لم يتوقّع أحد فوزه قبل عام.. كيف حقّق ممداني فوزاً تاريخياً وهزم منافسه المدعوم من ترامب ورجال الأعمال؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/11/05 الساعة 12:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/11/05 الساعة 12:24 بتوقيت غرينتش
عمدة مدينة نيويورك المنتخب زهران ممداني/الأناضول

لم يكن زهران ممداني، المهاجر المسلم ذو الأصول الهندية، يتوقّع قبل عام أنه سيكون قادراً على الفوز في انتخابات عمدة مدينة نيويورك الأمريكية، التي أظهرت نتائجها فوزه بحصوله على 50.4% متقدّماً على أقرب منافسيه بفارق 10 نقاط، ليصبح بذلك أول مسلم يتولّى المنصب.

وخاض ممداني (34 عاماً) انتخابات شهدت منافسة كبيرة بينه وبين المرشّح الديمقراطي المستقل، أندرو كومو، الداعم لإسرائيل بقوة، والذي نال 41.6% من الأصوات، ومرشّح الحزب الجمهوري، كورتيس سليا، الذي حصل على 7.2%.

وشكّل فوز ممداني أحد السباقات الهامة التي خاضها الحزب الديمقراطي، الثلاثاء 4 نوفمبر/تشرين الثاني، والتي حقّق فيها الحزب أيضاً نجاحات في ولايتي فرجينيا ونيوجرسي.

ومنذ فوز ممداني في الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك في يونيو/حزيران الماضي، أُثيرت العديد من النقاشات في الأوساط السياسية الأمريكية والدولية بشأن المرشّح الشاب الذي يتبنّى سياسات جريئة من بينها: توفير النقل العام مجاناً، وتجميد زيادات الإيجارات في الشقق الخاضعة للرقابة، وفرض ضرائب أعلى على ذوي الدخول المرتفعة، فضلاً عن مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية وداعمة لحملة مقاطعة الشركات الإسرائيلية.

وما زاد من حدّة هذه النقاشات الهجوم الذي شنّه الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، على ممداني، والذي وصفه بأنه "شيوعي مهووس تماماً"، وأن "جميع الحمقى يدعمونه"، بل وصف اليهود الداعمين له بأنهم "أغبياء". وامتدّ هجوم ترامب إلى حدّ تهديده بوقف التمويل الفيدرالي لمدينة نيويورك إذا فاز ممداني.

ولكن كيف تمكّن المرشّح الشاب، الذي لم تتجاوز توقّعات فريقه السياسي لفوزه في الانتخابات 3%  حين أعلن عن ترشيح نفسه قبل عام لمنصب عمدة نيويورك،  من الفوز، وكيف استطاع هزيمة منافسه النافذ، كومو، الذي حظي بدعم ترامب ودعم نخبة من رجال الأعمال، وما دلالات فوز ممداني بالنسبة للرئيس الأمريكي، وما هي ردود فعل إسرائيل؟

كيف قاد ممداني حملة انتخابية ناجحة؟

تناولت تقارير أمريكية عدة النجاح الذي حققه ممداني على مدار عام فيما يتعلق بمهاراته في إدارة حملته الانتخابية، بما في ذلك استخدامه الماهر لوسائل التواصل الاجتماعي للوصول إلى الناخبين الشباب، حسبما قالت صحيفة وول ستريت جورنال.

وبدأت رحلة ممداني الشاقة نحو تشكيل حملة انتخابية ناجحة الصيف الماضي، عندما توجّه إلى حلفائه السياسيين الاشتراكيين الديمقراطيين بخطة للترشّح لمنصب عمدة مدينة نيويورك، حتى إنهم شككوا في قدرته على تنفيذها، وكانوا مترددين في البداية في المخاطرة بالسياسي الشاب الذي لم يكن يحظى بسيرة ذاتية قوية، ولم يكن يحمل اسماً معروفاً في الأوساط السياسية والحزبية.

وقال غوستافو غورديلو، الرئيس المشارك لاتحاد الطلاب الديمقراطيين في المدينة، وهي منظمة سياسية وطنية ديمقراطية تدعم الناشطين الشباب، لصحيفة وول ستريت جورنال: "كانت المخاطر تكمن في صعوبة الطريق نحو الفوز، واحتمالية ضعف أدائنا".

وأضاف: "لقد تطلّب الأمر إجراء حوالي 100 محادثة مع قادة المنظمة لتحريك المؤسسة، ولنتحمّل جميعاً هذه المخاطرة الكبيرة معه".

وعلى مدى العقد الماضي، نجحت منظمة اتحاد الطلاب الديمقراطيين، التي اكتسبت زخماً بعد الأداء القوي لبيرني ساندرز في الانتخابات التمهيدية الرئاسية الديمقراطية عام 2016، في ترشيح مرشحين في الانتخابات المحلية، حيث عمل أعضاؤها كمديري حملات يتولّون مهمة العثور على مندوبين للحملات وتطوير استراتيجية وسائل التواصل الاجتماعي.

وطوال حملته الانتخابية، سعى ممداني إلى توسيع قاعدته الجماهيرية، فتواصل مع الجالية اليهودية، واجتمع مع قادة الأعمال، وقدّم تطمينات بأن إدارته لن تُحوّل المدينة نحو توجّه اشتراكي جذري.

من جانبها، قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن التحدي الذي واجه ممداني بينما كان يرسم الخطوط العريضة لحملته الانتخابية قبل عام، كان يتمثل في قدرته على أن يحوز على اهتمام وانتباه الآخرين.

وأخبر ممداني لاحقاً أحد حلفائه أنه أسرّ لزوجته، راما دوجي، بأنه لم يكن يعتقد حقاً أنه قادر على الفوز. وفي بداية العام الحالي، لم تكن معدّلات تأييد ممداني تتخطّى 1%.

وأضافت نيويورك تايمز أن حملة ممداني قرّرت التخلّي عن بيع الهدايا التذكارية ذات العلامات التجارية، والتي كانت مصدر دخل للعديد من المرشحين. وأنتجت الحملة سلعاً خاصة بكميات محدودة، وشجّعت المؤيدين على التبرّع بوقتهم وليس بالمال.

وشهدت حملة ممداني الانتخابية أيضاً مشاركة آلاف المتطوّعين، ومن بينهم أعضاء من المجتمعات اليهودية، الذين شكّلوا مجموعة فرعية داخل قاعدة دعمه، وأطلقوا على أنفسهم اسم "اليهود من أجل زهران"، وفق تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.

ما هي أسباب هزيمة ممداني لكومو؟

عدّت مجلة ذا هيل الأمريكية أسباباً عديدة ساهمت في هزيمة ممداني للمرشّح المستقل، كومو، ومن أبرزها:

1- إبراز برامج القدرة على تحمّل تكاليف المعيشة

  • بينما ركّز كومو حملته الانتخابية على قضايا الأمن والجريمة، ركّز ممداني حملته على القدرة على تحمّل التكاليف في مدينة لطالما اعتُبرت مكلفة على مستوى المعيشة. وفي التجمّعات الانتخابية، وقف ممداني مراراً أمام لافتات كُتب عليها: "مدينة نستطيع تحمّل تكاليفها".
  • كما حمل أنصاره لافتات كُتب عليها: "بناء مساكن بأسعار معقولة" و"رعاية أطفال للجميع".

2- رسالة واضحة ومتسقة

  • خلافاً لحملات ديمقراطية انتخابية سابقة، كما هو الحال مع حملتي هيلاري كلينتون الرئاسية لعام 2016 وكامالا هاريس الرئاسية لعام 2024، تميّزت حملة ممداني برسائل واضحة ومتّسقة.
  • وقال الخبير الاستراتيجي الديمقراطي، إيدي فالي: "عندما يدعم ناخبو ترامب اشتراكياً ديمقراطياً، فأنت تنقل شيئاً ما بوضوح وبشكل متّسق".

3- الخبرة لم تكن عائقاً

  • أمضى كومو الكثير من الوقت في الترويج لتجربته كحاكم سابق لنيويورك يعرف مفاتيح السلطة على المستوى المحلي والوطني. وحتى في إعلانه الأخير في الانتخابات، أكّد على خبرته التنفيذية، بينما سلّط الضوء في الوقت نفسه على قلّة خبرة ممداني.
  • ومع ذلك، استغلّ ممداني قلّة خبرته لمصلحته. وفي بعض النواحي، كانت حملته نسخةً تقدميةً من حملة الرئيس ترامب الرئاسية لعام 2016، والتي تبنّت خطاباً رافضاً لسياسات المؤسّسات السياسية التقليدية الحاكمة.
  • وفي مؤشّر على أن حملة ممداني أثارت حماسة العديد من الناخبين، أفاد مجلس الانتخابات بأنه تم الإدلاء بأكثر من مليوني صوت، بما يشمل التصويت المبكر في أنحاء المدينة، وهو أكبر عدد من الأصوات في سباق على منصب رئيس البلدية منذ عام 1969 على الأقل.

ما هي رسائل ممداني عقب فوزه؟

قال ممداني عقب فوزه بمنصب عمدة ولاية نيويورك، إنه مسلم واشتراكي ديمقراطي، وإنه يرفض الاعتذار عن هذا.

وأضاف مخاطباً الناخبين في خطاب النصر: "بهذا الفوز أطحنا بسلطنة سياسية في نيويورك، لقد منحتمونا الليلة تفويضاً بالتغيير، منحتمونا تفويضاً لنوع جديد من السياسة".

وأوضح أن نيويورك لن تكون بعد الآن مدينة تُكسب فيها الانتخابات عبر نشر خطاب الكراهية ضد المسلمين، وأنه سيُطلق فيها عصر التغيير.

وفاة رجل أضرم النار بنفسه قرب محكمة يُحاكم فيها ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/رويترز

وتابع: "إذا كانت هناك طريقة واحدة لتخويف طاغية، فهي القضاء على الظروف التي تمكّنه من الوصول إلى السلطة. هذه ليست مجرد طريقة لإيقاف (الرئيس دونالد) ترامب، بل هي طريقة لإيقاف من سيخلفه. لذا، يا دونالد ترامب، أقول لك، لأنني أعلم أنك تراقبني: ارفع مستوى الصوت".

وأكد ممداني أنه سيضع حداً لثقافة الفساد التي تسمح لمليارديرات مثل ترامب بالتهرّب من الضرائب والاستفادة من الإعفاءات الضريبية.

وأردف: "نيويورك مدينة بُنيت على أيدي المهاجرين، وستظل – اعتباراً من هذه الليلة – مدينة تُدار على أيدي المهاجرين. لذا، استمع إليّ أيها الرئيس ترامب: لكي تصل إلى أيٍّ منا، عليك أن تتجاوزنا جميعاً".

ماذا يعني فوز ممداني بالنسبة للحزب الديمقراطي وترامب؟

يمنح فوز ممداني، بجانب اكتساح الديمقراطيين ثلاثة سباقات أخرى في أول انتخابات أمريكية رئيسية منذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، الحزب الديمقراطي زخماً كبيراً مع تطلّعه إلى انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل، وفق وكالة رويترز.

وقدّمت السباقات الثلاثة أيضاً للحزب الديمقراطي فرصة لاختبار مختلف أساليب الحملات الانتخابية قبل انتخابات التجديد النصفي لعام 2026، عندما ستكون السيطرة على الكونغرس على المحك، إذ لا يزال الحزب خارج السلطة في واشنطن ويحاول شقّ طريق للخروج من حالة الجمود السياسي.

ففي انتخابات حكّام الولايات في فرجينيا ونيوجيرسي، فازت الديمقراطيتان أبيجيل سبانبرجر وميكي شيريل بفارق كبير.

وفي ولاية كاليفورنيا، وافق الناخبون على منح المشرّعين الديمقراطيين سلطة إعادة رسم خريطة الولاية في الكونغرس، مما يوسّع نطاق معركة على المستوى الوطني حول إعادة تقسيم الدوائر الانتخابية التي يمكن أن تحدّد الحزب الذي سيسيطر على مجلس النواب الأمريكي بعد انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.

الكونغرس الأمريكي
نشطاء يهود يحتجون داخل الكونغرس للمطالبة بوقف الحرب على غزة/ رويترز

وأضافت رويترز أن سباقات الثلاثاء كانت بمثابة مقياس لردّ فعل الناخبين الأمريكيين على فترة الأشهر التسعة التي قضاها ترامب في الحكم.

وما زال ترامب لا يحظى بشعبية، إذ أظهر استطلاع للرأي أجرته رويترز/إبسوس أن 57% من الأمريكيين لا يوافقون على أدائه.

وبالنسبة للجمهوريين، كانت انتخابات الثلاثاء اختباراً لما إذا كان الناخبون الذين أيّدوا ترامب في عام 2024 سيستمرون في الحضور عندما لا يكون هو نفسه على بطاقة الاقتراع.

وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، عزَا ترامب خسائر الحزب الجمهوري إلى عدم وجود اسمه على بطاقات الاقتراع، وإلى الإغلاق الحكومي المستمر.

كيف تفاعلت إسرائيل مع فوز المرشح الديمقراطي المسلم؟

لم يكن قد مضى على فوز ممداني بانتخابات مدينة نيويورك سوى ساعات معدودة حتى أعربت إسرائيل، على لسان مسؤوليها، عن قلقها من فوز المرشّح الداعم لفلسطين في انتخابات الثلاثاء، ودعت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، يهود المدينة إلى الهجرة إلى إسرائيل.

وادّعى وزير الشتات الإسرائيلي، عميحاي شيكلي، عبر منصة إكس، أن "المدينة التي كانت رمزاً للحرية العالمية، سلّمت مفاتيحها إلى مؤيّد لحماس".

وأعرب وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، عن قلقه من فوز ممداني، لكنه ادّعى "عدم الاكتراث بكارهي إسرائيل".

وزعم الوزير اليميني المتطرف، في بيان نشرته صحيفة إسرائيل اليوم العبرية، أن "ممداني مؤيّد لحماس، وكاره لإسرائيل، ومعادٍ صريح للسامية".

ووصف مندوب تل أبيب السابق لدى الأمم المتحدة، جلعاد أردان، فوز مرشّح الحزب الديمقراطي بأنه "يوم أسود على محبّي إسرائيل".

اتفاقية التجارة الحرّة الأوروبية
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير/الأناضول

وفي تصريح لقناة 14 الإسرائيلية، اتهم أردان ممداني بـ"معاداة السامية"، زاعماً أنه "فاز في الانتخابات رغم خطابه المعادي لإسرائيل، وهذا مؤشّر خطر كبير علينا جميعاً في المستقبل".

وأعرب أردان عن حزنه لانتخاب ممداني، قائلاً: "هذا يوم أسود للولايات المتحدة الأمريكية، وليهود نيويورك، ولكل من يحب إسرائيل".

ما هي صلاحيات عمدة مدينة نيويورك؟

عمدة مدينة نيويورك هو المسؤول التنفيذي الأعلى في حكومة المدينة، وتُعتبر صلاحياته من بين الأقوى على مستوى المدن في الولايات المتحدة. وفيما يلي تفصيل لأبرز صلاحياته ومسؤولياته:

1-السلطة التنفيذية والإدارية 

  • العمدة هو رئيس السلطة التنفيذية في المدينة، ويشرف على جميع الدوائر والوكالات الحكومية في نيويورك.
  • يمتلك صلاحية تعيين رؤساء الإدارات، مثل الشرطة، الإطفاء، التعليم، النقل، والصحة، بالإضافة إلى العديد من الهيئات واللجان الحكومية.

2-السلطة المالية

  • إعداد ميزانية المدينة وتقديمها إلى مجلس المدينة للمراجعة والموافقة.
  • يتحكم في كيفية إنفاق الأموال العامة وتوزيع الموارد على الإدارات المختلفة.

3-الأمن والخدمات العامة

  • يشرف على إدارة الشرطة (NYPD) وإدارة الإطفاء (FDNY)، ويمكنه تعيين أو إقالة قادتها.
  • يقود استجابة المدينة للكوارث الطبيعية والطوارئ العامة (مثل الأعاصير، الأوبئة، الهجمات الإرهابية).
  • يتحمل مسؤولية الخدمات العامة مثل النظافة، النقل العام، الإسكان، التعليم، والصحة العامة.

4-التمثيل والعلاقات العامة

  • يمثل مدينة نيويورك محلياً، ووطنياً، ودوليًا في القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
  • يتواصل مع حاكم ولاية نيويورك والحكومة الفدرالية بشأن تمويل المشاريع والسياسات المشتركة.

يذكر أن مدينة نيويورك تشكل  وحدها أكثر من 40% من سكان ولاية نيويورك، ويتجاوز حجم اقتصادها 2.3 تريليون دولار، أي أكبر من اقتصاد كندا، وتمثل حوالي 9% من إجمالي اقتصاد أمريكا.

تحميل المزيد