وجّه زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل عبد الله أوجلان، "دعوة تاريخية" إلى منظمته التي تتهمها تركيا بـ"الإرهاب"، بالاستسلام وإلقاء السلاح، وذلك بعد عقود من المواجهة تخللها تصدع كبير بين الأكراد والدولة التركية.
وحملت الرسالة التي وجهها أوجلان باللغتين التركية والكردية، عنوان "دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي"، وجاء فيها أن "الأتراك والأكراد، طوال تاريخهم الممتد لأكثر من ألف عام، رأوا دائماً أنه من الضروري البقاء في تحالف، من أجل الحفاظ على وجودهم والوقوف ضد القوى المهيمنة"، مشيراً إلى أن "الحداثة الرأسمالية" عملت خلال المئتي عام الأخيرة على تفكيك هذا التحالف.
وشدّد على أن "المهمة الرئيسية هي إعادة تنظيم العلاقة التاريخية، التي أصبحت هشة للغاية اليوم، بروح الأخوة، دون تجاهل المعتقدات".
وقال موجهاً كلامه إلى منظمته التي يتزعمها: "اعقدوا مؤتمركم واتخذوا القرارات اللازمة للاندماج مع الدولة والمجتمع؛ يجب على جميع المجموعات إلقاء سلاحها، ويجب على التنظيم حل نفسه".
كما توجّه أوجلان في رسالته بالشكر إلى رئيس حزب الحركة القومية دولت بهتشلي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان وكافة الأحزاب السياسية في البلاد لمقاربتهم الإيجابية فيما يتعلق بدعوته.
ما هي خلفية دعوة أوجلان التاريخية؟
وفي خطوة غير متوقعة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، فاجأ زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي، الجميع بمصافحته نواب حزب المساواة والديمقراطية الكردي "DEM"، موجهاً دعوة إلى أوجلان بالحضور إلى البرلمان ودعوة منظمة العمال الكردستاني بإلقاء السلاح، مقابل الاستفادة من "حق الأمل" أي العفو عنه.
وفي الوقت الذي سقطت هذه الدعوة مثل "القنبلة" على الأجندة السياسية التركية، لاسيما من زعيم تركي عارض دائماً وبشدة التفاوض مع المنظمة الكردية، بدأت المفاوضات مع حزب "DEM" بدعم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي علّق قائلاً: "لا مكان للإرهاب وجانبه المظلم في مستقبل تركيا، نريد أن نبني تركيا خالية من الإرهاب والعنف معاً، ولا ينبغي التضحية بنافذة الفرصة التاريخية من أجل بعض الحسابات".
وفي 23 أكتوبر/تشرين الأول 2024، وبعد الدعوة التي وجهها بهتشلي مباشرة، أعلن ابن شقيق أوجلان، وهو عضو البرلمان عن ولاية شانلي أورفا عمر أوجلان، أنه التقى بعمه لأول مرة منذ 43 شهراً من عزلته.
ونقل عمر أوجلان رسالة من عمه، أنه "إذا أتيحت الظروف، فإن لدي القدرة النظرية والعملية لنقل النزاع من ساحة العنف إلى المجال السياسي والقانوني".
وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2024، حدث أول لقاء بين وفد من حزب المساواة والديمقراطية الكردي، وأوجلان في سجنه بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة، تلا ذلك اجتماع الوفد مع رئيس البرلمان التركي نعمان كورتولمش، ورؤساء الأحزاب التركية بما فيهم دولت بهتشلي.

وفي 11 و12 يناير/كانون الثاني 2025، التقى الوفد الكردي بزعماء حزب الشعوب الديمقراطي المعتقلين فيغين يوكسيكداغ، وصلاح الدين ديمرتاش، وليلى غوفين وسلجوق مزراكلي.
وحدث اللقاء الثاني مع أوجلان في 22 يناير/كانون الثاني 2025، لينتقل بعدها الوفد الكردي إلى إربيل والسليمانية بالعراق في 15 و18 فبراير/شباط 2025، للقاء قادة إقليم كردستان العراق، حاملين معهم رسائل من أوجلان. كما نقل الوفد رسائل من أوجلان، إلى قيادات حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل شمال العراق، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد" في شمالي شرق سوريا، وكذلك فعالياته في أوروبا.
وخلال مؤتمره العام في 12 فبراير/شباط 2025، أعلن حزب المساواة والديمقراطية، أربعة عناوين تتعلق بحل القضية الكردية، وهي:
- إنهاء سياسة العزل ورفع العزلة عن عبد الله أوجلان.
- عقد اجتماعي جديد ديمقراطي والاعتراف بحقوق الكرد.
- العيش المشترك على أساس المساواة دون تمييز.
- التخلي عن سياسات الحرب واعتماد لغة الحوار في منطقة الشرق الأوسط.
وفي 27 فبراير/شباط 2025، عقد اللقاء الثالث بين الوفد التركي وأوجلان، ليتم الإعلان لاحقاً من إسطنبول عن دعوته التاريخية.
كيف تلقت الأحزاب السياسية دعوة أوجلان التاريخية؟
لاقت دعوة أوجلان التاريخية، ترحيباً من مختلف الأحزاب السياسية في تركيا، لاسيما في التحالف الحاكم، لكن أحزاب قومية مثل حزبي الجيد والنصر، هاجما العملية السياسية.
وقال حزب العدالة والتنمية، على لسان نائب رئيس الحزب أفكان ألا، إن "جوهر النداء هو إلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي لنفسه، نحن ننظر إلى النتيجة، وبالطبع سنرى في تركيا ما إذا كانت هذه النتيجة ستتحقق"، موضحاً أن "الإرادة القوية التي أبداها رئيسنا منذ البداية، وتصريحات بهتشلي، وضعت أمام شعبنا هدف 'تركيا خالية من الإرهاب'".
فيما نشر عضو مجلس حزب الحركة القومية نيفزات أونلوترك، صورة لأردوغان وبهتشلي مع تعليق: "تركيا بدون إرهاب لن تعد حلماً".
من جهته، قال زعيم حزب "ديفا" علي باباجان، فقد أعرب عن ترحيبه بدعوة أوجلان التاريخية، وقال: "سيكون تطوراً تاريخياً إذا ألقت المنظمة الإرهابية سلاحها وأنهت وجودها".
أما زعيم حزب المستقبل أحمد داود أوغلو فقال: "في ظل الظروف التي يهتز فيها النظام الدولي وتتعرض فيه منطقتنا لحلقة من النار، فإن كل دعوة تطلق وكل خطوة تتخذ من أجل تعزيز بنيتنا الداخلية وتطهير بلادنا بالكامل من الإرهاب هي إيجابية، وينبغي استخلاص الدروس من التجارب السابقة ووضع خارطة طريق ملموسة تركز على النتائج، تحت سقف البرلمان، وبمشاركة كافة المكونات السياسية".
ورغم ترحيبه بدعوة أوجلان، حذّر زعيم حزب الشعب الجمهوري أوغور أوزال، من ما وصفه "باستغلال مطالب المجتمع بالسلام والديمقراطية من قبل أي سلطة أو جهة لتحقيق أهدافها السياسية الخاصة".
وقال أوزال: "الدعوة لإلقاء السلاح وحل التنظيم الإرهابي خطوة مهمة، ونأمل أن يفي المخاطبون بهذه الدعوة بالمتطلبات وأن ينتهي إلى الأبد الإرهاب الذي أودى بحياة عشرات الآلاف، وتسبب بأضرار اقتصادية واجتماعية جسيمة".
وأضاف أوزال: "نحن نتمسك بموقفنا بأن القضية الكردية يجب أن يتم حلها بشفافية، تحت قبة البرلمان، وبإشراك كافة شرائح المجتمع"، مضيفاً: "تماشياً مع مبدأ 'السلام في الوطن والعالم' لمؤسس جمهوريتنا، فإننا نقف دائماً إلى جانب الجهود المبذولة من أجل السلام والديمقراطية".
أما حزب الجيد، فاعتبر زعيمه مساوات درويش أوغلو، أن ما جرى هدفه بقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم، زاعماً أن "هذه العملية هي مساومة على البقاء في الرئاسة مدى الحياة مع التلاعب بمصطلح الشعب بغض النظر عن التسميات والحجج التي تقوم عليها".
من جهته، فقد أعلن حزب النصر الذي يقوده أوميت أوزداغ، أنه سيعمل على تقويض العملية.
ما هي ردود الفعل الدولية على دعوة أوجلان التاريخية؟
رحبت كل من الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وإقليم كردستان في شمال العراق بنداء زعيم تنظيم "بي كي كي" الإرهابي عبد الله أوجلان لإلقاء التنظيم السلاح وحل نفسه.
ووصف متحدث مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض بريان هيوز في بيان، الخميس، دعوة أوجلان بأنها "تطور مهم".
وقال: "نأمل أن يساعد ذلك في طمأنة حلفائنا الأتراك بخصوص شركاء الولايات المتحدة الأمريكية ضد داعش في شمال شرقي سوريا".
في سياق متصل، نقل بيان لمتحدث الحكومة الألمانية ستيفن هيبستريت عن المستشار أولاف شولتس ترحيبه بدعوة أوجلان.
وأشار البيان إلى أن عمليات "بي كي كي" الإرهابي تسببت في سقوط العديد من الضحايا، مؤكدًا أن دعوة أوجلان تقدم فرصة من أجل تجاوز العنف.
بدوره، أعرب رئيس إقليم كردستان في شمال العراق نيجيرفان بارزاني في بيان صادر عن رئاسة الإقليم، عن ترحيبه بالنداء، مؤكداً استعدادهم للعب أي دور لإنجاح هذه العملية.
وقال: "بهذه الطريقة فقط (الديمقراطية) يمكن تحقيق نتائج ونجاحات أفضل، وليس بالسلاح والعنف".
أما قائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، فقد اعتبر دعوة أوجلان التاريخية بأنها تتعلق بحزب العمال الكردستاني فقط، "ولا علاقة له بنا".
لكنه قال إن "أوجلان أرسل لنا رسالة بشأن هذا الإعلان وكانت إيجابية للغاية، وتؤكد على السلام والأمن في المنطقة"، معرباً في الوقت ذاته عن استعداد قواته لأن تكون جزءاً من الجيش السوري الجديد.
من هو عبد الله أوجلان؟
ولد عبد الله أوجلان يوم 4 أبريل/نيسان 1948 في قرية أمرلي بمنطقة أورفه جنوب شرق تركيا.
التحق بكلية الحقوق في جامعة إسطنبول، لكنه تحول لدراسة العلوم السياسية في جامعة أنقرة، وأصبح مهتماً بالآراء الشيوعية.
اعتقل لأول مرة في 7 أبريل/نيسان 1972 بحجة المشاركة في نشاط محظور، لمدة 7 أشهر، وبعد خروجه من السجن بدأ بعقد اجتماعات سياسية في منزل استأجره بأنقرة، وأسس جمعية طلابية مع جميل بايك ودوران كالكان، ومصطفى كاراسو، وانضم إليهم باكي كراير وكمال بير، وجميعهم كانوا نواة تأسيس حزب العمال الكردستاني بهدف إنشاء ما يسمى بـ"الدولة الكردية المستقلة".
- أسس أوجلان حزب العمال الكردستاني عام 1978، وغادر تركيا عام 1980 ليعمل من المنفى في سوريا.
- أقام معسكرات تدريب في سهل البقاع اللبناني، لكن سرعان ما تم إغلاقها إثر ضغوط تركية.
- بدأ حزب العمال الكردستاني عام 1984 بشن هجمات عسكرية في تركيا والعراق وإيران.
- أشرف على عمليات دامية في تركيا خلال حقبة التسعينيات، وفي العام 1993 قتل حزبه 33 جندياً تركياً اختطفهم على الطريق السريع بين إيلازيغ وبينغول، وفي العام نفسه قتل 33 شخصاً في هجوم مسلح على قرية في ولاية أرزينجان.

- استخدمت وسائل الإعلام التركية في ذلك الوقت بشكل متكرر مصطلح "قاتل الأطفال" للإشارة إلى أوجلان، فيما تحولت جنازات الجنود ورجالات الشرطة إلى مظاهرات تعكس الغضب تجاه حزب العمال الكردستاني وأوجلان.
- في العام 1998 صعدت تركيا من ضغوطها على حكومة دمشق لترحيل أوجلان، حيث اتهمت أنقرة دمشق بدعم حزب العمال الكردستاني، ما أدى لتدهور العلاقات بين البلدين.
- في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1998، تم ترحيل أوجلان من سوريا، وتنقل بين دول مثل اليونان وروسيا وإيطاليا وطاجيكستان، وكانت جهود اللجوء في بلدان مختلفة غير ناجحة.
- نجحت المخابرات التركية في اعتقاله يوم 15 شباط/فبراير 1999 في العاصمة الكينية نيروبي، حيث نقل بطائرة خاصة إلى تركيا.
- وفي 31 مايو/أيار 1999 بدأت إجراءات محاكمة أوجلان في جزيرة إمرالي، وبعد تسع جلسات قررت المحكمة بالإجماع إعدامه بتهمة "تأسيس وقيادة منظمة إرهابية مسلحة".
- في عام 2002، حكم على أوجلان بالسجن مدى الحياة بسبب إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا في إطار قوانين التناغم مع الاتحاد الأوروبي.
ماذا حدث بعد اعتقال أوجلان ومحاكمته؟
خلال جلسة محاكمته الأولى، قدّم أوجلان اعتذاره، وقال إنه "مستعد للعمل من أجل حل المشكلة الكردية إذا أتيحت له الفرصة".
وشهدت منظمة العمال الكردستاني أزمات في داخلها عقب اعتقال أوجلان، لكن لم يقودها ذلك إلى التفكك.
خلال فترة التسعينيات ابتعد أوجلان أيديولوجياً عن الماركسية اللينينية، وأزال المطرقة والمنجل على علم حزب العمال الكردستاني، وبدأ ينتقد فكرة الدولة القومية ووضعها فيها في إطار مفاهيمي جديد بعد عام 1999.
وفي كتاباته استعان بمصادر مختلفة من مدرسة فرانكفورت إلى الفيلسوف الأمريكي موراي بوكتشين، وفي النهاية توصل إلى وجهة نظر دافع فيها عن "الحداثة الديمقراطية" بمواجهة "الحداثة الرأسمالية"، واعتبر مناصروه بأنه نموذج حديث.
وتلا ذلك، تبني حزب العمال الكردستاني، فكرة العمل ضمن حدود الدول القومية في الشرق الأوسط، وفي المؤتمر الذي عقد في يناير/كانون الثاني 2000، تبنى البرنامج الجديد مقولة مفادها "إقامة دولة منفصلة ليس ضرورياً ولا واقعياً في عالم القرن الحادي والعشرين"، وتسبب ذلك بانشقاقات داخلية نجم عنها مغادرة المئات من صفوفه.
وفي أبريل/نيسان 2004، قرر الاتحاد الأوروبي إدراج حزب العمال الكردستاني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، تلا ذلك قراراً مماثلاً من الولايات المتحدة، ليعلن الحزب في يونيو/حزيران من العام ذاته إنهاء وقف إطلاق النار الذي التزم به منذ عام 1999، حيث توغلت أعداد كبيرة من المقاتلين عبر الحدود إلى الداخل التركي، ما دفع بأنقرة لتكثيف عملياتها لملاحقة المسلحين على الحدود.

وفي العام 2005، تم التأكيد على أن حزب العمال الكردستاني بحاجة إلى إعادة هيكلته وتأسيسه في إطار حل المشاكل في الشرق الأوسط، وتبنى أوجلان من سجنه فكرة "الكونفدرالية الديمقراطية".
بحسب مجلة "كريتر" التركية، فإن أردوغان خلال فترة ولايته كرئيس وزراء تبنى القضية الكردية في خطابه الذي ألقاه في 12 أغسطس/آب 2005، ما أثار ذلك تفاعلاً داخل القاعدة الاجتماعية الكردية.
وفي صيف 2009، أطلق أردوغان عملية الانفتاح الديمقراطي، وفتح قنوات حوار مع الكيانات الكردية ضمن مشروع "الوحدة الوطنية والأخوة"، ومع بداية العام 2010 تم وضع قواعد قانونية تهدف إلى إيجاد حل لـ"القضية الكردية" ضمن حدود دولة القانون والديمقراطية، واتخذ حزب العدالة والتنمية خطوات قانونية مهمة للقضاء على التمييز ضد المواطنين الأكراد.
وتم إزالة العقبات المتعلقة باستخدام اللغة الكردية والحقوق الثقافية، ورفع الحظر المفروض على تسمية الأبناء الأكراد بأسماء كردية، وتم إلغاء اللائحة القديمة التي كانت تمنع محطات الإذاعة والتلفزيون الخاصة من البث بلغات ولهجات غير اللغة التركية.
وفي صيف 2012، اتخذ الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني بعداً مختلفاً عندما سيطر الأكراد على شمال سوريا، واتهمت أنقرة النظام السوري السابق بدعم حزب الاتحاد الديمقراطي/وحدات حماية الشعب الفرع السوري لمنظمة العمال الكردستاني، وفي سبتمبر/أيلول من العام ذاته حاول حزب العمال الكردستاني الاستيلاء على بلدة شمدينلي في ولاية هكاري التركية.
وفي 28 ديسمبر/كانون الأول 2012، أعلن أردوغان أن الحكومة التركية أجرت محادثات مع أوجلان، وتم استخدام مصطلح "عملية الحل" لأول مرة.
وبعد مفاوضات استمرت أشهر تم قراءة رسالة من أوجلان في 31 مارس/آذار 2013، دعا فيها إلى وقف إطلاق النار وسحب قوات حزبه من الأراضي التركية إلى شمال العراق.
ولكن الأزمة السورية تسببت في تصاعد التوترات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، حيث استولت "قسد" على مناطق واسعة قرب الحدود التركية، ما أثار قلق أنقرة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، تسببت احتجاجات كوباني في اندلاع أعمال عنف واسعة بين أنصار حزب "هدى بار"، وحركة الشباب الثوري الوطني التابعة لحزب العمال الكردستاني، وبعد محادثات مع أوجلان والجناح الكردي، انخفضت التوترات.
وانهار وقف إطلاق النار الذي كان ساري المفعول منذ عام 2013، في 22 يوليو/تموز 2015، بعد أن قتل حزب العمال الكردستاني اثنين من ضباط الشرطة في منزليهما في أعقاب تفجير مدينة سروج الذي نُسب إلى "تنظيم الدولة".
ومع انهيار المحادثات وعقب محاولة الانقلاب في تركيا في 15 يوليو/تموز 2015، قامت الطائرات الحربية التركية بضرب أهداف تابعة لمنظمة العمال الكردستاني التي شنت هجمات أيضاً على الشرطة والجنود في جنوب شرق وشرق الأناضول.
ومنذ أغسطس/آب 2015، وقعت العديد من الاشتباكات في مناطق محافظة شرناق في تركيا، وتم حفر الخنادق من أعضاء الحزب، حيث فرضت الحكومة التركية حظر التجول في عدة أحياء.
وأطلقت تركيا في عام 2018 عملية "غصن الزيتون" ضد وحدات حماية الشعب الكردية في مدينة عفرين، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، نفذت عملية "نبع السلام" في شمال شرق سوريا، ما أدى إلى تغيير موازين القوى في المنطقة.
ومنذ ذلك الوقت هددت تركيا بشن عمليات جديدة ضد الوحدات الكردية المسلحة في شمال شرق سوريا، وشنت هجمات ضد معاقل منظمة العمال الكردستاني في شمال العراق.
ماذا تحمل دعوة أوجلان وهل تنجح؟
في رسالته، شدد أوجلان على أنه لا مفر من الحاجة إلى مجتمع ديمقراطي، وذكر أن "احترام الهويات، وحرية التعبير عن الذات وتنظيم الذات ديمقراطياً، وإعادة الهيكلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تستند إليها كل شريحة، لا يمكن أن يتحقق إلا بوجود مجتمع ديمقراطي وفسحة سياسية".
كما دعت رسالته إلى تطوير لغة حقبة السلام والمجتمع الديمقراطي بما يتوافق مع الواقع.
وكان لافتاً في رسالته، قوله إنه "لا يمكن للدول القومية المنفصلة، والاتحادات الفيدرالية، والحكم الذاتي الإداري، والحلول الثقافية، أن تكون إجابة على علم الاجتماع التاريخي للمجتمع".
ولم تكن هذه العناوين مدرجة في دعوة أوجلان للسلام في رسائله التي نشرها بين عامي 2013 و2015، وتقول أرزو يلماز، الأستاذ المساعد بجامعة كردستان هولير الكردية في أربيل بالعراق، لشبكة "بي بي سي" التركية، إن دعوته لا تستبعد الفيدرالية أو الحكم الذاتي فحسب، بل أيضاً "الحكم الذاتي الإداري من كونه نموذجاً بديلاً".
فيما قالت الكاتبة التركية هاندا فرات في مقال على صحيفة "حرييت"، إن دعوة أوجلان موجهة إلى منظمة العمال الكردستاني وهياكلها التي تشكلت منها، بما في ذلك فعالياتها الأوروبية.
ورأت أن أهمية هذه دعوة أوجلان أنها تأتي من الرئيس المؤسس الذي رأى أن المنظمة لم تعد قادرة على تحقيق أهدافها بالسلاح، ويشير إلى تحول جذري.
وتوقعت الكاتبة فرات، أن اتحاد مجتمعات كردستان "KCK" سيعقد مؤتمره، ويتخذ قرار حل نفسه وإلقاء السلاح، وقد تستغرق هذه العملية من شهرين إلى ثلاثة أشهر.

ورأت أن هذه الخطوة تأتي في الوقت الذي كانت في تركيا في أقوى حالاتها ميدانياً فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب.
وأضافت أن المنظمة والهياكل التابعة لها إذا استجابت بشكل سلبي لدعوة أوجلان، أو حاولت عرقلتها وطلبت المساعدة من الآخرين، فسيصبح من الواضح أنها لم تعد تلك التي أسسها أوجلان، وسوف يظهر أنه لم يعد لديه أي سلطة عليها.
أما إذا اتخذت المنظمة الانصياع إلى دعوة أوجلان، فإن ذلك يعني أن الميدان العراقي سيصبح خالياً من الإرهاب، وستنتهي ظاهرة شراء الأسلحة بالأموال التي يتم جمعها بشكل غير قانوني في أوروبا، وسيتم تجفيف الموارد البشرية بوسائل غير قانونية، بحسب الكاتبة.
كما أنه إذا استجابت وحدات حماية الشعب لدعوة أوجلان، فإن خطط الإدارة السورية الجديدة جاهزة أيضاً، ما يمهد لأن يتحقق التكامل داخل سوريا.
هل عملية الحل الجديدة تختلف عن 2009 و2015؟
ومن الطبيعي أن تثير العملية الجديدة مخاوف اجتماعية بسبب فشل الحل في العملية التي جرت بين عامي 2009 و2015.
وتقول صحيفة "ستار" إن الميزة الأولى لعملية الحل الآن، أنها تأتي دون تراجع الدولة التركية أي خطوة إلى الوراء عن سياستها تجاه الإرهاب، كما أنها تأتي دون قيود عملياتية ضد المنظمة كما السابق.
وأشارت إلى الميزة الثانية بأنها تأتي أيضاً مع التغير السريع في الجغرافيا السياسية الإقليمية، من انهيار لنظام الأسد، وانسحاب إيران وروسيا من سوريا، وخلق وضع جديد يمهد لانسحاب الولايات المتحدة أيضاً.
وبذلك فقدت منظمة العمال الكردستاني ثلاثة من الأطراف الأربعة التي أبقتها على قيد الحياة وساهمت في نموها السياسي والعسكري ونفوذها الإقليمي.
أما الميزة الثالثة، فإنها تأتي دون إشراك الكادر القيادي النشط لمنظمة العمال في العملية الحالية كطرف فاعل، وتتم مع المعتقل أوجلان الذي يهيمن على أيديولوجية المنظمة وبيتها السياسية والاجتماعية، والذي يرى أيضاً أن البرنامج المسلح للمنظمة قد عفا عليه الزمن.