بينما تتواصل ردود الفعل على سقوط النظام السوري في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، لا تزال هناك تساؤلات عن تفاصيل الأيام والأسابيع السابقة للانهيار السريع لقوات النظام، وكيف نجحت فصائل المعارضة السورية المسلحة في الإطاحة بالرئيس بشار الأسد، وما هي الاستعدادات التي اتخذتها في إطار تحضيراتها لشن هجومها الساحق الذي أنهى حكم الأسد خلال 10 أيام فقط.
وقد أشاد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، بنجاح فصائل المعارضة السورية في مهمتها، وأثنى على الشجاعة الفائقة والعزيمة التي اتسمت بها العملية العسكرية التي نفذتها فصائل المعارضة ضد الرئيس المخلوع الأسد.
وأضاف فيدان، خلال مقابلة مع قناة "إن تي في" التركية، الجمعة، خلال تعليقه على الأيام التي شهدت انهيار حكم الأسد في سوريا: "أفسحنا المجال أمام ضمان انتهاء العملية دون إراقة دماء وبأدنى الخسائر البشرية، من خلال مواصلة المفاوضات مع لاعبين مهمين، روسيا وإيران"، وفق ما نقلت وكالة الأناضول.
ولكن كيف أتمت فصائل المعارضة السورية المسلحة التي تنتمي لتيارات مختلفة، وفي مقدمتها هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، المعروف باسم الجولاني سابقاً، استعداداتها لشن عمليتها العسكرية التي بدأت في الثامن والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وأطلق عليها عملية "ردع العدوان".
استعنّا في الإجابة على هذا السؤال بما كشفته تقارير غربية وعربية عن كواليس ما جرى خلال أعوام سابقة داخل فصائل المعارضة السورية المسلحة، التي نجحت في تجميع صفوفها، وحصلت على العتاد العسكري اللازم لإطلاق عمليتها العسكرية، فضلاً عن عوامل أخرى ساهمت في تمهيد الطريق أمام الإطاحة بالأسد.
التخطيط بدأ قبل عام
وحسبما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن أبوحسن الحموي، القائد العسكري لهيئة تحرير الشام، فقد بدأت الفصائل المعارضة في التخطيط لعملية "ردع العدوان" قبل عام، في عملية محكمة تم خلالها نشر وحدة جديدة متخصصة في الطائرات بدون طيار، وكان هناك تنسيق وثيق بين جماعات المعارضة في جميع أنحاء البلاد.
ويمكن رصد أبرز ما كشف عنه الحموي في النقاط التالية:
1- إنشاء غرفة حرب موحدة:
- نجحت هيئة تحرير الشام، التي كانت متمركزة في شمال غرب البلاد، في التواصل مع فصائل المعارضة في جنوب البلاد قبل عام من بدء عملية "ردع العدوان" لإنشاء غرفة حرب موحدة بهدف تطويق دمشق في نهاية المطاف من كلا الاتجاهين.
- وبمساعدة هيئة تحرير الشام، تم تأسيس غرفة عمليات تضم قادة نحو 25 من جماعات المعارضة في ثلاث محافظات جنوب البلاد، حيث يتولى كل منهم تنسيق تحركات مقاتليه مع بعضهم البعض ومع هيئة تحرير الشام في الشمال.
- وكان قادة الفصائل يتواصلون مع بعضهم البعض عبر مجموعة واتساب، وكان يتم تمرير التعليمات إلى المستويات الأدنى حسبما تقتضيه الحاجة.
2- تطوير العقيدة العسكرية:
- منذ عام 2019، عملت هيئة تحرير الشام على تطوير عقيدة عسكرية استخدمتها لتحويل المقاتلين القادمين من جماعات المعارضة والجهادية المتفرقة وغير المنظمة إلى قوة قتالية منضبطة.
3- توحيد القيادة السياسية:
- عرضت هيئة تحرير الشام على مجموعات أخرى معارضة فرصة الاندماج معها، ومع توحيد القيادة السياسية بشكل متدرج، شرع الحموي، الذي تولى مهمة الجناح العسكري للجماعة المعارضة منذ عام 2019، في العمل على تدريب مقاتلي المعارضة، وتم إنشاء فروع عسكرية ووحدات وقوات أمنية.
4- إنشاء وحدة طائرات بدون طيار:
- بدأت هيئة تحرير الشام وفصائل المعارضة في إنتاج أسلحتها ومركباتها وذخائرها بنفسها.
- ونظراً لتفوق نظام الأسد عليها، الذي كان يمتلك قوات جوية ودعماً من روسيا وإيران، أدركت الفصائل أنها بحاجة إلى الإبداع لتحقيق أقصى استفادة من الموارد المحدودة.
- وتم إنشاء وحدة طائرات بدون طيار في عام 2019 تضم مهندسين وميكانيكيين وكيميائيين. وقال الحموي: "وحدنا معرفتهم وحددنا أهدافاً واضحة. كنا بحاجة إلى طائرات استطلاع وطائرات هجومية وطائرات انتحارية، مع التركيز على المدى والقدرة على التحمل".
- وكان أحدث إصدار من الطائرات بدون طيار التي أنتجتها فصائل المعارضة طائرات "شاهين" التي تم نشرها لأول مرة ضد قوات النظام السوري خلال عملية "ردع العدوان"، وكانت فعالة للغاية.
5- تعزيز القدرات العسكرية:
- عززت هيئة تحرير الشام وغيرها من فصائل المعارضة السورية قدراتها العسكرية خلال السنوات الماضية. وشمل ذلك حتى بجانب الدعم العسكري الذي تلقته تلك الفصائل من دول عربية وغربية خلال الثورة السورية في عام 2011، التصنيع المحلي.
- وفي معقلها في محافظة إدلب، تفتخر هيئة تحرير الشام بامتلاكها قيادة مركزية، ووحدات متخصصة قابلة للنشر السريع، بما في ذلك المشاة والمدفعية والعمليات الخاصة والدبابات والقناصة، وفق ما ذكر تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
- وقال آرون زيلين، الخبيرفي مؤسسة واشنطن للأبحاث: "لقد تحولت هيئة تحرير الشام على مدى السنوات الأربع أو الخمس الماضية إلى جيش أولي مصقول بشكل أساسي".
- وبحسب خبراء في الشأن العسكري، تنتج فصائل المعارضة السورية طائرات بدون طيار في ورش صغيرة متمركزة في المنازل أو المستودعات، ويعتمدون على الطابعات ثلاثية الأبعاد.
- وخلال عمليتها العسكرية ضد قوات النظام، نجحت فصائل المعارضة في الاستيلاء على العديد من المطارات والقواعد العسكرية، والتي كانت تحتوي على معدات عسكرية متطورة غنمتها من جيش النظام السوري، بما في ذلك منظومة الدفاع الجوي الروسية بانتسير-إس 1، وهو أمر غير مسبوق بالنسبة للمعارضة.
6- إنشاء أكاديمية عسكرية:
- أنشأت هيئة تحرير الشام أكاديمية عسكرية قبل نحو عامين ونصف. ولعب المنشقين عن النظام أدواراً رئيسية في هذه الأكاديمية، وفق تقرير فايننشال تايمز.
- وقال جيروم دريفون، الخبير في مؤسسة كرايسس جروب للأبحاث، إن هيئة تحرير الشام أقنعت نحو 30 ضابطاً سابقاً في جيش النظام، ممن انشقوا وانضموا إلى جماعات معارضة أخرى، بإنشاء الأكاديمية.
- واستنسخت الأكاديمية العسكرية الخدمة العسكرية للنظام، حيث أسست نظاماً يمتد لتسعة أشهر من التدريب مقسمة إلى فترات مدتها ثلاثة أشهر من الأساسيات والمتوسطة والمتقدمة.
7- الحماية العملياتية واستغلال عامل المفاجأة:
- أظهرت فصائل المعارضة المسلحة مستوى من الحماية العملياتية والتنسيق بين مختلف مكوناتها بشكل غير مسبوق.
- ونقل تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية عن سكوت لوكاس، المتخصص في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في جامعة برمنغهام، قوله: "لطالما تمكنت إيران وروسيا من استباق هجمات المعارضين في الشمال. ولكن هذه المرة، تفاجأ حليفا بشار الأسد ".
- ورأى سكوت أن السبب في ذلك لا يعود فقط إلى أن هذين الحليفين لم يكونا مطلعين بما فيه الكفاية على الوضع في سوريا، بل لأن فصائل المعارضة تمكنت من الإبقاء على مخططاتهم تحت السرية الكاملة.
- وبمجرد انطلاق الهجوم، لم يقعوا في مواجهة ما يمكن أن يتسبب في إخفاقهم، بحسب سكوت
عوامل أخرى ساعدت المعارضة السورية على الاطاحة بالأسد
ساعدت عوامل أخرى خارجية وداخلية فصائل المعارضة السورية على الاطاحة بنظام الأسد بعد حوالي 13 عاماً على اندلاع الثورة السورية، ومن بينها:
1- تخلفي حلفاء الأسد عنه:
- منذ بدء الثورة السورية في عام 2011، برزت إيران ثم روسيا في عام 2015 باعتبارهما أقوى حليفين للنظام السوري.
- ودعمت موسكو الأسد عسكرياً في عام 2015 بعد كان قاب قوسين من الهزيمة أمام قوات المعارضة.
- غير أن هذا الدعم العسكري، سواء من جانب إيران أو روسيا، قد تلاشى مع تقدم فصائل المعارضة وسيطرتها على مدن سورية بعد بدء عملية "ردع العدوان".
- وقال أشخاص أجرت وكالة رويترز مقابلات معهم أنه اتضح للأسد في الأيام التي سبقت هروبه أنه لن يكون هناك إنقاذ عسكري تقدمه روسيا، أو من حليفته الأخرى إيران، عندما سعى للحصول على المساعدة من مختلف الجهات في سباق يائس للتشبث بالسلطة وتأمين سلامته.
- وقال ثلاثة دبلوماسيين إقليميين إن الأسد زار موسكو في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد يوم من عملية "ردع العدوان"، لكن دعواته للتدخل العسكري لم تلق آذاناً في الكرملين الذي لم يكن راغباً في التدخل.
- وقال المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للصحفيين، الأربعاء الماضي، إن روسيا بذلت الكثير من الجهود في المساعدة على استقرار سوريا في الماضي لكن أولويتها الآن هي الصراع في أوكرانيا.
- وبعد أربعة أيام من زيارته لموسكو، التقى الأسد بوزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في دمشق.
- وقال دبلوماسي إيراني كبير لرويترز إن الأسد كان منزعجاً بشكل واضح خلال الاجتماع، واعترف بأن جيشه ضعيف لدرجة لا تسمح له بأي مقاومة فعالة.
2- جيش محبط وضعيف:
- مع تقدم فصائل المعارضة السورية باتجاه دمشق، لم يكن هناك أي مقاومة تذكر من قبل جيش النظام، الذي أشارت تقارير عدة إلى أنه كان جيشاً ضعيفاً ومحبطاً حتى قبل أن تبدأ فصائل المعارضة عمليتها العسكرية ضد النظام.
- ولم يكن الجنود فقط غير مستعدين لمواجهة المعارضة، بل كان رؤساؤهم كذلك أيضاً، وفق وكالة الأنباء الفرنسية.
- وقال الخبير في جامعة برمنغهام سكوت: "لسنوات، كان الضباط منشغلين بالبحث عن طرق أخرى لكسب المال أكثر من انشغالهم بتنظيم الدفاع عن البلاد أو النظام".
- كما عبر جنود سوريون على مواقع التواصل عن شكواهم من قادتهم الذين يأخذون الرشاوى مقابل الإجازات، ويأمرون الجنود بالنهب، بل ويسرقون طعام جنودهم، بحسب تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
- ونقلت صحيفة الغارديان عن أحد قادة المعارضة في دمشق قوله: "تلقيت 5000 مكالمة مساء السبت 7 ديسمبر/كانون الأول من جنود في جيش النظام يريدون الاستسلام، وقال العديد منهم إن عائلاتهم تحثهم على الاستسلام".
.