خطط الاحتلال لإضعاف المقاومة عبر المساعدات تنهار.. مصير مجهول للإغاثة في غزة بعد الفشل المتكرر

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/26 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/26 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
الاحتلال يشدد الخناق على الفلسطينيين من خلال المساعدات/ عربي بوست

وجدت إسرائيل نفسها عالقة مرة أخرى أمام معضلة المساعدات الإنسانية في غزة، وبعد محاولة تطبيق أكثر من تجربة بدءاً بإغواء العشائر، وصولاً إلى تشكيل ميليشيات مسلحة في رفح، ووضع نقاط توزيع عبر ما يسمى "مؤسسة غزة للإغاثة"، قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إيقاف إدخال المساعدات، موعزاً للجيش بتقديم خطة جديدة تهدف إلى منع وصولها إلى حركة حماس.

وأصدر نتنياهو ووزير جيشه يسرائيل كاتس بياناً مشتركاً، زعما فيه أن حركة حماس عادت للسيطرة على المساعدات الإنسانية الداخلة إلى شمال قطاع غزة.

وبحسب البيان، فقد أصدر نتنياهو وكاتس تعليمات للجيش الإسرائيلي بتقديم خطة عمل خلال 48 ساعة لمنع حركة حماس من السيطرة على المساعدات.

وفقاً لمصدر إسرائيلي، تم إيقاف إدخال المساعدات إلى قطاع غزة ريثما يقدم الجيش خطته، بحسب القناة 12 العبرية، التي أشارت إلى أن وزير المالية بتسلئيل سموتريتش وجّه إنذاراً نهائياً لنتنياهو بإيقاف المساعدات "فوراً"، وإلا الانسحاب من الحكومة.

ونشر رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت على منصة (إكس)، مقطع فيديو يُظهر مسلحين يركبون شاحنات المساعدات، وزعم أنهم مقاتلون من حركة حماس.

وجاءت المزاعم الإسرائيلية الرسمية في الوقت الذي حاولت فيه حكومة نتنياهو إيجاد بدائل كثيرة لحكم حركة حماس في القطاع منذ بدء الحرب، لكنها لم تنجح في أي منها.

ما حقيقة مزاعم الاحتلال بشأن سيطرة حماس على المساعدات الإنسانية في غزة؟

سارعت الجهات الشعبية والرسمية في قطاع غزة إلى تفنيد مزاعم نتنياهو وكاتس بشأن السيطرة على المساعدات.

واعتبر مكتب الإعلام الحكومي أن هذه المزاعم "المفبركة" هدفها شرعنة استمرار الحصار والتجويع، ومنع دخول الإغاثة الإنسانية لليوم الـ118 على التوالي.

فيما أصدرت الهيئة العليا لشؤون العشائر في غزة بياناً أكدت فيه أنها شاركت في تأمين وصول شاحنات المساعدات إلى مخازن برنامج الأغذية العالمي، خشية تعرضها للنهب من عصابات تعمل "تحت غطاء الجيش الإسرائيلي".

وقالت مصادر لـ"عربي بوست" إن الاحتلال يسمح ما بين الفينة والأخرى بكمية قليلة من المساعدات إلى المؤسسات الدولية في قطاع غزة، وذلك لتخفيف حدة الانتقادات الدولية، والاتهامات الموجهة له باستخدام الطعام كوسيلة ضغط ضد الفلسطينيين في قطاع غزة.

وأكدت المصادر أن ما أثار حفيظة الاحتلال هو الالتفاف الشعبي نحو مواجهة الفوضى التي يحاول الاحتلال تغذيتها في قطاع غزة من خلال قضية المساعدات، وفشله في الآليات التي يحاول تكريسها.

وخلال الأشهر الأربعة الماضية، حاول الاحتلال الإسرائيلي إيجاد آليات للتحكم في ملف المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، لكنه فشل في ذلك.

3 شواهد على فشل الاحتلال في إيجاد بدائل بشأن المساعدات:

أولاً: انحسار ظاهرة أبو شباب في رفح

تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إنه رغم دعم إسرائيل المباشر، وانضمام عناصر جديدة إليها، فإن ميليشيا أبو شباب لا تزال محصورة في رفح، عاجزة عن التمدد وسط رفض شعبي واسع لها في غزة.

وتشكلت تحديات عدة أمام تمدد ظاهرة أبو شباب في قطاع غزة، وهي:

  • عدم ثقة الفلسطينيين بالميليشيا المسلحة التي كانت السبب في نهب المساعدات، والمتهمة بقتل عدد من المواطنين.
  • الخشية من التعاون مع ميليشيات أبو شباب، وتوجيه التهم بالتعاون مع الاحتلال.
  • تخلي العائلات عنها وتبرؤها من عناصرها.
تتركز مجموعة أبو شباب بشكل رئيسي في شرق رفح، وتنتشر على جانب الطريق الذي تعبره شاحنات الإغاثة – عربي بوست
تتركز مجموعة أبو شباب بشكل رئيسي في شرق رفح، وتنتشر على جانب الطريق الذي تعبره شاحنات الإغاثة – عربي بوست

ويعتبر الفلسطينيون أن ظاهرة أبو شباب هي محاولة إسرائيلية مصطنعة لخلق واقع جديد لا يقبله القطاع نفسه.

وتضيف الصحيفة أن رهان المؤسسة الأمنية الإسرائيلية على إنشاء قوة محلية بديلة لحركة حماس في قطاع غزة قد فشل فشلاً ذريعاً حتى الآن.

وفي هذا الإطار، كشفت مصادر أمنية لـ"عربي بوست" أن الجيش الإسرائيلي، وشخصيات في مخابرات رام الله، حاولوا تشكيل حالة مماثلة لميليشيا أبو شباب في وسط قطاع غزة، بعد التواصل مع إحدى العائلات الكبيرة هناك، التي بدورها رفضت ذلك.

ثانياً: فشل مؤسسة إغاثة غزة

وبعيداً عن إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بدأت تل أبيب وواشنطن منذ 27 مايو/أيار الماضي تنفيذ خطة لتوزيع مساعدات محدودة عبر ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، حيث يُجبر الفلسطينيون المجوَّعون على المفاضلة بين الموت جوعاً أو برصاص جيش الاحتلال.

إلا أن مناطق توزيع المساعدات التي تشرف عليها المؤسسة الأمريكية أصبحت نقاطاً لاصطياد المواطنين وقتلهم، في ظل غياب آلية واضحة ومنظمة تحافظ على إيصال المساعدات للجميع.

وقال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن حصيلة ضحايا ما يُعرف بـ"آلية المساعدات الإسرائيلية الأمريكية" خلال شهر فقط بلغت 549 شهيداً، و4066 مصاباً، و39 مفقوداً.

فيما أكدت رئيسة شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة أن مؤسسة غزة الأمريكية ليست مؤسسة إنسانية، وإنما تخدم أجندة الاحتلال سياسياً وأمنياً.

استشهد المئات من الفلسطينيين أثناء توجههم لاستلام المساعدات/ الأناضول
استشهد المئات من الفلسطينيين أثناء توجههم لاستلام المساعدات/ الأناضول

كما تعرضت المؤسسة الأمريكية لانتقادات أممية، ووصف مفوض عام وكالة الأمم المتحدة لتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" فيليب لازاريني الآلية الإسرائيلية الأمريكية بأنها "بغيضة وتُزهق الأرواح".

فيما قال رئيس منظمة أطباء بلا حدود كريستوفر لوكيير، الإثنين 23 يونيو/حزيران 2025، إن "نظام تقديم المساعدات المفروض في غزة ليس فشلاً فحسب، بل إنه غير إنساني وخطير".

وأقرت مؤسسة غزة الإنسانية بأنها غير قادرة على تلبية الطلبات، بعد انتقادات شديدة من جماعات الإغاثة الأخرى، والمجازر المرتكبة من الجيش الإسرائيلي بشكل شبه يومي بالقرب من نقاطها.

وفي بيان له قبل أيام، قال المدير التنفيذي المؤقت لمؤسسة الإغاثة العالمية جون أكري إن المؤسسة "لا تستطيع تلبية الاحتياجات الكاملة، بينما تظل أجزاء كبيرة من غزة مغلقة".

ثالثاً: الجهود الشعبية لمواجهة الفوضى عبر المساعدات

ويواصل الاحتلال مساعيه من أجل نشر "الفوضى" في قطاع غزة عبر آلية المساعدات، وقد تسبب ذلك في انتشار حالة "قطاع الطرق" في القطاع.

ومع ازدياد منسوب "لصوص المساعدات" في القطاع، بدأت العشائر والعائلات الفلسطينية بتشكيل ما يشبه بـ"اللجان الشعبية" للحفاظ على السلم الاجتماعي.

ويوم الأربعاء، شاركت العشائر الفلسطينية في تأمين وصول شاحنات المساعدات الإنسانية إلى مخازن برنامج الأغذية العالمي في مدينة غزة.

سبق ذلك إعلان من التجمع الوطني للقبائل والعشائر والعائلات الفلسطينية أنها ستبدأ بتأمين قوافل المساعدات بالتعاون مع المؤسسات الأممية، منعاً للفوضى والنهب.

وأهاب التجمع بالمواطنين بعدم التوجه إلى مناطق انطلاق الشاحنات أو مواقع توزيع المساعدات العشوائية التي ثبت أنها مصائد موت تسبب استهداف الأبرياء.

وأكد أن أي عملية سطو على المساعدات ستُعد جريمة بحق أبناء الشعب الفلسطيني، وتضع مرتكبها في صف الاحتلال، "وسيتحمل كل من يثبت تورطه المسؤولية الكاملة".

فيما تشكلت ما يُسمى بـ"وحدات السهم الثاقب"، وهي تابعة للفصائل الفلسطينية، التي بدورها بدأت بملاحقة المحتكرين والتجار وأصحاب المطاعم والكافيهات التي تتسبب بغلاء بعض السلع في قطاع غزة بشكل جنوني.

وعبر صفحتها في "تليغرام"، وجّهت الوحدة رسائل تحذيرية إلى تجار وأصحاب محلات تجارية، كما أعلنت عن وضع خطة للتعامل مع اللصوص وقطاع الطرق والعملاء.

وجاء ذلك إسناداً لوحدة "سهم" التابعة لوزارة الداخلية الفلسطينية، التي تشكلت في مارس/آذار 2024، والتي ركزت مهامها أيضاً على مواجهة اللصوص وقطاع الطرق وكذلك المحلات التجارية التي تتسبب بغلاء الأسعار.

وذكرت مصادر لـ"عربي بوست" أن وحدة سهم قامت بـ"تحييد" العشرات من اللصوص وقطاع الطرق عبر القتل أو إطلاق النار على الأقدام، وسحب الهواتف منهم، خلال الأيام الماضية.

فيما أصدر أمن المقاومة إعلاناً، الخميس 26 يونيو/حزيران 2025، عن تشكيل قوة ميدانية خاصة تحت اسم "رادع"، ستتبع الأجهزة الأمنية في قطاع غزة، ومهمتها تولي تنفيذ مهام مباشرة في ملاحقة قطاع الطرق، واللصوص، والتجار المحتكرين، ومرتكبي المخالفات الأخلاقية والجنائية.

وأوضحت صفحة "أمن المقاومة" على "تليغرام" أن قوة "رادع" بدأت بالانتشار ميدانياً في معظم مناطق قطاع غزة، وقد نجحت في إغلاق عدد من القضايا العالقة، بما في ذلك استعادة مسروقات وردع المجرمين.

كما أكدت أن الفترة المقبلة ستشهد تشديداً للإجراءات الأمنية، وتوسيعاً لنطاق عمل قوة "رادع"، بما يسهم في ترسيخ الأمن المجتمعي، والقضاء على "الظواهر الدخيلة، كالبلطجية، والاستغلال، والسرقة".

تحميل المزيد