باتت جامعة هارفارد الأمريكية رمزاً للمقاومة في الولايات المتحدة بعدما جمّدت وزارة التعليم تمويلاً اتحادياً للجامعة الأغنى في البلاد بأكثر من ملياري دولار، عقب ساعات فقط من رفضها مطالب لإدارة الرئيس دونالد ترامب بإجراء تغييرات جذرية في سياستها بشأن التنوع.
ومثلت هذه الخطوة مستوىً جديداً من الخلاف بين إدارة ترامب والجامعات الأمريكية، التي تتهمها من جهة بأنها واقعة في قبضة اليسار المتطرف وبأنها فشلت في جهود مكافحة السامية من جهة أخرى، بعدما شهدت تلك الجامعات حراكاً طلابياً واسعاً مؤيداً لفلسطين ومناهضاً للحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول.
وكانت إدارة ترامب أعلنت قبل يومين أنها ستجمّد 2.2 مليار دولار من المنح و60 مليون دولار من قيمة العقود المخصصة لجامعة هارفارد، التي تفوق ميزانيتها المالية الناتج المحلي الإجمالي لنحو 100 دولة، بعد أن أعلنت الجامعة أنها لن تلتزم بمطالب الإدارة بتغيير سياساتها.

وبينما لا تزال الصورة غير مكتملة بشأن ما قد يحدث بين إدارة ترامب وجامعة هارفارد، أشاد البعض بموقف الجامعة المناهض للحكومة الأمريكية وبرزت تساؤلات بشأن الأسباب التي دفعت المؤسسة التعليمية البارزة إلى مقاومة قرارات الحكومة الأمريكية.
ما هي مطالب إدارة ترامب لجامعة هارفارد؟
شملت قائمة مطالب لجنة مكافحة معاداة السامية التابعة للإدارة الأمريكية لجامعة هارفارد المطالب التالية:
- تقليص صلاحيات أعضاء هيئة التدريس والإداريين.
- تعيين طرف ثالث معتمد من الحكومة الفيدرالية لمراجعة ملفات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس والموظفين والقيادة، بهدف "تنوع وجهات النظر"، على أن يتم تقديم التقارير للحكومة الفيدرالية بحلول نهاية عام 2025.
- إلزام الجامعة بمشاركة بيانات التوظيف والقبول مع الحكومة الفيدرالية، مع تدقيق هذه البيانات حتى نهاية عام 2028 على الأقل. ويجب أن تشمل بيانات القبول معلومات عن الطلاب المرفوضين والمقبولين، مصنفة حسب العرق واللون والأصل القومي.
- تعيين مدقق خارجي لفحص البرامج والأقسام التي قالت لجنة مكافحة معاداة السامية إنها "تغذي المضايقات معادية للسامية أو تعكس سيطرة أيديولوجية"، بما في ذلك بعض الكليات مثل كلية اللاهوت وكلية الدراسات العليا في التربية وكلية الصحة العامة وكلية الطب.
- إجراء تعديلات على إجراءات الفرز والقبول لاستبعاد الطلاب الدوليين الذين يُعتقد أنهم "معادون للقيم والمؤسسات الأمريكية"، والإبلاغ عن أي طالب أجنبي "يرتكب انتهاكاً للسلوك" إلى السلطات الفيدرالية.
- إلغاء "اختبارات التمييز الإيديولوجي".
- حظر ارتداء الأقنعة داخل الحرم الجامعي.
كيف ردت جامعة هارفارد على مطالب إدارة ترامب؟
رفضت جامعة هارفارد مطالب إدارة ترامب بإنهاء جهود التنوع واتخاذ الخطوات التي قالت الجامعة إن من شأنها أن تخنق الحريات الفكرية لأعضاء هيئة التدريس والطلاب مقابل الحصول على التمويل الاتحادي.
وقرر قادة الجامعة، خلال مناقشات مكثفة جرت خلال عطلة نهاية الأسبوع، أن ما تقترحه الحكومة يمثل تهديداً عميقاً لاستقلال الجامعة التي يبلغ عمرها 388 عاماً ورسالتها، وفق تقرير لصحيفة نيويورك تايمز.
وكتب رئيس جامعة هارفارد، آلان غاربر، الإثنين 14 أبريل/نيسان 2025، في رسالة عامة أن المطالب التي قدمتها وزارة التعليم من شأنها أن تسمح للحكومة الاتحادية "بالسيطرة على مجتمع هارفارد" وتهديد "قيم الجامعة كمؤسسة خاصة مكرسة لإنتاج المعرفة ونشرها".
وأضاف غاربر: "ينبغي لأي حكومة ألا تملي ما يمكن للجامعات المستقلة أن تدّرسه، ومن يمكنها قبوله وتوظيفه، وما هي مجالات الدراسة والبحث التي يمكنها متابعتها".
وحثّ عشرات الخريجين والشخصيات الوطنية المرتبطة بجامعة هارفارد المؤسسة على الدفاع عن نفسها وعن التعليم العالي بشكل عام.
ووصف الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما، استهداف إدارة ترامب لجامعة هارفارد بأنه "غير قانوني".
وساند أوباما في منشور عبر منصة إكس، الثلاثاء 15 أبريل/نيسان 2025، إدارة الجامعة التي تواجه تهديدات إدارة ترامب ومطالبها المناهضة لحرية التعبير.
⛔️ #أوباما يساند جامعة هارفارد في مواجهة إدارة #ترامب، بعد تصدّرها قائمة الجامعات التي شهدت احتجاجات طلابية مؤيدة لـ #فلسطين.
— عربي بوست (@arabic_post) April 15, 2025
⭕️ وصف الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما استهداف إدارة دونالد ترامب لجامعة هارفارد التي برز اسمها بين الجامعات التي شهدت احتجاجات طلابية متضامنة مع… pic.twitter.com/03tmHKfzkZ
لماذا قررت جامعة هارفارد مقاومة ترامب؟
أولاً: قوة مالية كبيرة
- عزت تقارير عدة موقف جامعة هارفارد الرافض لمطالب ترامب إلى الوقف المالي الكبير الذي تمتلكه الجامعة الأقدم في البلاد، والذي تقدر قيمته بأكثر من 53 مليار دولار.
- وقال تقرير نشرته مجلة بوليتيكو الأمريكية إن الجامعة أصبحت الآن في وضع فريد يسمح لها بأن تصبح المؤسسة الأمريكية الأبرز حتى الآن التي تقاوم بنشاط جهود ترامب الرامية إلى إخضاع عناصر المجتمع المدني الأمريكي لإرادته.
- ونقلت بوليتيكو عن ستيفن هيمان، الذي شغل في السابق منصب رئيس جامعة هارفارد، قوله: "تمتلك جامعة هارفارد موقفاً يسمح لها بالدفاع عن نفسها بفضل مواردها وتاريخها والتزامها بحرية التعبير".
- وأشار تقرير نيويورك تايمز أيضاً إلى أن هارفارد تمتلك قوة مالية وسياسية هائلة تُمكّنها من الدخول في مواجهة مع الإدارة الأمريكية.
- ومع أن التقرير أوضح أن التجميد الدائم سيؤثر سلباً على المختبرات والأقسام وحتى الفصول الدراسية، إلا أنه أضاف أن مسؤولي هارفارد اختاروا تقدير سمعتها واستقلالها وإرثها، مراهنين على قدرة المؤسسة على الصمود في وجه حملة ترامب.
ثانياً: موقف رئيس الجامعة الحازم
- سلطت المواجهة بين جامعة هارفارد وإدارة ترامب الضوء على الموقف الحازم لرئيس الجامعة، آلان غاربر، الذي تولى المنصب الأعلى بالجامعة العام الماضي بعد استقالة سلفه، كلودين جاي، وسط مخاوف بشأن تعاملها مع معاداة السامية في الحرم الجامعي.
- وقال تقرير مجلة بوليتيكو إن رد غاربر، الأكاديمي المخضرم البالغ من العمر 69 عاماً، والحاصل على شهادتي اقتصاد وطب، على ترامب هذا الأسبوع قوبل بإشادة من الديمقراطيين وكثيرين في جامعة هارفارد، معتبرين إياه مثالاً على كيفية مواجهة عدوانية الرئيس.
- وكتب غاربر في بيان يوم الاثنين أن مطالب إدارة ترامب للمدرسة تنتهك "حقوق هارفارد التي يكفلها التعديل الأول وتتجاوز الحدود القانونية لسلطة الحكومة".
ثالثاً: عدم قانونية مطالب الإدارة
- اعتبر أكاديميون أن مطالب الإدارة الأمريكية من جامعة هارفارد لم تكن قانونية مما حفز الجامعة على تبني موقف رافض لها.
- وقالت جيني سوك جيرسن، أستاذة القانون في كلية الحقوق بجامعة هارفارد: "كانت عدم قانونية تهديدات الحكومة جلية: فقد كانت تنوي سحب أموال المنح التي مُنحت بالفعل ولم تُدفع، دون الامتثال للإجراءات القانونية".
- وأضافت في مقال نشرته مجلة ذا نيويوركر الأمريكية: "علاوة على ذلك، كانت تخطط للاستيلاء على الأنشطة الأكاديمية وحوكمة الجامعة، وهو ما سيُلحق الضرر المباشر بالحرية الأكاديمية، ويُثبت أن قوانين الحقوق المدنية ليست سوى أدوات للضغط على الجامعة لخدمة أجندة الحكومة".
- وقال ستيفن بينكر، أستاذ علم النفس والرئيس المشارك لمجلس الحرية الأكاديمية في جامعة هارفارد، إنه "يكاد يكون من غير المعقول أن يوافق رئيس جامعة على تلك القائمة من المطالب، لأنها في الواقع تحدد محتوى معتقدات أعضاء هيئة التدريس والطلاب المقبولين".
- يذكر أن جامعة هارفارد كانت قد أشارت في رسالتها إلى أن مطالب الإدارة الأمريكية تتعارض مع التعديل الأول والقانون الفيدرالي.
- وقالت الجامعة: "لا يمكن لجامعة هارفارد ولا أي جامعة خاصة أخرى أن تسمح بأن تستولي عليها الحكومة الفيدرالية. إن جامعة هارفارد ليست مستعدة للموافقة على مطالب تتجاوز السلطة القانونية لهذه الإدارة أو أي إدارة أخرى".
The university will not surrender its independence or relinquish its constitutional rights. Neither Harvard nor any other private university can allow itself to be taken over by the federal government. https://t.co/5k5t9RYYC2
— Harvard University (@Harvard) April 14, 2025
رابعاً: مخاوف من مزيد من الاستغلال
- كانت قيادة جامعة هارفارد تُدرك أن الرضوخ للمطالب غير القانونية لن يمنع الحكومة الأمريكية من استغلالها أكثر.
- وأوضحت أستاذة القانون جيني أن رضوخ هارفارد كان سينشئ أساساً إضافياً للادعاء بأن الجامعة غير مُلتزمة، مما يُهدد بمزيد من التعديات على الحرية الأكاديمية. وجهود الإدارة لوضع جامعة كولومبيا تحت إشراف قاض فيدرالي خير مثال على ذلك. وقد أوضحت رسالة الحكومة إلى هارفارد أن ذلك من شأنه أن يضع الجامعة فعلياً تحت الحراسة القضائية، بحسب جيني.
- وفي مارس/آذار الماضي، وافقت جامعة كولومبيا على مجموعة من مطالب إدارة ترامب سعياً لاستعادة 400 مليون دولار من المنح والعقود الفيدرالية. لكن الأموال لم تتدفق مجدداً. وبدلاً من ذلك، تدرس الحكومة الآن إمكانية إصدار مرسوم موافقة مع الجامعة، مما سيُمكّن قاضياً فيدرالياً من مراقبة أي اتفاقية مع الجامعة، ويمنح البيت الأبيض نفوذاً عليها، ربما لسنوات.
خامساً: خطط بديلة:
- لدى جامعة هارفارد خطط بديلة، حيث تتعاون المؤسسة مع شركة بالارد بارتنرز، وهي شركة ضغط وثيقة الصلة بترامب تعاقدت معها الجامعة في وقت سابق من هذا العام. كما تعتمد على فريقها في واشنطن للتواصل مع الجمهوريين المتعاطفين معها في الإدارة أو الكونغرس، والذين قد يكونون على استعداد للمساعدة، وفقاً لما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مصادر مطلعة.
- وكانت الجامعة تجري استعدادات خفية للصدام مع البيت الأبيض، وبعضها كان قبل وقت طويل من إعلان الحكومة في 31 مارس/آذار الماضي أنها ستراجع نحو 9 مليارات دولار من تمويل هارفارد.
- وفرضت الجامعة تجميداً على التوظيف في مارس/آذار، وسعت لجمع 1.2 مليار دولار من سوق السندات.
- وقد يُساعد صندوق هارفارد المالي الجامعة على تجاوز بعض التداعيات المالية، لكن قادة الجامعات غالباً ما يُعارضون بشدة استخدام هذه الأموال، خوفاً من سحب الأموال التي سيحتاجونها مستقبلاً. ومع ذلك، قالت هارفارد في أحدث تقرير مالي لها إن هناك مليارات الدولارات التي يمكنها استغلالها "في حالة حدوث اضطراب غير متوقع".

ما هو التالي؟
هدد ترامب، الثلاثاء، بتصعيد النزاع، قائلاً إنه "ربما يتعين على هارفارد أن تفقد وضعها المعفي من الضرائب وأن تخضع للضريبة كمنظمة سياسية إذا استمرت بنشر الأمراض السياسية والأيديولوجية والإرهابية".
ويتعين على جامعة هارفارد الآن أن تقرر ما إذا كانت ستتفاوض مع إدارة ترامب أم ستلجأ إلى القضاء. ويمثل الجامعة محاميان يتمتعان بسمعة طيبة في أوساط اليمين، وهما ويليام أ. بورك، الذي مثّل العديد من حلفاء ترامب في النزاعات القانونية، وروبرت هور، خريج جامعة هارفارد الذي كتب تقريراً عن تعامل الرئيس السابق جو بايدن مع وثائق سرية استشهد بها المحافظون كدليل على تدهور صحته العقلية خلال حملة 2024.
ورجحت تقارير أن تندلع معركة قانونية بين الإدارة الأمريكية وجامعة هارفارد. وقد رفعت مجموعة من أعضاء هيئة التدريس دعوى قضائية ضد هذه المطالب، ويتوقع الكثيرون في الأوساط الأكاديمية أن ترفع جامعة هارفارد دعوى قضائية خاصة بها.
ويأمل كثيرون من اليساريين أيضاً الآن أن تُحفّز مقاومة هارفارد موجةً جديدةً من المعارضة من المؤسسات التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تغييرها.
كيف أثر قرار هارفارد على الجامعات الأخرى؟
حفز موقف جامعة هارفارد المؤسسات التعليمية الأخرى على اتخاذ مواقف رافضة لنهج الإدارة الأمريكية.
وقال ديفيد بوزين، أستاذ القانون بجامعة كولومبيا، والذي جادل بأن مطالب الحكومة الأمريكية غير قانونية: "من الواضح أن جامعة هارفارد مؤسسة قوية بشكل خاص. وقرارها قد يحفز الجامعات الأخرى على اتخاذ موقف جماعي معارض"، بحسب وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية.
ويبدو أن تحدي هارفارد قد شجع جامعة كولومبيا، التي تسعى لاستعادة 400 مليون دولار من تخفيضات التمويل بسبب مزاعم معاداة السامية.
وفي أعقاب الموقف العلني الذي اتخذته جامعة هارفارد، قالت رئيسة جامعة كولومبيا بالإنابة، كلير شيبمان، في بيان لها، الإثنين، إن الجامعة "سترفض أي تنسيق حكومي مُفرط" و"أي اتفاق يُلزمنا بالتخلي عن استقلالنا وحرية التعبير كمؤسسة تعليمية".
ورفع معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة برينستون وجامعات أخرى دعوى قضائية ضد وزارة الطاقة لمنع تخفيض المنح البحثية الفيدرالية التي قالت الوكالة إنها ستوفر 405 ملايين دولار سنوياً.
ويوم الثلاثاء، أعرب رئيس جامعة ستانفورد، جوناثان ليفين، وعميدة الجامعة، جيني مارتينيز، عن دعمهم لهارفارد، وتعهدا بمقاومة ترامب.
وقالوا إن "اعتراضات هارفارد على الرسالة التي تلقتها متجذرة في التقاليد الأمريكية للحرية، وهو تقليد أساسي لجامعات بلادنا، ويستحق الدفاع عنه".