ذلك الغارات الجوية القاتلة.
- تستقبل المنصة المعلومات من الأقمار الصناعية، وطائرات التجسس، والطائرات المسيرة، والاتصالات المعترضة، والإنترنت، وتجمعها في تطبيق مشترك مزود بخاصية البحث المقدمة للقادة ومجموعات الدعم، وفقاً لوسائل إعلام دفاعية أمريكية.
- يطلق الجيش الأمريكي على "مافن" اسم "منصة ساحة المعركة المعززة بالذكاء الاصطناعي". وقد استخدمت بالفعل لتوجيه الضربات الجوية الأمريكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك اليمن وسوريا والعراق.
- وفي حملتها لتسويق منصة "مافن"، روجت بالانتير لتقنيتها بوصفها أداة تختصر الوقت اللازم لعملية حديد الأهداف العسكرية وشن الضربات، وهي العملية التي وصفها المدير التقني للشركة مؤخراً بـ "تحسين سلسلة القتل".
- خلال الصيف الماضي، حصلت بالانتير على عقد بقيمة 10 مليارات دولار لتحديث وتطوير منصة "مافن" لصالح القوات المسلحة الأمريكية.
ماذا نعرف عن شركة داتامينر؟
وبالإضافة إلى منصة "مافن" التابعة لشركة بالانتير، ظهر اسم شركة داتامينر في العروض التقديمية الأخيرة لمركز التنسيق المدني والعسكري.
ووفق تقرير المجلة الإسرائيلية:
- تعتمد شركة داتامينر الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي على علاقاتها الوثيقة بمنصات التواصل الاجتماعي مثل إكس، ما يمكن الدول والشركات من مراقبة نشاط مستخدمي الإنترنت بشكل مباشر.
- بدأت شركة داتامينر نشاطها في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بمنح مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) إمكانية الوصول إلى جميع بيانات مستخدمي تويتر لمراقبة وتنبيه جهات إنفاذ القانون إلى "الأنشطة الإجرامية والإرهابية".
- رغم تسويقها كأداة لرصد حوادث العنف في المدن الكبرى في الوقت الفعلي، فقد منحت الشركة جهات إنفاذ القانون والحكومات القدرة على مراقبة "النشاط الرقمي السابق" لأي مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي و"اكتشاف تواصل الفرد وتفاعلاته مع الآخرين على هذه المنصات".
- أشار تويتر آنذاك إلى داتامينر بوصفها "شريك رسمي" وامتلك حصة 5% في الشركة.
- تعاونت شركة داتامينر بشكل وثيق مع الجيش الأمريكي ووكالات إنفاذ القانون في جميع أنحاء البلاد.
- خلال إدارة ترامب الأولى، تعاونت داتامينر مع قوات الشرطة المحلية لتتبع احتجاجات حركة "حياة السود مهمة"، بينما في عهد الرئيس جو بايدن، استخدمت قوات الحرس الوطني الأمريكية خدمات الشركة لمراقبة النشطاء المحتجين على إلغاء حماية الإجهاض.
ما هي أشكال الدعم الذي تقدمه بالانتير وداتامينر لمركز التنسيق المدني والعسكري؟
يشير وجود بالانتير وداتامينر في مركز التنسيق المدني والعسكري إلى أن السيطرة الإسرائيلية على غزة ستظل راسخة، رغم الإشارات الغامضة في خطة ترامب بشأن حق الفلسطينيين في تقرير المصير، بينما سيكون لأنظمة المراقبة والأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي مساحة كبيرة في قلب البنية الأمنية بعد الحرب.
وكجزء من خطة ترامب، ستشرف الولايات المتحدة على إنشاء قوة استقرار دولية، تتألف من جنود من دول عدة لم يتم تحديد غالبيتها بعد، تشرف على حفظ الأمن في غزة.
وقال تقرير مجلة +972 إن اعتماد خدمات منصة "مافن" ومنصات داتامينر سيمنح الولايات المتحدة وقوة الاستقرار الدولية قدرات تضاهي العناصر الرئيسية في ترسانة إسرائيل التكنولوجية.
ويحاكي برنامج منصة "مافن" أنظمة الاستهداف المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي اعتمدتها إسرائيل لتوجيه الغارات الجوية والعمليات البرية في أنحاء غزة منذ بدء الحرب.

وتشبه أدوات داتامينر لاستخراج بيانات مواقع التواصل الاجتماعي، المدعومة بالذكاء الاصطناعي، المنصات التي استخدمتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لمراقبة مستخدمي الإنترنت الفلسطينيين على مدار العقد الماضي.
ونظراً لتاريخ الولايات المتحدة في مشاركة ودعم جهود المراقبة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، فمن غير المرجح أن تبقى البيانات التي جمعتها بالانتير وداتامينر تحت السيطرة الحصرية لواشنطن.
ففي عام 2013، نشر الأمريكي إدوارد سنودن مجموعة من الوثائق تكشف كيف نقلت وكالة الأمن القومي معلومات استخباراتية إلى وحدات الاستخبارات الإسرائيلية، بما في ذلك "نصوص ورسائل قصيرة ونسخ وبيانات وصفية" تتعلق بالمدنيين الفلسطينيين.
وفي عهد إدارة ترامب الأولى، عملت وكالتا الاستخبارات "بتناغم شبه كامل" في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفقاً لصحيفة نيويورك تايمز.
وقد تعمق هذا التعاون منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حيث تشارك الولايات المتحدة كميات هائلة من معلوماتها الاستخباراتية عن نشاط حماس في غزة مع القوات الإسرائيلية – بما في ذلك "لقطات الطائرات بدون طيار، وصور الأقمار الصناعية، وعمليات اعتراض الاتصالات، وتحليل البيانات المدعوم بالذكاء الاصطناعي".
ومن المتوقع أن تستمر تدابير المراقبة هذه في ظل خطة ترامب للسلام، حيث ستعمل تقنيات منصة "مافن" على زيادة قدرة القوات المدعومة من الولايات المتحدة على إجراء المراقبة والاستطلاع في جميع أنحاء القطاع.
وإلى جانب تسهيل التعاون الاستخباراتي، يتوقع أن تلعب شركتا بالانتير وداتامينر دوراً في التنسيق الأمني الأمريكي الإسرائيلي في غزة.

وكانت إحدى أبرز توصيات خطة ترامب نقل الفلسطينيين جماعياً من المناطق الخاضعة لسيطرة حماس إلى مجمعات سكنية داخل المناطق التي تحتلها إسرائيل، بالتعاون مع القوات وأجهزة المخابرات الإسرائيلية لإدارتها.
وِأشارت تقارير إلى أن هذه "التجمعات الآمنة البديلة" ستستوعب حوالي 25 ألف فلسطيني. وسيُحاط كل جيب بشبكة من الدوريات الأمنية وكاميرات المراقبة ومواقع عسكرية تديرها قوة الاستقرار الدولية بالتنسيق مع القوات الإسرائيلية لتحديد من يسمح له بالدخول.
وسيكون لتطبيقات الذكاء الاصطناعي دور محوري في تحديد هوية الأشخاص الذين سيسمح لهم بالمرور عبر هذه التجمعات المزعومة.
وبينما يناقش مسؤولو مركز التنسيق المدني والعسكري حالياً وضع نموذج للسيطرة الإسرائيلية على غزة، قد يعهد بهذه المهمة إلى القوات العسكرية الأمريكية وشركائها في القطاع الخاص.
وستكون هذه المهمة ذات منفعة متبادلة: فشركات مثل بالانتير وداتامينر حريصة على جمع البيانات وتطوير التقنيات العسكرية الجديدة من خلال الاختبارات الميدانية.
ويسعى جيش الاحتلال الإسرائيلي جاهداً إلى تقليص عبء الاحتلال الجوي والبري على كاهل قوات الاحتياط المنهكة والمتناقصة، مع الحفاظ على السيطرة على مساحات واسعة من القطاع من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق الأمني.