في تحول لافت في المشهد السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد، وافقت الإدارة الأميركية على خطة تقدمت بها الحكومة السورية الجديدة، تقضي بضم آلاف المقاتلين الأجانب الذين شاركوا في القتال ضد النظام السابق إلى صفوف الجيش السوري الذي شكلته قوات المعارضة بقيادة الرئيس أحمد الشرع.
الخطوة، التي كانت تُعد خطاً أحمر بالنسبة لواشنطن ومحل رفض واضح، جاءت بعد تحول في السياسة الأميركية تجاه دمشق. ووفقاً لتصريحات مبعوث الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى سوريا، توماس باراك، فإن الولايات المتحدة "منحت الضوء الأخضر لخطة القيادة السورية الجديدة التي تسمح بإدماج هؤلاء المقاتلين في الجيش، بشرط أن تتم العملية بشفافية كاملة".
وكانت واشنطن قد اشترطت، حتى مطلع مايو/أيار 2025، استبعاد المقاتلين الأجانب من أي تشكيلات عسكرية رسمية كأحد شروط الانفتاح السياسي ورفع العقوبات المفروضة على سوريا. لكن جولة ترامب الأخيرة في الشرق الأوسط غيّرت المعادلة؛ إذ أفضت إلى موافقة أميركية على رفع العقوبات، وتبني مقاربة أكثر براغماتية تجاه الترتيبات العسكرية في مرحلة ما بعد الأسد.
هذه الخطوة تثير تساؤلات حول مستقبل الاستقرار في سوريا وإنهاء ملف المقاتلين الأجانب بشكل كامل، وهوية الجيش الجديد، ومدى قدرة الدولة على ضبط عناصر قاتلت سابقاً تحت رايات أيديولوجية كانت توصم بـ"الإرهاب" من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
3500 مقاتل أجنبي في صفوف الجيش السوري بضوء أخضر أمريكي
- مبعوث الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى سوريا، توماس باراك، قال لوكالة رويترز إن "الولايات المتحدة وافقت على خطة طرحتها القيادة السورية الجديدة للسماح لآلاف من المتشددين الأجانب الذين كانوا في السابق ضمن المعارضة بالانضمام للجيش الوطني، شريطة أن يحدث ذلك بشفافية"، على حد تعبيره.
- وذكر ثلاثة مسؤولين دفاعيين سوريين أن الخطة تنص على انضمام نحو 3500 مقاتل أجنبي، معظمهم من المسلمين الأويغور من الصين والدول المجاورة، إلى وحدة مشكلة حديثا، وهي الفرقة 84 من الجيش السوري، والتي ستضم سوريين أيضا. وقال باراك: أعتقد أن هناك تفاهما وشفافية بين دمشق وواشنطن. وأضاف أنه "من الأفضل إبقاء هؤلاء المتشددين ضمن مشروع للدولة بدلا من إقصائهم، ووصف كثيرين منهم بأنهم "مخلصون للغاية" للإدارة السورية الجديدة.

- كان مصير الأجانب الذين انضموا إلى هيئة تحرير الشام خلال الحرب التي استمرت 13 عاما بين المعارضة والرئيس المخلوع السابق بشار الأسد، من أكثر القضايا الشائكة التي تعيق التقارب مع الغرب منذ أن أطاحت الهيئة، وهي فرع سابق لتنظيم القاعدة، بالأسد واستولت على السلطة العام الماضي.
- وكانت الولايات المتحدة حتى مطلع مايو أيار على الأقل تطالب القيادة الجديدة باستبعاد المقاتلين الأجانب من قوات الأمن. لكن نهج واشنطن تجاه سوريا شهدا تغيرا كبيرا منذ جولة ترامب في الشرق الأوسط الشهر الماضي. ووافق ترامب خلال خلال زيارته للعاصمة السعودية الرياض، على رفع العقوبات المفروضة على سوريا منذ عهد الأسد، والتقى بالرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع في الرياض وعيّن باراك مبعوثا خاصا له.
- وقال مصدران مقربان من وزارة الدفاع السورية لرويترز إن الشرع والمقربين منه حاولوا إقناع محاورين غربيين بأن ضم مقاتلين أجانب إلى الجيش سيكون أقل خطورة على الأمن من التخلي عنهم، الأمر الذي قد يدفعهم إلى الانضمام مجددا لتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية.
من هم المقاتلون الأجانب في سوريا؟
- توافد عشرات الآلاف من المقاتلين الأجانب إلى سوريا والعراق المجاور على مدار العقدين الماضيين، وانضم الكثير منهم إلى القتال ضد الأسد خلال الحرب التي استمرت قرابة 14 عاماً. انضم العديد منهم إلى جماعات متطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، بينما انضم آخرون إلى فصائل مثل جبهة النصرة التي تحولت لاحقاً إلى "هيئة تحرير الشام" التي يقودها أبو محمد الجولاني، أحمد الشرع، الذي أصبح رئيساً لسوريا بعد إسقاط نظام الأسد.
- تقول صحيفة واشنطن بوست، إن بعض التقديرات تشير إلى أن 5000 من المقاتلين الأجانب لا يزالون في سوريا. وكثير منهم مندمجون في المجتمعات المحلية، وخاصة في شمال غرب البلاد، ومتزوجون من نساء سوريات ولديهم أطفال نشأوا هناك.

- اكتسب المقاتلون الأجانب داخل "هيئة تحرير الشام" خاصة سمعة التزامهم بالولاء والانضباط والخبرة العسكرية، وشكلوا العمود الفقري لوحدات النخبة في الجماعة. وحاربوا ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" وضد فروع من تنظيم "القاعدة" اعتبارا من 2016 عندما نأت الجماعة بنفسها عن تنظيم الذي كان يقوده الشيخ أسامة بن لادن.
- وخلال معركة إسقاط نظام الأسد، اعتمد الشرع على آلاف المقاتلين الأجانب من تركستان والشيشان والأويغور للمساعدة في الإطاحة بالنظام وحسم المعركة مع الفلول، وهو ما دفاع الشرع لتعيين بعضاً منهم في مناصب عليا بوزارة الدفاع ومنهم مقاتلون من الأويغور ومصر والأردن وتركيا، وألمح إلى إمكانية حصول العديد من الضباط على الجنسية السورية، قبل صدور الضوء الأخضر الأمريكي بدمجهم في الجيش.
- يشكل المقاتلون الأويغور العمود الفقري في جماعات المقاتلين الأجانب التي حاربت تحت لواء "هيئة تحرير الشام"، وهم من الصين ووسط آسيا، ينتمون للحزب الإسلامي التركستاني، وهي جماعة تصنفها الصين على أنها "إرهابية".
- وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية: "الصين تأمل في أن سوريا ستعارض كل أشكال قوى الإرهاب والتطرف استجابة لمخاوف المجتمع الدولي"، وفق ما نقلته عنه رويترز، فيما أكد عثمان بوغرا، وهو مسؤول سياسي في الحزب الإسلامي التركستاني لرويترز "إن الجماعة حلت نفسها رسميا واندمجت في الجيش السوري".
المقاتلون الأجانب اختفوا من الشوارع واندمجوا في المجتمع السوري
- طوال الأشهر الماضية، حاول الرئيس السوري الجديد تحقيق التوازن الصعب، حيث أمرت الحكومة المقاتلين الأجانب بالبقاء في الظل وعدم التحدث، بحسب ما قاله محللين سياسيين والمقاتلين أنفسهم لصحيفة "واشنطن بوست".
- في ثلاث زيارات سابقة إلى سوريا منذ سقوط الأسد في ديسمبر/كانون الأول، التقى مراسلو صحيفة واشنطن بوست بمقاتلين أجانب في عدة مناطق من البلاد. ففي ديسمبر/كانون الأول، على سبيل المثال، تمركزوا على طول الطريق المؤدي إلى مدينة حماة المركزية؛ وسيطر مقاتلون أتراك على طريق على قمة تلة تؤدي إلى مرقد زين العابدين، حيث دارت أعنف المعارك؛ وتجول مسلحون عراقيون في المدينة كسياح. وفي مارس/آذار، تولى مقاتل من آسيا الوسطى قيادة نقطة تفتيش تسد الطريق المؤدي إلى جبل قاسيون الشهير في دمشق.
- ثم في أوائل شهر مايو/أيار، اختفى هؤلاء المقاتلين إلى حد كبير، من نقاط التفتيش وشوارع وسط وجنوب سوريا، على الأقل. وقال جيروم دريفون، كبير المحللين في شؤون الجهاد والصراعات المعاصرة في مجموعة الأزمات الدولية: "حاولت الحكومة السورية عزلهم" بسبب الضغوط الأمريكية. وتقول الصحيفة، إن معظم هؤلاء المقاتلين أصبحوا أقل تطرفاً، وهم يعيشون في محافظة إدلب، المنطقة التي حكمتها هيئة تحرير الشام كدولة متبقية خلال السنوات الأخيرة من حكم الأسد.
- وأصدر وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة، في 30 مايو/أيار 2025 لائحة للعاملين في الجيش والقوات المسلحة خاصة بالسلوك والانضباط، وهي موجهة بالمقام الأول للعناصر الأجنبية في الجيش، لضمان تطويع هؤلاء المقاتلين والتزامهم بأوامر القيادة، بحسب مصادر محلية.

- وفي زيارته إلى باريس الشهر الماضي، علق الرئيس السوري أحمد الشرع على سؤال حول ملف المقاتلين الأجانب، بأنهم اندمجوا في المجتمع السوري وأن الدولة تنظر في تجنيس هؤلاء أو من تنطبق عليهم شروط يفرضها القانون بعد إقرار دستور جديد للبلاد.
- وفي رسالة طمأنة تنهي الجدل حول هذا الملف، أوضح الشرع أن "الحكومة السورية تضمن لجميع دول العالم، أن المقاتلين الأجانب الذين بقوا في سوريا لن يشكلوا خطرا على أي من الدول المجاورة، ولن يُلحقوا الضرر ببلدانهم التي جاؤوا منها".
- وتسبب تعيين عدد قليل من المقاتلين الإسلاميين الأجانب السابقين، الذين كانوا من أبرز قيادات "هيئة تحرير الشام"، في ديسمبر/كانون الأول، في مناصب عسكرية بارزة داخل الجيش السوري، في إثارة قلق حكومات غربية وعربية حليفة لواشنطن. لكن قرار الإدارة الأمريكية بإعطاء الضوء الأخضر لدمج المقاتلين قد ينهي هذا القلق، ويغلق الملف الذي كان عالقاً منذ سقوط نظام الأسد.