يوماً بعد يوم، تتعزز علاقات رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وحكومته اليمينية مع التيار اليميني الأوروبي المتطرف بعد سنوات من التشكيك والعدائية، حيث أُعلن في وقت سابق عن انضمام حزب الليكود إلى تحالف "وطنيون من أجل أوروبا" (باتريوتس)، الذي يتشكل من عدة أحزاب يمينية متطرفة، بصفته عضواً مراقباً.
وتأتي هذه الخطوة في ظل تحول أوسع نطاقاً من جانب حكومة نتنياهو نحو إقامة علاقات مع الأحزاب الأوروبية اليمينية المتطرفة التي قاطعتها إسرائيل منذ فترة طويلة بسبب تاريخها في معاداة السامية والانتماءات النازية الجديدة.
وبات حزب الليكود، الذي يتزعمه نتنياهو، أول حزب غير أوروبي ينضم إلى هذا التحالف الأوروبي اليميني، الذي يتبنى مواقف معادية للإسلام والمهاجرين، فضلاً عن دعم السياسات الإسرائيلية، وخاصة الاستيطان في الضفة الغربية.
We warmly welcome the @Likud_Party as an Observer Member.
— Patriots.eu (@PatriotsEU) February 9, 2025
Together, we will strengthen our bonds and promote our shared values of democracy, freedom, and cultural heritage. pic.twitter.com/BEVSIaZMmY
وشهدت العلاقات بين حكومة نتنياهو والأحزاب اليمينية المتطرفة، التي كانت رافضة للسياسات الإسرائيلية في السابق، توافقاً كبيراً في الآونة الأخيرة، وخاصة مع رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان، الذي استقبل نتنياهو في أبريل/نيسان الماضي، رغم صدور مذكرة اعتقال بحقه من قبل محكمة الجنايات الدولية.
وفي مارس/آذار الماضي أيضاً، أفادت التقارير بأن نتنياهو وجه الدعوة لثلاثة أحزاب يمينية متطرفة في فرنسا وإسبانيا والسويد لحضور مؤتمر في القدس المحتلة يتناول موضوع مكافحة معاداة السامية.
ما هو تحالف "وطنيون من أجل أوروبا"؟
- "وطنيون من أجل أوروبا" هو تحالف سياسي للأحزاب السياسية الوطنية الأوروبية اليمينية المتطرفة.
- في يونيو/حزيران 2024، ومع وصول العديد من الأحزاب اليمينية المتطرفة إلى السلطة وحصولها على دعم انتخابي كبير في بلدانها، فقد برزت باعتبارها ثالث أكبر مجموعة سياسية في الانتخابات البرلمانية الأوروبية لتشكل تحالف "وطنيون من أجل أوروبا".
- وتم تأسيس التحالف على يد رئيس الوزراء المجري أوربان، ويقوده حالياً جوردان بارديلا، رئيس التجمع الوطني اليميني المتطرف في فرنسا.
- ويضم التحالف قوى سياسية رئيسية مثل حزب فيدسز بزعامة رئيس الوزراء المجري أوربان، وحزب الرابطة الإيطالي بزعامة نائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني، وحزب الحرية الهولندي بزعامة خيرت فيلدرز، وحزب الحرية النمساوي بزعامة هربرت كيكل.
- ومن بين الأحزاب البارزة الأخرى في التحالف حزب البديل من أجل ألمانيا، وحزب القانون والعدالة البولندي، وحزب فوكس الإسباني، وحزب الشعب الدانماركي، وحزب الشعب المحافظ الإستوني.
ما هي أهداف تحالف "وطنيون من أجل أوروبا"؟
- يهدف التحالف بشكل رئيسي إلى تنظيم الأحزاب اليمينية المختلفة في البرلمان الأوروبي لتبني مواقف موحدة بشأن قضايا عدة أبرزها الهجرة.
- وفي 30 يونيو/حزيران 2024، أعلن رئيس الوزراء المجري أوربان تشكيل التحالف الأوروبي اليميني. وقال أوربان: "إننا نبادر إلى إطلاق هذا البرنامج الجديد والتحالف الجديد".
- وتابع رئيس الوزراء القومي أن "حقبة جديدة تبدأ هنا، وقد تكون أول لحظة حاسمة من هذه الحقبة الجديدة إنشاء كتلة سياسية أوروبية جديدة ستغيّر السياسة الأوروبية".
- ووقّع زعماء التحالف بيانًا تعهّدوا فيه إحلال "السلام والأمن والتنمية" بدلاً من "الحرب والهجرة والركود" الذي تجلبه "النخبة في بروكسل"، وفق أوربان.

ماذا يعني انضمام الليكود لتحالف "وطنيون من أجل أوروبا"؟
يعكس تحالف حزب الليكود مع تكتل "وطنيون من أجل أوروبا" اليميني ذوباناً أوسع في علاقات إسرائيل مع الأحزاب الأوروبية التي كانت تعتبر في السابق منبوذة سياسياً، بحسب تقرير لصحيفة هآرتس العبرية.
ونقلت هآرتس عن مايا سيون-تزيدكياهو، الباحثة الإسرائيلية البارزة في السياسة الأوروبية بالجامعة العبرية، أن خطوة الليكود هي "دليل قاطع على أنه لم يعد حزباً ليبرالياً، بل جزءاً لا يتجزأ من اليمين الشعبوي المتطرف غير الليبرالي".
ووفقاً لهارالد فيليمسكي، رئيس وفد حزب الحرية النمساوي في البرلمان الأوروبي، والعضو البارز في تحالف "وطنيون من أجل أوروبا"، فإن وضع المراقب الذي يتمتع به حزب الليكود، والذي لا يمنحه حق التصويت، يمكنه من التعاون مع التحالف بشأن الأولويات المشتركة، بما في ذلك "الحرب ضد الإسلام السياسي"، والجهود الرامية إلى الحد من "الهجرة الجماعية غير الشرعية إلى أوروبا".
ومن خلال الترحيب بحزب سياسي يواجه رئيسه اتهامات بالإبادة الجماعية بعد حرب وحشية خلفت قطاع غزة في حالة دمار، وشردت أكثر من مليون شخص، وقتلت عشرات الآلاف، أرسل تحالف "وطنيون من أجل أوروبا" عدة رسائل، وفقاً لفريد حافظ، وهو باحث أول غير مقيم بجامعة جورج تاون.
وقال حافظ في مقال نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني: "إن الدعوات التي يطلقها أعضاء اليمين المتطرف لـ"تطهير" أوروبا من المسلمين وارتكاب "سربرينيتسا 2.0" تتعزز الآن بشكل رمزي على خلفية الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة، والتي يشنها زعيم حزب يشغل الآن صفة مراقب في تحالف "وطنيون من أجل أوروبا".
وأنهى انضمام الليكود إلى "وطنيون من أجل أوروبا" عملياً عضويته في مجموعة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، التحالف اليميني الرائد سابقاً في الاتحاد الأوروبي. وتضم هذه المجموعة، التي انضم إليها الليكود في عام 2016، حزب رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني، "إخوان إيطاليا"، وحزب الديمقراطيين السويديين، وتحالف اتحاد الرومانيين.
لماذا يقيم نتنياهو علاقات مع اليمين الأوروبي المتطرف؟
كان سعي نتنياهو لبناء تحالفات في أوروبا مع قوى اليمين المتطرف مدفوعاً برغبته في ضمان دعمهم غير المشروط داخل هيئات الاتحاد الأوروبي لسياسات الاستعمار والاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وفق تقارير غربية.
ونشرت صحيفة ليمانيتي الفرنسية تقريراً تناول هذه المسألة جاء تحت عنوان: "كيف تأقلمَ نتنياهو مع معاداة السامية لليمين المتطرف الأوروبي مقابل دعمه لسياسة الاستيطان الإسرائيلية؟".
وقالت الصحيفة إن إستراتيجية نتنياهو تمثّلت في محو القائمة العنصرية والمعادية للسامية للجماعات اليمينية المتطرفة مقابل دعمها لسياسة الاحتلال والاستعمار والتطهير العرقي في الأراضي الفلسطينية. وغذّت كراهية العرب والمسلمين هذه التقاربات الأولى، وانتهى الأمر بتعزيز التحالفات القوية، مثل التي أقامها نتنياهو مع أوربان، في أعقاب زيارته الرسمية إلى بودابست، عام 2017.

وقد صرّح وزير الدفاع المجري ذات مرة بأن نتنياهو والزعيم المجري "ينتميان إلى العائلة السياسية نفسها".
وبحسب تقرير لمنظمة "جيه ستريت" اليهودية بشأن تحالفات نتنياهو اليمينية المتطرفة العالمية، يُضاعف نتنياهو جهوده في التحالف مع قادة التيار اليميني المتطرف بسبب دعمهم للتطرف الإقليمي الإسرائيلي، ومعارضتهم لقيام الدولة الفلسطينية، ولسياسة الإفلات من العقاب على جرائم الاحتلال.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2010، زار وفد تابع لأحزاب شعبوية أوروبية إسرائيل، مُصوِّراً نفسه كـ"حليفٍ لإسرائيل ضد الإسلام المتطرف". والتقى الوفد بنائب وزير في الكنيست وقادة المستوطنين اليهود في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وخلال هذه الزيارة، صدر "إعلان القدس"، الذي أعلن فيه ممثلو الأحزاب اليمينية دعمهم "لوجود دولة إسرائيل" وحقها "في الدفاع عن نفسها ضد أي عدوان، وخاصةً ضد الإرهاب الإسلامي".
وفي أغسطس/آب 2019، دعت صحيفة يسرائيل هيوم المقربة من حزب الليكود إلى حوار رسمي مع حزب البديل من أجل ألمانيا، مجادلةً بأن على إسرائيل السعي لتحقيق مصالحها الوطنية أينما وجدت حلفاء. وزعمت الصحيفة أن "أكبر تهديد لإسرائيل واليهود الأوروبيين اليوم لا يأتي من اليمين، بل من اليسار وشركائه من الناخبين في الجاليات المهاجرة العربية والإسلامية".
وفي أعقاب الحرب على غزة، أبدى أعضاء أحزاب أوروبية يمينية، ومن بينهم حزب المصلحة الفلمنكية اليميني البلجيكي، دعماً واضحاً لإسرائيل. وفي يوليو/تموز 2024، أعرب الحزب عن مخاوف جدية بشأن الأصولية الإسلامية ومعاداة السامية التي قد تصاحب التدفق الكبير للفلسطينيين إلى بلجيكا.
فيما أقامت إسرائيل بقيادة نتنياهو علاقة فريدة مع اليميني الهولندي المتطرف خيرت فيلدرز وحزبه "حزب الحرية"، المعروف بموقفه المناهض للإسلام.
وفي أوائل فبراير/شباط 2025، استضاف رئيس الكنيست الإسرائيلي، أمير أوهانا (من الليكود)، ويوسي داغان، وهو زعيم بارز للمستوطنين وناشط كبير في الليكود، برلمانيين أوروبيين من تحالف "وطنيون من أجل أوروبا"- وهم جميعاً أعضاء في حزب فوكس اليميني المتطرف في إسبانيا.
وقال أوهانا: "حان الوقت لاستعادة عظمة أوروبا والنضال إلى جانبها". وكان زعيم حزب فوكس، سانتياغو أباسكال، الذي يشغل منصب رئيس تحالف "وطنيون من أجل أوروبا"، مؤيداً صريحاً لإسرائيل منذ أن شنّ جيش الاحتلال الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث وضع تضامنه في إطار حملته الأوسع ضد "الإسلام المتطرف".