حظي فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، بترحيب واسع من جانب الوزراء الإسرائيليين بالائتلاف اليميني الحاكم، في الوقت الذي أثار قلق الفلسطينيين، لا سيما أن لديه تاريخ داعم لتل أبيب خلال سنوات حكمه السابقة، ما يثير تساؤل "ماذا سيفعل ترامب مع حرب غزة؟" بعد وصوله إلى البيت الأبيض.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من أوائل الشخصيات التي سارعت إلى الاتصال بترامب، لتهنئته بالفوز.
واعتبر وزير الجيش يسرائيل كاتس، فوز ترامب انتصارا تاريخيا، فيما قال وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير: "حان وقت السيادة! حان وقت النصر المطلق! حان الوقت لتفعيل قانون الموت "للإرهابيين"! وجميع أنواع القوانين الأخرى التي ليس لدي أدنى شك في أن رئيس الولايات المتحدة سوف يتفق معها".
و"السيادة" تعبير يطلقه اليمين المتطرف للإشارة إلى ضم الضفة الغربية.
وفي بيان رحب فيه بفوز ترامب، قال إسرائيل جانز، رئيس "مجلس يشع"، المنظمة التي تمثل المستوطنين في الضفة الغربية "إن التهديد بإقامة دولة فلسطينية أصبح خارج الحسبان، هذه لحظة تاريخية وفرصة لحركة الاستيطان".
وتابع قائلًا: "مع انتخاب الرئيس ترامب، حان الوقت لتغيير الواقع في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) أيضًا، لضمان بقائها إلى الأبد جزءًا من إسرائيل وضمان أمن الدولة اليهودية".
وخلال فترته الرئاسية الأولى، كان لترامب سجل حافل من الدعم للاحتلال الإسرائيلي، واتخذ الإجراء الذي لم يسبق لرئيس أمريكي اتخاذه، وهو اعتبار القدس بغربيها وشرقيها عاصمة لإسرائيل عام 2017.
وفيما يلي نظرة على سياسات ترامب تجاه إسرائيل خلال فترة ولايته الرئاسية الأولى:
اتفاقيات التطبيع
خلال فترته الرئاسية السابقة، ارتفع عدد الدول العربية التي طبّعت العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل من دولتين إلى ست دول.
حيث أدت الاتفاقيات الجديدة مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، إلى توسيع القائمة التي كانت لعقود طويلة تقتصر فقط على مصر والأردن.
وخلال حملته الانتخابية، منح ترامب حيزًا مهما في خطاباته لاتفاقيات التطبيع بين تل أبيب ودول عربية للحديث عن إنجازاته وقدرته على إحلال السلام.
وكانت اتفاقيات التطبيع، والتي تسمى بـ"اتفاقيات إبراهيم"، بمثابة بداية لموجة أوسع نطاقاً، والتي كادت أن تشمل دول أخرى، لكن جهوده تعثرت عندما خسر انتخابات 2020، ومع عودته إلى البيت الأبيض، يسود الترقب بشأن إمكانية فتح طريق جديد أمام إسرائيل بواقع غير مستقر وفي ظل حرب غزة.
القدس ونقل السفارة
بعد توليه منصبه مباشرة، قضى ترامب على عقود من الدبلوماسية الحذرة للولايات المتحدة بشأن مدينة القدس.
وكانت إسرائيل قد أعلنت القدس الغربية عاصمة لها في عام 1949، عندما تم تقسيم المدينة وخضعت المنطقة الشرقية من المدينة لحكم الأردن حتى احتلالها عام 1967.
وفي السابق، كان موقف الولايات المتحدة ومعظم الدول قائمًا على أن وضع القدس يجب أن يتحدد من خلال المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية التي أعلنت عام 2000، أن "القدس الشرقية" عاصمة فلسطين، بموجب حل الدولتين القائم على حدود عام 1967.
وبعد أشهر من اعتبار ترامب القدس عاصمة موحدة لإسرائيل، نقلت الولايات المتحدة في 14 مايو/أيار 2018، سفارتها إليها، وذلك بعد تفعيل الرئيس الأمريكي ما يسمى بـ"تشريع سفارة القدس لعام 1995″، والذي كان يتم إرجاءُ تطبيقه كل 6 أشهر منذ ذلك الوقت، بسبب المخاوف من أنه قد يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.
ضم الجولان إلى إسرائيل
وفي عهد رئاسة ترامب الأولى، أصبحت الولايات المتحدة أول دولة في العالم تعترف بسلطة إسرائيل على مرتفعات الجولان المحتلة.
حيث وقع ترامب في 25 مارس/ آذار 2019، على إعلان رئاسي، اعتبر أن منطقة الجولان المحتل جزء من إسرائيل.
وكانت هذه الخطوة أيضًا بمثابة تراجع عن السياسة الأمريكية القديمة بشأن مرتفعات الجولان، التي استولت عليها إسرائيل من سوريا خلال حرب عام 1967.
ويأتي المرسوم في انتهاك لقراري مجلس الأمن الدولي رقم 497 و242 اللذين سبق للولايات المتحدة التصويت عليهما، وفي محاولة لشرعنة الاحتلال الإسرائيلي، كما جاء قبيل انتخابات الكنيست الإسرائيلي لعام 2019، واعتبره البعض بمثابة دعم و"هدية انتخابية" من ترامب لنتنياهو.
وتكريما لقرار ترامب، خططت الحكومة الإسرائيلية لبناء مستوطنة جديدة في الجولان تحمل اسمه "مرتفعات ترامب".
إلغاء تمويل الأونروا
في 31 أغسطس/ آب 2018، قطعت إدارة ترامب التمويل الأمريكي عن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا).
ويشكل التمويل الأمريكي للوكالة الأممية ثلث ميزانيتها السنوية البالغة 1.24 مليار دولار، وهو ما يؤثّر جذريًّا على حياة ملايين اللاجئين الفلسطينيين.
وسبق قرار ترامب، تخفيض الدعم السنوي الذي تقدمه الولايات المتحدة للوكالة من 365 مليون دولار إلى 125 مليونًا مطلع العام 2018، وخلال العام ذاته لم تقدم منها إلا 60 مليونًا فقط.
وقد أثار قرار ترامب استنكارًا واسع النطاق من جانب زعماء العالم. ووصفه البعض في ذلك الوقت بأن هدفه الضغط على الفلسطينيين للتخلي عن حق اللاجئين الفلسطينيين بموجب القانون الدولي في العودة إلى ممتلكاتهم التي سلبها الاحتلال الإسرائيلي عام 1948.
وكانت مجلة فورين بوليسي الأمريكية ذكرت في 3 أغسطس/أب 2018، أن إدارة ترامب بدعم من صهره ومستشاره جاريد كوشنر، وأعضاء في الكونغرس، يعملون على إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين من أجل وقف عمل الأونروا.
حيث نقلت عن مسؤولين أمريكيين وفلسطينيين، أن تلك المساعي كانت تهدف إلى "إزاحة هذه القضية عن الطاولة في أي مفاوضات محتملة".
إغلاق مكتب منظمة التحرير وطرد السفير
في 10 سبتمبر/أيلول 2018، أعلنت الولايات المتحدة أنها ستغلق مكاتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
وكانت منظمة التحرير وهي الممثل المعترف به دوليًا للشعب الفلسطيني، قد فتحت مكتبًا لها في العاصمة الأمريكية عام 1994.
الخارجية الأمريكية زعمت في ذلك الوقت أن "منظمة التحرير الفلسطينية لم تتخذ أي خطوة لدعم البدء في مفاوضات مباشرة وجادة مع إسرائيل".
لكن الخطوة الأمريكية كان سببها الرئيس إعلان السلطة الفلسطينية الدفع بمحكمة العدل الدولية إلى فتح تحقيق جنائي ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وفي 16 سبتمبر/أيلول 2018، قررت إدارة ترامب طرد السفير لديها، حسام زملط وعائلته.
قطع مساعدات عن السلطة الفلسطينية:
وفي أغسطس/ أب 2018، قررت الإدارة الأمريكية برئاسة ترامب، وقف كل المساعدات المقدمة للفلسطينيين.
وشمل ذلك القرار "المساعدات المباشرة للخزينة وغير المباشرة، التي تأتي لصالح مشاريع بنية تحتية ومشاريع تنموية".
حيث أصدر البيت الأبيض بيانًا، جاء فيه أن واشنطن أعادت توجيه أكثر من 200 مليون دولار كانت مخصصة لمساعدات اقتصادية للضفة الغربية وغزة، إلى مشاريع في أماكن أخرى حول العالم.
وحتى عام 2012، كان متوسط الدعم الأمريكي للموازنة للفلسطينيين بين 250 – 300 مليون دولار، وفق بيانات الميزانية الفلسطينية.
وقف تمويل المستشفيات بشرقي القدس
وفي 7 سبتمبر/أيلول 2018، أعلنت الخارجية الأمريكية عن حجبها 25 مليون دولار، كانت تقدمها كمساعدة للمستشفيات الفلسطينية في القدس المحتلة وعددها 6 مستشفيات.
وكانت المستشفيات العاملة في شرقي القدس، تقدم خدمات طبية للفلسطينيين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، علمًا أن الخدمات الطبية المتوفرة في مستشفيات القدس، غير متوفرة في الضفة الغربية وقطاع غزة مثل علاج الأورام والعيون.
ماذا عن موقف ترامب من ضم الضفة الغربية؟
في 15 أغسطس/أب 2022، كشفت صحيفة "جيروزاليم بوست"، عن رسالة سرية وجهها ترامب إلى نتنياهو، بشأن خطته للسلام تتضمن ضم أراضٍ فلسطينية في الضفة الغربية لإسرائيل.
وكانت الرسالة تحمل تاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2020، أشار فيها ترامب إلى أن إسرائيل "ستكون قادرة على بسط السيادة على أجزاء من الضفة الغربية، كما هو محدد في الخريطة المدرجة في خطة (صفقة القرن)، إذا وافق نتنياهو على دولة فلسطينية في الأراضي المتبقية على تلك الخريطة".
وأضاف ترامب في رسالته، بحسب الصحيفة: "ستعترف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على تلك المناطق من الضفة الغربية التي تتصور رؤيته أنها جزء من إسرائيل".
وفي تقدير موقف نشره "معهد أبحاث الأمن القومي" في جامعة تل أبيب، الأربعاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، يرى الباحثون الإسرائيليون أن "ثمة احتمال واضح أن تؤيد إدارة ترامب صيغة ما لحل الدولتين، وربما تشمل ضم منطقة واسعة في يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة) إلى إسرائيل.
ماذا سيفعل ترامب مع حرب غزة؟
طوال حملته الانتخابية، لم يحدد ترامب كيف سيتعامل مع حرب غزة إذا أعيد انتخابه، أو كيف ستختلف سياساته عن سياسات سلفه جو بايدن.
ورغم أنه أعلن عن دعمه المطلق لحق إسرائيل بالدفاع عن نفسها بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، لكنه دعا إلى إنهاء حرب غزة، وهو موقف من شأنه أن يتعارض مع العديد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية من اليمين المتطرف الذين يدعمون السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة.
وخلال خطاب النصر الذي ألقاه ترامب بعد فوزه بالانتخابات، قال الرئيس الأمريكي المنتخب: "لن أخوض حرباً، بل سأوقف الحروب".
وفي أبريل/ نيسان 2024، قال ترامب إن إسرائيل بحاجة إلى "إنهاء ما بدأته بسرعة"، مشيراً إلى أنها "تخسر حرب العلاقات العامة" بسبب الصور القادمة من غزة.
وفي 30 أكتوبر/تشرين الأول 2024، ذكرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" أن ترامب أبلغ نتنياهو رغبته في إنهاء حرب غزة في حال فوزه بالانتخابات المقبلة.
وتم نقل هذه الرسالة لأول مرة عندما استضاف ترامب، نتنياهو في منتجعه بفلوريدا في يوليو/تموز الماضي، وفقًا لمسؤول سابق في إدارة ترامب ومسؤول إسرائيلي.
وبحسب تقرير معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، فإن ترامب لم يوضح علنًا رؤيته لليوم التالي، كما أنه من غير المرجح أن يستخدم المساعدات العسكرية الأمريكية لكبح جماح إسرائيل.
لكن شيرا عفرون، المحللة في منتدى السياسة الإسرائيلية، وهي مجموعة بحثية مقرها نيويورك، تعتقد بأن حرب غزة قد انتهت، "ولم يبقَ فقط سوى مقاومة التمرد"، مشيرة إلى أن تل أبيب قد تقول "قررنا إنهاء الحرب، لكننا سنبقى هنا لمدة غير محددة، حتى نتمكن من تسليم القطاع إلى شريك موثوق به"، وهذا الأمر قد يكون مقبولاً بالنسبة لترامب، بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست".
وحول "إنهاء الحروب"، قالت المتحدثة باسم الحزب الجمهوري، إليزابيث بيبكو، وهي يهودية الأصل، لقناة 12 العبرية، إن مقصد ترامب هنا يتعلق بـ"الانتصار الحاسم فيها، بنسبة 100% أولاً".
لكن عندما طُلب منها أن تشرح كيف يمكن أن يأتي الفوز الحاسم بسرعة الآن بعد أن خاضت القوات الإسرائيلية حربًا شاقة في غزة لأكثر من عام، ألقت باللوم على إدارة بايدن في منع اتخاذ إجراء "حاسم".
ويبقى التساؤل مفتوحاً حول إمكانية الرئيس المنتخب الذي يعتبر الداعم القوي لإسرائيل، بإنهاء حرب غزة وتأثيره على الائتلاف الحكومي اليميني بقيادة نتنياهو.
ويقول ديفيد ماكوفسكي، وهو زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، وهو مركز أبحاث يتشاور مع كل من الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية: "من جانب نتنياهو، أعتقد أنه يأمل أن يكون لديه حرية أكبر مع ترامب بشأن غزة بشكل عام، وربما يشعر أن إدارة ترامب لن تضعه تحت الضغط".
لكن ماكوفسكي قال إن نتنياهو إذا كان يعتقد أنه خفف تماماً الضغوط من الولايات المتحدة بانتخاب ترامب، فإنه قد يواجه قريباً خيبة أمل، لاسيما أن الرئيس المنتخب يواجه تياراً يقدم "أمريكا أولاً" داخل الحزب الجمهوري، وهو يعارض التورط بالخارج ويحذر من الصراع مع إيران.
ويواجه ترامب معضلة تحقيق اختراق حقيقي في الشرق الأوسط، من خلال المضي باتفاقيات التطبيع، لكن السعوديون يربطون ذلك بإنهاء حرب غزة، كما يشير ماكوفسكي الذي يعتقد أن نتنياهو غير متأكد أيضاً بشأن علاقته بترامب كما يعتقد البعض.
ولقد اصطدم نتنياهو مع الرؤساء الديمقراطيين طوال حياته المهنية، وهو الأمر الذي يُعتقد أنه يلعب دورًا جيدًا في قاعدة ناخبيه. لكن هيليت باريل، المديرة السابقة في مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، قالت إن الصدام مع ترامب، الذي يحظى بشعبية بين الإسرائيليين، لن يحمل نفس الفوائد لرئيس الوزراء.
وقالت في مقابلة: "إن المناوشات مع ترامب أصعب بكثير بالنسبة لنتنياهو من تلك التي قد يخوضها مع إدارة ديمقراطية".