تصاعدت الأصوات المعارضة لاستمرار الحرب في غزة داخل وحدات جيش الاحتلال الإسرائيلي بوتيرة متسارعة الأيام الماضية، والتي تطالب باستعادة الأسرى حتى لو كان ذلك على حساب وقف الحرب، وسط تهديدات من رئاسة الوزراء وقيادة الجيش بفصل الضباط والجنود المنضمين إلى هذه المطالبات.
وانضم مئات من وحدات عسكرية جديدة في جيش الاحتلال الإسرائيلي، والذين يتنوعون بين قوات احتياط يمكن استدعاؤهم للخدمة وآخرين متقاعدين، وبينهم قيادات بارزة سابقة وأكاديميون وأطباء عسكريون، إلى العرائض المطالبة باستعادة الأسرى من قطاع غزة عبر وقف حرب الإبادة على الفلسطينيين.
وقالت هيئة البث العبرية الرسمية، إن "الجيش الإسرائيلي شهد تصعيداً جديداً بخصوص العرائض التي تطالب باستعادة الأسرى عبر وقف الحرب في غزة". وبحسب الهيئة، تشير تقديرات إلى أن العدد الإجمالي للموقعين على العرائض في ازدياد مستمر، في وقت تتصاعد فيه الأصوات المطالبة بمراجعة سياسة الحرب ومآلاتها من مسؤولين ورؤساء وزراء سابقين.
وكانت إسرائيل جندت نحو 360 ألفاً من جنود الاحتياط للمشاركة بالحرب منذ شنها في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفق تقرير لوكالة الأناضول.

ما هي أبرز وحدات الجيش والجهات التي طالبت بوقف الحرب على غزة؟
سلاح الجو:
- نشر 1000 جندي احتياطي حالي وسابق في سلاح الجو الإسرائيلي، الخميس 10 أبريل/نيسان 2025، رسالة تدعو إلى إعادة جميع الأسرى المحتجزين في قطاع غزة "حتى لو كان ذلك على حساب إنهاء الحرب" على القطاع.
- وفي الرسالة، التي وقعها أيضاً رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي السابق، دان حالوتس، دعا جنود الاحتياط إلى عودة فورية للأسرى الإسرائيليين، مشيرين أن استمرار الحرب كان "لأسباب سياسية".
- وكتب الجنود في الرسالة: "نحن، مقاتلو الطاقم الجوي في الاحتياط والمتقاعدين، نطالب بعودة المختطفين إلى ديارهم دون تأخير، حتى على حساب الوقف الفوري للأعمال العدائية (الحرب)".
- وأضافوا: "في هذا الوقت، تخدم الحرب بشكل أساسي المصالح السياسية والشخصية، وليس المصالح الأمنية. إن استمرار الحرب لا يُسهم في تحقيق أي من أهدافها المعلنة وسيؤدي إلى مقتل المختطفين وجنود الجيش الإسرائيلي والمدنيين الأبرياء، وكذلك استنزاف قوات الاحتياط في الجيش الإسرائيلي".
- وتابعوا: "كما ثبت في الماضي، فإن التوصل إلى اتفاق (وقف إطلاق نار في غزة وتبادل أسرى) وحده كفيل بإعادة الرهائن سالمين، بينما يؤدي الضغط العسكري بالأساس إلى قتل الرهائن وتعريض جنودنا للخطر".
- وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن الرسالة "أثارت عاصفة في المستويات العليا للقوات الجوية الإسرائيلية". وقالت: "هدد قائد سلاح الجو اللواء تومر بار بأن أي شخص يوقع على الرسالة لن يتمكن من الاستمرار في الخدمة في الاحتياط، على الرغم من أن الرسالة لم تتضمن تهديداً برفض أو إنهاء العمل التطوعي".
- وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إن "الرسالة أثارت قلق كبار مسؤولي الجيش والدولة حتى قبل نشرها، نظراً لطبيعتها السياسية".
ضباط الاحتياط بالوحدة 8200:
- وقّع مئات من جنود وضباط الاحتياط بالوحدة 8200 الاستخبارية الإسرائيلية، الجمعة 11 أبريل/نيسان 2025، رسالة تدعو لوقف الحرب على غزة من أجل إعادة الأسرى.
- وقالت القناة 13 العبرية التي نشرت نص الرسالة: "وقّع مئات جنود الاحتياط في الوحدة 8200 على رسالة وقف الحرب وإعادة الرهائن".
- وشدد الموقعون على أن الحرب لا تحقق أهدافها، بل "تزيد من المخاطر على حياة الرهائن والجنود، وتستنزف قوات الاحتياط، وتؤدي إلى تراجع الالتزام بالخدمة".
- وجاء في نص الرسالة: "نتفق مع الادعاء الخطير والمقلق بأن الحرب في هذا الوقت تخدم بالأساس مصالح سياسية وشخصية، وليس مصالح أمنية".
- كما ورد فيها: "نحن لا نقبل بواقع يواصل فيه المستوى السياسي الحرب كأمر مسلم به، دون أن يخبر الجمهور ما هي استراتيجية تحقيق أهداف الحرب".
- واتهموا الحكومة بعدم تقديم أي خطة مقنعة للإطاحة بحركة "حماس" في قطاع غزة، وقالوا: "نرى حماس تسيطر على قطاع غزة وتجند نشطاء جدد في صفوفها، في حين أن الحكومة لا تقدم خطة مقنعة للإطاحة بها".
عسكريون بسلاحي المدرعات والبحرية:
- قالت صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية إن حوالي 150 ضابطاً من سلاح البحرية وجّهوا رسالة إلى الحكومة دعوا فيها إلى وقف الحرب، مؤكدين أن "59 مخطوفاً لا يزالون في غزة".
- ووفق الصحيفة، جاء في الرسالة التي وُجهت إلى رئيس الوزراء ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، وأعضاء الكنيست وقيادة الجيش: "نحن مواطنون قلقون، خدمنا ونخدم كضباط عملياتيين وقتاليين في سلاح البحرية، نشأنا على قيم الجيش والدولة وكرّسنا سنوات من حياتنا للدفاع عن الوطن".
- وأضافوا: "نشعر بدافع عميق لإسماع صوتنا في هذه اللحظة المصيرية، لا يزال 59 مخطوفاً في أنفاق حماس، والدولة تبتعد أكثر فأكثر عن التزامها بإعادتهم، وندعو إلى وقف الحرب".

أطباء عسكريين:
- وقّع نحو 100 طبيب عسكري من قوات الاحتياط بالجيش الإسرائيلي رسالة تدعو إلى وقف الحرب على غزة بغية استعادة الأسرى الإسرائيليين لدى الفصائل الفلسطينية في القطاع.
- وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: "وقّع نحو 100 طبيب عسكري من قوات الاحتياط رسالة تدعو إلى وقف القتال لإعادة المختطفين".
- وقالوا في رسالتهم، وفق إذاعة الجيش: "بصفتنا ضباطاً طبيين نخدم في قوات الاحتياط التزاماً بقدسية الحياة، وروح الجيش الإسرائيلي، وقسم الأطباء، وتعبيراً عن المسؤولية المتبادلة في المجتمع الإسرائيلي، نحذر من أن استمرار القتال والتخلي عن المختطفين يتعارض مع هذه القيم، والتزام القوات الطبية بعدم التخلي عن أي من أبناء شعبنا".
- وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي: "بحسب المنظمين فإن الغالبية العظمى من الموقعين هم في الخدمة الاحتياطية الفعلية، ومن المتوقع أن يوقع المزيد على الرسالة في الأيام المقبلة".
- ونقلت عن المبادرين لهذه الرسالة (لم تسمهم): " لدينا ثقة في رئيس الأركان (إيال زامير) وقادة الجيش بأنهم سيرسلوننا فقط في المهام المناسبة، نحن لا ندعو إلى عدم الحضور (الخدمة العسكرية) أو حتى التلميح إليه، ولدى البعض منا طلب احتياطي آخر لعدة أسابيع أخرى – ونحن نعتزم بالتأكيد الإبلاغ عنه (لم يتم إيضاحه)، سوف نقف دائمًا إلى جانب نداء دولة إسرائيل، ولكننا نريد لبلدنا أن تبقى عيناه مفتوحتين".
أكاديميون إسرائيليون:
- انضم نحو 2000 من أعضاء هيئات التدريس بمؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية إلى عريضة التوقيع التي تطالب بوقف الحرب من أجل إعادة الأسرى المحتجزين بقطاع غزة.
- وقالت القناة 12 الإسرائيلية، الجمعة: "انضم حوالي 2000 من أعضاء هيئات التدريس في مؤسسات التعليم العالي إلى رسالة أفراد من سلاح الجو ووقعوا على عريضة تطالب بإنهاء الحرب لإعادة الرهائن".
- ونقلت عنهم قولهم في رسالة: "في هذا الوقت، تخدم الحرب بالأساس مصالح سياسية وشخصية، وليس مصالح أمنية".
- وأضافوا: "كما ثبت في الماضي، فإن الاتفاق وحده فقط ما يمكن أن يعيد المختطفين بأمان، في حين أن الضغط العسكري يؤدي غالبًا إلى مقتل الرهائن وتعريض جنودنا للخطر".
مسئولون سابقون:
- حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، إيهود باراك، مما وصفه بـ"انهيار ديمقراطي وشيك" في البلاد، متهماً نظيره الحالي بنيامين نتنياهو بأنه يقود إسرائيل بخطى ثابتة نحو "الهاوية" باتجاه "ديكتاتورية فاسدة ومتطرفة".
- واتهم باراك في مقال رأي نُشر على موقع القناة 12 العبرية، الخميس، نتنياهو بـ"شن حرب (لأهداف) شخصية للبقاء السياسي والقانوني".
- وأكد باراك في مقاله أن نتنياهو بممارساته "يقود إسرائيل نحو الهاوية ويهدد أمنها القومي".
- وشدد على أن "الحرب في غزة تُدار بلا هدف استراتيجي حقيقي، بل فقط من أجل تأجيل المحاسبة وعرقلة لجنة التحقيق في إخفاقات 7 أكتوبر/تشرين الأول".
- وطالب المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهاراف ميارا، بإعلان "تعذّر" نتنياهو عن مواصلة مهامه، والعمل على تنحيته من منصبه.
- ودعا باراك الإسرائيليين إلى عصيان مدني سلمي "واسع النطاق" من أجل ما وصفه بـ "إنقاذ الدولة من الانهيار".

ما هي أبرز ردود الفعل على دعوات وقف الحرب؟
قوبلت العرائض والمطالبات الداعية إلى وقف الحرب في غزة بدعم من محللين عسكريين ونواب معارضين إسرائيليين، ممن أشاروا أيضاً إلى أن الدعوات تشكل تحدياً لرئيس الأركان الإسرائيلي وللقيادة السياسية في البلاد.
وعن تأثير خطوة جنود الاحتياط، قال العقيد (احتياط) أورن زيني، لإذاعة "103 أف أم" المحلية، الجمعة، تعليقاً على الموقعين على رسالة الطيارين: "لقد ثبت أن قوات الاحتياط ليست جزءاً لا يتجزأ من الجيش الإسرائيلي فحسب، بل هي العامل الرئيسي فيه".
وتابع متسائلاً: "هل كانت الحرب لتتقدم لولا قوات الاحتياط؟"
وقال آفي أشكنازي، المحلل العسكري في صحيفة معاريف لذات الإذاعة: "الرسالة لم تدع إلى الرفض (رفض الخدمة بالجيش)، من المهم أن يعرف الجمهور هذا، فالموقعون على الرسالة يريدون أن يعرفوا إلى أين نحن ذاهبون بعد عام ونصف من القتال وإعادة المختطفين حتى لو كان ذلك ثمنه وقف القتال".
بدوره، قال عضو الكنيست من حزب "الديمقراطيون" المعارض جلعاد كاريف، في منشور على موقع "إكس"، الخميس: "رسالة الطيارين دعوة واضحة وشجاعة لإنهاء الحرب، من أجل عودة المختطفين، ومن أجل الجنود النظاميين والاحتياط، ومن أجل الصورة الأخلاقية للمجتمع الإسرائيلي وقيمه الأساسية".

وأضاف كاريف: "بعد عام ونصف من الكارثة الرهيبة، ترسل نفس الحكومة الفاشلة والمهجورة جنود الجيش الإسرائيلي إلى الحرب دون أي استراتيجية، ودون أي خطة واضحة، والأهم من ذلك – دون أي استعداد للقيام بخطوات سياسية تكميلية من شأنها أن تسمح بإنهاء أطول حرب في تاريخ دولة إسرائيل".
وتابع: "الرافضون الوحيدون هم نتنياهو وشركاؤه القوميون الفاسدون. رافضو الصفقة. رافضو التحقيق من قبل لجنة التحقيق. رافضو الانتخابات الذين يرفضون المفاوضات السياسية".
وكتب المحلل في صحيفة يديعوت أحرونوت يوسي يهوشع، الجمعة: "في الواقع، آخر ما كان يحتاج إليه رئيس الأركان وقائد القوات الجوية هو تجدد التوتر مع جنود الاحتياط على خلفية الشكوك ضد الحكومة".
ما أهمية قوات الاحتياط بالنسبة لإسرائيل؟
يبلغ عدد أفراد جيش الاحتلال الإسرائيلي 635 ألف جندي بينهم 170 ألف جندي فاعل و465 ألف جندي في قوات الاحتياط، حيث تجند إسرائيل معظم مواطنيها في الجيش لمدة عامين إلى ثلاث سنوات، وبعضهم يستمر في الاحتياط حتى منتصف العمر.
ويُنظر إلى جنود الاحتياط على أن لهم قيمة خاصة للقوات المسلحة؛ نظراً لمهاراتهم المكتسبة في الوحدات الخاصة والقطاعات الحساسة. ويمكن معاقبتهم لتجاهل الاستدعاء، وإن كان ذلك نادراً ما يحدث.
وكانت تقارير سابقة أشارت إلى أن التكلفة التي يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي بسبب نقص القوى العاملة، والتي تأثرت بالسلب بشكل كبير خلال الحرب في غزة، تبلغ 2.3 مليار شيكل (600 مليون دولار) أسبوعياً.
وقال البنك المركزي الإسرائيلي إن هذه التكاليف ناجمة عن التبعات التي خلفتها الحرب ومن بينها استدعاء جنود الاحتياط للخدمة.
فيما أفادت وسائل أعلام عبرية بأن جنود الاحتياط في جيش الاحتلال الإسرائيلي أمام "انهيار اقتصادي"، حيث تعطلت أعمالهم إثر استدعائهم للمشاركة في العدوان الذي يشنه الاحتلال على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.