لا تزال الحرائق تلتهم مدينة لوس أنجلوس جنوب ولاية كاليفورنيا الأمريكية منذ مساء الثلاثاء 7 يناير/كانون الثاني 2025 حتى باتت تصفها السلطات بأنها الكارثة الطبيعية الأشد فتكاً في التاريخ الحديث٬ للمدينة ذات الأحياء الثرية والتي تحتضن هوليود٬ المركز التاريخي للسينما الأمريكية والممثلين الأمريكيين.
وحتى وقت كتابة هذا التقرير٬ تقول السلطات المحلية إنه قتل ما لا يقل عن 11 شخصاً، ودُمرت عشرات آلاف المنازل والشركات والمدارس والكنائس، ولا يزال أكثر من 180 ألف شخص تحت أوامر الإخلاء٬ فيما قد تصل حجم الخسائر 150 مليار دولار.
ويقول المسؤولون في المدينة٬ إن الكارثة هذه استثنائية لدرجة أنهم أكدوا على استحالة مكافحتها في مثل هذه الظروف المناخية القاسية. حيث يقول علماء المناخ إن كاليفورنيا أمام كارثة مركبة، في ذلك ارتفاع درجات الحرارة والاضطراب المتزايد بين الفيضانات والجفاف وقلة الأمطار٬ وهو ما يؤدي إلى تضخيم العوامل الطبيعية والبشرية العادية ويخلق كارثة طبيعية ساحقة.
ماذا نعرف عن لوس أنجلوس التي تشتعل بها الحرائق؟
- مدينة لوس أنجلوس (تكتب وتسمى LA اختصاراً) وتعني باللغة الإسبانية "مدينة الملائكة"٬ وهي مقر مقاطعة لوس أنجلوس جنوب ولاية كاليفورنيا، وهي ثاني أكبر مدينة ومنطقة حضرية من حيث عدد السكان بعد مدينة نيويورك في الولايات المتحدة٬ وتتألف من ثمانين حياً وضاحية.
- تمتد المدينة ذات الأحياء الراقية والثرية عبر سهل ساحلي واسع يقع بين الجبال والمحيط الهادئ؛ ويمثل نهر لوس أنجلوس مجرى مائياً رئيسياً في المدينة.
- تحتوي مقاطعة لوس أنجلوس الأكبر بكثير، والتي تضم المدينة، على حوالي 90 مدينة أخرى، بما في ذلك بيفرلي هيلز وباسادينا ولونج بيتش. ونظراً لأن المدينة والمقاطعة متشابكتان جغرافياً وثقافياً واقتصادياً، فإن أي اعتبار لـ"لوس أنجلوس" يجب أن يشمل كلا الكيانين.
- تبلغ مساحة مدينة لوس أنجلوس 1290.6 كم مربع٬ ويبلغ عدد سكانها 3.8 مليون إنسان. ويبلغ الناتج المحلي الإجمالي للمقاطعة ككل 1.295 تريليون دولار (2023). وتعتبر المدينة إحدى أهم المراكز الثقافية، والاقتصادية، والعلمية في الولايات المتحدة وتضم مدينة هوليوود الأشهر في عالم الإنتاج السينمائي.
- تتميز بتنوعها العرقي حيث يمثل السكان البيض نسبة 49.8%، والسود 9.6%، والهنود الأصليون 0.7%، والآسيويون 11.3%، والمنحدرون من أمريكا اللاتينية 48.5%، إضافة إلى أعراق أخرى.
- تاريخياً٬ اكتشف الأوروبيون لوس أنجلوس سنة 1542 واستوطنها الأسبان٬ وتأسست المدينة رسمياً في عام 1781 بتعداد 40 نسمة (8 أُسر فقط)٬ وقد زاد نمو المدينة الاقتصادي والعمراني بشكل سريع خلال العقود التالية بسبب انتشار زراعة الحمضيات وخصوصا البرتقال٬ وأدى اكتشاف بئر نفط في المدينة مطلع القرن العشرين إلى موجات هجرة جديدة إليها٬ وفي نفس الفترة ازدهرت الصناعات وخصوصاً صناعة الطائرات بفضل شركتي دوغلاس ولوكهيد٬ وتحولت السينما إلى صناعة مزدهرة ومركزها حي هوليوود الذي يقع شمال غرب لوس أنجلوس.
- وتتميز لوس أنجلوس بشبكة نقل واسعة، سواء على الطرق السيارة أو السكك الحديدية أو الطيران، حيث تضم أربعة مطارات تجارية، إضافة إلى عدد من الموانئ البحرية الأكثر نشاطاً في البلاد٬ كميناء لوس أنجلوس ولونغ بيتش هاربور. وتضم المدينة عدداً من الجامعات والمدارس الشهيرة، من بينها جامعة ولاية كاليفورنيا، لوس أنجلوس، وجامعة نوردريج.
- تضم المدينة أيضاً 841 متحفاً ورواقاً فنياً، و379 منتزهاً من ضمنها منتزه "غريفيث" الذي يصنف كأكبر متنزه عالمي داخل منطقة جغرافية لأية مدينة.
- معظم سكان المدينة من الطبقة الثرية٬ وكثيراً ما كانت توصف لوس أنجلوس بأنها "عاصمة الإبداع في العالم"، وذلك بسبب أن واحداً من كل ستة أشخاص من سكانها يعملون بالصناعات الإبداعية. وحسب ما ذكره معهد يو إس سي للإبداع، "ففي لوس أنجلوس يوجد فنانون، وكتاب، وصناع أفلام، وممثلون، وراقصون، وعازفون يعيشون ويعملون في لوس أنجلوس أكثر من أي مدينة أخرى في العالم على مر الزمان في تاريخ الحضارة".
- وشهدت عام 1992 صدامات دامية بعد مقتل السائق ذو البشرة السوداء رودني كينغ من قبل 4 رجال بيض من شرطة المدينة تمت تبرئتهم من قبل المحكمة، مما خلف مقتل 55 شخصاً وجرح ألفين آخرين، وتدخلت قوات الحرس الوطني الأمريكي للسيطرة على الأوضاع.
- تعرضت المدينة أيضاً عام 1994 لزلزال بقوة 6.6 درجات أدى لوفاة 57 شخصاً وإصابة أكثر من 9000 شخص. وقُدِّرت الأضرار التي لحقت بالممتلكات بنحو 20 مليار دولار، مما جعلها من بين الكوارث الطبيعية الأكثر تكلفة في تاريخ الولايات المتحدة.
الحرائق تلتهم لوس أنجلوس.. ماذا حدث؟
- قبل أقل من عام٬ عانى جنوب كاليفورنيا من كميات مياه ضخمة٬ حيث تساقطت الأمطار الغزيرة وبلغت ذروتها في أوائل فبراير/ شباط الماضي وكان شتاءاً حافلاً بالعواصف التي غمرت الطرق والسيارات وأثارت مئات الانهيارات الطينية. أما الآن، فتأرجح الطقس في الاتجاه الآخر٬ واجتاح الجفاف المناطق الطبيعية في جنوب كاليفورنيا بعد أحد أكثر فصول الصيف حرارة في المنطقة على الإطلاق
- ومساء يوم الثلاثاء 7 يناير 2025 اندلعت حرائق في غابات المدينة امتدت إلى ضواحيها السكنية٬ وكان أولها حريق باليساديس – الذي لا يزال مشتعلاً حتى وقت كتابة هذا التقرير – أحد أكثر الحرائق تدميراً في تاريخ المدينة. تبعه حريق إيتون٬ ثاني أكبر حريق شرق المدينة٬ والذي دمر آلاف المنازل. وفي الوقت نفسه، تستمر الحرائق الأصغر حجماً ولكن يتم احتواؤها بشكل مستمر. وحتى اللحظة قُتل ما لا يقل عن 11 شخصاً. فيما لا تزال الرياح الشديدة التي بلغت سرعتها 160 كيلومترا في الساعة تهدد بنشر الجمر إلى أبعد من ذلك.
- التهمت الحرائق ما يقرب من 14 ألف فدان و 5 آلاف مبنى منذ اندلاعها ليلة الثلاثاء في أكبر أحياء المدينة. وتُظهر الصور الجوية لبعض الأحياء -ومنها باسيفيك باليساديس وألتادينا- منازل محترقة بالكامل وآلاف السيارات التي تحولت إلى هياكل ورماد. وأثرت الحرائق على النشاط السينمائي في هوليوود بشكل كبير. فقد توقف تصوير أفلام ومسلسلات عدة بينما أغلق متنزه "يونيفرسال ستوديوز" الترفيهي في هوليود.
- على مدار اليومين الماضيين٬ اشتعلت المزيد من الحرائق في تلال هوليوود الشهيرة٬ فيما كانت الجهود المبذولة لإخماد النيران محفوفة بالمخاطر. وقد أدت الرياح القوية، التي وصلت إلى مستويات الأعاصير في بعض الأحيان، إلى توقف عمل طائرات الهليكوبتر المستخدمة لإخماد النيران من الجو. كما عانت باليساديس بشكل دوري من انخفاض ضغط المياه، مما أعاق رجال الإطفاء على الأرض الذين وجدوا أن صنابير المياه جافة.
- وعلى الرغم من احتواء الحريق بنسبة 3% فقط، إلا أنه لا يزال خارج سيطرة رجال الإطفاء إلى حد كبير. ووصف حاكم ولاية كاليفورنيا، جافين نيوسوم، المشهد في لوس أنجلوس بأنه "دمار كامل وشامل". فيما علق الرئيس الأمريكي جو بايدن بالقول خلال اجتماع بالبيت الأبيض يوم الجمعة 10 يناير 2025 إن المشهد "أشبه بساحة حرب وعمليات قصف".
- على الرغم من تراجع قوة الرياح٬ ما زال انتشار النيران يتواصل في لوس أنجلوس التي غطى دخان كثيف سماءها. ومع ذلك، فإن الظروف لا تزال تثير القلق، مع الجفاف الشديد والرياح التي من المتوقع أن تعود لتشتد.
- في الوقت نفسه٬ سارعت السلطات في فرض حظر تجول في مناطق لوس أنجلوس لحماية الممتلكات وذلك إزاء عمليات النهب التي تكثر في المناطق المنكوبة أو التي أخليت من سكانها، في منطقتي باسيفيك باليسايدس وألتادينا الأكثر تضرراً. وأعلن قائد شرطة لوس أنجلوس روبرت لونا في مؤتمر صحفي أن حظر التجوال ينطبق على المناطق التي تم إخلاؤها وتأثرت بحريق في باليساديس وإيتون حتى إشعار آخر.
- كانت منطقة باسيفيك باليساديس، المعروفة بإطلالاتها الخلابة على المحيط الهادئ ومنازل السكان الأثرياء والمشاهير، واحدة من أكثر الأحياء تضرراً من حرائق لوس أنجلوس.
- كما تضرر ساحل ماليبو الشهير عالمياً بسبب الحرائق. ووصفت باربرا بروديرلين، رئيسة غرفة تجارة ماليبو باسيفيك باليساديس، تأثير الحرائق بأنه "دمار شامل وخسارة كاملة". وقالت بروديرلين: "هناك مناطق اختفى فيها كل شيء، ولم يتبق منها حتى قطعة خشب واحدة، كل شيء تحول إلى مجرد تراب".
من هم أبرز المشاهير الذين فقدوا ممتلكاتهم في لوس أنجلوس؟
- تعرض العشرات من المشاهير والأثرياء لفقدان منازلهم التي تبلغ قيمتها مئات ملايين الدولارات٬ حتى أصبحوا بلا مأوى بسبب الحرائق. ويقول برايدون جيروس، رجل الأعمال ومطور تطبيقات الذي يملك وكالة علامات تجارية شهيرة لصحيفة "فاينانشيال تايمز" الأمريكية: "ما يحدث اليوم يخلق أزمة للاجئين الأثرياء". احترق منزل جيروس في باليساديس مما أجبر عائلته على البقاء عند أصدقاء لهم في مناطق بعيدة في المدينة. وقال: "ليس لدينا سوى الملابس التي نرتديها٬ هذا كل شيء".
- من جهتها٬ قالت باريس هيلتون عبر حسابها على موقع إنستغرام إنها "شعرت بحزن لا يوصف" بعد أن فقدت منزلها وشاهدته يُدمر على شاشة التلفزيون.
- ومن بين المشاهير الذين تم إجلاؤهم نجمة مسلسل This Is Us ماندي مور، التي نشرت على إنستغرام أنها تقيم مع أصدقاء ولا تعرف "ما إذا كان منزلها قد نجا". وفقد كل الزوجان الممثلان الشهيران جيمي تشونغ وبريان جرينبيرج منزلهما في الحرائق٬ ودعيا الأمريكيين للتبرع ومساعدة ضحايا حرائق الغابات الآخرين في لوس أنجلوس الذين فقدوا منازلهم.
- كما أكد ممثل للممثل الحائز على جائزة الأوسكار جيف بريدجز لصحيفة "يو إس إيه توداي" أن منزله العائلي في ماليبو، والذي ورثه من والديه قد ضاع في حريق باليساديس. فيما كشف الممثل المرشح لجائزة إيمي ميلو فينتيميليا عن احتراق منزل عائلته في ماليبو خلال مقابلة مع قناة CBS News. وكجزء من المقابلة، قام فينتيميليا بجولة في حيه مع قناة CBS لمعاينة الأضرار التي لحقت بمنزله.
- فيما قال الممثل الشهير جيمس وودز في مقابلة بكا فيها على الهواء مع شبكة سي إن إن٬ أنه منزله قد دمر بالكامل بعد أن كان هو وعائلته في "مركز الحريق بالضبط" وأجبروا على الإخلاء "بالملابس التي كانوا يرتدونها".
ما حجم الخسائر الإقتصادية للكارثة وما تبعاتها؟
- تشير التقديرات بأن الخسائر المالية الناجمة عن الحرائق قد تصل إلى أكثر من 150 مليار دولار، وفقاً لـ AccuWeather لخدمات الأرصاد والتنبؤات الجوية. كل هذا بينما كانت تستعد لوس أنجلوس لاستضافة الألعاب الأولمبية في عام 2028. ولا يعلم إن كان بإمكان المدينة النهوض مجدداً قبل ذلك الحين.
- وتقول مجلة Economist البريطانية إن الحرائق في لوس أنجلوس قد تكون من بين أغلى الحرائق على الإطلاق. حيث تباع المنازل في حي باسيفيك باليساديس -وهو حي لا يزال مشتعلاً- بحوالي 4 ملايين دولار الآن. وقد فقد العديد من ممثلي ومشاهير هوليوود مساكنهم بالفعل.
- وبحسب المجلة٬ ستكشف الحرائق عن كارثة أخرى في سوق التأمين المتهالك في ولاية كاليفورنيا. فقد تراجعت الشركات عن توفير التأمين على المنازل والكوارث في الولاية خلال السنوات الأخيرة٬ منها شركة أولستيت، إحدى أكبر شركات التأمين في كاليفورنيا. وفي مارس/آذار 2024، ألغت شركة ستيت فارم، 30 ألف بوليصة تأمين على المنازل، بما في ذلك 1600 بوليصة في منطقة باسيفيك باليساديس التي تحولت الآن إلى رماد. وسلطت الشركة الضوء على المخاطر المتزايدة للخسائر الناجمة عن حرائق الغابات كسبب للانسحاب من السوق.
- وحتى وقت قريب، كان يُحظر على الشركات الكاليفورنية استخدام تقديرات تستند إلى نماذج للمخاطر الكارثية. لذلك، على الرغم من أن تغير المناخ زاد من احتمالات اندلاع حرائق الغابات، إلا أن شركات التأمين لم تتمكن من عكس ذلك في فواتيرها٬ ورفضت العديد من شركات التأمين أن تتحمل المخاطر.