تآكل الجيش الإسرائيلي: نقص القوى البشرية واستنزاف الجنود يعيقان خطط إسرائيل العملياتية في 2026

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/25 الساعة 13:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/25 الساعة 14:16 بتوقيت غرينتش
يعاني الجيش الإسرائيلي من نقص حاد بالقوى البشرية/ عربي بوست

تكشف النقاشات حول ميزانية الدفاع في إسرائيل عن السيناريو الذي يعدّه الجيش الإسرائيلي للعام المقبل في قطاع غزة، وسوريا وجنوب لبنان، في الوقت الذي يواجه صعوبات تتمثل بتآكل القوة البشرية للجيش، ما يثير التساؤلات حول قدراته على الجبهات التي يقاتل فيها.

ولا يزال النزاع بين الجيش الإسرائيلي ووزارة الخزانة بشأن ميزانية الدفاع في فترة ما بعد الحرب بعيداً عن الحل، وتكشف البنود وراء استعدادات العام المقبل عن العبء الذي يستمر وضعه على جنود الاحتياط، والواقع الأمني القلق مع الوجود المكثف لقوات الجيش على الأرض في كافة الساحات وعلى الحدود.

وترغب وزارة الجيش بأن تشمل ميزانية 2026 مبلغ قدره 144 مليار شيكل، بالإضافة إلى إمكانية استدعاء الجنود لمدة 70 يوماً احتياطاً سنوياً على مدار السنوات الخمس المقبلة، أما وزارة المالية فهي مستعدة للحديث عن 100 مليار شيكل، وتطالب بخفض الحد الأقصى للمدة التي يقضيها كل جندي في الاحتياط إلى 54 يوماً احتياطاً سنوياً على مدار السنوات الثلاث المقبلة لا أكثر.

ورغم أنه من الناحية النظرية أن إسرائيل في حالة وقف إطلاق نار مع كل من حماس في قطاع غزة وحزب الله في لبنان، إلا أنه عملياً فإن التقديرات الإسرائيلية بأن التهديد لم ينتهِ، مع تكثيف الهجمات المركزة مؤخراً في تلك الجبهات، وسط قلق من اندلاع صراع على جبهة ثالثة وهي إيران مع تواتر الحديث بأن طهران تجهّز للمعركة القادمة.

ماذا تكشف خطة الجيش الإسرائيلي في 2026؟

وبحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن الجيش الإسرائيلي يستعد لـ"قوات احتياط معززة" لمدة عام على الأقل، بمتوسط يبلغ حوالي 60 ألف جندي احتياطي في ظل سيناريو هادئ لا يشمل أي تصعيد أو عمليات برية في لبنان أو قطاع غزة، وهو ما يعادل عشرة أضعاف نسبة الاستدعاء قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
ويمثل هذا أكثر من نصف القوات القتالية وأفراد الدعم القتالي الذين سيبقون على الزي العسكري العام المقبل، مقارنةً بالقوات النظامية، وستتحمل ميزانية الدفاع جزءاً كبيراً من التكاليف الباهظة.

ووفقاً للخطة، فإنه ابتداءً من يناير/ كانون الثاني 2026، سيتم استدعاء كل جندي لمدة شهرين ونصف، أي ثمانية أضعاف المدد المحددة سابقاً، وقد كانت هذه الخطة لعام 2025 (قبل عام تقريباً)، لكن صفقة إنهاء الحرب في يناير/ كانون الثاني 2025 لم تُنفّذ بالنهاية، وتواصل القتال بعمليات "عربات جدعون 1″ و"عربات جدعون 2".

ويشكّل ذلك عبئاً ليس فقط على "جنود الاحتياط" بالجيش الإسرائيلي، بل أيضاً على الميزانية في إسرائيل، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.

ويعتقد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي إيال زامير أن إسرائيل ستظل في سنوات أمنية متوترة ومعقدة حتى منتصف العقد الحالي، ما دام كان السيناريو.

عناصر من الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية في غزة/ رويترز
عناصر من الجيش الإسرائيلي خلال عمليته البرية في غزة/ رويترز

وعلى سبيل المثال، تضاعف عدد قوات الجيش في فرقة الجليل مرتين ونصف عما كان عليه قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مع وجود عدد قليل منهم فقط في مواقع التلال الخمسة قرب الحدود على الجانب اللبناني.

فيما تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن شن عملية واسعة النطاق ضد حزب الله مسألة وقت، فمن جهتها فإن تل أبيب مصممة على منع لبنان من العودة إلى ما كان عليه سابقاً، وسياساتها قائمة على الهجوم بقوة وليس الانتظار، بحسب "صحيفة يديعوت".

أما في جبهة غزة، فترغب إسرائيل في تطبيق النموذج اللبناني هناك، لكن الوضع أكثر تعقيداً، وتشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن قوات حفظ السلام المحتمل انتشارها في القطاع لن ترغب في نزع سلاح حركة حماس، ولذلك فإن نقاشات المجلس الوزاري الإسرائيلي تم التأكيد على أنه إذا لم تفعل الولايات المتحدة ذلك، فلن يكون هناك مفر لإسرائيل من القيام بذلك.

وبحسب المعلومات التي حصلت عليها صحيفة "ذا ماركر"، فإنه من المتوقع أن يكون عام 2026 عاماً يشهد تدريباً محدوداً للقوات النظامية في الجيش الإسرائيلي.

ووفقاً للخطة، ستكون الأسابيع المخصصة للاستعداد والاحتياط، التي يفترض أن تشمل التدريب، قليلة. ولن تُخصص معظم الوحدات سوى ثمانية أسابيع في عام 2026 للاستعداد والاحتياط. وفي بعض الحالات لن تُخصص سوى خمسة أسابيع لذلك.

وللمقارنة، قبل الحرب كانت كتائب المشاة أو المدرعات النظامية تعمل بنظام تدريب يتراوح بين شهرين ونصف وثلاثة أشهر بعد كل مهمة مدتها خمسة أشهر. ولكن في الرسم البياني الحالي لا يوجد سوى لواء واحد مخطط له لتخصيص عشرة أسابيع للاستعداد والاحتياط في عام 2026.

ووفقاً للخطة الحالية، من المتوقع أن ينمو عدد القوات في قطاع غزة بنسبة 50% مقارنةً بعدد القوات المنتشرة حول القطاع قبل الحرب.

ومن المتوقع أن يتضاعف عدد القوات في الشمال عما كان عليه قبل الحرب، ويعود ذلك، من بين أسباب أخرى، إلى إعادة تأسيس اللواء 810 في منطقة الحدود مع سوريا.

ما هي المعيقات التي تواجه خطة الجيش في 2026؟

أولاً: نقص القوى البشرية

تقول صحيفة "ذا ماركر" إن الخطة التي وزعت على وحدات الجيش الإسرائيلي لعام 2026 تعكس النقص الحالي في القوى البشرية في الجيش الإسرائيلي.

ورأت الصحيفة أنه بعد عامين من القتال لم تُغلق خلالهما أي من ساحات القتال التي خاضتها إسرائيل، ولم تصل إلى حالة من الهدوء بعد.

وأشارت إلى أن نقص القوى البشرية ينبع من زيادة كبيرة في عدد القوات التي ينشرها الجيش في قطاع غزة والحدود مع سوريا ولبنان، مقارنة بعدد القوات المنتشرة على هذه الحدود قبل الحرب.

ونقلت عن مصدر شارك سابقاً في إعداد خطط عمل الجيش أنه "قبل الحرب كان المفهوم هو وضع أقل عدد ممكن من الجنود على الحدود، لكن ذلك تغير".

وأكد أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على بناء قوته بحيث يكون مستعداً لجميع الحروب في كل الوقت، وتكمن مشكلة الحدود في مصدر القوى البشرية اللازمة وعدد أيام الاحتياط اللازمة لها.

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي زامير/ الأناضول
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي زامير/ الأناضول

وأشارت الصحيفة إلى أن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى تعزيزات في الضفة الغربية، فيما يتم السيطرة على 50% من قطاع غزة، وبنفس الوقت ينفذ عمليات في لبنان، متسائلة "من سيقود كل هذه المهام؟".

ثانياً: قانون الإعفاء وتجنيد الحريديم

تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن قانون التهرب من الخدمة العسكرية للحريديم، الذي كان من المفترض أن يكون حلاً لمشكلة نقص القوى البشرية بالجيش، هو في الواقع خدعة كبيرة.

وزعم رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست، بوعز بيسموث، أنه في غضون خمس سنوات سيلتحق نصف الحريديم الذين لا يدرسون في المدارس الدينية، لكن الأرقام تفند هذا الادعاء.

فمن بين 14 ألفاً من الحريديم، هناك حوالي 7 آلاف لا يدرسون في مدرسة دينية اليوم، وقد التحق 2900 منهم هذا العام قبل فترة الخمس سنوات المذكورة بكثير.

كما أن اقتراح اعتبار الخدمة في منظمة زاكا "خدمة عسكرية" لن يحدث سوى قفزة مصطنعة وتصويراً زائفاً سيخفي عمق المشكلة.

إضافة إلى ذلك فإن لواء الحشمونائيم، الذي يضم الحريديم وتم تجنيد أول دفعة منه في يناير/ كانون الثاني 2025، يغيب بشكل ملحوظ عن مخطط الاستعداد لعام 2026.

ثالثاً: طلبات إنهاء الخدمة والتقاعد المبكر

قدّم ممثلو الجيش الإسرائيلي قبل أيام للجنة الفرعية لشؤون القوى العاملة في لجنة الخارجية والأمن في الكنيست إحصائية غير عادية بشأن أعداد الجنود الذين يطالبون بالتقاعد المبكر من الجيش.

حيث قدم نحو 600 من عناصر الجيش، بما فيهم جنود محترفون وضباط كبار، طلبات لتسريع تقاعدهم قبل نهاية فترة خدمتهم الدائمة.

ويقول ممثلو الجيش الإسرائيلي إنه تم تأجيل تقاعد مئات العسكريين خلال الحرب، لعدم وجود بدلاء لهم، فيما تظهر الاستطلاعات أن هناك انخفاضاً كبيراً في رغبة الجنود والضباط، وخاصة الشباب، في مواصلة الخدمة.

فقد أعرب 66% فقط من المجندين الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و50 عاماً عن رغبتهم في مواصلة الخدمة، مقارنة بـ85% في بداية العقد الحالي.

كما أعرب 62% من المجندين الذين تتراوح أعمارهم بين 21 و30 عاماً أنهم غير مهتمين بمواصلة الخدمة الدائمة، وبالمثل أعرب حوالي 60% من الضباط برتبة رائد عن عدم رغبتهم في مواصلة الخدمة.

قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي/shutterstock
قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي/shutterstock

وتشير البيانات إلى تآكل عميق في قدرات جنود الجيش الإسرائيلي على أداء مهامهم، وانخفاض في دافعيتهم للاستمرار، وتضطر قيادة الجيش إلى ترقية المزيد من الجنود الشباب الأقل خبرة، ما يزيد من الأعباء الملقاة على عاتقهم.
ونقلت "يديعوت أحرونوت" عن رئيس اللجنة، عضو الكنيست إليعازر شتيرن من حزب (يش عتيد)، أن "هناك أزمة عميقة في الجيش الإسرائيلي. لا وقت للألاعيب بين الائتلاف والمعارضة. الجيش شرط لوجود الجميع هنا".

لماذا تثير خطة الجيش لعام 2026 القلق؟

نقلت "ذا ماركر" عن ضابط في سلاح المدرعات أن خطة الجيش لعام 2026 تظهر أنه لن يجري أي تدريب تقريباً، ما يثير التساؤل: "هل نحن في وضع يلملم فيه الجيش جراحه فحسب، أم أنه يستعد للحرب؟".

وأوضح أنه قبل الحرب أجريت أكثر من عشر تدريبات سرايا خلال 16 شهراً، أما الآن فيبدو أنه من غير المتوقع أن يجري الجيش أي تدريبات.

وأوضحت الصحيفة أن الفجوة الحالية تظهر أنه من الصعب بناء مفهوم أمني جديد دون تجنيد الحريديم.

فيما شدد تقرير على معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي أنه يجب تحديد الصعوبات والثغرات الرئيسية في قدرات الجيش الإسرائيلي وتوجيه استثمارات بناء القوات نحوها.

وأوضح التقرير أن هناك مخاوف من أن جزءاً كبيراً من جهود بناء القوات والاستثمارات فيها سيُوزع على جبهات القتال بشكل تراكمي، جزئياً على أطر ووسائل قتالية كانت أكثر ملاءمة للحرب السابقة منها للحرب القادمة.

تحميل المزيد