نجح المستوطنون في تهجير أكثر من 60 تجمعاً فلسطينياً ومجموعة رعاة فلسطينيين، وإقامة عشرات البؤر الاستيطانية لرعي الأغنام في الضفة الغربية، بدعم من الحكومة الإسرائيلية.
والاستيطان الرعوي هو "أحد أشكال الاستيطان التي ابتكرها الاحتلال الصهيوني لاستعمار أرض فلسطين والسيطرة عليها وعلى كل ما تحويه من خيرات فوق الأرض وتحتها، وخصوصاً مناطق الأغوار، يقوم أساساً على السيطرة على الأرض والتمدد فوقها، بذريعة إيجاد مراعي يرعى فيها قطعان ماشيته".
وفي يونيو/حزيران 2022، كشفت منظمة "كرم نابوت" أن المستوطنين تمكنوا من إنشاء 77 بؤرة رعوية استيطانية تعتمد على رعي الأغنام والأبقار، أقيمت غالبيتها خلال العقد الماضي.
ويظهر المسح الذي أجرته المنظمة أن مساحة الأراضي التي استولى عليها المستوطنون بواسطة الرعي بلغت في ذلك الوقت نحو 240 ألف دونم، أو أقل بقليل من 7% من مجمل مساحة مناطق "C".
وفقاً لاتفاقية أوسلو، فإن أراضي الضفة الغربية توزعت إلى مناطق تابعة للسيادة الفلسطينية، وأخرى تابعة لسيادة "فلسطينية إسرائيلية مشتركة"، إلى جانب مناطق تتبع "السيادة الإسرائيلية الأمنية مباشرة".
وتمثل المنطقة (ج) 60% من مساحة الضفة الغربية، وقد نص اتفاق أوسلو على تسليمها للسلطة الفلسطينية مع حلول عام 1999، ولكن إسرائيل احتفظت بسيطرتها الكاملة عليها مع تعثر مفاوضات الحل النهائي، وشهدت هذه المنطقة أكبر عمليات هدم وتهجير وأصبحت "شبه دولة" للمستوطنين.

ولكن منذ تنصيب حكومة الائتلاف اليميني الذي يقوده بنيامين نتنياهو في ديسمبر/كانون الأول 2022، دعمت هذه الجهود الاستيطانية، لكنها شهدت تزايداً ملحوظاً بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ويكشف تقرير جديد صادر عن منظمتي "كيريم نابوت" و"السلام الآن"، أن المستوطنين تمكنوا من الاستيلاء على ما لا يقل عن 786 ألف دونم من الأراضي تحت بند "الاستيطان الرعوي"، وهو ما يعادل 14% من إجمالي مساحة الضفة الغربية.
ويستخدم المستوطنون بدعم من الحكومة والجيش الإسرائيلي، بحسب التقرير، ثلاث طرق رئيسية للاستيلاء على الأراضي:
- إقامة بؤر رعوية وتهجير الرعاة والمزارعين الفلسطينيين من أراضيهم ومحيطها.
- مضايقة وترهيب واستهداف المجتمعات الفلسطينية المجاورة بعنف لإجبارهم على الهجرة قسراً من المنطقة.
- السيطرة على مساحات واسعة من أراضي التجمعات الفلسطينية المهجرة وإقامة بؤر استيطانية جديدة.
وبهذه الطريقة، تمكن المستوطنون من تهجير أكثر من 60 تجمعاً رعوياً فلسطينياً، وأنشأوا ما لا يقل عن 14 بؤرة استيطانية إسرائيلية على أراضيهم السابقة أو بالقرب منها.
أين يتوزع "الاستيطان الرعوي"؟
يكشف فحص المناطق التي استولى عليها المستوطنون أن غالبية هذه الأراضي ليست مصنفة كـ"أراضي دولة"، وذلك أيضاً وفقاً لتعريفات السلطات الإسرائيلية، حيث لا تُشكل سوى 40% من المساحات المُصادرة.
كما تشير البيانات إلى أن نحو 41% من الأراضي المصادرة مصنفة لدى الجيش الإسرائيلي على أنها "مناطق إطلاق نار"، وهي مقيدة يحظر عليها رسمياً من المدنيين الذين ليسوا من السكان الدخول إليها، بمن فيهم المستوطنون. واللافت أن حوالي 4.4% من الأراضي التي استولى عليها المستوطنون عبر البؤر الاستيطانية الراعية ضمن المنطقتين "أ" و"ب"، الخاضعتين لسلطة السلطة الفلسطينية.
وتظهر المعطيات أن 17% من الأراضي المستولى عليها من المستوطنين، مصنفة بأنها الأراضي التي لا يوجد معلومات ملكيتها على خرائط الإدارة المدنية الإسرائيلية، و35.8% هي أراضي خاصة للفلسطينيين.
كيف تساهم الحكومة الإسرائيلية في تعزيز "الاستيطان الرعوي"؟
قامت دائرة الاستيطان التابعة للمنظمة الصهيونية العالمية، والمكلفة من الدولة بإدارة مئات الآلاف من الدونمات من الأراضي دون رقابة، تحت مسمى "عقود رعي" لعشرات المستوطنين.
ووفقاً لمكتب المدعي العام في دولة الاحتلال، فقد خصصت دائرة الاستيطان ما يقرب من 80 ألف دونم من أراضي الضفة الغربية للمستوطنين لأغراض الرعي.
حيث تمكن هذه العقود المستوطنين من السيطرة على مئات الآلاف من الدونمات من الأراضي الواقعة خارج المناطق المحددة في اتفاقياتهم مع ضمان حصولهم أيضاً على الدعم المالي وغيره من الدعم الحكومي.
وبالتالي تم تجاوز الحظر المفروض على تمويل دولة الاحتلال للأنشطة التي تعتبر رسمياً غير قانونية، بحسب تقرير "السلام الآن".
كما تسمح هذه العقود للمستوطنين بالاستعانة بالجيش الإسرائيلي في طرد الرعاة والمزارعين الفلسطينيين من الأراضي التي يسعون إلى الاستيلاء عليها.
وكشف تقرير المنظمتين الإسرائيليتين، لأول مرة، عن عشرات عقود الرعي المبرمة بين قسم الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية والمستوطنين الإسرائيليين.

كما أنه من المرجح أن العقود الواردة في التقرير لا تمثل سوى حوالي نصف إجمالي الاتفاقيات المبرمة، ومن بين التفاصيل الرئيسية:
- تم تخصيص آلاف الدونمات من الأراضي لعشرات المستوطنين دون عطاء أو تعويض. على الرغم من أن العقود تنص على "الرعي" كغرض لتخصيص الأراضي، إلا أن المستوطنين أقاموا بؤر استيطانية غير قانونية على كل الأراضي المخصصة تقريباً – دون تصاريح وفي انتهاك مباشر لشروط العقد.
- الخرائط المرفقة بالعقود تم رسمها بشكل غير دقيق، مما يشير إلى جهد متعمد للسماح للمستوطنين بالسيطرة على مناطق غير مخصصة لهم رسمياً.
- حوالي 9000 دونم من الأراضي المخصصة هي أراض فلسطينية خاصة، ولا يجوز قانونياً تخصيصها للمستوطنين.
- أكثر من 10 آلاف دونم من أراضي الدولة المعلنة المخصصة للمستوطنين لم يتم إعادة تصنيفها من قبل فريق الخط الأزرق التابع للإدارة المدنية.
يشار إلى أنه في العام 1999، تم إنشاء "قوة مهام الخط الأزرق" لإعادة النظر في الأراضي التي لم يتم تصنيفها بوضوح كأراضي دولة خلال الثمانينيات، وتشكل موافقة هذه القوة شرطاً مسبقاً لخطط بناء المستوطنات الجديدة.
- أكثر من 5 آلاف دونم مخصصة للمستوطنين تقع ضمن مناطق إطلاق النار العسكرية، والتي يحظر على المستوطنين رسمياً دخولها. في أحد العقود، منحت دائرة الاستيطان أحد المستوطنين حوالي 1060 دونماً من الأراضي الواقعة ضمن نطاق سلطة السلطة الفلسطينية (المنطقة ب).
كم يبلغ تمويل "الاستيطان الرعوي" من الحكومة الإسرائيلية؟
تمويل "الاستيطان الرعوي" من الحكومة الإسرائيلية يتجاوز دعمها العسكري وعمليات توزيع الأراضي واسعة النطاق التي تقوم بها دائرة الاستيطان. وفقًا لتقرير منظمة "السلام الآن"، يتم تحويل عشرات الملايين من الشواكل سنويًا إلى هذه البؤر الاستيطانية غير القانونية من خلال نظام مالي معقد.
إليك أبرز القنوات الرئيسية لتمويل "الاستيطان الرعوي":
- 54 مليون شيكل تُخصص لـ "احتياجات الأمن" في البؤر الاستيطانية الرعوية.
- 30 مليون شيكل سنوياً تُخصص لـ "وحدات الدوريات".
- منح "التطوع الزراعي"، حيث يتم توجيه ملايين الشواقل سنوياً إلى المنظمات التي تدير برامج تطوعية في البؤر الاستيطانية الرعوية في الضفة الغربية.
- منح الرعي، حيث منحت وزارة الزراعة ما يقرب من 3 ملايين شيكل من عام 2017 إلى عام 2024 كـ "منح رعي".
- منح "ريادة الأعمال" من قسم الاستيطان، حيث حصل أصحاب البؤر الاستيطانية الرعوية على حوالي 1.6 مليون شيكل لتطوير الأعمال، إلى جانب قروض بمبالغ غير معلنة.
علاوة على ذلك، منظمة "أمانا" الاستيطانية تستثمر ملايين الشواكل في إنشاء وصيانة هذه البؤر الاستيطانية، بما في ذلك تقديم القروض وتسهيل بنائها. كما أن الصندوق القومي اليهودي أنفق 4.7 مليون شيكل في السنوات الأخيرة على رعاية هذه البؤر تحت غطاء تمويل برامج تطوعية لدعم الشباب المعرضين للخطر.
بالإضافة إلى ذلك، مراكز الرعي تتلقى تمويلاً كبيراً من المتبرعين في القطاع الخاص عبر منظمات غير ربحية معترف بها، مما يجعل التبرعات مؤهلة للحصول على خصم ضريبي بموجب المادة 46أ من مرسوم ضريبة الدخل الإسرائيلي.