أشعلت السياسة الاقتصادية الجديدة التي تبناها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ بدء ولايته الثانية، والتي كانت أبرز ملامحها فرض الرسوم والتعريفات الجمركية، حرباً تجارية مع الدول التي طالتها هذه التعريفات، وفي مقدمتها الصين وكندا والمكسيك والاتحاد الأوروبي.
ولم يقتصر تأثير هذه النزاعات التجارية على الداخل الأمريكي وحسب، بل تخطى ذلك إلى الإضرار بسمعة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي إلى الحد الذي انطلقت فيه حملة عالمية لمقاطعة المنتجات الأمريكية رداً على فرض التعريفات الجمركية على الواردات الأمريكية، فضلاً عن ضعف الدولار.
يأتي ذلك بينما أشارت تقارير غربية عدة إلى أن التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب ستكون "سيئة للغاية بالنسبة لأمريكا والعالم"، بحسب صحيفة الغارديان البريطانية.
أما مجلة الإيكونوميست البريطانية الشهيرة، فقد جاء تقريرها بشأن سياسات ترامب الاقتصادية تحت عنوان: "سياسة ترامب المتهورة تضر بسمعة الأصول الأمريكية".
إذن، كيف أضرت سياسات ترامب الاقتصادية، وفي مقدمتها فرض التعريفات الجمركية، بالاقتصاد الأمريكي والعملة الأقوى عالمياً، وبسمعة البلاد العالمية؟
أولاً: فقدان الثقة في الاقتصاد الأمريكي
تقول مجلة الإيكونوميست إن النهج الذي يتبناه ترامب تجاه حلفاء أمريكا وجيرانها قد يجذب قاعدة مؤيديه من أنصار حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً"، وتعرف اختصاراً بـ"ماغا"، لكن المستثمرين ينظرون إلى الأمر بشكل مغاير.
فقد تضاءلت الثقة في آفاق الاقتصاد الأمريكي، وتراجعت الأسواق المالية. وانخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 للأسهم الأمريكية بنسبة 9% منذ ذروته في فبراير/شباط 2025.
وكانت الأسواق العالمية، وفي مقدمتها البورصات الأمريكية، قد شهدت خسائر فادحة مع افتتاح جلسات التداول في بداية الأسبوع الجاري بسبب حالة عدم اليقين لدى المستثمرين بشأن سياسة الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي، مما أثار مخاوف من أن الاقتصاد الأمريكي قد ينزلق إلى الركود.
وضاعف الرئيس الأمريكي، الأحد 9 مارس/آذار 2025، مخاوف المستثمرين والأسواق العالمية من احتمالية حدوث ركود اقتصادي وتباطؤ للنمو في الولايات المتحدة حينما رفض التكهن بما إذا كانت الولايات المتحدة قد تواجه ركوداً وسط مخاوف أسواق الأوراق المالية من تأثير إجراءاته المتعلقة بالرسوم الجمركية.
وبينما يتفاخر الرئيس الأمريكي بأن الضرائب التي يفرضها على الواردات ستكون بمثابة نعمة للاقتصاد الأمريكي، توقع اقتصاديون أن رسوم ترامب الجمركية سوف تزيد من التضخم، وتبطئ النمو الاقتصادي، وتضر بالعمال الأمريكيين، وتؤدي إلى تحمل المستهلكين الأمريكيين فاتورة رسومه الجمركية.

ونقلت صحيفة الغارديان عن جوزيف ستيجليتز، أستاذ الاقتصاد بجامعة كولومبيا والحائز على جائزة نوبل في العلوم الاقتصادية، قوله: "يعتقد جميع الاقتصاديين تقريباً أن تأثير الرسوم الجمركية سيكون سيئاً للغاية على أمريكا والعالم. ومن شبه المؤكد أنها ستؤدي إلى تضخم".
ومن المرجح أن تدفع الرسوم الجمركية والتوترات والمخاوف من الانتقام والحرب التجارية العديد من الشركات العالمية إلى تقليص استثماراتها المخطط لها، وهو ما يقول خبراء الاقتصاد إنه سيضر بالاقتصادات في جميع أنحاء العالم.
وقال ماركوس نولاند، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد بيترسون للاقتصاد الدولي: "إن تأثير فرض هذه التعريفات الجمركية سيكون له تأثير في تثبيط النمو الاقتصادي الأمريكي، مما يساهم في ارتفاع معدل التضخم، وستكون هذه التأثيرات أسوأ إذا ردت الدول الأخرى بالمثل".
وبالفعل، ردت دول مثل كندا والاتحاد الأوروبي على التعريفات الجمركية الأمريكية بنسب مماثلة.
وقالت المفوضية الأوروبية في بيان، أمس الأربعاء، إن الاتحاد الأوروبي سيفرض رسوماً جمركية مضادة على سلع أمريكية بقيمة 28.33 مليار دولار اعتباراً من الشهر المقبل، رداً على الرسوم الجمركية الأمريكية على الصلب والألمنيوم.

ثانياً: ضعف الدولار الأمريكي
ويمتد التأثير السلبي لسياسات ترامب الجديدة إلى الدولار الأمريكي، أحد أهم الأصول التي تعوّل عليها الولايات المتحدة في كسب النفوذ العالمي، بحسب الإيكونوميست.
فمع تهديدات ترامب المتكررة بفرض رسوم جمركية، انخفض سعر صرف العملة الأمريكية بنسبة تقارب 6% مقابل سلة من العملات الأخرى منذ منتصف يناير/كانون الثاني 2025.
وكان من أبرز هذه التراجعات انخفاضه مقابل اليورو، مدفوعاً بتوقعات بارتفاع الإنفاق الدفاعي الأوروبي.
والإثنين الماضي أيضاً، تصدّر الين قائمة الملاذات الآمنة المفضلة للمستثمرين، ولامس أعلى مستوى في خمسة أشهر مع تذبذب الأسهم الأمريكية والدولار، وسط مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي بسبب الرسوم الجمركية.
وهبط الدولار بأكثر من 7% من أعلى مستوى في ستة أشهر، الذي سجله في يناير/كانون الثاني، مقابل الين، ويبدو أن بريق الدولار كملاذ آمن قد خفت تزامناً مع ارتفاع كبير لليورو، وفق تقرير لوكالة رويترز.
ويشير ضعف الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى إلى ضرر جسيم، إذ إن الضرر الذي يلحق بالاقتصاد الأمريكي من الرسوم الجمركية يفوق تأثيرها المباشر بكثير، وفق توصيف مجلة الإيكونوميست.
ثالثاً: حملة عالمية لمقاطعة المنتجات الأمريكية
وبجانب الإضرار بسمعة الأصول الأمريكية، وعلى أثر الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب، انطلقت حملة دولية لمقاطعة المنتجات الأمريكية، فيما وُصف بأنه ردّ فعل عنيف من جانب المستهلكين العالميين ضد السلع الأمريكية.

وجاءت أبرز ملامح هذه الحملة الدولية كالتالي:
- ارتفعت نسبة البحث عن "مقاطعة الولايات المتحدة" على جوجل في الأيام السبعة الماضية، حيث تصدّرت أربع دول من الاتحاد الأوروبي وكندا قائمة البحث، كما أنشأت العديد من الدول مجموعات كبيرة على فيسبوك مخصصة لمقاطعة المنتجات الأمريكية.
- وكانت إحدى أكبر المناطق التي شهدت هذه الحملة في الدنمارك، حيث أثار حديث ترامب عن الاستيلاء على إقليمها شبه المستقل، غرينلاند، مشاعر الغضب.
- وتضم صفحة "مقاطعة البضائع من الولايات المتحدة" الدنماركية على فيسبوك نحو 73 ألف عضو، وحصلت الدنمارك على ثاني أعلى عدد من عمليات البحث عن "مقاطعة البضائع من الولايات المتحدة" هذا الأسبوع بعد لوكسمبورغ.
- وفي السويد، رابع أكبر منطقة بحث عن "مقاطعة الولايات المتحدة" على جوجل، تضم صفحة فيسبوك المخصصة لمقاطعة البضائع الأمريكية ما يقرب من 80 ألف عضو.
- واحتلّت فرنسا المرتبة الثالثة على جوجل في عمليات البحث عن "مقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية". وتضم صفحة "مقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية: اشترِ المنتجات الفرنسية والأوروبية!" على فيسبوك أكثر من 20 ألف عضو.
- وتعدّ كندا من أكثر الأماكن التي شهدت حملة مقاطعة المنتجات الأمريكية، بعدما جعلها ترامب هدفاً رئيسياً للرسوم الجمركية، وبسبب رغبته في جعل الدولة الواقعة في أمريكا الشمالية الولاية رقم 51، حيث احتلّت المرتبة الخامسة على جوجل لعمليات البحث عن "مقاطعة الولايات المتحدة".
- وظهرت عدة مجموعات على فيسبوك وسط حملة لشراء المنتجات المصنوعة في كندا، كما انتشرت قبعات مكتوب عليها "كندا ليست للبيع"، وكان رئيس وزراء أونتاريو، دوج فورد، من بين أولئك الذين يرتدون هذه القبعات.
- وأعلنت شركة فورد الكندية عن عدة إجراءات ضد الرسوم الجمركية، بما في ذلك إلغاء عقد بقيمة 100 مليون دولار مع شركة ستارلينك التابعة لإيلون ماسك.
- وأظهر استطلاع رأي شمل 3,310 مشاركين الشهر الماضي أن 85% من الكنديين يخططون لاستبدال المنتجات الأمريكية، أو فعلوا ذلك بالفعل، في ظل تهديدات ترامب بفرض رسوم جمركية.
- وحذّرت جمعية السفر الأمريكية من آثار الرسوم الجمركية، قائلةً إن انخفاضاً بنسبة 10% في السفر إلى كندا قد يُسبب "خسارة في الإنفاق بقيمة 2.1 مليار دولار، وفقدان 14 ألف وظيفة". وقد انخفض عدد الكنديين الذين قاموا برحلات برية إلى الولايات المتحدة بنسبة 23% الشهر الماضي مقارنةً بالعام السابق، وفقاً لهيئة الإحصاء الكندية.
- وشهدت الموسيقى الكلاسيكية مقاطعةً علنيةً واسعة من عازف الكمان الألماني كريستيان تيتزلاف، الذي صرّح لصحيفة نيويورك تايمز بإلغاء جولته الربيعية في الولايات المتحدة احتجاجاً على سياسات ترامب.
- وطالت حملة المقاطعة أيضاً بين المستهلكين الأوروبيين مبيعات شركة تسلا التابعة لماسك، وخسرت الشركة حوالي 15% من قيمتها هذا الأسبوع فقط.