إسرائيل من الداخل: لماذا يسعى نتنياهو لتسريع قانون إعفاء الحريديم من التجنيد الآن؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/01 الساعة 13:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/01 الساعة 13:13 بتوقيت غرينتش
نتنياهو يعمل على تسريع قانون إعفاء الحريديم من التجنيد/ عربي بوست

في محادثات مغلقة، أقر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن القضية التي تشكل تهديداً وجودياً لحكومته هي "قانون التجنيد"، لذلك يحاول تمرير مشروع قانون جديد يلبي مطالب الحريديم، لكنه يثير غضباً في أوساط المجتمع الإسرائيلي.

وفي ختام مفاوضات مطولة مع الحريديم، عُرض مشروع قانون إعفاء الحريديم من التجنيد الإجباري على لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، ونُشر أمام الرأي العام في دولة الاحتلال.

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن النسخة الحالية لصالح الحريديم، حيث أدخلت تغييرات جوهرية على بعض بنوده، حتى أن العقوبات التي طُرحت في المقترحات السابقة حُذفت.

وزعم رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بوعز بيزموث، أن "القانون ليس معداً لتثبيت ائتلاف، بل هو معد لتثبيت استقرار البلاد، وسنطبقه وننجح".

ماذا يتضمن مقترح قانون التجنيد الجديد؟

ينص مشروع القانون المنشور على أن الخدمة المدنية في الوحدات التي يشرف عليها مكتب رئيس الوزراء تُعتبر خدمة.

كما يُعرّف الشخص الحريدي بأنه من درس في مؤسسة أرثوذكسية متشددة لمدة عامين على الأقل بين سن الرابعة عشرة والثامنة عشرة، بمعنى آخر لا يحدد القانون أهداف التجنيد من بين طلاب المدارس الدينية بل يوسعها ليشمل أيضاً "خريجي التعليم الحريدي".

وفقاً لنص القانون سيجري تجنيد 8160 شاباً للخدمة العسكرية والمدنية في السنة الأولى، والتي تم تحديدها فعلياً على أنها عام ونصف حتى يونيو/حزيران 2027.

بعد ذلك سينخفض إلى 6840 في السنة الثانية، و7920 في الثالثة، وفي السنة الرابعة لا يقل عن 8500 شاباً.

الكنيست الإسرائيلي - رويترز
الكنيست الإسرائيلي – رويترز

وفي السنة الخامسة وما بعدها، وفقاً للنص سيجري تجنيد 50% من كل دورة تجنيد سنوية لخريجي التعليم الحريدي،

ولكن عند النظر أيضاً إلى أولئك الذين سيجري تجنيدهم للخدمة المدنية وليس العسكرية فقط، سيكون بحد أقصى 10% من الهدف السنوي.

ووفقاً لنص المشروع، فإن العقوبات تشمل تخفيض ميزانية المدارس الدينية، بحيث يُحتسب بناءً على عدد الطلاب الذين تسلّموا أمر تجنيد ولم يلتحقوا، وبالتالي لا يوجد حجب ميزانية بالكامل، بل يتعلق بالطلاب الملزمين بالتجنيد.

أما في مجال العقوبات الشخصية، فإن أي شخص من الحريديم يتخلف عن التجنيد، فإنه لن يحصل على رخصة قيادة حتى سن 23 عاماً، أو منحة طالب، وسيُمنع من مغادرة البلاد حتى سن 23 عاماً، كما لن يحصل على نقاط ائتمان ضريبية، أو أي منصب في الخدمة المدنية.

وتسري هذه العقوبات على الحريديم المتخلفين من الخدمة، حتى بلوغ سن الإعفاء وهو 26 عاماً.

أما العقوبات طويلة المدة، والتي ستطبق على الجميع إذا لم يكن هناك التزام بالأهداف خلال سنة إلى ثلاث سنوات (بحسب نوع العقوبة)، فهي تشمل إلغاء الدعم لشراء شقة سكنية، إلغاء التمويل للسكن المدعوم، إلغاء دعم الحضانات.

ما الثغرات في المسودة الجديدة من قانون التجنيد؟

بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن القانون الحالي وُضع عملياً بالتعاون مع الحريديم، وتمت صياغته بطريقة يُعاد فيها معظم الميزانيات عند دخوله حيز التنفيذ.

إضافةً إلى ذلك، ووفقاً للقانون، سيجري تأجيل مسألة أزمة التجنيد لمدة عام ونصف، ويُطلب من الحريديم في نهايتها تحقيق أهداف التجنيد، وفي غضون ذلك، ستصمد الحكومة من أجل الحفاظ على ولايتها.

وبحلول يونيو/حزيران 2027، ستُعاد معظم ميزانيات الحريديم، وجزء من ميزانية المعاهد الدينية ودعم السكن الجامعي، حتى لو اتضح في النهاية أنه لم يُجر تحقيق الهدف.

وبحسب موقع "زمان إسرائيل"، فإنه وفقاً للقانون الجديد، لن يلتحق بالخدمة العسكرية سوى بضع مئات من أصل 80 ألف شخص من الحريديم في سن الخدمة العسكرية.

اشتباكات سابقة بين الحريديم وشرطة الاحتلال/رويترز
اشتباكات سابقة بين الحريديم وشرطة الاحتلال/رويترز

كما يمنح مشروع القانون الجديد إلغاء كافة أوامر التجنيد الصادرة للحريديم، وستتوقف ملاحقة الشرطة العسكرية لأي متهرب، كما سيتمكن الحريديم من السفر إلى الخارج، والحصول على الامتيازات، لأن العقوبة المفروضة على المتهربين من الخدمة العسكرية لن تُطبق إلا في يونيو/حزيران 2027.

إضافةً إلى ذلك، تُصنّف الصياغة المُحدّثة الخدمة المدنية في جهاز الأمن العام الشاباك، أو إحدى المؤسسات، أو مصلحة السجون ضمن أهداف التجنيد الحريدي، بنسبة تصل إلى 10% من الحصة المُخصصة، بخلاف المسودة السابقة.

ما الموقف من مشروع قانون إعفاء الحريديم من التجنيد؟

يزعم الائتلاف اليميني في حكومة نتنياهو، أن النسخة الحالية أكثر صرامة من النسخة السابقة من قانون التجنيد للحريديم، ويعتقدون أن هذا القانون سيسهم في استقطاب المزيد من الحريديم إلى الجيش في ظل الوضع الراهن.

ورغم ذلك، فإن مشروع قانون الإعفاء من التجنيد الإجباري، يواجه معارضة داخل الائتلاف الحاكم، ومن بين ناخبي الليكود يعارضه الكثيرون بصيغته الحالية.

واللافت أن نتنياهو تجنب التماهي الكامل مع القانون في عام انتخابي، ولم يعقد مؤتمراً صحفياً أو إعلاناً يدعمه، باستثناء بيان أصدره نيابة عن مساعديه، ويبدو أن حزب الليكود يحاول استطلاع الرأي العام حول نشر المسودة، قبل أن يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي موقفه، بحسب القناة 12 العبرية.

ومن بين المعارضين للقانون بصيغته الحالية، عضوا الكنيست شاران هاسكل ويولي إدلشتاين، اللذان حاولا خلال فترة رئاستهما للجنة الخارجية والأمن صياغة نسخة مختلفة عن مسودة القانون الحالية.

مظاهرات سابقة للحريديم ضد التجنيد/ الأناضول
مظاهرات سابقة للحريديم ضد التجنيد/ الأناضول

وتشير التقديرات إلى أن وزراء وأعضاء كنيست آخرين لن يدعموا القانون بشكل كامل، ومنهم الوزير أوفير سوفر، وأعضاء الكنيست إيلي دلال، وإسحاق كرويزر، ودان إيلوز، وموشيه سعدة.

وقال إدلشتاين، إن مشروع القانون الجديد لا يلبي احتياجات الجيش، مضيفاً: "بصفتي من قاد الجهود على مدار العامين الماضيين لتوسيع قاعدة التجنيد في الجيش الإسرائيلي، أقول بأسف شديد: هذا ليس قانون تجنيد".

أما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، فإنه يواجه معضلة في المفاضلة ما بين قبول أو رفض مشروع القانون، في ظل أن استطلاعات الرأي تظهر في عام الانتخابات أن حزبه لم يعد يتجاوز عتبة الحسم.

وعلى صعيد المعارضة، فقد هاجم رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت مشروع القانون، مهدداً: "لن ندع هذا الأمر يمر"، واصفاً إياه بأنه "القانون الأكثر معاداة للصهيونية في تاريخ الدولة"، وأنه بمثابة إعلان حرب من الحكومة على جنود الجيش الإسرائيلي.

أما زعيم المعارضة الإسرائيلية نفتالي بينيت، فقد هدد بالنزول إلى الشوارع، واصفاً مشروع القانون بـ"المناهض للصهيونية".

فيما قال رئيس حزب يشار غادي آيزنكوت، إن القانون هو "عار وطني، وبدلاً من تعزيز الجيش في هذه الظروف العصيبة، يُقترح إبعاد الحريديم عن الخدمة العسكرية، ويميز بين الدم والدم، هذه حكومة فقدت صلتها بشعب إسرائيل وشرعية ناخبيهم".

بدوره اعتبر زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان، أن "نتنياهو يبيع أمن إسرائيل، وجنود الجيش الإسرائيلي، لزبائنه الأكثر ولاء وهم الوسط الحريدي".

ما موقف المؤسسة العسكرية من إعفاء الحريديم من التجنيد؟

يأتي طرح مشروع قانون التجنيد الجديد، في الوقت الذي يعاني فيه الجيش الإسرائيلي من نقص حاد في الموارد البشرية، وتعدد جبهات القتال في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان وسوريا واليمن، وقلق من تجدد الحرب مع إيران.

وحذّر مسؤولون في وزارة الجيش من أن القانون لا يلبي احتياجات الجيش، مؤكدين أن آلية الإعفاء أصبحت في أيدي الحاخامات وليس الجيش الإسرائيلي، كما أنها لن تعيد الجنود المفقودين إلى الجيش.

عناصر من الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية في غزة/ رويترز
عناصر من الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية في غزة/ رويترز

وقال مصدر أمني لقناة 12 العبرية، إن قانون التجنيد الجديد، لا يلبي احتياجات الجيش ومشكلة نقص 12 ألف مقاتل وأفراد دعم قتالي، مضيفاً أن "هذا القانون في الواقع مجرد مراوغة".

ويخشى في الجيش الإسرائيلي من أن النقص في الموارد البشرية سيتسبب بصعوبة في التعامل مع ساحات القتال المتعددة، إضافة إلى ذلك تُقدّر المؤسسة الأمنية أن الصياغة الجديدة ستزيد العبء على القوات النظامية والاحتياطية.

لماذا يريد نتنياهو تمرير مشروع قانون تجنيد الحريديم؟

يسعى نتنياهو، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إلى شن حملة تشريعية سريعة لشطب القانون من جدول الأعمال، وتثبيت استقرار حكومته، وإبعاد الانتخابات عن مسألة التجنيد.

ويدرك نتنياهو أنه إذا لم يجر إقرار قانون التجنيد في الدورة الحالية للكنيست، فإنه من الصعب إقراره في الدورة المقبلة التي تسبق موعد الانتخابات في إسرائيل، وتقول صحيفة "معاريف" إن رئيس الوزراء يهدف لخلق أكبر فجوة ممكنة بين إقرار القانون المثير للجدل والانتخابات، بحسب صحيفة "معاريف".

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن نتنياهو يريد عودة الأحزاب الحريدية إلى الائتلاف، حيث تتبلور خطة من ثلاث مراحل من تلك الأحزاب التي قاطعت الكنيست وانسحبت من الحكومة بسبب عدم إقرار قانون الإعفاء من التجنيد.

وفي المرحلة الأولى، تتجه الأحزاب الحريدية إلى رفع مقاطعة التصويت في الكنيست، يلي ذلك العودة إلى المناصب البرلمانية وخاصة رئاسة اللجان، ثم بعد سن القانون العودة الكاملة إلى الوزارات الحكومية.

تحميل المزيد