التطبيع في مهبّ الريح.. 3 مخاطر كبرى تواجه نتنياهو إذا ضمّ الضفة الغربية رداً على الاعتراف بدولة فلسطين

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/23 الساعة 12:08 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/23 الساعة 12:11 بتوقيت غرينتش
منظر عام يظهر بناء مستوطنة رمات جفعات زئيف الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة/ رويترز

لن تكون الخطوات التي قد تتخذها حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، اليمينية، رداً على الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، وفي مقدمتها ضمّ الضفة الغربية المحتلة، سهلة المنال فحسب، بل ستشكّل خطراً أيضاً على اتفاقيات التطبيع التي أبرمتها تل أبيب مع عدد من الدول العربية، وعلى علاقات الاحتلال مع الدول الأوروبية التي حذّرت إسرائيل من المضي قدماً في ضم الضفة الغربية.

وكانت عدة دول غربية أعلنت على مدار اليومين الماضيين اعترافها بدولة فلسطين، من بينها بريطانيا وفرنسا وكندا والبرتغال وبلجيكا، في تحوّل دبلوماسي تاريخي حدث بعد قرابة عامين من الحرب الإسرائيلية على غزة، ويواجه مقاومة شرسة من إسرائيل وحليفتها الوثيقة الولايات المتحدة.

وقال نتنياهو في كلمة مسجّلة، الأحد 21 سبتمبر/أيلول، إنه "لن تقوم دولة فلسطينية غرب نهر الأردن (الضفة الغربية وقطاع غزة)"، في إشارة إلى أنه قد يمضي قدماً بخطط ضم الضفة.

وأفاد مسؤولون إسرائيليون لوكالة رويترز بأن إسرائيل تدرس احتمال الرد على الاعترافات الدولية بدولة فلسطين بضم جزء من الضفة الغربية المحتلة، بالإضافة إلى اتخاذ إجراءات محددة ضد فرنسا على مستوى العلاقات الثنائية.

وقبل مغادرته للمشاركة في اجتماعات الأمم المتحدة في نيويورك، دعا نتنياهو إلى اجتماع لمجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي لبحث الردود المحتملة على الاعتراف، وفق ما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية.

وفي إشارة واضحة إلى المخاوف بشأن مخاطر الضم، لم تتم دعوة أقوى المؤيدين لهذا النهج – الوزيرين اليمينيين المتطرّفين إيتمار بن جفير وبتسلئيل سموتريتش.

ما الخيارات التي يدرسها نتنياهو بشأن فرض السيادة على الضفة الغربية؟

يشكّل ضم الضفة الغربية أبرز الخيارات التي يدور بشأنها الحديث الآن داخل أروقة الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً في تاريخ الاحتلال.

وبحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن نتنياهو يدرس نطاقات ومستويات مختلفة من خيارات الضم، تتراوح ما بين:

  • فرض السيادة على العديد من المناطق التي فيها كتل استيطانية.
  • فرض السيادة على غور الأردن، وهو شريط يمتد على طول نهر الأردن شرق الضفة الغربية.
  • فرض السيادة على منطقة "ج" بالكامل، والتي تشكل 60% من أراضي الضفة الغربية.
  • تطبيق السيادة الإسرائيلية على جميع الأراضي غير المأهولة بالفلسطينيين.

ووفقاً لاتفاقية أوسلو الثانية، فإن الضفة الغربية مقسمة إلى ثلاثة أقسام، وهي:

  1. مناطق (أ): تشكل نحو 17.5% من مساحة الضفة الغربية، ويُفترض أن تكون تحت السيطرة المدنية والأمنية بالكامل للسلطة الفلسطينية، إلا أنها ليست كذلك.
  2. المناطق (ب): تشكل نحو 18.7%، وهي تحت السيطرة المدنية للسلطة، وتشترك مع الاحتلال في السيطرة الأمنية.
  3. مناطق (ج): تشكل نحو 61%، وهي تحت السيطرة الإدارية والأمنية الكاملة للاحتلال الإسرائيلي.
  4. تبقى 3% كمحميات طبيعية.

ما أبرزُ مخاطرِ ضمِّ الضفةِ الغربية؟

أولاً: التطبيع مع الدول العربية

أشارت تقارير عدة إلى أن خطوة ضم الضفة الغربية من جانب الحكومة الإسرائيلية من شأنها أن تُقوِّض آمال التطبيع مع الدول العربية، سواء تلك التي أبرمت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أو التي لا تزال تطمح تل أبيب إلى عقد اتفاقيات تطبيع معها خلال الفترة المقبلة.

وقال تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن قيام نتنياهو بضم الضفة الغربية من شأنه أن يقلب سنواتٍ من الجهود لتطبيع علاقات إسرائيل مع العالم العربي بموجب اتفاقيات أبراهام، وهي الاتفاقيات التي يعتبرها الرئيس ترامب بمثابة النجاح البارز في السياسة الخارجية خلال ولايته الأولى، وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وأضافت وول ستريت جورنال أنه مع تعمُّق العزلة الدولية لإسرائيل، يتعيّن على نتنياهو أن يفكر فيما إذا كان إنهاء الآمال الفلسطينية في إقامة دولة يستحق الإضرار بالعلاقات مع العالم العربي، وربما الولايات المتحدة.

وحذّرت حكومات عربية إسرائيل في رسائل دبلوماسية خاصة من أن ضم الضفة الغربية، سواء كان كلياً أو جزئياً، سيكون له عواقب مثل خفض مستوى العلاقات، وفقاً لما نقلته وول ستريت جورنال عن مسؤولين عرب.

المغرب ناقلة نفط إسرائيلية اتفاقيات أبراهام
مظاهرة سابقة مناهضة للتطبيع مع إسرائيل في الرباط/ رويترز

وكانت إسرائيل قد وافقت بموجب اتفاقات أبراهام على التخلي عن مقترح ضم أجزاء من الضفة الغربية كشرط للتوصل إلى اتفاق مع الإمارات.

وقبل عدة أيام، نقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مصادر مطّلعة أن الإمارات قد تخفّض مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل إذا أقدمت على ضم جزء من الضفة الغربية المحتلة أو كلّها.

وطوال العامين الماضيين، مثّلت الإمارات قناةً حيويةً بين إسرائيل والعالم الخارجي، حيث حافظت على علاقات اقتصادية ودبلوماسية، وحافظت على استمرار الرحلات الجوية الدولية، في حين امتنعت دول أخرى عن ذلك. ويرى محللون سياسيون أن الضم قد يؤدي إلى تعليق العلاقات أو تدهورها.

ونقلت وول ستريت جورنال عن مايكل ميلشتاين، الضابط الكبير السابق في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والمتخصص في الشؤون الفلسطينية في جامعة تل أبيب، قوله: "أعتقد أن الإمارات أوضحت تماماً أن أي خطوة تتعلق بالضم ستسبّب أزمة بين العالم العربي وإسرائيل، وهي في الأساس تشكّل خطراً على اتفاقيات أبراهام".

الصحف الإسرائيلية من جانبها اعتبرت أن الضم ينطوي على مخاطر جسيمة.

وقالت صحيفة تايمز أوف إسرائيل إن ضم الضفة الغربية سيُجبر شركاء إسرائيل العرب، ومن تأمل في استمالتهم، على الرد.

وأضافت: "إنهم بالفعل غاضبون بشدة من هجوم 9 سبتمبر/أيلول على قادة حماس في الدوحة، وسيكون هذا الأمر أصعب تقبُّلاً. وسوف يضغط الزعماء العرب الذين يتمتعون بعلاقات شخصية وثيقة مع ترامب على الرئيس الأمريكي هذا الأسبوع في الأمم المتحدة لإصدار أمر إلى نتنياهو بعدم الضم".

ثانياً: توتّر العلاقاتِ مع الدولِ الأوروبية

على الجانب الأوروبي، ستؤثر خطوةُ ضمِّ الضفةِ الغربية على العلاقاتِ الإسرائيليةِ الأوروبية، التي تشهد توتراً في الآونةِ الأخيرة، برزت ملامحه حينما صوّتت المفوضيةُ الأوروبية منتصف الشهر الجاري بالموافقة على مقترحٍ بفرضِ حزمةِ عقوباتٍ جديدةٍ ضد تل أبيب، بسبب الحرب على غزة، تتضمّن تعليقَ بنودٍ تجاريةٍ رئيسيةٍ في اتفاقيةِ التجارةِ الحرّة الأوروبية مع إسرائيل.

وحذّر مسؤولون أوروبيون، الأحد 21 سبتمبر/أيلول، إسرائيلَ من المضيِّ في خطوةِ ضمِّ أجزاءٍ من الضفةِ الغربية، كردٍّ على إقدامِ دولٍ غربيةٍ على إعلانِ اعترافِها رسمياً بدولةِ فلسطين، وفق إعلام عبري.

وقالت القناة "12" العبرية الخاصة إن "مسؤولين أوروبيين وجّهوا رسالةَ تحذيرٍ حادّةً إلى مسؤولين في إسرائيل، على خلفيةِ بحثِ الحكومة فرضَ السيادة (الضم) على أجزاءٍ من الضفةِ الغربية، كردٍّ على القراراتِ الدوليةِ الأخيرة".

ووفق القناة: "قال المسؤولون الأوروبيون للمسؤولين الإسرائيليين: إذا كان (رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو وحكومته يريدون تدمير ما بُني في الشرق الأوسط، فسيتحمّلون العواقب"، دون تفاصيل أخرى.

أوروبا تلوح بوقف التجارة مع إسرائيل.. هي قادرة على معاقبتها، فهل تفعلها؟ 
بنيامين نتنياهو في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل، بلجيكا – shutterstock

ثالثاً: تداعيات قانونية

يخلق إعلان فرض السيادة على الضفة أيضاً ثقلاً قانونياً ودبلوماسياً يمكن أن يؤثر على الوضع في الساحة الدولية، بحسب الكاتب الإسرائيلي الكاتب يهودا جليكمان.

ويعتقد الكاتب أن تطبيق السيادة على الضفة من شأنه أن يُنظر إليه على أنه انتهاك للقانون الدولي، وعمل يتناقض مع اتفاقيات أوسلو التي لم تنسحب منها إسرائيل رسمياً حتى الآن.

وأشار إلى أن الولايات المتحدة قد تمنع العقوبات باستخدام حق النقض في مجلس الأمن، لكن ذلك لن يمنع الدول والتكتلات الدولية مثل الاتحاد الأوروبي من اتخاذ تدابير أحادية الجانب، بما في ذلك التدابير الدبلوماسية والاقتصادية، وحتى القانونية.

ومن الأمثلة التاريخية على ذلك: العقوبات المفروضة على جنوب أفريقيا خلال حقبة الفصل العنصري، وعلى روسيا بعد ضمها شبه جزيرة القرم، وعلى إيران بسبب برنامجها النووي.

ما خياراتُ نتنياهو الأخرى؟

تشمل الخياراتُ الإسرائيليةُ الأخرى سحبَ سفراءِ الاحتلال من الدولِ التي أعلنت اعترافَها الرسميَّ بدولةِ فلسطين.

وقد تقرّر تل أبيب تقليصَ علاقاتِها القنصلية مع فرنسا، التي تقود جهودَ الاعتراف بدولةٍ فلسطينية، وفقاً لما نقلته صحيفةُ وول ستريت جورنال عن مصدرٍ مطّلع.

وكانت إسرائيل قد قرّرت سحبَ سفرائها من إيرلندا والنرويج وإسبانيا، عندما اعترفت هذه الدول بدولةٍ فلسطينية العام الماضي.

ومع ذلك، ترى صحيفةُ الغارديان أن القيامَ بنفسِ الخطوةِ الآن سيكون أكثرَ تعقيداً بكثير، وقد يُلحق الضررَ بإسرائيل بشكلٍ أكبر، كما قال دبلوماسيون إسرائيليون سابقون.

يأتي ذلك بينما تواجه تل أبيب عزلةً دولية، عبّر عنها نتنياهو خلال مؤتمرٍ لوزارةِ المالية، اعترف خلاله على نحوٍ نادرٍ بالعزلةِ الناجمةِ عن الانتقاداتِ الدولية لحربِ إسرائيل في غزة. وقال إن إسرائيل تواجه تهديداً اقتصادياً يتمثّل في التعرّض لعقوباتٍ وإجراءاتٍ أخرى.

وقال محللون لصحيفة وول ستريت جورنال إنه في حال عدمِ الضم، قد تتّخذ إسرائيل خطواتٍ لتضييقِ الخناقِ على الاقتصاد الفلسطيني.

تحميل المزيد