أثار إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، رفع العقوبات الأمريكية على سوريا تساؤلات بشأن آلية رفع هذه العقوبات، والجدول الزمني المتوقع، وإلى أي مدى سيؤثر قرار واشنطن على اقتصاد البلد الذي أنهكته الحرب على مدى سنوات عدة.
وكان ترامب أعلن عن قراره رفع جميع العقوبات المفروضة على سوريا خلال زيارته للسعودية، الثلاثاء 13 مايو/أيار، وهي الخطوة التي لم تفاجئ الكثيرين في المنطقة فحسب، بل وحتى بعضاً في إدارة الرئيس الأمريكي نفسه، وفق تقرير لوكالة رويترز.
ولطالما شكّلت قضية رفع العقوبات عن سوريا مطلباً ملحاً لدمشق، خاصة وأن هذه العقوبات، التي فرضتها دول أوروبية أيضاً، قد عزلت البلاد عن النظام المالي العالمي في عهد الرئيس السابق بشار الأسد.
ورفع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا بالفعل بعض عقوباتهما، لكن إذا مضت واشنطن الآن في رفع كل عقوباتها، فسيمهّد ذلك الطريق أمام الآخرين ليحذوا حذوها.
⛔️ #ترامب: تشرفت بإعلان رفع العقوبات عن #سوريا، وأعتقد أن الرئيس السوري شخص قوي، وسنرى ما سيحصل بعد رفع العقوبات. pic.twitter.com/xOpYb53IBc
— عربي بوست (@arabic_post) May 15, 2025
ما هي العقوبات الأمريكية على سوريا؟
- فرضت واشنطن ثلاثة برامج عقوبات على سوريا. في عام 1979، صُنّفت البلاد "دولة راعية للإرهاب" لتورط جيشها في الحرب الأهلية اللبنانية المجاورة، ودعمه للجماعات المسلحة هناك، وتكوينه علاقات وثيقة مع حزب الله.
- وفي عام 2003، وقّع الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش قانون محاسبة سوريا، في الوقت الذي واجهت فيه إدارته إيران والحكومات والجماعات المدعومة منها في الشرق الأوسط.
- وركّز التشريع بشدة على دعم سوريا لجماعات إرهابية مُصنّفة، ووجودها العسكري في لبنان، وتطويرها المزعوم لأسلحة الدمار الشامل، بالإضافة إلى تهريب النفط ودعم الجماعات المسلحة في العراق بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة.
- وفي عام 2019، خلال فترة ولاية ترامب الأولى، وقّع على قانون قيصر، الذي فرض عقوبات على القوات السورية وغيرها من المسؤولين عن الفظائع التي ارتُكبت خلال الثورة السورية.
كيف أثّرت العقوبات الأمريكية على سوريا؟
- أثّرت العقوبات – إلى جانب التدابير المماثلة التي اتخذتها بلدان أخرى – على كل جزء من الاقتصاد السوري والحياة اليومية في البلاد.
- وقد أدّى ذلك إلى نقص في السلع من الوقود إلى الأدوية، وجعل من الصعب على الوكالات الإنسانية المستجيبة تلقّي التمويل والعمل بكامل طاقتها، وفق تقرير لوكالة أسوشيتد برس الأمريكية.
- وكما واجهت الشركات حول العالم صعوبة في التصدير إلى سوريا، واجه السوريون صعوبة في استيراد مختلف أنواع البضائع، نظراً لحظر جميع المعاملات المالية تقريباً مع البلاد. وقد أدّى ذلك إلى ازدهار السوق السوداء للسلع المهرّبة.
- وبات الحصول على المهام البسيطة مثل تحديث الهواتف الذكية أمراً صعباً، إن لم يكن مستحيلاً، ويلجأ العديد من الأشخاص إلى الشبكات الخاصة الافتراضية، أو VPN، التي تُخفي النشاط عبر الإنترنت، للوصول إلى الإنترنت لأن العديد من المواقع الإلكترونية تمنع المستخدمين الذين يحملون عناوين IP سورية.
- وبحسب البنك الدولي، أدّى تضاؤل إيرادات النفط والسياحة إلى انخفاض صادرات سوريا من 18.4 مليار دولار في عام 2010 إلى 1.8 مليار دولار في عام 2021.
- وقال خبراء لوكالة رويترز إن الضغوط المالية التي تعرّضت لها الحكومة دفعتها إلى سداد ثمن بعض الواردات الرئيسية بأموال غير مشروعة من مبيعات المنشّطات الشبيهة بالأمفيتامين المسبّبة للإدمان والمعروفة باسم الكبتاغون، أو من تهريب الوقود، وفق وكالة رويترز.
- وأصبح إنتاج الكبتاغون القطاع الاقتصادي الأكثر قيمة، وقدّر البنك الدولي العام الماضي القيمة السوقية الإجمالية للمخدر المُنتَج في سوريا بما يصل إلى 5.6 مليار دولار.

ما هو وضع الاقتصاد السوري الحالي؟
- تشير تقديرات البنك الدولي إلى أن قيمة الاقتصاد السوري تبلغ حوالي 21 مليار دولار، وهو ما يعادل تقريباً ما لدى ألبانيا وأرمينيا، اللتين يقل عدد سكانهما عن سوريا بأكثر من 20 مليون نسمة، وفق وكالة رويترز.
- وتُظهر البيانات السورية الرسمية أن حجم الاقتصاد انخفض إلى أكثر من النصف بين عامي 2010 و2022. ويرجّح البنك الدولي أن حتى ذلك المعدل أقل من الأرقام الحقيقية، وسط تقديرات تشير إلى انكماش أكثر حدّة بنسبة 83% بين عامي 2010 و2024.
- وأُعيد تصنيف سوريا دولة منخفضة الدخل في عام 2018، إذ يعيش أكثر من 90% من سكانها البالغ عددهم حوالي 25 مليون نسمة تحت خط الفقر، وفقاً لوكالات الأمم المتحدة.
- وفيما يتعلق بالعملة السورية، بلغ سعر الصرف، الأربعاء 14 مايو/أيار، 11065 ليرة للدولار الواحد، وذلك مقارنة مع أسعار السوق السوداء التي بلغ فيها سعر الدولار حوالي 22 ألف ليرة في وقت سقوط الأسد العام الماضي، و47 ليرة في مارس/آذار 2011 عندما اندلعت الحرب.
كم تبلغ الديون المستحقّة على سوريا؟
- قالت الحكومة إن ديونها تتراوح ما بين 20 و23 مليار دولار، معظمها في شكل قروض ثنائية، إلا أنها قد تكون أعلى بكثير، نظراً لأنها قد تواجه مطالبات من إيران وروسيا بمبلغ يتراوح بين 30 و50 مليار دولار.
- ويقول محامون بارزون في مجال الديون السيادية إن تلك الالتزامات التي تعود إلى عهد الأسد يمكن شطبها لاعتبارها ديون حرب "بغيضة"، وهي ديون تحمّلتها البلاد دون موافقة الشعب السوري أو إنفاقها لصالحه، بسبب توجيه الكثير منها لتزويد حكومة الأسد بالأسلحة.
- ويُظهر تقرير صدر عن معهد بيترسون في الآونة الأخيرة أنه يجب أيضاً تحديد الجهات الملزِمة السورية، مثل الحكومة أو البنك المركزي أو الشركات المملوكة للدولة أو المؤسسات التجارية، إذ تحتاج الأنواع المختلفة من الديون إلى معاملة مختلفة عند إعادة الهيكلة.
ماذا يعني رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا؟
بعد إعلان ترامب، ارتفعت قيمة العملة السورية بنسبة 60% مساء الثلاثاء، وهي إشارة إلى مدى التحوّل الذي يمكن أن يُحدثه رفع العقوبات، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
وإذا ما مضت الولايات المتحدة قدماً في رفع عقوباتها، فإن الأنظمة والمؤسسات المالية والاقتصادية السورية سوف تشعر بارتياح كبير، رغم أن الأمر سيستغرق بعض الوقت لرؤية أي تأثير ملموس على الاقتصاد السوري، ولكن إزالة العقوبات الأمريكية يمكن أن تُحدث تغييرات كبيرة في حياة السوريين.

ويمكن رصد أبرز التداعيات التي سيُخلّفها رفع العقوبات الأمريكية عن سوريا فيما يلي:
- عودة البنوك السورية إلى النظام المالي الدولي
ونقل موقع TRT التركي عن محمد باباجان، أستاذ الاقتصاد في جامعة مرمرة ، قوله: "إن رفع الحظر الدولي على سوريا من شأنه أن يسهل وصول البلاد إلى الأسواق الدولية، مما يساعد في معالجة التزامات ديونها من الماضي وإعادة تأسيس علاقاتها مع المنظمات الدولية" مثل البنك الدولي.
- العملة السورية
وعلى الصعيد الاقتصادي الكلي، فإن العملة السورية الخالية من العقوبات سيكون لها مستقبل أفضل، حيث ستتمكن البلاد من الحصول على مساعدات اقتصادية وائتمانات من المجموعات الدولية والدول الأجنبية، وهو ما سيؤثر ايجابياً على ضمان استقرار الأسعار على المدى الطويل، بحسب باباجان.
⭕️ #عاجل | #ترامب: الرئيس السوري رائع ولديه فرصة جيدة. pic.twitter.com/7OKvvzx7lX
— عربي بوست (@arabic_post) May 14, 2025
- عودة اللاجئين
وإذا تحسن الاقتصاد وانطلقت مشاريع إعادة الإعمار، فقد يقرر العديد من اللاجئين السوريين، الذين يعيشون في مخيمات مكتظة ويعتمدون على المساعدات للبقاء على قيد الحياة، العودة إلى ديارهم.
ونقلت وكالة أسوشيتدبرس عن الخبير الاقتصادي اللبناني، مونس يونس، قوله: "إذا استقرت الأوضاع وحصلت الإصلاحات فإننا سنرى السوريين يعودون إلى بلادهم إذا أتيحت لهم الفرص كما نتوقع".
- قطاع النفط
ومن المرجح أن يكون انتعاش صناعة النفط الميزة الأبرز. إذ سيُتاح تصدير النفط مجدداً، مما يمنح الحكومة مصدر دخل أساسياً، وفق وكالة الأناضول.
وفي عام 2010، صدّرت سوريا 380 ألف برميل يومياً من النفط. وانحسر مصدر الإيرادات هذا بعد اندلاع الحرب في عام 2011. واستولت جماعات مختلفة منها تنظيم الدولة الإسلامية والمقاتلون الأكراد على حقول نفطية. ورغم توقيع جماعات الأكراد صفقات مع شركات أمريكية، فإن العقوبات جعلت من الصعب تصدير النفط بشكل مشروع.
- الاستثمارات المحلية والأجنبية
وبالإضافة إلى ذلك، يمكن للشركات الأجنبية البدء بالاستثمار في سوريا، لا سيما في قطاعات كالزراعة والاتصالات والبناء. وقد يُسهم هذا التدفق الهائل من رؤوس الأموال في خلق فرص عمل وتعافي القطاعات التي دمرها الصراع.
وقال رجل الأعمال السوري الملياردير غسان عبود لرويترز إنه يضع خططاً للاستثمار، ويتوقع أن هناك سوريين آخرين لهم علاقات تجارية دولية يفكرون في ذلك أيضاً.
وأضاف الرجل الذي يعيش في الإمارات: "كانوا خائفين من القدوم والعمل في سوريا بسبب مخاطر العقوبات… هذا سيختفي تماماً الآن".
ومضى يقول: "أُخطط بالطبع لدخول السوق لسببين: (أولاً) أريد مساعدة البلاد على التعافي بأي طريقة ممكنة، وثانياً، هناك أرض خصبة: فأي بذرة توضع اليوم قد تدر هامش ربح جيداً".
- دول الجوار
وستتمكن سوريا من استعادة علاقاتها التجارية مع دول المنطقة وخارجها ووضح حد للعزلة الدولية.
ونقلت وكالة رويترز عن وزير المالية السوري محمد يسر برنية لرويترز إن مستثمرين من الإمارات والكويت والسعودية ودول أخرى، قدموا ستفسارات عن الاستثمار.
وأضاف برنية لرويترز: "سوريا اليوم هي أرض الفرص، وهناك إمكانات كامنة هائلة في جميع القطاعات، من الزراعة إلى النفط والسياحة والبنية التحتية والنقل".
- التضخم
وستتمكن البلاد من استيراد منتجات مثل الغذاء والتكنولوجيا بأسعار معقولة، مما قد يُسهم في استقرار اقتصاد البلاد وخفض التضخم. وتراجع الإنتاج الزراعي إلى مستويات غير مسبوقة في عامي 2021 و2022 حين هبط إنتاج القمح وحده إلى ربع الكمية التي كانت تبلغ حوالي أربعة ملايين طن سنويا قبل الحرب.

- التعليم والبحث العلمي
وأعرب طلاب جامعيون سوريون عن تفاؤلهم بالمستقبل، بعد قرار رفع العقوبات المفروضة على بلادهم، معتبرين تلك الخطوة "مهمة ومبشّرة" من أجل حياتهم الدراسية واليومية على حدّ سواء.
وأشارت فاطمة الزهراء، الطالبة في قسم العمارة جامعة دمشق، إلى الأثر الكبير الذي خلفته العقوبات على الطلبة في عهد النظام المخلوع.
وأضافت وفق ما نقلت وكالة الأناضول: "في السابق، لم نكن نستطيع استخدام الذكاء الاصطناعي لأنه كان محظوراً في سوريا. كطلاب في قسم العمارة، نحن بحاجة إلى بحث علمي متقدّم، وكل هذه التطورات الإيجابية مرتبطة بإلغاء العقوبات".
وأوضحت أن رفع العقوبات سيترك "تأثيرات إيجابية" يمتد من التعليم إلى التكنولوجيا والبحث العلمي.