شهدت دولة الاحتلال الإسرائيلي واحدة من أوسع الاحتجاجات والإضرابات العامة في تاريخها الحديث، وذلك بعد أن دعت عائلات الأسرى والجنود القتلى في غزة والنقابات العمالية إلى شلّ الحياة العامة في "إسرائيل"٬ للضغط على حكومة بنيامين نتنياهو من أجل إبرام صفقة تبادل مع حركة حماس وإنهاء الحرب.
الإضراب العام الذي شارك فيه يوم الأحد 17 أغسطس 2025 أكثر من مليون شخص٬ وتقول اللجنة المنظمة وعائلات الأسرى إن عدد المشاركين تجاوز 2.5 مليون شخص، انضمّت إليه نقابات مهنية وجامعات وشركات كبرى، وتحول سريعاً إلى موجة احتجاجية واسعة بمناطق متفرقة في "إسرائيل" تخللتها مواجهات عنيفة مع الشرطة الإسرائيلية٬ فيما يحذر خبراء من أضرار اقتصادية إذا استمر هذا النوع من الإضرابات.
إضراب مليوني.. ماذا يحدث في "إسرائيل"؟
- كان الهدف الرئيسي من هذا الإضراب غير المسبوق حجماً ونوعاً٬ الضغط على الحكومة الإسرائيلية لإبرام صفقة تبادل أسرى مع حركة حماس وإنهاء الحرب، وسط اتهامات بتجاهل السلطات لمعاناة الرهائن وعائلاتهم.
- وأكدت هيئة عائلات الأسرى في بيانها أن الإضراب شمل تعطيل مرافق حيوية وشركات كبرى، وأن انتهاء الفعاليات في "ساحة الأسرى" بتل أبيب لا يعني نهاية الحراك٬ بل سيستمر الضغط من خلال دعوات للمشاركة في مظاهرات وإضرابات إضافية حتى إعادة جميع الأسرى. رفع المتظاهرون شعارات مثل "لن نسمح للحكومة بالتضحية بالمختطفين"، معبرين عن رفضهم لسياسات الحكومة التي تتجه لتوسيع الحرب واحتلال مدينة غزة كما صرح بذلك نتنياهو.
- كان الإضراب قد أُعلن عنه في 10 أغسطس خلال مؤتمر صحفي في تل أبيب، حيث أعلنت عائلات الأسرى نيتها شل الحياة العامة في 17 من الشهر ذاته لإجبار الحكومة على التحرك.
ما هي أبرز القطاعات التي شاركت في أكبر احتجاجات ضد حكومة نتنياهو؟
- شهد الإضراب مشاركة كبيرة من قطاعات متنوعة، حيث انضمت نقابات كبرى مثل نقابة المحامين والأطباء، إلى جانب منتدى رجال الأعمال. كما شاركت جامعات بارزة مثل جامعة بن غوريون في النقب، والجامعة المفتوحة في تل أبيب، والجامعة العبرية في القدس الغربية. انضمت أيضاً مئات الشركات الخاصة، والبلديات، والمنظمات، بالإضافة إلى عشرات الفنانين، المشاهير، والرياضيين الذين أعلنوا دعمهم علناً.
- من بين الجهات المشاركة، سمح اتحاد عمال مطار بن غوريون للعاملين بالانضمام بشكل فردي، محذراً من تأخيرات محتملة. كما انضمت شركات عالمية مثل "مايكروسوفت"، "ميتا"، "ويكس"، و"تنوفا". أما التجمع المركزي في تل أبيب، فقد جذب عشرات الآلاف مطالبين بصفقة تبادل حتى لو تطلبت وقف الحرب في غزة.
- وبدأت الفعاليات صباحاً بمسيرات ووقفات احتجاجية عند مداخل المدن، تلتها مسيرة للأطباء بمعاطفهم البيضاء نحو ميدان المخطوفين. أغلق المتظاهرون طرقاً رئيسية مثل تلك في رعنانا، شيلات، نحشون، ونهلال، وأشعلوا النيران في بعض المناطق، مما أدى إلى تعطيل حركة السير بشكل كبير.
- ونظمت مظاهرات متفرقة في القدس، حيفا، وبئر السبع، بالإضافة إلى مسيرات مركبات على الطرق السريعة. و أغلق المتظاهرون محاور مركزية وأضرموا النار في إطارات مطاطية، مما زاد من الفوضى المرورية وأدى لاندلاع مواجهات مع الشرطة التي قامت باعتقال عشرات الإسرائيليين.
- واندلعت مواجهات شديدة بين آلاف المتظاهرين والشرطة أمام مقر حزب "الليكود" في تل أبيب، الذي يقوده بنيامين نتنياهو٬ حيث انطلقت مسيرة من ساحة "هاتوفيم" نحو المقر رغم تحذيرات الشرطة، مما أدى إلى محاولات منع الوصول واشتباكات عنيفة. أشعل المتظاهرون إطارات في شارع الملك جورج، واعتقلت الشرطة ستة أشخاص على الأقل.
من أبرز السياسيين الذين انضموا للاحتجاجات؟
- انضم الرئيس الإسرائيلي إسحاق هيرتسوغ إلى الاحتجاجات فيما يعرف بـ"ميدان المخطوفين"، معبراً عن تضامنه مع العائلات وقائلاً: "لن ننسى المخطوفين وسنبذل قصارى جهدنا لإعادتهم"٬ دعا أيضاً المجتمع الدولي للضغط على حماس للإفراج الفوري عنهم٬ على حد تعبيره.
- كما شارك زعيم المعارضة يائير لابيد في المظاهرات، مشاركاً فيديو عبر "إكس" يقول فيه: "نعطل الدولة اليوم لأن الحكومة لا يمكنها التضحية بأسرانا. سنواصل الكفاح حتى عودتهم، وسيكون هناك صفقة ووقف للحرب". وأضاف لابيد: "لن يوقفونا، لن يرهقونا، ولن يجعلونا نيأس.. سنواصل الكفاح حتى يعود الأسرى إلى بيوتهم. ستكون هناك صفقة، ستتوقف الحرب، وكل من له بيت سيعود إليه".
- وتتهم المعارضة التي يقودها لابيد٬ وعائلات الأسرى٬ نتنياهو بإفشال المفاوضات مراراً وتكراراً لأسباب سياسية، بينما أعلنت حماس استعدادها لإطلاق الأسرى مقابل إنهاء الحرب وانسحاب الجيش من غزة والإفراج عن أسرى فلسطينيين. تقدر إسرائيل وجود 50 أسيراً في غزة، منهم 20 حياً، مقابل أكثر من 10,800 فلسطيني (بحسب ما هو معلن فقط) في السجون الإسرائيلية يعانون من التعذيب والإهمال. ومنذ 7 أكتوبر 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أمريكي إبادة جماعية في غزة، أدت إلى استشهاد 61,944 فلسطينياً وإصابة 155,886 آخرين، معظمهم أطفال ونساء، بالإضافة إلى آلاف المفقودين والنازحين، ومجاعة أودت بحياة 251 شخصاً، بما في ذلك 108 أطفال، متجاهلة أوامر محكمة العدل الدولية.
"متعاطفون مع حماس".. كيف ردت حكومة نتنياهو على الإضراب الكبير؟
- هاجم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزراءه، فعاليات الإضراب والمظاهرات التي نظمها أهالي الأسرى المحتجزين بغزة. ووصف نتنياهو المتظاهرين بأنهم "متعاطفون مع حماس".
- ونقلت هيئة البث الرسمية عن نتنياهو قوله في مستهل جلسة الحكومة الأسبوعية: "الذين يدعون اليوم لإنهاء الحرب دون القضاء على حماس، لا يكتفون بتقوية مواقفها وإبعاد صفقة إعادة أسرانا، بل يضمنون أن تعود فظائع السابع من أكتوبر (تشرين الأول 2023)، وأن نجد أنفسنا في حرب لا نهاية لها".
- من جهته٬ وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، قال في منشور على منصة شركة إكس" إن الإضراب "يعزز قوة حركة حماس ويُبعد استعادة الأسرى"٬ على حد وصفه.
- بينما قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن "شعب إسرائيل يستيقظ هذا الصباح على حملة سيئة وخطيرة نظمت لصالح حماس، وتدفن الأسرى في الأنفاق". وأوضح في تدوينة على "إكس" أن "حملة الإضراب تحاول دفع الدولة للاستسلام لأعدائها وتعريض أمنها ومستقبلها للخطر"، على حد وصفه.
- أمّا وزير الثقافة والرياضة ميكي زوهر، فاعتبر أن إغلاق المحاور المركزية في "إسرائيل" هو جائزة مجانية للعدو، بينما قالت وزيرة المواصلات ميري ريغف إن حفنة صغيرة حوّلت التضامن مع المخطوفين إلى حملة سياسية، فأضرّت بالوحدة الوطنية وعززت قوة "حماس".
- لكن في المقابل، رد يائير لبيد على هذه التصريحات وهاجم الحكومة قائلاً: "لا أحد عزّز من قوة 'حماس' أكثر منكم. أنتم مَن نقل إليها الأموال، وسمحتم لها بالتعاظُم على مدار عدة أعوام، والكارثة وقعت في عهدكم." وأضاف أن "الشيء الوحيد الذي سيُضعف 'حماس' هو إسقاط حكومة الشرّ الفاشلة، بينما ما يقوِّي الدولة حقاً هو روح التضامن والالتزام المتبادَل التي يبديها المواطنون اليوم."
- من جانبه، شدّد رئيس حزب "أزرق أبيض" عضو الكنيست بني غانتس على أن مهاجمة عائلات المخطوفين الإسرائيليين بينما يقبع أولادهم في أَسْرِ "حماس" منذ نحو عامين "يُضْعِفُنَا ويفرق صفوفنا، بينما دَعْمُهُمْ يقوّينا جميعاً"٬ بحسب وصفه.
ما الأضرار الاقتصادية المتوقعة لهذا الإضراب؟
- حول تأثير الإضراب والمظاهرات على الداخل الإسرائيلي، أفادت القناة 12 العبرية، بوجود انخفاض ملحوظ في حجوزات المطاعم، وتسجيل "انخفاض معتدل" في مشتريات بطاقات الائتمان بنسبة 5.5 بالمئة، مقارنة بيوم الأحد الماضي. وأكدت القناة أن الكثير من المطاعم أغلقت أبوابها، اليوم الأحد، بسبب يوم "الإضراب" بمدينة تل أبيب.
- فيما أوردت صحيفة "كالكاليست" الاقتصادية، أن مئات آلاف من الإسرائيليين خرجوا للتظاهر في جميع أنحاء البلاد، للمطالبة بعودة الأسرى ووقف الحرب. ونوهت الصحيفة العبرية "كالكاليست" إلى أنه طوال اليوم، أُغلقت سلسلة من التقاطعات والطرق في جميع أنحاء البلاد، الأمر الذي يترك أثره على الاقتصاد الإسرائيلي.
- وبحسب صحيفة هآرتس٬ وانضمت "عدة مطاعم ومقاهي للإضراب، حيث أغلقت أبوابها أمام الزبائن"، وفق "هآرتس". كما تعطلت الكثير من خطوط المواصلات في أنحاء البلاد، أبرزها القطارات، ما سبب ازدحامات سير خانقة، وفق إعلام عبري.
محللون: "تبعات خطيرة على إسرائيل"
- تقول الكاتبة والمحللة الإسرائيلية نوا ساتاث٬ في مقال لها بصحيفة هآرتس٬ إن الإضراب، الذي شل جزءاً من الحياة اليومية وأدى إلى اعتقالات ومواجهات، يُستغل من قبل حكومة نتنياهو لصرف الانتباه عن فشل الحرب في غزة وتأخر صفقة التبادل.
- وترى ساتاث أن عواقب استمرار الاحتجاجات والإضرابات وسط تعنت حكومة نتنياهو تشمل تعزيز الانقسام الاجتماعي، حيث يُصور المتظاهرون كـ"داعمين لحماس" من قبل حكومة نتنياهو، مما يؤدي إلى شلل في المقاومة الشعبية واستمرار "الحرب اللانهائية". تؤكد الكاتبة الإسرائيلي أن التأثير الاقتصادي قد يؤدي إلى خسائر طويلة الأمد إذا استمر الحراك.
- في المقابل٬ قالت صحيفة "جيروزاليم بوست"٬ في افتتاحيتها٬ إن الإضراب الذي جرى، مع مشاركة أكثر من مليون شخص، له تبعات دبلوماسية سلبية، حيث يُظهر إسرائيل كدولة ضعيفة ومنقسمة أمام العالم، مما يضعف موقفها في المفاوضات مع حماس. واقتصادياً، أدى الإضراب إلى خسائر في القطاعات مثل المطاعم والمواصلات، وقد يؤدي إلى إضرابات متكررة إذا لم يتم حل قضية الأسرى.
- أما الكاتب والمحلل السياسي في صحيفة "يديعوت أحرونوت"٬ ناحوم برنيع٬ قال إن "الآلاف من المتظاهرين الإسرائيليين لن يسخروا نضالهم ضد حكومة نتنياهو٬ فالاحتجاجات المتكررة والإضرابات والهتافات ستنهي أسوار العزلة التي بنتها الحكومة حولها٬ وإن لم يحدث ذلك، فسيعرف كل جندي احتياط ما عليه فعله إذا ما استدعي للقتال في غزة".
- ويرى برنيع أن "نتنياهو يدفع نتنياهو باتجاه احتلال غزة لأنه نجح في إقناع ترامب بأنها عملية عسكرية سريعة، سيسيطر على غزة، وعندها ستنهار حماس من تلقاء نفسها.. لا أعرف مدى الدعم الذي وعده ترامب به… إن احتلال غزة مقامرة ثلاثية: فمن المشكوك فيه للغاية إمكانية إتمام المهمة هناك بالسرعة التي يريدها ترامب؛ ومن المشكوك فيه أيضاً نجاة الرهائن الإسرائيليين٬ ومن المشكوك فيه أيضًا أن تُهزم حماس.. نتنياهو يُقاتل من أجل صورته فقط٬ ولا يهتم بالعائلات".