منذ اللحظة الأولى للفشل الأمني والاستخباراتي الذريع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصبحت مسألة تحديد المسؤولية محوراً للجدل السياسي في إسرائيل.
وبينما سارعت قيادات أمنية إلى تحمّل المسؤولية علناً وتقديم استقالتها أو إقالتها لاحقاً، ظل رئيس الوزراء الإسرائيلي أكتوبر" بنيامين نتنياهو الشخصية الوحيدة التي تتجنب الاعتراف بمسؤوليته عن "فشل 7 أكتوبر".
فمع استقالة وإقالة مسؤولين أمنيين، ورفض تشكيل لجنة تحقيق موسعة، واستحضار نظريات المؤامرة و"الدولة العميقة" التي تعمل ضده، دأب نتنياهو على إلقاء اللوم على أي أحد سوى نفسه، ويضع عقبات أمام إمكانية تحميله المسؤولية، حفاظاً على بقائه السياسي.
ويناقش هذا التقرير 3 شواهد حصلت مؤخراً وخلال عامي الحرب، تدل على تهرب نتنياهو من تحمّل مسؤولية الفشل الأمني والاستخباراتي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أولاً: رفض تشكيل لجنة تحقيق رسمية بشأن "فشل 7 أكتوبر"
خلال عامي الحرب، رفض نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق رسمية ومستقلة بصلاحيات واسعة، للتحقيق في الفشل الأمني في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بذريعة أن "الوقت غير مناسب".
ويوم الأربعاء 22 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أسقط ممثلو الائتلاف الحكومي في لجنة مراقبة الدولة بالكنيست اقتراح نواب من المعارضة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية حول إخفاق 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ونقلت هيئة البث الإسرائيلية عن حزب "هناك مستقبل" قوله في بيان: "رغم انتهاء الحرب، تخلى أعضاء الائتلاف عن الاقتراح بإنشاء لجنة تحقيق في كارثة السابع من أكتوبر".
وفي 16 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أمهلت المحكمة العليا الإسرائيلية حكومة نتنياهو 30 يوماً لتقديم تحديث حول إنشاء لجنة تحقيق رسمية لفحص الإخفاقات وتحديد المسؤولين عنها.
وفي مايو/أيار 2025، رفضت حكومة نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق رسمية، متذرعة بأن الوقت "لم يكن مناسباً" لمثل هذا التحقيق، وذلك رداً على طلب رسمي من المدعية العامة لتشكيل لجنة موسعة.
وبدلاً من تشكيل لجنة تحقيق رسمية، أعلنت حكومة نتنياهو في ذلك الوقت أنها ستدفع بمشروع قانون لإنشاء "لجنة تحقيق خاصة"، تكون أقل صلاحية وتعيّنها الحكومة.
وفي مارس/آذار 2025، قدم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ مقترحاً بتشكيل لجنة تحقيق رسمية بمشاركة رئيس المحكمة العليا يستحاق عميت، ومع ذلك رفضت مصادر مقربة من نتنياهو المبادرة، مشددة على أن "الأمر يستحق لجنة تحقيق حقيقية وغير منحازة سياسياً، تعكس تركيبتها غالبية الشعب، وتحقق مع جميع الأطراف دون استثناء. وللأسف، هذا ليس ما يُقترح هنا".
وكان نتنياهو في ديسمبر/كانون الأول 2024، قد أبلغ المحكمة العليا بأنها لا تملك صلاحيات لإصدار أمر بتشكيل لجنة تحقيق.
ثانياً: إقالة أو استقالة مسؤولين أمنيين، آخرهم هنغبي
ويوم الثلاثاء 21 أكتوبر/تشرين الأول 2025، أقال نتنياهو رئيس الأمن القومي تساحي هنغبي من منصبه، ليبقى بذلك الوحيد الذي لم يتحمل مسؤوليته عن الفشل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، سواء بالاستقالة أو بالذهاب إلى صناديق الاقتراع.
أما الآخرون، فقد فعلوا ذلك خلال العامين الماضيين، أو حتى أُقيلوا من جانب واحد، رغم ادعائهم عزمهم على إنهاء مناصبهم في وقت لاحق، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
وتأسس مجلس الأمن القومي، برئاسة هنغبي، بناء على دروس حرب أكتوبر، وكان الهدف هو "تنسيق وتشكيل وتخطيط سياسة الأمن القومي في إسرائيل"، ومن مهامه "المسؤولية عن تطوير وتشغيل قيادة مكافحة الإرهاب في جميع مهامها".
وبحسب الصحيفة الإسرائيلية، فإن إقالة هنغبي لم تأتِ على خلفية مسؤوليته عن التقصير، بل على خلفية خلافات في الرأي مع نتنياهو، بما في ذلك معارضته احتلال مدينة غزة، وتأييده للصفقة المرحلية مع حماس.
واللافت أن هنغبي أعلن استقالته بنفسه، وليس مكتب نتنياهو، وفي بيانه كتب أن "الفشل الذريع الذي وقع في 7 أكتوبر، والذي أشارك فيه، يجب أن يخضع لتحقيق شامل لضمان استخلاص الدروس المناسبة والمساعدة في استعادة الثقة التي تهشمت".
وفي مارس/آذار 2025، كان رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، رونين بار، ثاني شخص يقيله نتنياهو منذ اندلاع الحرب، بعد وزير الجيش يوآف غالانت، وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي في المرتين أن السبب الرئيسي للإقالات هو "تزايد عدم الثقة".
وبالإضافة إلى هؤلاء، فقد أنهى كلّ من رئيس الأركان هرتسي هاليفي، ورئيس الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا، وقائد المنطقة الجنوبية يارون فينكلمان، ورئيس قسم العمليات عوديد سيوك، وقائد فرقة غزة آفي روزنفيلد، وستة مسؤولين كبار ومتوسطي المستوى في إدارة وقيادة الشاباك، مهامهم خلال الحرب بسبب دورهم في فشل 7 أكتوبر.
كما أنه من المتوقع أيضاً أن ينهي قائد القوات الجوية تومر بار، العضو الأقدم في منتدى الأركان العامة والذي ظل في منصبه منذ 7 أكتوبر، فترة ولايته قريباً.
إلى ذلك، فقد قرر وزير الجيش يسرائيل كاتس أنه لن تتم ترقية أي شخص شغل أي منصب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ثالثاً: إلقاء اللوم على الاحتجاجات التي سبقت 7 أكتوبر
وفقاً لتقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن نتنياهو وفريقه منشغلون بإلقاء اللوم على الاحتجاجات والنظام القضائي في فشل 7 أكتوبر، ويسعون إلى تشكيل لجنة تحقيق للتركيز على هذا الأمر.
ويشير التقرير إلى أن نتنياهو وفريقه يريدون إلقاء اللوم على المحاكم، لأنها أضعفت المؤسسة الأمنية على مر السنين.
وبحسب ما كشفته الصحيفة، فإنه في إطار المناقشات التي جرت، تقرر المضي قدماً في صياغة تنص على أن يكون نصف أعضاء اللجنة ممثلين عن المعارضة، والنصف الآخر ممثلين عن الائتلاف، بالإضافة إلى قاضٍ متقاعد مقبول من الطرفين.
كما تم التأكيد في هذه الصياغة على أن رئيس المحكمة العليا، إسحاق عميت، لن يكون له أي تدخل في الأمر.
لماذا يتهرب نتنياهو من تشكيل لجنة تحقيق رسمية بأحداث 7 أكتوبر؟
تشدد المعارضة الإسرائيلية على أن نتنياهو يخشى تحقيقاً حقيقياً بشأن الفشل الأمني والاستخباراتي في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وخلال الأشهر الماضية، كشفت تسريبات بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي تلقى تحذيرات فعلية بشأن الهجوم الذي نفذته حركة حماس.
وتتهم المعارضة نتنياهو بأنه تبنى مفهوم "السلام يمكن شراؤه بالمال"، في إشارة إلى النهج الذي اتبعه مع قطاع غزة قبل هجوم 7 أكتوبر.
وفي تصريحات سابقة، كشف زعيم المعارضة يائير لابيد، أنه تلقى إحاطة أمنية مع نتنياهو من السكرتير العسكري اللواء آفي غيل، والذي حذّر من توتر متصاعد في جميع الجبهات الأمنية.
وبالفعل، خرج لابيد في تصريح قبل أسبوعين من هجوم 7 أكتوبر، قال فيه إنه يحذّر الإسرائيليين من "صراع عنيف ومتعدد الجوانب"، ووفقاً لشهادة أمام لجنة تحقيق مدنية بشأن الهجوم، فإن نتنياهو كان على علم بالتفاصيل، وأن الحكومة كانت على دراية، مشيراً إلى أنه رغم عدم وجود "تحذير تكتيكي" محدد بشأن اختراق السياج الحدودي مع قطاع غزة، فإن تحذيراً استراتيجياً جرى تكراره مراراً.
وفي مايو/أيار 2024، أكد الجيش الإسرائيلي أن نتنياهو تلقى أربع رسائل تحذيرية مختلفة من فرع الاستخبارات بالجيش بين مارس/آذار ويوليو/تموز 2023.
وبحسب الجيش، فإنه "خلال عام 2023، من مارس/آذار إلى يوليو/تموز، تم نقل أربع رسائل تحذيرية مختلفة من قسم الاستخبارات توضح كيف نظر أعداء إسرائيل في جميع المجالات إلى الضرر الذي يلحق بالتماسك في دولة إسرائيل والجيش على وجه الخصوص".
وفي يوليو/تموز 2023، أي قبل نحو ثلاثة أشهر من الهجوم، حذّرت دوائر المخابرات نتنياهو، بشكل مباشر وشخصي، عدة مرات، من التداعيات الأمنية الخطيرة التي طرأت في الأشهر الأخيرة، وأشارت الرسالة إلى أن "الأعداء أدركوا فرصة تاريخية لتغيير الوضع الاستراتيجي في المنطقة، في أعقاب الأزمة الهائلة التي تمر بها إسرائيل والتي لم يشهدوا لها مثيلاً من قبل"، بحسب "يديعوت أحرونوت".
وأشارت الصحيفة إلى أن رونين بار، رئيس الشاباك السابق، وجّه إلى نتنياهو في 24 يوليو/تموز 2023، أي قبل نحو ثلاثة أشهر من الهجوم، تحذيراً بالحرب.
ولفتت إلى ما بوثائق "جدار أريحا"، التي حذّرت من الهجوم، وقد وصلت إلى كبار المسؤولين الأمنيين، والتي قدمت معلومات استخباراتية مفصلة تلقاها الجيش عام 2022، بشأن هجوم حركة حماس.
كشف تقرير في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أنه في نقاش سري في هيئة الأركان العامة في 27 يوليو/تموز 2022، برئاسة رئيس لواء العمليات في ذلك الوقت، العميد يارون فينكلمان، الذي كان قائداً للمنطقة الجنوبية في يوم الهجوم، صدرت تعليمات بالاستعداد للحرب مع حماس وفقاً لـ"جدار أريحا" — لكن لم يُفعل شيء.
وفي مارس/آذار 2025، نشر جهاز الأمن العام (الشاباك) ملخص تحقيقه في فشل المؤسسة الأمنية في هجوم 7 أكتوبر، وجاء في التقرير:
"الأسباب الرئيسية لبناء قوة حماس التي سمحت لها بشن الهجوم:"
- سياسة الصمت التي أتاحت لها تعزيز قوتها بشكل كبير.
- تدفق الأموال وتحويلها إلى الجناح العسكري لتعزيز قوته.
- التآكل المستمر لردع دولة إسرائيل.
- محاولة التعامل مع المنظمة بالاعتماد على الاستخبارات والدفاع مع تجنب الحملات الهجومية.
- تراكم الانتهاكات في المسجد الأقصى.
- معاملة الأسرى الفلسطينيين والانتهاكات ضدهم.
- الشعور بأن المجتمع الإسرائيلي قد ضعف بسبب الضرر الذي لحق بالتماسك الاجتماعي.
وأقر الشاباك بأن خطط حماس الهجومية لم تُعالج كما ينبغي، وأضاف التحقيق: "لم نُقدّر أن حماس قد وصلت إلى مرحلة المواجهة من قطاع غزة، بل إنها كانت تعمل على إحراق المنطقة في الضفة الغربية".