في خضم الحرب الدائرة في سوريا منذ أكثر من عقد، ومع تحرك قوى المعارضة المسلحة الأخير ضمن عملية "ردع العدوان" التي تستهدف إلحاق الهزيمة بالنظام السوري وقواته من شمال البلاد وحتى جنوبها٬ برزت العديد من فصائل المعارضة المسلحة٬ ومن بين هذه الفصائل "جيش سوريا الحرة" المدعوم أمريكياً والذي يتمركز في قاعدة التنف الاستراتيجية على الحدود السورية الأردنية العراقية منذ عام 2015.
ومؤخراً٬ عاد ما يعرف بـ"جيش سوريا الحرة" للنشاط حيث نجح بالسيطرة على مناطق على جديدة في الجنوب الشرقي لسوريا مثل تدمر٬ مستغلاً انهيار قوات النظام السوري أمام حشود قوات المعارضة المسلحة التي تخوض معركتها "ردع العدوان" تحت مظلة "إدارة العمليات العسكرية" وتسيطر على مناطق واسعة انطلاقاً من إدلب وحلب إلى حماة وحمص وريف دمشق حتى وقت كتابة هذا التقرير.
"جيش سوريا الحرة" يعود للواجهة.. ما الجديد؟
- يوم السبت 7 ديسمبر 2024 سيطر فصيل "جيش سوريا الحرة" على مدينة تدمر الأثرية في الريف الشرقي لمحافظة حمص، بعد اشتباكات مع قوات نظام الأسد.
- أحرز "جيش سوريا الحرة" المتمركز في منطقة التنف الواقعة على الحدود السورية العراقية الأردنية، تقدما كبيراً ضد قوات الأسد في منطقة تدمر وبلدة السخنة الواقعة بين حمص ودير الزور، وقرية "القريتين"، وجبل الغراب ذو الموقع الاستراتيجي بالقرب من طريق تدمر – دمشق.
- تحركات "جيش سوريا الحرة" تتزامن مع عملية فصائل المعارضة السورية في الريف الغربي لمحافظة حلب شمال البلاد٬ حيث استطاعت الفصائل بسط سيطرتها على مركز مدينة حلب في 30 نوفمبر، وعلى محافظة إدلب بشكل كامل شمال غرب البلاد٬ كما استطاعت طرد قوات النظام خارج محافظة حماة وسط البلاد. والجمعة، واصلت الفصائل تقدمها لتسيطر على مناطق جديدة بمحافظة حمص (وسط)، التي تحظى بأهمية استراتيجية على طريق دمشق.
- كما نجحت فصائل معارضة مساء الجمعة 6 ديسمبر 2024، سيطرتها على مركز محافظة درعا المحاذية للحدود الأردنية، عقب اشتباكات مع قوات النظام في المحافظة، فيما نجحت مجموعات معارضة محلية بالسيطرة على مدينة السويداء ذات الغالبية الدرزية، جنوبي البلاد.
من هم قوات "جيش سوريا الحرة"؟
- في عام 2015، ظهر لأول مرة ما يعرف بـ"جيش سورية الجديد" أو "جيش مغاوير الثورة" وبدعم وتدريب أمريكي أردني، بهدف محاربة "تنظيم الدولة الإسلامية" وقوات النظام السوري وكذلك مواجهة التحركات الإيرانية في سوريا٬ متخذاً من "قاعدة التنف" الأمريكية الحدودية مع الأردن مركزاً له.
- تشكل هذا الفصيل من عدة مجموعات مسلحة يقف على رأسهم ضباط وعسكريين سوريين سابقين ينحدر معظمهم من محافظة دير الزور (شرق) التي سيطر تنظيم الدولة عليها في هجومه الواسع في سوريا والعراق صيف عام 2014 قبل طرده منها بعد أعوام.
- بعد قتال تنظيم "داعش" بدعم أمريكي٬ أصبحت نواة هذا الفصيل متمركزة في قاعدة التنف٬ التي تعرف بـ"منطقة 55 كيلومتر"، حيث تتمركز أيضاً قوات التحالف الدولي بقيادة أمريكا، وصار هذا الفصيل يعرف باسم "جيش سورية الحرة"، ويعرّف نفسه بأنه من فصائل "الجيش السوري الحر" المعارض للنظام.
- مع مرور السنوات، صار الفصيل يُعرف بأنه من "حامية قاعدة التنف"، بعد انقطاع نشاطه ضد "داعش" وقوات النظام السوري بتوجيه من الولايات المتحدة، وحصر هذا النشاط بعمليات مكافحة المخدرات على الحدود مع الأردن، والحرب على بقايا "تنظيم الدولة" التي تقودها أمريكا وقوات غربية شرقي سوريا.
- ترجح تقديرات مختلفة بأن أعداد مقاتلي "جيش سوريا الحرة" هو بضع مئات من المقاتلين من أبناء العشائر في تلك المنطقة٬ الذين يتم تدريبهم من القوات الأمريكية بشكل مستمر.
- دخل هذا الفصيل بموجة من الخلافات والصراعات الداخلية بين قادته ما بين عامي 2015 و 2024 حيث كان يتغير اسمه مع قدوم قائد جديد له تعينه القوات الأمريكية. أطلق هذا الفصيل على نفسه في البداية اسم "جيش سوريا الجديد" تحت قيادة "خزعل السرحان" تلاه "عبدالله الزعبي"٬ ومن ثم تحول اسم الفصيل إلى "جبهة مغاوير الثورة" تحت قيادة "مهند الطلاع"٬ وفي عام 2022 تم إطلاق اسم "جيش سوريا الحرة" على الفصيل مع تعيين قائد جديد له هو "فريد قاسم"٬ الذي تم عزله عام 2024 وتم تعيين سالم العنتري بدلاً منه٬ وهو الرجل الذي يقود الفصيل حتى اليوم.
الولاءات والتوجهات لـ"جيش سوريا الحرة"
- "جيش سوريا الحرة" لا يرتبط أيديولوجياً بأيديولوجيات دينية أو عرقية محددة، مما جعله خياراً مفضلاً للولايات المتحدة كـ"شريك معتدل" ينتمي غالبية مقاتليه إلى مناطق شرق سوريا، وهدفهم الرئيسي هو "محاربة القوى المرتبطة بإيران والنظام السوري" كما تقول صحيفة "واشنطن بوست".
- يتشارك "جيش سورية الحرة" الرؤية مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) المسيطرة على شمال شرقي سوريا، لكنه يتشارك الهوية مع فصائل المعارضة السورية التي تسيطر على شمال غربي سوريا، في الوقت الذي لم يُجر فيه أي تواصل معلن مع هذه الفصائل.
- تمثل علاقة هذا الفصيل مع واشنطن محور الدعم السياسي والعسكري٬ حيث قامت الولايات المتحدة بتزويد الفصيل بمعدات عسكرية متطورة، بما في ذلك صواريخ مضادة للدروع، وطائرات مسيرة استطلاعية. كما وفرت تدريبات مكثفة للعناصر داخل قاعدة التنف وداخل الأردن.
- بحسب معهد واشنطن وصحيفة واشنطن بوست ومصادر أخرى٬ لعب الأردن دوراً محورياً كداعم لوجستي وشريك إقليمي لهذا الفصيل، حيث سهل عمليات الإمداد والتنسيق عبر حدوده الشمالية. ورغم العلاقات المتوترة بين دمشق وعمان، احتفظ الأردن بخطوط اتصال وإمداد مع "جيش سوريا الحرة" كجزء من استراتيجيته لـ"تأمين الحدود" برعاية أمريكية.
ما هي قاعدة التنف الأمريكية وما الأدوار التي تلعبها؟
- تأسست قاعدة التنف في الأصل عام 1991 قبل حرب الخليج الثانية مع العراق، وأعيد تنشيطها أثناء غزو العراق عام 2003، ثم أغلقت بعد أن عززت القوات الأمريكية سيطرتها في العراق. وأعيد فتحها في عام 2016 خلال الحرب مع داعش في المنطقة وإنشاء تحالف دولي تقوده أمريكا لمحاربة التنظيم.
- منذ ذلك الحين، لم تكن التنف بمثابة أرض تدريب لمقاتلي "جبهة مغاوير الثورة" أو "جيش سوريا الحرة" المدعوم من وكالة المخابرات المركزية فحسب، بل كانت أيضاً حجر الزاوية للمصالح الأمريكية الأوسع، كما أشار العقيد دانييل ماجرودر جونيور في تقرير صادر عن مؤسسة بروكينجز عام 2020 بعنوان (حامية التنف: العبء الاستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط).
- بحسب ماغرودر، فإن قاعدة التنف كانت تهدف إلى "تسهيل الاستمرار في القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية، ومواجهة الأنشطة الإيرانية، والحفاظ على النفوذ في المفاوضات بشأن مستقبل سوريا".
- لكن دور القاعدة تجاوز هذه الأهداف المعلنة بكثير. فقد شاركت القوات الأمريكية في التنف في عمليات استخباراتية هجومية ودفاعية. وكانت القاعدة بمثابة مركز لمركز العمليات العسكرية، وهو جهد مشترك بين عدة دول على رأسها "إسرائيل" و الأردن يهدف إلى تنسيق الأنشطة العسكرية في جنوب سوريا.
- يقول العقيد الأمريكي إن الهدف الاستراتيجي الحقيقي لقاعدة التنف هو إنشاء منطقة عازلة لصالح "إسرائيل"٬ حيث إن موقع التنف الاستراتيجي يدعم الخطط الرامية إلى إنشاء منطقة عازلة خاضعة للسيطرة تشمل مخيم الركبان للاجئين القريب. ويقول موقع The Cradle الأمريكي إن هذه المنطقة العازلة من شأنها أن تساعد الأهداف الأمريكية والإسرائيلية من خلال إنشاء حاجز بين سوريا والعراق وقطع طرق الإمداد الإيرانية في المنطقة.
- سلط تقرير صادر عن معهد واشنطن في عام 2021 الضوء على كيف أن الوجود الأمريكي في قاعدة التنف أفاد "إسرائيل" بشكل مباشر، حيث دعم "معركتها بين الحروب "٬ وهو نهج استراتيجي يهدف إلى تقليل المخاطر واستغلال نقاط الضعف في الدفاعات السورية٬ من أجل قطع الروابط الجغرافية بين أعضاء "محور المقاومة" أو من خلال نشر أنظمة رادار ودفاع جوي متقدمة لحماية مصالح تل أبيب في المنطقة.
- سهلت القاعدة العمليات الإسرائيلية في المجال الجوي السوري ونجحت في صد هجمات من فصائل عراقية وإيرانية خلال الحرب بين غزة و"إسرائيل" 2023-2024 كاعتراض الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية المتجهة نحو "إسرائيل"، وهو ما يوفر ميزة لوجستية لدولة الاحتلال الإسرائيلي٬ كما تم توثيق التعاون بين الولايات المتحدة وتل أبيب بشكل جيد، حيث تعمل التنف كنقطة انطلاق للضربات الجوية الإسرائيلية في عمق سوريا ضد المجموعات الإيرانية وحزب الله اللبناني.
- مع استعداد دونالد ترامب للعودة إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025 عادت التساؤلات حول مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا. ومن المتوقع أن تظل قاعدة التنف، على الرغم من أي خطاب لترامب حول تقليص التدخل العسكري، تشكل أصلاً رئيسياً في الحفاظ على النفوذ الأمريكي في سوريا والمنطقة٬ بالنسبة لقادة البنتاغون. وفي عام 2023، زار رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية السابق مارك ميلي قاعدة التنف، مؤكداً على أهميتها لأمن "إسرائيل"، ومؤكداً على "عدم وجود خطط للانسحاب من سوريا".