غزة تحترق.. والاحتلال مأزوم: لماذا يخشى قادة إسرائيليون من تبِعات العملية البرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/16 الساعة 10:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/16 الساعة 11:47 بتوقيت غرينتش
قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي/shutterstock

أعلن الاحتلال الإسرائيلي، الثلاثاء 16 سبتمبر/أيلول 2025، إطلاق العملية البرية في مدينة غزة ضمن عملية "عربات جدعون 2"، متباهياً بأن "غزة تحترق"، وسط تحذيرات من أهالي الرهائن ومسؤولين من أن خطوة الجيش ستودي بحياة الرهائن وتلقي بظلال قاتمة على الاقتصاد الإسرائيلي.

وقال مسؤول عسكري إسرائيلي إن قوات الجيش بدأت المرحلة الرئيسية من عمليتها البرية في مدينة غزة، المركز الحضري الرئيسي في القطاع، بعد أن أصدرت إسرائيل أوامر لمئات الآلاف من المقيمين بالإخلاء.

وقال وزير دفاع الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في منشور على موقع إكس: "غزة تحترق. جيش الدفاع الإسرائيلي يضرب البنية التحتية للإرهاب بقبضة من حديد، ويقاتل جنود جيش الدفاع الإسرائيلي بشجاعة لتهيئة الظروف لإطلاق سراح الرهائن وهزيمة حماس".

وقال نتنياهو في مستهل الإدلاء بشهادته أمام محكمة في محاكمة فساد: "لقد أطلقنا عملية عسكرية كبيرة في غزة".

وشهدت غزة فجر الثلاثاء ما وصفه ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بالليالي الأصعب دمويةً منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع الفلسطيني.

وقال سكان إن القصف تصاعد على المدينة بشكل كبير خلال اليومين الماضيين، وسط انفجارات أعنف دمّرت عشرات المنازل، إلى جانب انضمام زوارق حربية إلى الدبابات والطائرات في قصف المناطق الساحلية.

ما نعرفه عن العملية البرية في مدينة غزة

حسب وسائل إعلام عبرية، بدأت فرقتان من جيش الاحتلال الإسرائيلي، تضمان عشرات الآلاف من الجنود، عملية برية موسعة في مدينة غزة مساء الإثنين 15 سبتمبر/أيلول.

وقال جيش الاحتلال إن الفرقتين 162 و98 توسّعان عملياتهما في مدينة غزة، وفي الأيام المقبلة، ستنضم إليهما فرقة ثالثة، وهي الفرقة 36، ما يضيف عشرات الآلاف من الجنود إلى الهجوم، وفق موقع تايمز أوف إسرائيل.

يأتي ذلك بينما تم استدعاء حوالي 60 ألف جندي احتياطي للعملية، بالإضافة إلى 70 ألفاً آخرين موجودين بالفعل في الاحتياط.

وقال مسؤول إسرائيلي إن العملية البرية ستكون "على مراحل وتدريجية" في البداية، حسبما ذكرت شبكة سي إن إن الأمريكية.

ووفق تقديرات حكومية إسرائيلية، يُتوقع أن تستمر العملية البرية في مدينة غزة حوالي ثلاثة أشهر، حسبما ذكرت القناة 12 العبرية.

وبدأ جيش الاحتلال في 11 أغسطس/آب الماضي، الهجوم على المدينة بدءاً بحي الزيتون (جنوب شرق)، وتخلل الهجوم نسف منازل باستخدام روبوتات مفخخة، وقصف مدفعي، وإطلاق نار عشوائي، وتهجير قسري.

وعلى مدى الأسابيع اللاحقة، انتقل الجيش في عملياته الجوية الموسعة وسياسة تدمير الأحياء السكنية إلى حي الصبرة جنوباً، ثم إلى أحياء شمال المدينة، ولاحقاً غربها.

ومنذ ذلك الوقت وحتى مساء السبت الماضي، دمّر جيش الاحتلال الإسرائيلي بشكل كامل أو جزئي أكثر من 3600 بناية وبرج في مدينة غزة، فيما دمّر نحو 13 ألف خيمة تؤوي نازحين، وفق بيان للمكتب الإعلامي الحكومي.

محاولات إسرائيلية لتهجير السكان في مدينة غزة

وبالتوازي مع تكثيف القصف الجوي والمدفعي، والتلويح بعمليات تدمير واسعة، وبدء الاجتياح البري، يرى فلسطينيون في المدينة أنها محاولة لإجبارهم على النزوح والتوجه إلى جنوب القطاع.

وأطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي تهديداته للسكان عبر اتصالات أجراها بشكل مباشر مع فلسطينيين يعيشون في المدينة، أو من خلال بيانات نشرها على منصاته المختلفة، أو منشورات أسقطها عبر الجو.

وفي أحدث تهديداته، ألقى جيش الاحتلال الإسرائيلي منشورات ورقية على مدينة غزة قال فيها: "إذا وجدت هذا المنشور، فأنت في منطقة قتال خطيرة، يجب عليك الإخلاء عبر شارع الرشيد، حتى سيراً على الأقدام جنوباً من وادي غزة".

إلى جانب ذلك، فقد استخدم جيش الاحتلال الإسرائيلي تكتيك الرسائل المسجلة التي تبثها مسيّراته عبر مكبرات صوت، وتطالب الفلسطينيين بالإخلاء.

لكن الفلسطينيين، الذين يدركون أن المناطق الجنوبية تتعرض هي الأخرى لقصف إسرائيلي مكثف ومجازر دموية، ينزحون من منطقة إلى أخرى داخل حدود مدينة غزة، رافضين التوجه إلى الجنوب.

وشارك الإعلام العبري في بث رسائل لإجبار الفلسطينيين على النزوح إلى الجنوب، حيث كان ينشر بين الفينة والأخرى أنباء تفيد ببدء عمليات مكثفة واجتياح بري للمدينة.

النزوح من رفح
خيام النازحين في مدينة رفح قبل التوغل الإسرائيلي البري/ رويترز

لكن صحيفة هآرتس نقلت عن مصادر عسكرية أن "هيئة الأركان الإسرائيلية قلقة إزاء بطء نزوح سكان مدينة غزة".

وفي ضوء ما يروّج له الجيش، فقد زعم متحدثه أفيخاي أدرعي في بيان أن "أكثر من 40% من الفلسطينيين الذين يقطنون مدينة غزة غادروها".

إلا أن المكتب الإعلامي الحكومي بغزة سبق أن أكّد وجود أكثر من مليون فلسطيني في المدينة.

ورغم القصف المكثف، يرفض غالبية الفلسطينيين في غزة النزوح إلى منطقة الجنوب لافتقارها لأدنى مقومات الحياة، فيما عاد عدد كبير من الذين نزحوا إلى الجنوب إلى مدينة غزة.

وخلال الأسابيع الماضية، كثّف جيش الاحتلال الإسرائيلي من استهدافه للأبراج والعمارات السكنية في غزة، في سياسة يقول مسؤولون فلسطينيون إنها تهدف لإجبار الناس على النزوح من المدينة إلى جنوب القطاع.

تحذيرات من شنّ العملية البرية في مدينة غزة

وبينما تصرّ حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المتطرفة، على المضي قدماً في خطتها لاحتلال مدينة غزة، أعرب كبار قادة المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، وفي مقدمتهم رئيس أركان الجيش الفريق إيال زامير، ورؤساء الموساد والشين بيت والمخابرات العسكرية، عن مخاوفهم إزاء خطة احتلال غزة، وطالبوا نتنياهو بعدم شنّ العملية البرية.

وحذّر قادة المؤسسة الأمنية من أن العملية البرية:

* ستعرّض حياة الرهائن الإسرائيليين الذين لا يزالون محتجزين في غزة للخطر.

* ستؤدي إلى خسائر فادحة في صفوف الجيش الإسرائيلي.

* ستفشل في تفكيك حماس.

* ستجبر إسرائيل على فرض حكم عسكري مباشر على سكان غزة البالغ عددهم مليوني نسمة.

ونقلت وكالة رويترز عن ثلاثة مسؤولين إسرائيليين أن رئيس الأركان زامير دعا نتنياهو إلى السعي للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وذلك خلال اجتماع عقده رئيس الوزراء مع قادة الأجهزة الأمنية في وقت متأخر من يوم الأحد الماضي لمناقشة الهجوم على مدينة غزة.

ولم تقتصر التحذيرات من شنّ العملية البرية في مدينة غزة وخطة احتلال المدينة على قادة المؤسسة الأمنية فحسب، حيث أصدر منتدى عائلات الرهائن والمفقودين بياناً حذّروا فيه من أن قرار نتنياهو بشنّ الهجوم البري يعرّض الرهائن للخطر.

وأشارت العائلات إلى أنها "تلقت بقلق بالغ تقارير العملية المكثفة التي بدأت الليلة في مدينة غزة".

المرحلة الثانية من اتفاق غزة
عناصر من كتائب القسام/ الأناضول

وأضافت: "يوجد عدد كبير من المختطفين الأحياء في مدينة غزة، ونتنياهو يتحمّل المسؤولية الشخصية عن مصيرهم".

وأردفت: "يختار رئيس الوزراء عمداً التضحية بهم على مذبح الاعتبارات السياسية، متجنباً تماماً التطرق إلى موقف رئيس الأركان (إيال زامير) والمسؤولين الأمنيين".

من جانبه، حذّر زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، من أن الهجوم على مدينة غزة "عديم الجدوى"، وسيؤدي إلى مقتل مزيد من الجنود والأسرى الإسرائيليين.

وأضاف لابيد في تصريحات لموقع يديعوت أحرونوت: "لقد بدأت العملية (بغزة)، لكن لا أحد يعرف كيف ستنتهي، حيث تشير التقديرات الأكثر حذراً إلى أنها ستدخل عام 2026 أيضاً".

وتساءل مستنكراً: "ما هي فكرتهم (أعضاء الحكومة)؟ وهل سنقاتل في غزة إلى الأبد؟ هذا لا معنى له".

فيما قال يائير غولان، رئيس حزب الديمقراطيين الإسرائيلي، في تدوينة على موقع إكس، إن نتنياهو، ومن أجل بقائه في الحكم، شنّ عملية لاحتلال غزة.

تداعيات اقتصادية للعملية البرية

وصبيحة بدء العملية البرية في غزة، انخفضت أسهم بورصة تل أبيب بعد أن أعلن نتنياهو عن شنّ الهجوم البري.

وانخفض مؤشر بورصة تل أبيب القياسي TA-125 بنسبة 1.8%، وانخفض مؤشر TA-35 للشركات القيادية بنسبة 1.6%، بينما انخفض مؤشر TA-90، الذي يتتبع الأسهم ذات القيمة السوقية الأعلى وغير المدرجة في مؤشر TA-35، بنسبة 2.3%. كما انخفض مؤشر TA-Insurance بنسبة 2.9%.

وقال جوناثان كاتس، كبير الاقتصاديين في ليدر كابيتال ماركتس، لصحيفة تايمز أوف إسرائيل: "إن بدء الهجوم على مدينة غزة خيّب آمال المستثمرين، بعد أن دفعت التوقعات بوقف إطلاق نار محتمل مؤشرات أسهم تل أبيب إلى مستويات قياسية في أغسطس/آب".

مدينة
مدينة "تل أبيب" العاصمة الاقتصادية لدولة الاحتلال/ أرشيفية (رويترز)

وأضاف: "يعني الهجوم استمرار تكاليف الحرب، وزيادة الإنفاق، وارتفاع عجز الموازنة، وهو ما يؤثر سلباً على التصنيف الائتماني لإسرائيل".

يأتي ذلك بينما حذّر عشرات من كبار الخبراء الاقتصاديين في إسرائيل، الإثنين 15 سبتمبر/أيلول، من أن قرار الحكومة باحتلال غزة سيضر بكل من غزة وإسرائيل، مشيرين إلى الأضرار الاقتصادية الناجمة عن التكاليف الباهظة للحفاظ على الوجود العسكري والعقوبات الأوروبية التي ستضرّ بالتجارة.

ووقّع 80 خبيراً اقتصادياً، من بينهم مسؤولون سابقون في وزارة المالية وبنك إسرائيل، على بيان حذّر من أن هذه الخطوة ستُدخل إسرائيل في أزمة اقتصادية خانقة، وتُضعف قدرتها المالية، وتُؤدي إلى زيادات ضريبية وتخفيضات في الخدمات الاجتماعية، بل وتُعرّض التصنيف الائتماني للبلاد للخطر.

وأكد البيان الذي أورده موقع والا العبري أن "احتلال غزة سيُجرّ الاقتصاد الإسرائيلي إلى تدهور خطير. وهذا ليس تهديداً اقتصادياً فحسب، بل تهديداً مباشراً للأمن القومي، إذ إن اقتصاداً ضعيفاً لن يكون قادراً على تحمّل تكلفة الحملة العسكرية على المدى الطويل".

ووفقاً للبيان، فإن العواقب الاقتصادية تشمل:

* تسارع هجرة الأدمغة والتراجع الحاد في الإنتاجية والناتج المحلي.

* زيادة نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي، مع خطر حقيقي بحدوث أزمة ديون.

* أعباء مالية مباشرة على الميزانية تُقدّر بعشرات المليارات من الشواكل نتيجة لتجنيد الاحتياط والتسليح والمعدات، ما يعني زيادة الضرائب.

* إنفاق ما يقارب 60 مليار شيكل على الإدارة العسكرية والبنية التحتية والخدمات الإنسانية لسكان غزة.

* مخاطر فرض عقوبات اقتصادية من قبل الدول الأوروبية والشركاء التجاريين الرئيسيين.

تحميل المزيد