تشهد دولة الاحتلال الإسرائيلي نقاشات حادة حول جدوى استمرار الحرب على قطاع غزة، بالتزامن مع زيارة مرتقبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى البيت الأبيض ولقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واتهامات من وزراء للجيش الإسرائيلي بفشله في تحقيق الأهداف.
يأتي ذلك في الوقت الذي صعّد فيه الجيش الإسرائيلي هجماته المكثفة على مدينة غزة وشمالها خلال الـ24 ساعة الماضية، حيث أعلنت قوات الاحتلال أنها نفذت غارات جوية على أكثر من 140 هدفاً في القطاع.
فيما وجّه الجيش الإسرائيلي أوامر إخلاء قسرية جديدة في مناطق شمال قطاع غزة، والانتقال إلى منطقة المواصي في غرب خان يونس.
لكن عقب انتهاء الحرب على إيران، تعالت الأصوات في إسرائيل بأن الوقت قد حان لإنهاء الحرب على غزة، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين.
وأظهرت نتائج استطلاع للرأي العام نشرها موقع "وللا" العبري، تأييد 67% من الإسرائيليين لإنهاء الحرب على غزة، وتوقيع اتفاق لتبادل الأسرى مع حماس.
فيما قال زعيم المعارضة يائير لابيد إن الوقت قد حان لإنهاء الحرب على غزة، وحسب قوله فإنها "لم تعد تحقق أي نفع، بل ضرراً أمنياً وسياسياً واقتصادياً"، وتابع بأن الجيش بحاجة إلى الاستقرار على الحدود لوضع خطة طويلة المدى للقضاء على حماس وتشجيع الهجرة الطوعية، معتبراً أن احتلال غزة والسيطرة عليها إلى الأبد، هو "وهم سيستمر فيه موت الجنود".
وكذلك دعا زعيم "معسكر الدولة" بيني غانتس إلى إعادة الأسرى الإسرائيليين بأسرع وقت من غزة دفعة واحدة، ويجب أن يتم التوصل إلى اتفاق "مهما كلفنا ذلك وقفاً طويلاً لإطلاق النار".
ما موقف الكابينت من إنهاء الحرب على غزة؟
وخلال الأيام الماضية، عقد المستوى السياسي في دولة الاحتلال سلسلة اجتماعات بشأن مستقبل الحرب والمعارك في قطاع غزة.
وفي تصريحات له، قال نتنياهو إن العديد من الفرص قد انفتحت الآن، وهي "إنقاذ الأسرى، وحل قضية غزة، وهزيمة حركة حماس، وبعد ذلك تنفتح إمكانيات إقليمية واسعة".
وبحسب هيئة البث الإسرائيلية، فإن هناك خلافاً حاداً داخل الكابينت الإسرائيلي، وأيضاً داخل المستوى العسكري، حول ما يجب فعله الآن: احتلال مناطق واسعة أو التقدم نحو صفقة؟
وخلال مناقشات الحكومة المصغرة، أبدى رئيس الأركان إيال زامير رغبته في تعميق العمليات في قطاع غزة، لأن ذلك قد يعرّض حياة الأسرى الإسرائيليين للخطر.

لكن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش رد عليه قائلاً: "من الممكن تحقيق الأمرين (هزيمة حماس وإطلاق سراح الأسرى)"، متهماً زامير بالاستهانة بقرارات المستوى السياسي، وتضليله بشأن ما يجب اتخاذه من القرارات.
واستشاط الوزيران سموتريتش وإيتمار بن غفير غضباً من حديث زامير، وشدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي على أن الضغط العسكري الإضافي سيساعد على إعادة الأسرى الإسرائيليين، فيما قال وزير المالية: "نريد المختطفين أيضاً، لكننا لسنا مستعدين للتخلي عن بلد بأكمله".
كما اختلف سموتريتش وبن غفير مع زامير بشأن توزيع المساعدات الإنسانية، حيث اتهم وزير المالية رئيس الأركان بالتقصير في مهمة منع حركة حماس من الاستيلاء على توزيع المساعدات.
وفي ختام جلسات الكابينت، لم يتخذ الوزراء أي قرارات بشأن مستقبل الحرب والمعارك في قطاع غزة، بحسب صحيفة "هآرتس".
سبق ذلك تصريحات من رئيس الأركان زامير أشار فيها إلى أن عملية "عربات جدعون" على وشك تحقيق أهدافها، زاعماً أن الجيش سيصل قريباً إلى "الخطوط التي حددها للمرحلة الحالية".
لكن مصدراً مسؤولاً كبيراً في القيادة الجنوبية للجيش الإسرائيلي قال إنه يجب مواصلة العملية، وذلك على عكس موقف رئيس الأركان، بحسب "هآرتس".
3 خيارات من الجيش بشأن الحرب على غزة
وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الهدف المعلن لإسرائيل من القتال في غزة هو القضاء على حركة حماس، وتهيئة الظروف التي تفضي إلى عودة الأسرى الإسرائيليين في الصفقة.
لكن البديل لهذا الجهد العسكري هو اتفاق مع حماس، يُفرج بموجبه عن جميع الأسرى الإسرائيليين، إلى جانب إنهاء الحرب دون "تدمير" الحركة الفلسطينية، لكن لا تزال هناك معارضة لهذا داخل الحكومة.
وتشير "يديعوت أحرونوت" إلى أنه في نقاشات الحكومة، عرض الجيش على نتنياهو ووزراء الحكومة خيارات عدة، وهي:
- صفقة أسرى.
- احتلال كامل للقطاع.
- حصار حتى الاستسلام، وفتح المزيد من نقاط التوزيع للمساعدات الإنسانية.
لكن القرار بشأن أي خيار -إن وجد- لم يُتخذ بعد، وتبدو إسرائيل عالقة مجدداً بين هدفين: من جهة، تدمير حماس، ومن جهة أخرى، إعادة الأسرى أو على الأقل الحفاظ على حياتهم خلال عملية الجيش الإسرائيلي، بحسب الصحيفة.
وحول موقف نتنياهو، فقد أعرب رئيس الوزراء الإسرائيلي عن أنه يجب السعي بقوة للتوصل إلى اتفاق، مطالباً الأمريكيين باستخدام ما أسماه "المطارق" ضد قطر.

أما رئيس حزب شاس، أرييه درعي، فقد شدد على أن الأهم الآن هو التوصل إلى صفقة تبادل أسرى، "وإن الإنجازات التي حققتها إسرائيل ضد إيران يجب ألا تُمحى".
وفي بيان له، قال وزير شاس يعقوب مارغي: "نحن بحاجة إلى اتفاق بشأن الرهائن، حتى لو كان الثمن إنهاء الحرب. يجب أن يكون كل شيء مطروحاً على الطاولة".
هل إسرائيل قريبة بالفعل من إنهاء الحرب على غزة؟
ورغم الزخم الذي تضخه وسائل إعلام إسرائيلية حول قرب إنهاء الحرب على قطاع غزة، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" عن مصدر إسرائيلي أن تل أبيب ما زالت بعيدة عن التوصل إلى اتفاق، لكنه قال إن احتلال قطاع غزة قد يعرّض الأسرى الإسرائيليين للخطر، وهناك أيضاً خلاف حول هذه القضية على المستوى السياسي.
وبحسب مصادر مطلعة على تفاصيل نقاشات المجلس الوزاري المصغر، فإن نتنياهو يسعى للتوصل إلى اتفاق جزئي بشأن الأسرى، لكن لم يُحرز أي تقدم حتى الآن.
أما فيما يتعلق بمناقشة استمرار القتال والمساعدات الإنسانية، فقد تم الاتفاق على عدة مسارات للتوصل إلى اتفاق أو لتعميق القتال، ولا يزال يتعين على نتنياهو اتخاذ قرارات بهذا الشأن، بحسب المصدر لصحيفة "يديعوت أحرونوت".
فيما نقل موقع "وللا" العبري عن مسؤول إسرائيلي كبير، أن إسرائيل مستعدة لتغيير بعض مواقفها في محاولة التوصل إلى صياغة لاتفاق يكون مقبولاً لدى حركة حماس.
لكن المسؤول الإسرائيلي استدرك بأن إسرائيل لن توافق على التزام مسبق بأن وقف إطلاق النار المؤقت سيضع نهاية للحرب.
ويشير الموقع العبري إلى أنه في الوقت الذي تتحدث فيه رئاسة الأركان، فإن الجيش الإسرائيلي يستعد لتوسيع العملية البرية في غزة، ويعزز من قواته.

ويقول موقع "وللا" العبري في تقرير آخر إن الأمور تبدو مختلفة على أرض الواقع، فالجيش يتجهز بالفعل لتوسيع نطاق العملية وزيادة قواته.
ومع انتهاء الحرب على إيران، بدأ الجيش بإعادة نشاط الطائرات المسيرة في مختلف مناطق قطاع غزة، وخاصة في وسط خان يونس وشرقها، بهدف تدمير البنية التحتية للمقاومة في المنطقة.
ويضيف الموقع أن المعطيات المقدمة إلى وزير الجيش يسرائيل كاتس تشير إلى منظومات قيادة وسيطرة في بعض الكتائب التابعة لحركة حماس.
هل تضغط الولايات المتحدة لإنهاء الحرب؟
وتشير تقارير إسرائيلية إلى أن هناك ضغوطاً أمريكية على تل أبيب وحركة حماس من أجل التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
وخلال الأيام القليلة الماضية، أعرب ترامب عن اعتقاده بإمكانية التوصل إلى اتفاق لإنهاء الحرب في غزة، وأنه "بات قريباً"، وسط أنباء عن حراك أمريكي من أجل توسيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية جديدة.
ويوم الإثنين 30 يونيو/حزيران 2025، أكد البيت الأبيض أن إنهاء الحرب على غزة يعد أولوية للرئيس دونالد ترامب، مضيفاً أن "الإدارة الأمريكية على تواصل مستمر مع إسرائيل".
ومن المقرر أن يلتقي نتنياهو بالرئيس الأمريكي الأسبوع المقبل، وهو اللقاء الثالث منذ تولي ترامب منصبه في يناير/كانون الثاني 2025، في ظل الضغوط الأمريكية والدفع نحو التوصل إلى اتفاق، بحسب "يديعوت أحرونوت".
ونقلت الصحيفة الإسرائيلية أن ترامب يضغط بالفعل على نتنياهو لاتخاذ قرار يسهم في التوصل إلى اتفاق بشأن الحرب على قطاع غزة.

وفي تصريحات له يوم الثلاثاء 1 يوليو/تموز 2025، أكد ترامب أنه سيبحث مع نتنياهو ملفي غزة وإيران.
وتقول صحيفة "معاريف" إن المصلحة الأمريكية تتضمن وقف إطلاق نار في غزة يستمر 60 يوماً على الأقل، ويتيح فرصة للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
وأشارت الصحيفة إلى أن هناك من يُقدّر في تل أبيب أن التقدم هذه المرة في مسار التوصل إلى اتفاق سيكون في اتجاه واحد، حيث إن ترامب مهتم جداً برؤية نهاية الحرب على غزة.
لكن مصادر من حركة حماس أكدت لـ"عربي بوست" أن الوسيط الأمريكي يتحدث حالياً فقط عن صفقة جزئية، وليس إنهاء الحرب على غزة.
وأشارت المصادر إلى أن ويتكوف قدم مقترحاً جديداً منذ أسبوعين، لكنه قريب جداً من المقترح الذي قدمه سابقاً، وتم التحفّظ عليه من الفصائل الفلسطينية.
كما أشارت المصادر إلى أن المقترح الأمريكي لا يتضمن ضمانات واضحة تقود إلى إنهاء الحرب على غزة، وأن المتغير اللافت في المقترح الجديد هو ربط التوافق حول آلية المساعدات بين حماس وإسرائيل بالنقاشات حول فكرة الانسحاب الإسرائيلي من القطاع إلى ما قبل 2 مارس/آذار 2025.
وتؤكد المصادر أن المتغير الوحيد في مقترح ويتكوف الجديد يتعلق بمفاتيح إطلاق سراح الأسرى، لكن الخطير فيه هو أنه يطالب بالدخول في الصفقة الجزئية على أن يتم التفاوض خلال ذلك بشأن المساعدات والانسحاب، وهذا ما ترفضه حماس.