يُلقي إيلون ماسك "قنابل يدوية" في الساحة السياسية الأوروبية بشأن قضايا تتراوح من الهجرة إلى حرية التعبير، ما يخلق معضلة للحكومات في محاولتها الرد على الملياردير التكنولوجي والمستشار الرئيسي لإدارة ترامب القادمة.
هكذا استهلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تقريرها الذي جاء تحت عنوان: إيلون ماسك يثير الاضطرابات في السياسة الأوروبية.
ففي الأيام والأسابيع الأخيرة، شارك ماسك على وسائل التواصل الاجتماعي سلسلة من المنشورات التحريضية بشأن السياسة الأوروبية، بما في ذلك دعم حزب اليمين المتطرف قبل الانتخابات في ألمانيا، واتهام رئيس الوزراء البريطاني بالتواطؤ في الاغتصاب، وإدانة القضاة في إيطاليا، وانتقاد المفوضية الأوروبية.
وقد تحولت سلسلة المنشورات إلى صداع دبلوماسي وأوقعت العديد من الأحزاب السياسية الأوروبية الرئيسية في موقف محرج، بحسب وول ستريت جورنال.
فيما أثارت تعليقات ماسك ردود فعل غاضبة بين الزعماء والقادة الأوروبيين الذين عبروا عن استيائهم مما وصفوه تدخلات الملياردير الأمريكي في الشؤون الأوروبية.
واتهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، مالك موقع "إكس" بالتدخل في الانتخابات بعقائده اليمينية، حسبما أوردت صحيفة التايمز البريطانية.
وفي كلمة بثها قصر الإليزيه في حسابه على موقع "إكس"، قال ماكرون: "ماذا لو أخبرنا شخص ما قبل عشر سنوات أن صاحب إحدى أكبر شبكات التواصل الاجتماعي في العالم سيدعم رجعية دولية جديدة ويتدخل بشكل مباشر في الانتخابات، بما في ذلك في ألمانيا؟ من كان يتصور مثل هذا الأمر؟ هذا هو العالم الذي نعيش فيه".
وفي النرويج، أعرب رئيس الوزراء، يوناس غار ستوير، عن قلقه إزاء تدخلات ماسك في الشأن الأوروبي.
ونقلت هيئة الإذاعة النرويجية عن ستوير قوله: "من المقلق أن يتدخل شخص يتمتع بنفوذ كبير في وسائل التواصل الاجتماعي وموارد اقتصادية كبيرة بشكل نشط في الشؤون الداخلية لدول أخرى. مثل هذه التصرفات لا ينبغي أن تحدث بين دول تتبنى المبادئ الديمقراطية وتعد دولاً متحالفة فيما بينها".
وقد تردد صدى تعليقات ماسك بشأن السياسة الأوروبية في أكثر من عاصمة أوروبية، وشملت منشوراته قضايا تتعلق بدول مثل ألمانيا وبريطانيا وإيطاليا على النحو التالي:
ألمانيا (دعم حزب يميني متطرف)
قبل عدة أيام، عبّر ماسك عن دعمه لحزب البديل من أجل ألمانيا في مقال رأي كتبه لصحيفة فيلت أم زونتاج الألمانية ونُشر على الإنترنت، ما أثار ردود فعل غاضبة من المسؤولين الألمان، ودفع محررة قسم مقالات الرأي في الصحيفة إلى الاستقالة احتجاجاً.
وفي المقال، أسهب ماسك في الحديث عن الحزب الألماني، وقال إن "حزب البديل من أجل ألمانيا هو فقط القادر على إنقاذ ألمانيا".
Only the AfD can save Germany https://t.co/Afu0ea1Fvt
— Elon Musk (@elonmusk) December 20, 2024
وأضاف ماسك: "تصوير حزب البديل من أجل ألمانيا على أنه حزب يميني متطرف هو خاطئ تماماً، خاصة وأن زعيمة الحزب أليس فايدل لديها شريكة من الجنس نفسه من سريلانكا! هل تبدو لك مثل هتلر؟".
وصنّف المكتب الاتحادي لحماية الدستور، وهو وكالة المخابرات الداخلية، حزب البديل من أجل ألمانيا على المستوى الوطني حالة تطرف مشتبهاً بها منذ عام 2021.
ولم يكتفِ ماسك بدعم الحزب الألماني اليميني، بل وصف المستشار الألماني أولاف شولتس بأنه "أحمق عديم الكفاءة"، ووصف الرئيس فرانك فالتر شتاينماير بأنه "طاغية مناهض للديمقراطية".
من جانبه، قال المستشار الألماني أولاف شولتس إن المواطنين هم من سيحددون مستقبل بلاده، ولا يمكن لمالكي شركات وسائل التواصل الاجتماعي أن يقرروا ذلك.
وانتقد شولتس ماسك، الذي أشاد بحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف، من غير أن يذكر اسمه صراحة، في خطابه بمناسبة رأس السنة الميلادية الجديدة.
وشدد على أن المواطنين هم من سيحددون ما سيحدث في ألمانيا، مضيفاً: "هذا لن يقرره مالكو وسائل التواصل الاجتماعي".
ويأتي دعم ماسك للحزب، الذي يحتل المركز الثاني في استطلاعات الرأي، في الوقت الذي يستعد فيه الألمان للتصويت في 23 فبراير/شباط بعد انهيار الحكومة الائتلافية بقيادة شولتس. ودافع ماسك عن حقه في التدخل في السياسة الألمانية بسبب "استثماراته الكبيرة".
بريطانيا (انتقادات شديدة لحكومة ستارمر)
كانت تعليقات ماسك بشأن السياسة الأوروبية أكثر وضوحاً في المملكة المتحدة، وعلى الأخص فيما يتعلق بسهام النقد التي وجهها الملياردير الأمريكي لرئيس الوزراء البريطاني، كير ستارمر، منذ وصوله إلى الحكم في يوليو/تموز الماضي.
حتى أن صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت مقالاً يتعلق بتدخلات ماسك في السياسة البريطانية جاء تحت عنوان: ماسك يختطف السياسة البريطانية لصالح اليمين المتطرف.
وبرزت تدخلات ماسك في بريطانيا الأسبوع الماضي حينما دعا إلى إجراء تحقيق في التعامل مع قضايا شهدت اتهام رجال من أصول باكستانية باغتصاب قاصرات في وقت كان يترأس فيه ستارمر النيابة العامة الحكومية.
Starmer was deeply complicit in the mass rapes in exchange for votes.
— Elon Musk (@elonmusk) January 6, 2025
That's what the inquiry would show. https://t.co/IVML26ygAg
وخلص تحقيق في عام 2014 إلى أن 1400 طفل على الأقل تعرضوا للاستغلال الجنسي في روذرهام بشمال إنجلترا بين عامي 1997 و2013.
كما طالب ماسك من متابعيه البالغ عددهم 211 مليوناً على موقع "إكس" التصويت على ما إذا كان "يجب على أمريكا تحرير شعب بريطانيا من حكومتهم الاستبدادية"، فضلاً عن مطالبته بالإفراج عن الناشط اليميني المتطرف، تومي روبنسون، المعادي للمسلمين، وكذا بأن يتنحى السياسي نايجل فاراج عن زعامة حزب الإصلاح البريطاني اليميني، في سحب مفاجئ لدعمه للسياسي البريطاني الذي عارض الإفراج عن روبنسون.
وخلال أحداث عنف مناهضة للمهاجرين اجتاحت المملكة المتحدة الصيف الماضي، غرّد ماسك قائلاً إن "الحرب الأهلية حتمية".
وقد أثارت مواقف ماسك ردود فعل غاضبة من السياسيين البريطانيين، وفي مقدمتهم ستارمر الذي انتقد "من ينشرون الأكاذيب والمعلومات المضللة إلى أقصى حد ممكن وعلى أوسع نطاق ممكن".
فيما نأى زعيم حزب فاراج بنفسه عن التعليقات التي أدلى بها ماسك دعماً للناشط المناهض للمسلمين، روبنسون.
ورد فاراج على منشور ماسك قائلاً: "حسناً، هذه مفاجأة! إيلون ماسك شخص رائع، لكنني لا أتفق معه في هذا. وجهة نظري تظل أن تومي روبنسون ليس مناسباً للإصلاح، وأنا لا أبيع مبادئي أبداً".
إيطاليا (انتقاد القضاة)
وفي إيطاليا، انتقد الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا ماسك في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بسبب تعليقات أدلى بها الملياردير الأمريكي بشأن أحكام قضائية إيطالية تعترض على خطط الحكومة لمعالجة بعض الطلبات الخاصة بطالبي اللجوء في ألبانيا.
ودعا ماتاريلا ماسك إلى التوقف عن "إعطاء الدروس" للآخرين.
وكان ماسك علق على حكم أصدره قضاة إيطاليون، ووجّه ضربة قاسية لاتفاق أبرمته روما مع ألبانيا بشأن التعامل مع المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر. وكتب قائلاً: "على هؤلاء القضاة أن يرحلوا".
These judges need to go
— Elon Musk (@elonmusk) November 11, 2024
وأضاف ماسك: "هذا أمر غير مقبول. هل يعيش الأشخاص في إيطاليا في ديمقراطية أم حكم استبدادي هو من يتخذ القرارات؟".
وبينما لم يشر الرئيس الإيطالي إلى ماسك بالاسم، إلا أنه أوضح في بيان أنه كان يشير إلى ماسك، وطالب باحترام سيادة البلاد، وخاصة من المسؤولين الحكوميين الآخرين الذين سيشغلون مناصب عامة قريباً.
وقال ماتاريلا: "إيطاليا بلد ديمقراطي عظيم… وتعرف كيف تعتني بنفسها مع احترام دستورها".
تشكيل الرأي العام الأوروبي ودعم اليمين المتطرف
ورأى مراقبون أن ماسك يعني بتدخلاته تشكيل الرأي العام الأوروبي، بنفس الطريقة التي تتبناها روسيا في زعزعة استقرار الديمقراطيات.
ونقلت صحيفة التايمز عن سيلفي كوفمان، المعلقة البارزة في صحيفة لوموند الفرنسية، قولها: "إن التدخل في الحملات الانتخابية من خلال التضليل، أو تمويل الأحزاب المتطرفة، أو حملات التشهير لزعزعة استقرار الأنظمة الديمقراطية هي طريقة يتفوق فيها الكرملين. ويعد استيلاء واشنطن أو مارلاغو على هذه الطريقة أكثر زعزعة للاستقرار".
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال إنه في عام 2019، حاول ستيف بانون، كبير مستشاري الرئيس ترامب في ولايته الأولى، بناء شبكة من الأحزاب اليمينية قبل انتخابات البرلمان الأوروبي، لكن تأثيرها كان محدوداً.
غير أن ماسك، ومن خلال التركيز على الانتخابات الأوروبية المحلية والتسلح بشركة وسائط اجتماعية، قد يكون أكثر نجاحاً، بحسب خوسيه إجناسيو توريبلانكا، زميل بارز في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية.
وقال توريبلانكا: "إنه يرى نفسه منقذاً للديمقراطية الأمريكية من التقدميين. ويعتقد أن هذا لا ينبغي أن يتوقف في الداخل، وأنه يجب أن يستمر في أوروبا".
كما تأتي تدخلات ماسك، من جانب آخر، في الوقت الذي عمل فيه وعلى نطاق أوسع على تنمية علاقاته مع شخصيات يمينية متطرفة مختلفة في أوروبا.
وليس أدل على ذلك من دعمه لحزب البديل من أجل ألمانيا، ومطالبته بالإفراج عن الناشط اليميني البريطاني تومي روبنسون، فضلاً عن علاقاته الوطيدة مع رئيسة الوزراء الإيطالية اليمينية جورجيا ميلوني، التي تتفق أكثر من معظم نظرائها الأوروبيين مع آراء ماسك بشأن الهجرة وانخفاض معدلات المواليد.
عقبات أمام إيلون ماسك
ومع ذلك، لا تزال هناك عقبات أمام محاولات ماسك التأثير في السياسة الأوروبية. ففي بريطانيا، لا يملك سوى 26% من الناس وجهة نظر إيجابية تجاه ماسك، وفقاً لمؤسسة يوجوف لاستطلاعات الرأي.
وتُظهر أرقام منصة "إكس" أن متوسط عدد المستخدمين النشطين على المنصة في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي انخفض بنحو 5 ملايين بين أكتوبر/تشرين الأول 2023 وصيف 2024.
وفي ألمانيا، أظهر أول استطلاع للرأي منذ تأييد ماسك لحزب البديل من أجل ألمانيا أن 74% من المشاركين يرون أنه من غير اللائق أن يعلق الملياردير على السياسة الألمانية.
وقال مانفريد جولنر، رئيس مجموعة فورسا للأبحاث التي أجرت الاستطلاع، إن الدعم للحزب لم يتغير بشكل عام مقارنة بشهر ديسمبر/كانون الأول.