نزع سلاح حماس والقضاء عليها.. نتنياهو يتعمد إفشال المحادثات ولديه 4 خيارات “معقدة” للتعامل مع غزة

عربي بوست
تم النشر: 2025/04/15 الساعة 13:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/04/15 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحفي - رويترز

ما بين إنهاء حكم حركة حماس والقضاء عليها ونزع سلاحها، يضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو العراقيل أمام إمكانية إنهاء الحرب على قطاع غزة، ولكن هذا يواكب واقعاً معقداً بالنسبة إليه حول شكل المشهد في القطاع في "اليوم التالي" للحرب.

ووضع نتنياهو العراقيل أمام إمكانية التفاوض بشأن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ في 19 يناير/كانون الثاني 2025، بوساطة مصرية وقطرية وأمريكية.

وبدلاً من الانتقال إلى المرحلة الثانية التي تتضمن إنهاء الحرب والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة، واستكمال عملية تبادل الأسرى، أراد نتنياهو التنصل من الاتفاق والدخول في مسار "الهدنة القصيرة التي يتم فيها عملية تبادل الأسرى".

لكن حركة حماس شددت في بيانات وتصريحات مختلفة أنه لا صفقة دون وقف الحرب والانسحاب من قطاع غزة.

ومع انتهاء المرحلة الأولى، بدأ الاحتلال الإسرائيلي بالتضييق على قطاع غزة عبر إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات، وفي 18 مارس/آذار 2025، شن غارات مكثفة أعاد منذ حينها الهجمات على القطاع.

وانخرطت الولايات المتحدة بعد انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، بمفاوضات مباشرة مع حركة حماس عبر مبعوثها الأمريكي آدم بوهلر، تضمنت ثلاث لقاءات، بحسب ما كشفته صحيفة "نيويورك تايمز".

المسؤول الأمريكي في إدارة ترامب آدم بوهلر/ رويترز<br>
المسؤول الأمريكي في إدارة ترامب آدم بوهلر/ رويترز

وقالت الصحيفة الأمريكية إن هذه الاجتماعات كانت بمثابة خرق للسياسة الأمريكية الرافضة للتواصل مع الجماعة الفلسطينية المسلحة التي تعتبرها الولايات المتحدة "منظمة إرهابية".

وفي اللقاء الأول خلال شهر رمضان، استقبل ثلاثة مسؤولين من حركة حماس المسؤول الأمريكي بوهلر، في مكتب رئيس المكتب السياسي للحركة في الدوحة.

وكان الطرح الأمريكي في البداية هو الإفراج عن الأسير الإسرائيلي الأمريكي عيدان ألكسندر، ليتمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من الإعلان عن إطلاق سراحه في خطاب "حالة الاتحاد"، وبدء مفاوضات إنهاء الحرب على غزة.

وعُقد لقاءان آخران بين حركة حماس والمبعوث الأمريكي بوهلر، وتعرّض الأخير لضغوط من إسرائيل بشأن المحادثات. وتلقى مكالمة هاتفية غاضبة من رون ديرمر، مستشار نتنياهو، أعرب فيها عن إحباطه من عدم إبلاغ إسرائيل مسبقاً.

بالتزامن مع ذلك، كان المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط ستيف ويتكوف قد عرض مقترحاً لإطلاق 10 أسرى إسرائيليين مقابل 50 يوماً من وقف إطلاق النار، والإفراج عن أسرى فلسطينيين، وإدخال مساعدات إنسانية، وبدء مفاوضات بشأن المرحلة الثانية.

3 شروط تعجيزية لإنهاء الحرب

وكشف مصدر لـ"عربي بوست" أنه في 27 مارس/آذار 2025، قدم الوسطاء مقترحاً من 9 بنود يتضمن الإفراج عن خمسة أسرى إسرائيليين، متعهدين بأنه سيكون مدخلاً للتفاوض على المرحلة الثانية.

لكن الاحتلال الإسرائيلي، في رده على المقترح في 27 مارس/آذار 2025، قدم مقترحاً مضاداً تضمن ثلاثة شروط تعجيزية، وهي مناقشة:

  • نزع سلاح المقاومة الفلسطينية
  • إبعاد قيادات حركة حماس وجناحها العسكري إلى خارج قطاع غزة
  • الموافقة على خريطة تتضمن مناطق عازلة تتموضع فيها القوات الإسرائيلية

وكان لافتاً في المقترح الإسرائيلي، أن يتم الإفراج عن 10 أسرى إسرائيليين بالإضافة إلى الأسير الإسرائيلي الأمريكي ألكسندر، في اليومين الأول والثاني من الاتفاق، دون ضمانات حقيقية للانتقال إلى مرحلة إنهاء الحرب.

ويكشف مصدر لـ"عربي بوست"، أن الوسيط المصري قدم مقترحاً تبيّن أنه إسرائيلي إلى وفد حركة حماس.

ويشمل المقترح إطلاق سراح نصف أسرى الاحتلال في الأسبوع الأول من الاتفاق، وتهدئة مؤقتة لمدة 45 يوماً.

وتضمن المقترح الذي عرضه المصريون على وفد حركة حماس بنداً صريحاً يتعلق بنزع سلاح المقاومة.

وأكد المصدر أن الوسيط المصري، خلال مباحثاته مع وفد حركة حماس، ناقش مسألة نزع سلاح الحركة لإنهاء الحرب، وهو تبنٍّ واضح للتصور الإسرائيلي.

هل هناك رؤية إسرائيلية واضحة تجاه مستقبل قطاع غزة؟

في ظل ذلك، فإن نتنياهو يواجه خيارات معقدة للغاية بشأن مستقبل قطاع غزة، ومنذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، يتحدث عن بدائل لحكم حركة حماس، فشل في تحقيقها.

ويقول موقع "زمن إسرائيل" إن نتنياهو يدرك أنه في وضع معقد للغاية، ويريد مواصلة الحرب لأسباب شخصية انتقامية، وليس فقط الخوف من انسحاب بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير من الائتلاف الحكومي.

وبعد مرور عام ونصف تقريباً، فإن الحكومة الإسرائيلية لم تقدم أي صياغة استراتيجية مناسبة لمستقبل قطاع غزة، حيث تواجه مجموعة من البدائل القاتمة جميعها إشكالية في آثارها وجدواها، بحسب دراسة أعدها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي.

زيارة سابقة لنتنياهو في قطاع غزة/ رويترز
زيارة سابقة لنتنياهو في قطاع غزة/ رويترز

المعهد الإسرائيلي أوضح أن النوايا الاستراتيجية للحكومة الإسرائيلية الحالية تجاه قطاع غزة على المديين القريب والبعيد لا تزال غامضة.

وبينما لا يزال مصير قطاع غزة معلقاً، تبقى حقيقة بارزة: "لا تزال حماس، عملياً، القوة الحاكمة والعسكرية في المنطقة، وهذا الوضع، إلى جانب غياب أي بديل قادر على تهديد حكم حماس، وعدم إعادة جميع الرهائن إلى إسرائيل، يعكس فشل إسرائيل حتى الآن في تحقيق أهداف الحرب المعلنة"، بحسب معهد الأمن القومي الإسرائيلي.

وبحسب المعهد الإسرائيلي، يمثل استمرار وجود حركة حماس وحكمها في قطاع غزة كارثة على إسرائيل، ومع الانتكاسة في الحل السياسي في الضفة الغربية، فمن المرجح أن تصبح فكرة المقاومة أكثر رسوخاً داخل المجتمع الفلسطيني، وبقاء الحركة الفلسطينية قد يعزز الفكرة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ويعرض معهد الأمن القومي الإسرائيلي البدائل المطروحة والمخاطر والفرص التي ينطوي عليها، بشأن "اليوم التالي" لحكم حركة حماس، لكنه أكد على نقاط هامة، وهي:

  • لم تنجح إسرائيل في تحييد قدرة حماس على مواصلة العمل، حيث إنها ما زالت تحتفظ بقبضتها الحاكمة والعسكرية على قطاع غزة.
  • لا يوجد حالياً أي بديل داخلي لحركة حماس في قطاع غزة.
  • لا يمكن لإسرائيل القضاء على حركة حماس بالكامل.
  • مصالح إدارة ترامب والحكومة الإسرائيلية فيما يتعلق بقطاع غزة لا تتوافق بشكل كامل.
  • إجماع عربي على ضرورة الحكم الفلسطيني في غزة، رغم عدم الاتفاق على هوية الجهة الحاكمة.

ويفترض معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، أن محاولة تحديد المصالح الإسرائيلية في قطاع غزة في المرحلة الراهنة مسألة معقدة، وذلك لسببين مترابطين:

  • الأول، صعوبة فصل تعريف المصالح عن الحيز الإدراكي في الخطاب العام بشأن البدائل المستقبلية المطروحة، بدايةً من إقامة دولة فلسطينية، مروراً بإدارة دولية، ووصولاً إلى الهجرة الجماعية.
  • أما السبب الثاني فيتجلى في غياب إجماع سياسي داخلي حول جوهر المصالح الوطنية، في ضوء الانقسام في المجتمع والسياسة الإسرائيليين، حول ماهية المصالح ذاتها، أو بشأن ما يُعد مقبولاً أو مرفوضاً من ناحية المسموح والممنوع في إطار البدائل التي قد تحقق تلك المصالح.

ما خيارات نتنياهو في قطاع غزة وما جدواها؟

أولاً: تهجير السكان الفلسطينيين

وتُعتبر هذه الرؤية هي الأبرز في الطروحات الإسرائيلية بعد تصريحات ترامب، وتستند إلى إفراغ القطاع من سكانه، وتحويله إلى منطقة استثمارية برعاية أمريكية، بينما تتولى إسرائيل مسألة التهجير.

لكن المعهد الإسرائيلي يقر بأن احتمالية تنفيذ هذه الرؤية ضئيلة، بالنظر إلى:

  • مدى قابلية سكان قطاع غزة لمغادرته، فقد يصر الكثيرون على البقاء انطلاقاً من مبدأ الصمود والتشبث بالأرض.
  • العقبات اللوجستية المرتبطة بالفكرة، ورفضها من الدول العربية.
  • وبموجب القانون الدولي، فإن التهجير القسري لمئات الآلاف من الفلسطينيين رغماً عنهم يُعد تطهيراً عرقياً وجريمة حرب، ما قد يؤدي إلى فرض عزلة دولية على إسرائيل وتعريضها لعقوبات محتملة.

ثانياً: الاحتلال والإدارة العسكرية:

يشير هذا الطرح إلى إعادة احتلال قطاع غزة، ويتولى الجيش الإسرائيلي السيطرة الكاملة عليه، بهدف تفكيك بنية حركة حماس، من دون تحمّل مسؤولية السكان مباشرة.

ويعارض المقترح حكماً فلسطينياً موحداً في القطاع، وخاصةً من قِبل السلطة الفلسطينية، بحجة التزامها بخطاب المقاومة ضد إسرائيل، وفسادها، وضعفها الشديد في الحكم بفعالية. بدلاً من ذلك، يدعو المقترح إلى اللامركزية وتجزئة نظام الحكم في غزة إلى خمس إدارات محلية (مرتبطة بمحافظات غزة الخمس).

ورغم أن هذا الطرح قد يسهم في تعزيز الاستقرار العسكري والأمني على المدى القصير، فإنه قد يترتب عليه مخاطر، وهي:

  • تحميل إسرائيل المسؤولية السياسية والاقتصادية عن قطاع غزة بموجب القانون الدولي.
  • ترك الفراغ السياسي في قطاع غزة يولّد أزمات إنسانية ستضطر إسرائيل إلى التعامل معها بصفتها السلطة الحاكمة بحكم الأمر الواقع.
  • التكلفة العالية جداً لاستمرار الاحتلال العسكري لقطاع غزة، والتي تصل إلى 25 مليار شيكل سنوياً.
  • قد يؤثر الصراع العسكري بين إسرائيل وعناصر المقاومة في غزة سلباً على العلاقات مع مصر.
  • يعيق هذا الطرح مساعي التطبيع مع الدول العربية، بما فيها السعودية.
  • لن يسهم هذا الطرح في القضاء على حركة حماس، كما يتضح ذلك في الضفة الغربية والتاريخ الطويل للسيطرة الإسرائيلية على غزة منذ احتلالها عام 1967.
  • سيتسبب احتلال قطاع غزة في إرهاق الجيش الإسرائيلي، ويقلل قدرة إسرائيل على إدارة المخاطر في ساحات حساسة أخرى.

ثالثاً: استمرار الوضع القائم

ويشير هذا الطرح إلى واقع لا تحتفظ فيه إسرائيل بوجود أو نشاط عسكري مكثف في قطاع غزة.

وعلى المدى القصير، فإن هذا الطرح يسهم في تنفيذ صفقة تبادل الأسرى، ويؤجل التحركات العسكرية ضد حركة حماس، وقد يفرض نفسه نتيجة فشل الخيارات الأخرى المطروحة.

وفي هذا الطرح، سيقتصر نشاط إسرائيل في المجال المدني على التحكم في كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة، أما عسكرياً فسيقتصر على تنفيذ هجمات دقيقة.

جيش الاحتلال في قطاع غزة / الأناضول
جيش الاحتلال في قطاع غزة / الأناضول

لكنه، بحسب معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، سيؤدي إلى إعادة ترسيخ حكم حماس المركزي في قطاع غزة، ويزيد من المخاطر الأمنية المباشرة على إسرائيل.

رابعاً: إقامة حكم فلسطيني بديل

ويقوم هذا الطرح على تعزيز حكومة فلسطينية تحل محل حكم حركة حماس في قطاع غزة.

لكن سياسة إسرائيل طوال الحرب عكست تناقضات وخلافات داخلية حول جدوى هذا البديل.

كما أن هذا المقترح يحتوي على جوانب إشكالية، أبرزها:

  • احتفاظ الفصائل الفلسطينية بسلاحها، حيث لا يقدم إطاراً لنزع السلاح أو تفكيك الجناح العسكري لحركة حماس.
  • يختزل هذا الطرح مشكلة حماس في مسألة حوكمة، دون معالجة السبب الجذري للمقاومة العنيفة لإسرائيل المتجذرة في المجتمع الفلسطيني.
تحميل المزيد