بعد أكثر من 653 يوماً حرب الإبادة الجماعية على غزة٬ يستفيق سكان قطاع غزة على واقع شديد القسوة لا يرحم٬ مأساة يومية تُرسم على وجوه الجوعى والعطشى، تتفنن في صناعتها سياسة إسرائيلية أمريكية ممنهجة٬ حولت فيها الغذاء إلى سلاح للقتل وإزهاق أرواح عشرات الأطفال خلال أيام قليلة أو حتى ساعات.
في ساحات انتظار المساعدات التي يعلوها الركام والدمار٬ تتبدّد الأرواح كما لو أنها لم تكن. أطفال يلفظون أنفاسهم الأخيرة٬ بسبب الرصاص أو الجوع٬ وأمهات يسنتجِدن حفنة طحين، وآباء يبحثون عن فتات نجاة بين زخات رصاص في مراكز المساعدات٬ فيما ترحلّ الغارات الجوية النازحين من خيمة إلى أخرى٬ دون خيط أمل يلوح في الأفق.
تقول السلطات في القطاع٬ إن غزة أصبحت على أعتاب أكبر مجزرة جوع جماعية في التاريخ الحديث٬ جريمة تجويع متكاملة الأركان لا تحدث في العصور الوسطى٬ بل في عصور التحضر التي ينادى فيها لحقوق الحيوان قبل الإنسان. جريمة تجويع يشاهدها العالم عبر شاشات التلفاز٬ وكأنها "لعبة حبّار" يومية٬ لآلاف يصطفّون تحت الشمس الحارقة في طوابير مميتة، المئات يُقتلون بينما يحاولون الوصول إلى مراكز توزيع الغذاء التي يحرسها مرتزقة أمريكيون وجنود إسرائيليون بعدما تم إقصاء المنظمات الإنسانية الفاعلة٬ ومن يحظى بحفنة طحين فقد حاز قوت يومه٬ وسيخرج في الصباح مجدداً في رحلة الموت وهو يحمل روحه على كفه ولا يعلم إن كان سيعود لأسرته حياً أم محمولاً على الأكتاف.
غزة تموت جوعاً.. حقيقة لا مجازاً
- شهد هذا الصيف ارتفاعاً في معدلات القتل اليومي للفلسطينيين في قطاع بمعدل 100 روح يتم قتلها يومياً بالقنابل أو الرصاص أو التجويع، فيما يعاني نحو 2.2 مليون إنسان بالفعل من آلام الجوع الشديد وسط حملة تجويع جماعي من صنع الاحتلال وداعميه. أصبح قطاع غزة الذي تحاصره دولة الاحتلال وحتى مصر وبتواطؤ من المجتمع الدولي، المكان الأكثر خطورة في العالم بالنسبة للأطفال، الذين يشكلون حوالي نصف السكان.
- في بداية الحرب٬ وتحديداً في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وصفت اليونيسف غزة بأنها "مقبرة للأطفال، وجحيمٌ للجميع". وقد ردد هذا الكلام العديد من مسؤولي الأمم المتحدة على مدار 21 شهراً من الحرب، وآخرهم رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليب لازاريني، الذي حذّر يوم الأسبوع الماضي من "مخطط إسرائيل الماكر للقتل" في غزة.

- في الوقت ذاته٬ استشهد 73 طفلاً خلال الـ48 ساعة الماضية بسبب الجوع وسوء التغذية٬ الذي يفرضه جيش الاحتلال على القطاع المحاصر والمدمر. وتتسبب الصواريخ والشظايا في تمزيق أجساد الأطفال الهشة في الأسواق المفتوحة، وفي نقاط جمع المياه، وفي مواقع توزيع المساعدات، وأثناء انتظارهم في طوابير للحصول على المكملات الغذائية.
- وأفادت وزارة الصحة في القطاع أن هناك أكثر من 922 شهيداً و6 آلاف مصاب من الباحثين عن لقمة العيش عند مراكز المساعدات الأمريكية٬ حيث يفتح الاحتلال الإسرائيلي ومرتزقة أمريكيون النار يومياً على منتظري المساعدات الموجوعين.
- وارتفع عدد الأطفال الذين توفوا بسبب الجوع وسوء التغذية في قطاع غزة إلى 73 طفلاً بسبب سوء التغذية والجوع الشديد بحسب المكتب الإعلامي في غزة حتى ظهر الأحد 20 يوليو/تموز 2025. وأوضحت وزارة الصحة في غزة أن القطاع يمرّ فعلياً في مرحلة مجاعة شديدة يفرضها الاحتلال الإسرائيلي، تتجلى في النقص الحاد بالمواد الغذائية الأساسية وتفشّي سوء التغذية، في ظل عجز تام في الإمكانيات الطبية. وأشارت إلى أن الطواقم الصحية ترصد يومياً حالات وفاة نتيجة الجوع، في ظل غياب أي استجابة دولية فعالة.
- صباح الأحد، أطلقت سيارات الإسعاف الفلسطينية صافرات الإنذار أمام ثلاثة مستشفيات رئيسية في غزة في وقت واحد، في نداء عاجل لتسليط الضوء على أزمة الجوع في القطاع. ونشرت وزارة الصحة صوراً على مواقع التواصل الاجتماعي لأطباء يحملون لافتات ورقية تُنذر بسوء التغذية ونقص الأدوية لدى الأطفال. وفي شمال غزة، قال مدير مستشفى الشفاء أبو سلمية، إن المستشفى سجل 79 حالة وفاة بسبب سوء التغذية خلال الشهر الماضي فقط.
- وبحسب تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في أيار 2025، فإن أكثر من 1.95 مليون شخص، أي ما يعادل 93% من سكان غزة، يعانون من انعدام حاد في الأمن الغذائي. ويواجه ما لا يقل عن 470 ألف شخص "جوعاً كارثياً" (المرحلة الخامسة)، فيما يحتاج نحو 71 ألف طفل و17 ألف أم إلى تدخلات عاجلة لعلاج سوء التغذية الحاد.
- وفقاً لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الصادر في أيار 2025، يعاني أكثر من 1.95 مليون شخص، أي ما يزيد عن 93% من سكان القطاع، من انعدام حاد في الأمن الغذائي، وتحديداً ضمن المراحل الثالثة إلى الخامسة.
أطنان المساعدات مكدسة بمعبر رفح بينما تموت غزة جوعاً
- بدورها٬ أكّدت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تتعمّد تجويع المدنيين في قطاع غزة، بمن فيهم أكثر من مليون طفل، يعاني العديد منهم من سوء تغذية حاد ويواجهون خطر الموت الوشيك.
The Israeli Authorities are starving civilians in #Gaza.
— UNRWA (@UNRWA) July 20, 2025
Among them are 1 million children.
Lift the siege: allow UNRWA to bring in food and medicines. pic.twitter.com/l2ZpA4Or4j
- وقالت الوكالة في بيان إن لديها ما يكفي من المواد الغذائية لتغطية احتياجات سكان القطاع لأكثر من ثلاثة أشهر، وهي "مخزّنة في مستودعات على الجانب المصري من معبر رفح"، إلا أن الحصار الإسرائيلي المفروض يمنع إدخالها.
- وفي منشور عبر منصة "إكس"، طالبت "الأونروا" برفع الحصار فوراً والسماح لها بإدخال الغذاء والدواء، وناشدت سلطات الاحتلال قائلة: "إرفعوا الحصار، إسمحوا للأونروا بالقيام بعملها ومساعدة المحتاجين، ومن بينهم مليون طفل".
- واستنكرت حركة حماس، يوم الأحد الوضع في قطاع غزة٬ وتكدس آلاف الأطنان من المساعدات بمعبر رفح جنوبا جراء الحصار الإسرائيلي، بينما "يموت الناس في غزة من الجوع والعطش والمرض". وقالت الحركة في بيان، إن ما يجري في قطاع غزة "جريمة كبرى يُستخدم فيها القتل والتجويع والتعطيش أداة للتطهير العرقي والإبادة الجماعية" التي ترتكبها إسرائيل منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
- وأوضحت أن الإبادة "تستدعي من العالم تحركا فوريا لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية التي تُمعن حكومة الاحتلال (الإسرائيلي) بقيادة مجرم الحرب (رئيس الوزراء بنيامين) نتنياهو في تعميقها". واستنكرت حماس الوضع في القطاع المحاصر قائلة: "كيف يرضى العالم وكل من له ضمير حي ببقاء آلاف الأطنان من المساعدات متكدّسة خلف معبر رفح، بينما يموت الناس في غزة من الجوع والعطش والمرض؟!".
- وقالت حماس في بيانها: "كيف يصمت العالم عن وفاة أكثر من سبعين طفلا بسبب سوء التغذية، وأغلب سكان قطاع غزة يتعرّضون للموت الجماعي، جرَّاء الحصار وسياسة التجويع المُعلَنة التي يفرضها الاحتلال على القطاع منذ مائة وأربعين يوما".
The child Razan Abu Zahir has passed away due to severe malnutrition and a lack of milk, amid the ongoing Israeli siege on the Gaza Strip and the closure of border crossings.
— The Cradle (@TheCradleMedia) July 20, 2025
Her family was unable to provide her with the necessary food and milk, which led to a deterioration in… pic.twitter.com/ZsIydJ5M64
القطاع على أعتاب الموت الجماعي.. ولا من مجيب
- أما المكتب الإعلامي الحكومي في غزة فقد حذر يوم الأحد في بيان وصفه بالخطير والعاجل٬ من أن القطاع أصبح على أعتاب مرحلة "الموت الجماعي"، بعد أكثر من 140 يوماً من إغلاق المعابر إثر سياسة التجويع الإسرائيلية المتعمدة ضد الفلسطينيين البالغ عددهم في القطاع 2.4 مليون شخص.
- حذر البيان من أن غزة "على أعتاب مرحلة الموت الجماعي بسبب إغلاق الاحتلال (الإسرائيلي) لجميع المعابر منذ أكثر من 140 يوما". وأشار إلى تعمد الاحتلال الإسرائيلي ممارسة سياسة التجويع كجزء من حرب الإبادة التي تشنها ضد سكان غزة عبر "منع إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثية، وحليب الأطفال، والوقود، وتشديد الحصار بشكل كامل، في ظل نفاد الغذاء والدواء".
- وجدد البيان التذكير بأن القطاع "يتجه نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة، مع تواصل الإبادة بالقتل والتجويع الجماعي ضد أكثر من 2.4 مليون إنسان بينهم 1.1 مليون طفل". وأضاف البيان مستنكراً: "العالم يتفرج على ذبح غزة وقتلها بالتجويع والإبادة دون أن يحرك ساكنا"، مبينة أن القطاع الفلسطيني "أمام أكبر مجزرة جماعية في التاريخ الحديث"، بحسب المصدر ذاته.
- يأتي ذلك في وقت أعلنت فيه وزارة الصحة في غزة مساء السبت وصول أعداد غير مسبوقة من الفلسطينيين من مختلف الأعمار إلى المستشفيات بحالة إعياء شديدة. ومنذ 2 مارس/ آذار 2025، تغلق إسرائيل جميع المعابر مع القطاع وتمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع.

- ولم يعد بمقدور الفلسطينيين توفير الحد الأدنى من مقومات البقاء، حيث فقد غالبيتهم الدقيق اللازم لصناعة الخبز، بينما ترتفع أسعار الكميات القليلة المتوفرة منه في السوق السوداء، بشكل لا يمكن الفلسطينيين المجوّعين الحصول عليه.
- وحذرت وزارة الصحة الفلسطينية بغزة ، السبت، من أن القطاع يمر "بحالة مجاعة فعلية، تتجلى في النقص الحاد بالمواد الغذائية الأساسية، وتفشي سوء التغذية الحاد، وسط عجز تام في الإمكانيات الطبية لعلاج تبعات هذه الكارثة".