“القتلة غير مرحب بهم هنا”.. كيف أصبحت اليونان أسوأ مكان يقصده الإسرائيليون؟

تم النشر: 2025/08/13 الساعة 13:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/13 الساعة 14:49 بتوقيت غرينتش
الإسرائيليون مذعورون: "الجنة اليونانية لم تعد آمنة كما كانت" - عربي بوست

"أرضنا وبحرنا ومجتمعاتنا لا مكان فيها للصهاينة ومؤيدي الإبادة الجماعية.. لن نُتيح وقتاً أو مكاناً ترفيهياً لقتلة الجيش الإسرائيلي، إذا كنت تدعم حرب الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين فأنت غير مرحب بك هنا!". كانت هذه العبارات المناهضة لإسرائيل جزءاً من شعارات ولافتات عديدة رفعها مواطنون وأصحاب محلات وفنادق وقوارب يونانية في عدد من الجزر السياحية التي عادة ما يلجأ إليها الإسرائيليون، وخصيصاً الذين يبحثون عن الاستجمام بعيداً عن صخب الحرب المستمرة منذ عامين في غزة.

ومنذ تصاعد الحرب بين دولة الاحتلال والمقاومة الفلسطينية بعد 7 أكتوبر 2023، ثم الحملة العسكرية الإسرائيلية الموسعة على غزة، وشن جيش الاحتلال حرب تجويع غير مسبوقة بعد مارس/آذار 2025 وحتى الآن، شهدت اليونان تغيّراً واضحاً في المزاج العام، رغم العلاقة الرسمية المتقاربة مع إسرائيل، حيث شهدت الأسابيع والأشهر الماضية موجات احتجاج شعبية قوية تُعارض وجود الإسرائيليين وتقوم بطردهم وملاحقتهم، وتوسم السياح الإسرائيليين بـ"القتلة"

وتصاعد مناهضة "إسرائيل" في اليونان ناجم عن تراكمات تاريخية في المواقف الشعبية تجاه القضية الفلسطينية، تزامن مع المعاناة الإنسانية في قطاع غزة، وتحوّل الخطاب السياسي المحلي (خاصة عند اليسار والأحزاب الصغيرة) إلى تضامن علني مع الفلسطينيين ومناهضة شرسة لـ"إسرائيل" ومواطنيها بصفتهم محتلين للأرض الفلسطينية. 

متظاهرون يونانيون يحاولون منع رسو سفينة إسرائيلية بميناء في جزيرة كريت – facebook

"لا مكان للصهاينة هنا".. موجة تضامن يونانية غير مسبوقة مع الفلسطينيين

  • بعد 7 أكتوبر 2023 شهدت أوروبا عموماً وفئات واسعة من الرأي العام تصاعداً في تعاطفها مع الفلسطينيين، ومناهضة ونبذ غير مسبوقين لدولة الاحتلال الإسرائيلي بسبب استمرار "إسرائيل" في ارتكاب جرائم حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة والضفة. 
  • وساهمت الصور ومقاطع الفيديو للجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال بالإضافة إلى حرب التجويع المستمرة ومشاهدها الصادمة من غزة، في تصاعد الاحتجاجات المناهضة لدولة الاحتلال والصهيونية في اليونان بشكل غير مسبوق. 
  • وعلى مدار الأشهر الماضية، اتخذت الاحتجاجات في اليونان شكلاً منظماً من نبذ الإسرائيليين ومناهضة الصهيونية، من خلال تنظيم عشرات المسيرات والاعتصامات، وشن حملات على السياح الإسرائيليين وطردهم من الفنادق والسواحل في الجزر السياحية اليونانية، بالإضافة إلى نشر إعلانات وملصقات مثل "الموت لجيش الدفاع الإسرائيلي"، على الجدران وفي الطرقات بالمدن اليونانية وكذلك الجزر سياحية التي ظلت وجهة أساسية للإسرائيليين وكذلك جنود الاحتلال. 
"الموت للجيش الإسرائيلي".. "لا مكان لمؤيدي الإبادة الجماعية٬ ولا الصهيونية٬ في بحرنا وشواطئنا".. ملصقات منتشرة في أحياء وشوارع المدن والجزر اليونانية – (عربي بوست)
  • كما حملت بعض الملصقات عبارات مثل: "بعد استيطان يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة) سينتقل (الإسرائيليون) للاستيطان في جزيرة ليسبوس"، كما نُشرت ملصقات لرئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو مصافحاً الزعيم النازي أدولف هتلر ووجه غارق بالدماء.
  • وأعلنت العديد من موانئ الجزر اليونانية رفضها استقبال أي قوارب أو سفن إسرائيلية قائلة بأن "الإسرائيليين غير مرحب بهم هنا" حيث نجح متظاهرون في إفشال وصول سياح إسرائيليين عبر البحر، فيما وقعت أعمال عنف ضد سياح إسرائيليين في أكثر من واقعة، مثل تعرض مجموعة من الشبان الإسرائيليين للضرب في جزيرة رودس، وتعرض سياح إسرائيليين للطعن على يد مواطن يوناني غاضب في العاصمة أثينا قبل بضعة أشهر. 
  • وشهدت جُزُرْ يونانية مثل سيروس، رودوس وكريت ومناطق واسعة من البلاد، مظاهرات يوم الأحد 10 أغسطس/آب تندد بحرب الإبادة الجماعية على غزة، وشرع ناشطون يونانيون في تنظيم مظاهرة كبيرة تعبيراً عن تأييدهم لفلسطين؛ إذ قالت حركة "March to Gaza" إنه "لا يمكن تحويل الشواطئ لأماكن ترفيه وراحة لجنود الجيش الإسرائيلي القتلة". ووزعت أحزاب ونقابات عمالية ومبادرات شعبية منشورات تدعو إلى مقاطعة إسرائيل بالكامل ونبذ مواطنيها، وتُحمّل الجنود والسياح الإسرائيليين مسؤولية جرائم القتل التي ترتكب في قطاع غزة. 
"الجنود الإسرائيليون مجرمو حرب".. "أوقفوا حرب الإبادة الجماعية..الحرية لفلسطين" – ملصقات من الشوارع اليونانية منصة X

الإسرائيليون مذعورون: "الجنة اليونانية لم تعد آمنة كما كانت"

  • كان الإسرائيليون يتعبرون اليونان وجهتهم المفضلة والأقرب على الدوام، وخلال العام الماضي انتقل أكثر من 10,000 إسرائيلي الرحيل إلى اليونان بشكل نهائي، واختار عشرات آلاف آخرين مثلهم العيش في قبرص (اليونانية). وبحسب تقرير لصحيفة "لوموند" الفرنسية، وفقًا للقناة 12 الإسرائيلية، غادر حوالي 30 ألف إسرائيلي البلاد بشكل دائم بين نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 ومارس/ آذار 2024 فقط، بزيادة قدرها 14% مقارنة بالعام السابق خلال الفترة نفسها.
  • يصعب تحديد العدد الدقيق للإسرائيليين الذين وصلوا إلى اليونان بعد 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2023. لكن الحكومة اليونانية قررت تسهيل تمديد تأشيرات السياحة للمواطنين الإسرائيليين من 90 إلى 180 يومًا. وأكدت السفارة الإسرائيلية بشكل غير رسمي زيادة في عدد الإسرائيليين المقيمين في اليونان.
  • من جانبها، تزعم وزارة الهجرة اليونانية أن عدد "التأشيرات الذهبية" الممنوحة للإسرائيليين – وهو برنامج يسمح للأجانب الذين يستثمرون ما لا يقل عن 250 ألف يورو في العقارات بالحصول على تصريح إقامة لمدة خمس سنوات – قد ارتفع بنحو 70% منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
  • وسلّط تقرير نشرته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الأسبوع الماضي، الضوء على الإسرائيليين الذين يزورون اليونان أو الذين انتقلوا للعيش فيها وشراء عقارات لهم هناك بعد الحرب، وخصيصاً في جزيرة ليسبوس اليونانية، حيث يعيش عدد كبير من الإسرائيليين الذين انتقلوا إليها في السنوات الأخيرة بحثاً عن حياة هادئة بعيداً عن الحرب والغلاء في إسرائيل، حيث يدير بعضهم بيوت ضيافة، والآخر يعمل عن بُعد أو يعيش تقاعداً مريحاً.
  • بحسب الصحيفة، يشكو هؤلاء الإسرائيليون من مطاردتهم في الشوارع والمطاعم والفنادق والشواطئ، فيما تلاحقهم ملصقات ولافتات ضد إسرائيل وجيشها وقادتها. وفي مقابلات أجرتها الصحيفة مع إسرائيليين يسكنون هناك قالوا إنهم "شعروا بأن اليونان لم تعد مريحة كما كانت في السابق"، وأن الجو العام أصبح عدائياً ضد كل ما هو إسرائيلي. وقد حاول بعضهم، حسب الصحيفة، التوجه للمسؤولين في البلدية، "لكنهم تلقوا إجابات متحفظة مفادها أن هذه أعمال فردية"، وهو ما زاد شعورهم بالإحباط.
  • وأفادت يديعوت أحرنوت بأن "ثمة ادعاءات بأن وراء هذه الحملة تمويلاً خارجياً وربما دعماً تركياً، بهدف إضعاف السياحة الإسرائيلية في الجزيرة"، فيما بدأ "بعض الإسرائيليين بالتفكير في مغادرة المكان، وآخرون يحاولون الصمود"، مشيرةً إلى أن الثابت هو أن "الكل يشعرون بأن الفقاعة انفجرت، وأن الجنة اليونانية لم تعد آمنة كما كانت بالنسبة للإسرائيليين".
  • وفي أثينا ومدن يونانية أخرى، فإن الوضع يزداد توتراً ضد الإسرائيليين؛ حيث سُجلت أخيراً اعتداءات جسدية ولفظية ضد إسرائيليين، "لأنهم تحدثوا بالعبرية في الأماكن العامة". وفي إحدى الحالات، "تعرض إسرائيلي للهجوم من نشطاء مؤيدين لفلسطين، وتمكن من الهرب إلى مطعم واختبأ في الحمام حتى جاءت الشرطة". وفي بعض الشواطئ، طلب السكان المحليون من السياح الإسرائيليين المغادرة، وفي حالات أخرى رشقهم السكان المحليون بالحجارة والخضروات.
  • وتقول صحيفة يديعوت أحرنوت، رغم أن الحكومة اليونانية تحافظ على علاقات جيدة مع إسرائيل وتدين "الأعمال العنيفة"، إلا أن الوضع في الشارع أكثر تعقيداً، وهناك مشاعر عدائية متزايدة تجاه الإسرائيليين المقيمين في أثينا. حيث بعض هؤلاء مستثمرون في العقارات أو مرشدو سياحة، يشيرون إلى انخفاض في الطلب على السياحة الإسرائيلية، ويؤكدون أن الوضع تغير فبدلاً من الحديث عن الطعام والترفيه، أصبحوا يتحدثون عن العداء لإسرائيل.
  • وفي تقرير آخر لصحيفة يديعوت، قال سياح إسرائيليون إنهم باتوا يخترعون هويات جديدة لأنفسهم عند سفرهم إلى اليونان حتى لا يقعوا في مشاكل أو يعرضوا أنفسهم إلى الخطر، حيث تقول سائحة إسرائيلية إنه إذا طلب منها التعريف عن نفسها ستقول "إنني من مالطا"، فيما يفضل سياح آخرون تعريف أنفسهم بأنهم "مجريون" أو "برتغاليون" وغيرها من الجنسيات الزائفة.

حكومة الاحتلال تجلي بعثتها الدبلوماسية.. وعمدة أثينا: "لا نأخذ الدروس من قتلة الأطفال"

  • الاحتجاجات الأخيرة المناهضة لإسرائيل دفعت حكومة الاحتلال إلى إجلاء بعثتها الدبلوماسية في اليونان يوم الأحد 10 آب/أغسطس خشية من تعرضهم لاعتداءات، وحثّت وزارة الخارجية الإسرائيليين في اليونان على تجنب الاحتجاجات، والامتناع عن إظهار الرموز الإسرائيلية، والبقاء في حالة تأهب في الأماكن المزدحمة، وإبلاغ عائلاتهم بموقعهم.
  • سبق ذلك، تنديد من قبل الحزب الشيوعي اليوناني لتصريحات صحفية لسفير إسرائيل في أثينا نعوم كاتس، والتي أعرب فيها عن "انزعاجه من شعارات (جرافيتي) داعمة لفلسطين مكتوبة على جدران بالعاصمة أثينا". وانتقد الحزب -في بيان- حديث كاتس عن "مخاوف أمنية على السياح الإسرائيليين"، مشدداً على أنها تصريحات "مخزية".
  • لكن الرد غير المتوقع بالنسبة للإسرائيليين، جاء من رئيس بلدية أثينا، هاريس دوكاس، الذي رفض بشكل قاطع تصريحات السفير الإسرائيلي واعتبرها "تدخلاً غير مقبول في الشؤون الداخلية لمدينته".
  • وقال دوكاس، القيادي في حزب "باسوك" الاشتراكي المعارض، إن "بلدية أثينا لا تقبل تلقي دروس في الديمقراطية من أولئك الذين يقتلون المدنيين والأطفال يومياً في غزة بالقنابل والجوع والعطش".  وأضاف: "أثينا، عاصمة دولة ديمقراطية، تحترم زوارها، لكنها تدافع أيضا عن الحق في حرية التعبير لمواطنيها". واختتم رئيس بلدية أثينا منشوره بالقول: "المثير للسخط أن يركز السفير الإسرائيلي على كتابات على الجدران، في حين تُرتكب إبادة جماعية لا سابقة لها ضد الفلسطينيين في غزة".
  • وأثارت هذه التصريحات والتحركات غضب وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، الذي هاتف نظيره اليوناني للتعبير عن المخاوف الإسرائيلية من حالة العداء للإسرائيليين. وفي هذا الصدد، "حذّر المجلس الإسرائيلي في اليونان" مما وصفه بـ"تصاعد معاداة السامية"، زاعماً أن "معاداة السامية لا تتوقف على اليهود فحسب". فيما يقول الناشطون المؤيدون لفلسطين والأحزاب اليونانية إن فعاليتهم موجهة ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي وليست ضد اليهود، وأن دوافعهم هي التضامن مع الفلسطينيين.

تاريخياً.. ما طبيعة العلاقة بين اليونان وإسرائيل؟

  • تاريخياً، يختلف الموقف الرسمي للسياسة الخارجية اليونانية الحالية، بشكل صارخ عن سياستها التقليدية المؤيدة للفلسطينيين أثناء الحرب الباردة، حينما لم تكن اليونان وإسرائيل قد طورتا بعد علاقات دبلوماسية كاملة. وعندما قام مناحيم بيغن، بغزو لبنان لتدمير منظمة التحرير الفلسطينية في 1982، قامت السفن اليونانية بنقل ياسر عرفات، إلى بر الأمان في أثينا، وكانت العلاقات جيدة بين عرفات والزعماء اليونانيين. وفي ذلك الوقت، كان الفلسطينيون المغتربون ينظمون دون أي عوائق مظاهرات متكررة في شوارع أثينا بدعم من الأحزاب اليسارية اليونانية، للترويج لقضيتهم في اليونان وأوروبا عموماً.
  • لكن التقارب بين إسرائيل واليونان بدأ في عام 1990، عندما اعترف رئيس الوزراء الأسبق كونستانتين ميتسوتاكيس، بإسرائيل بشكل كامل وهو ما اعتبره ضروريا "لاستعادة وإرساء السلام في المنطقة" على حد وصفه. ومنذ أواخر التسعينيات وخلال العقدين الأخيرين، انعطف المسار الرسمي بين اليونان وإسرائيل نحو تقارب استراتيجي كبير، شمل صفقات تجارية وتدريبات عسكرية مشتركة، تعاون في الطاقة (خطوط أنابيب ومشروعات شرق المتوسط)، وتنسيق أمني واستخباراتي. 
  • خضعت العلاقات الإسرائيلية اليونانية لاختبارٍ صعب خلال الحرب بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر 2023. فبينما فضّلت اليونان اتخاذ موقفٍ متوازنٍ على مستوى الأمم المتحدة، حرصت على ترسيخ شراكتها الاستراتيجية مع دولة الاحتلال في الأوقات العصيبة. وطوال عام 2024 دعمت اليونان "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، وأدانت الهجمات الإيرانية على دولة الاحتلال. لكن في الوقت نفسه، ركزت على الكارثة الإنسانية في غزة، ودعت إلى وقف الحرب وحل الدولتين. 
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يلتقي رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في القدس المحتلة، في 23 أكتوبر 2023 – رويترز
  • شعبياً، أظهرت استطلاعات رأي يونانية (مجمّعة عبر مراكز استطلاع محلية مثل Prorata وقياسات إعلامية) أن أغلبية اليونانيين يعارضون إسرائيل، وذكرت صحيفة كاثيميريني اليومية، نتائج شركة "كيو إي دي" للأبحاث الاجتماعية الشهر الماضي (تموز 2025)، أن المشاعر العامة تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني أصبحت أكثر وضوحاً إلى حد كبير، حيث أعربت أغلبية اليونانيين عن معارضتهم لإسرائيل وتعاطفهم النسبي مع الفلسطينيين.
  • وفيما يتعلق بالحرب الدائرة في غزة، كشف الاستطلاع أن 35% من اليونانيين يعتبرون "إسرائيل" هي المسؤولة الأولى، ونحو 25% ينسبون اللوم إلى جميع الأطراف، و10% فقط يلقون اللوم على الولايات المتحدة والغرب. وبحسب شركة استطلاع أخرى تدعى Prorata، فإن 20% فقط من اليونانيين يقولون حاليا إنهم يشعرون بالقرب من "إسرائيل"، بانخفاض عن 34% في نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
تحميل المزيد