تشهد الأسواق الأوروبية اتجاهاً متزايداً لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، وخاصةً الزراعية منها، جراء استمرار حرب الإبادة الجماعية في غزة، واتساع نطاق انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي من جانب الاحتلال.
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مزارعين ومُصدّرين إسرائيليين شهادات تكشف اتساع نطاق مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا، وحتى في ألمانيا التي تُعد حليفاً مقرّباً لتل أبيب، وعادةً ما تدعم إسرائيل وتتجنب المقاطعة العلنية.
يأتي ذلك، بينما قررت شركة "كو-أوب" "Co-op"، إحدى أكبر سلاسل المتاجر الكبرى في المملكة المتحدة، التوقف عن استيراد السلع من إسرائيل ودول أخرى تقول إنها تشهد انتهاكات لحقوق الإنسان، وفق تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
⛔️ رئيس وزراء إسبانيا: سأدعو #أوروبا اليوم إلى تعليق اتفاقية الشراكة مع #إسرائيل فوراً، وعلى الاتحاد أن يتحرك لمواجهة انتهاكات تل أبيب.
— عربي بوست (@arabic_post) June 26, 2025
▪️ لا معنى لفرض 17 حزمة من العقوبات على روسيا، بينما لا نفعل ذلك مع إسرائيل.
▪️ أوروبا تطبّق معايير مزدوجة، وهي غير قادرة حتى على تعليق… pic.twitter.com/cB8HKtAjN0
وأعلنت شركة "كو-وب"، التي تدير نحو 2300 متجر بقالة في المملكة المتحدة، أنها ستتوقف عن استيراد نحو 100 منتج، بما في ذلك الجزر الإسرائيلي.
وكان أعضاء الشركة قد صوتوا على إزالة المنتجات الإسرائيلية من رفوفها الشهر الماضي.
وأيّد نحو 73% من أعضاء شركة "كو-وب" الاقتراح غير الملزم، الذي دعا الشركة إلى إظهار الشجاعة الأخلاقية والقيادة من خلال حظر المنتجات الإسرائيلية.
واستشهد القرار باقتراح سابق تم تمريره في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022، لمقاطعة المنتجات الروسية.
مقاطعة المنتجات الإسرائيلية: حتى في ألمانيا لا يريدون الشراء
ولا تقتصر مقاطعة المنتجات الإسرائيلية في أوروبا على المملكة المتحدة حالياً، بل تمتد لتشمل دولاً أوروبية عديدة من بينها النرويج وسويسرا وبلجيكا وإيطاليا وألمانيا، وفق ما نقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن مُصدرين ومزارعين إسرائيليين.
وقالت الصحيفة: "يُلمس رد فعل سلبي من جانب كبار تجار التجزئة، مثل ويتروز في المملكة المتحدة، وألدي في ألمانيا، وحتى في أماكن بعيدة كاليابان".
ونقلت الصحيفة عن أحد مُصدّري البطاطس، لم تُسمّه، قوله: "خلال الأسبوعين الماضيين، سمعنا أصواتاً أعلى تدعو إلى المقاطعة في ألمانيا، وهذا أمر جديد. ومنذ ستة أسابيع، تبذل ألدي قصارى جهدها لتجنب الشراء منا".

كما نقلت عن مزارع إسرائيلي آخر لم تُسمّه: "نبيع لشركات التعبئة والتغليف، التي تقوم بدورها بوضع علامات تجارية على منتجاتنا وتوزيعها على المتاجر الكبرى".
وأردف: "قال لي أحد عمال التعبئة والتغليف الألمان: أحبكم وأحتاج إلى منتجاتكم، لكن المشتري من بائع التجزئة أخبرني أنه من الصعب وضع منتجات إسرائيلية على الأرفف عندما يكون عنوان الصحيفة 'إبادة جماعية'".
وزاد المزارع: "مع ذلك، التزم الألمان بجداول مشترياتهم حتى الآن".
بدوره، قال عوفر ليفين، وهو مُصدّر زراعي إسرائيلي، للصحيفة: "شهدنا تحولاً كبيراً في المشاعر ضدنا في ألمانيا في الأسابيع الأخيرة".
وأرجع هذا التحول إلى "الرأي العام حول حرب غزة. نقترب من نهاية موسم مبيعاتنا هناك، وقد أُبلغنا بشكل غير مباشر أن ألدي لن تبيع منتجاتنا بعد الآن".
واستطرد: "رسمياً، يقولون إن السبب هو وجود منتجات محلية طازجة الآن، ولكن عند البحث بعمق، يتضح أن الأمر سياسي. قررت ألدي التوقف عن بيع البضائع الإسرائيلية".
وحسب ليفين، فإن المقاطعة بدأت في بلجيكا، حيث تُلزم لوائح وضع العلامات التجارية في الاتحاد الأوروبي تجار التجزئة بوضع علامة على الأرفف توضح بلد المنشأ، مما دفع المستهلكين إلى رفض المنتجات الإسرائيلية.
وعندما سُئل عمّا إذا كانت دول أخرى تنضم إلى المقاطعة، أجاب ليفين: "في السويد، لم تشترِ جمعية المزارعين المنتجات الإسرائيلية منذ خمس سنوات تقريباً".
وزاد: "النرويج لم تعد تشتري من إسرائيل على الإطلاق. منذ العام الماضي، أُغلقت الحدود فعلياً أمام بضائعنا، وهذا التوجه آخذ في الازدياد في جميع أنحاء أوروبا".

وأضاف: "أكبر زبون لبطاطسنا هي ألمانيا، لقد أخبروني بالفعل أنه إذا استمر هذا الوضع حتى العام المقبل، فقد لا نتمكن من بدء الموسم القادم معكم. وهذه ألمانيا، إحدى أكثر الدول دعماً لإسرائيل".
وقال أحد مُسوّقي الفاكهة، الذي يُصدّر أيضاً الأفوكادو والحمضيات والفلفل إلى سلاسل "كو-أوب" البريطانية عبر وسطاء في دول أوروبا الغربية: "نسمع من جميع عملائنا أن الوضع سيزداد تعقيداً. نسمع هذا منذ عام، ومع مرور الوقت واستمرار تواتر الأخبار من غزة، سيزداد الوضع صعوبة".
وأضاف: "أخبرنا أحد الزبائن اليابانيين بضرورة توخي الحذر بشأن شحن المنتجات الإسرائيلية إلى بلاده، إذ إن النظرة السائدة للسلع الإسرائيلية في المجتمع الياباني أصبحت إشكالية".
محادثات أوروبية لإنهاء التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية
وتتزامن مقاطعة المتاجر الأوروبية للمنتجات الإسرائيلية مع جهود رسمية على مستوى الحكومات لوقف التجارة مع إسرائيل، حيث أظهرت رسالة اطّلعت عليها رويترز قبل عدة أيام أن تسع دول في الاتحاد الأوروبي دعت المفوضية الأوروبية إلى تقديم مقترحات بشأن كيفية وقف تجارة الاتحاد الأوروبي مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووقّع على الرسالة الموجّهة إلى كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وزراء خارجية بلجيكا وفنلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ وبولندا والبرتغال وسلوفينيا وإسبانيا والسويد.
ويُعدّ الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لإسرائيل، إذ يُمثّل حوالي ثلث إجمالي تجارتها من البضائع. وبلغت قيمة تجارة البضائع بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل 42.6 مليار يورو (48.91 مليار دولار) العام الماضي، على الرغم من أنه لم يتضح مقدار ما يتعلّق بالمستوطنات من هذه التجارة.

وأشار الوزراء إلى رأي محكمة العدل الدولية الاستشاري الصادر في يوليو/تموز 2024، الذي نصّ على أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والمستوطنات هناك غير قانوني.
وذكر الرأي الاستشاري أن على الدول اتخاذ خطوات لمنع العلاقات التجارية أو الاستثمارية التي تُسهم في الحفاظ على الوضع القائم.
وكتب الوزراء: "لم نرَ اقتراحاً لبدء مناقشات حول كيفية وقف تجارة البضائع والخدمات مع المستوطنات غير القانونية بشكل فعّال".
وأضافوا: "نحن بحاجة إلى أن تضع المفوضية الأوروبية مقترحات لتدابير ملموسة لضمان امتثال الاتحاد الأوروبي للالتزامات التي حدّدتها المحكمة".
حملات مقاطعة أخرى
ومنذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تزايدت الدعوات الشعبية والرسمية لمقاطعة المنتجات والبضائع الإسرائيلية، بجانب مقاطعة الشركات المتواطئة مع جيش الاحتلال الذي يرتكب ابادة جماعية في القطاع الفلسطيني المحاصر.
وبجانب هذه الدعوات الشعبية، تبنت حكومات غربية تشريعات تحظر التعامل التجاري مع المستوطنات الإسرائيلية.
وفي 27 مايو/أيار الماضي، أعلن مجلس الوزراء الأيرلندي رسمياً دعمه لصياغة تشريع يتعلق بتقييد التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ورغم أن التعاملات التجارية بين أيرلندا والمستوطنات الإسرائيلية محدودة للغاية، أوضح رئيس الوزراء، مايكل مارتن، أن هذه "خطوة رمزية" تأتي في أعقاب اعتراف أيرلندا الرسمي العام الماضي بدولة فلسطينية، إلى جانب عدد صغير من الدول الأوروبية الأخرى.
وقال وزير الخارجية، سايمون هاريس، إن مشروع القانون، الذي سيحظر استيراد السلع من المستوطنات، سيخضع للنقاش من قبل لجنة برلمانية في الأسابيع المقبلة.

ومن المقرر بعد ذلك أن يخضع مشروع القانون النهائي للتدقيق البرلماني قبل التصويت عليه في مجلسي الشيوخ والنواب، ومن المرجح أن يتم ذلك في وقت لاحق من هذا العام.
وفي أسبانيا، أقر البرلمان، الثلاثاء 27 مايو/أيار، اقتراحاً غير ملزم يدعو الحكومة إلى فرض حظر على الأسلحة على إسرائيل، رداً على حربها في غزة.
وتمت الموافقة على الاقتراح، الذي قدّمه تحالف سومار اليساري، وهو جزء من الائتلاف الحاكم، إلى جانب أحزاب المعارضة بوديموس واليسار الجمهوري في كتالونيا (ERC)، بأغلبية 176 صوتاً مقابل 171، حسبما ذكرت صحيفة "إل باييس".
وصوّت حزب الشعب المحافظ وحزب "فوكس" اليميني المتطرف ضد الاقتراح، بينما أيدته جميع الأحزاب الأخرى.
كما دعت اثنتان من أكبر اتحادات نقابات عمال النفط في البرازيل الحكومة، في نهاية مايو/أيار الماضي، إلى فرض حظر على الطاقة على إسرائيل.