لم يدخر الاحتلال الإسرائيلي منذ بداية الحرب جهدًا في قصف غزة بمختلف أنواع الصواريخ، سواء الذكية الموجهة أو الغبية، حيث تُعطى الأولوية دائمًا للأشد فتكًا وتدميرًا، التي تستهدف أجساد الفلسطينيين بلا تمييز. ومع استمرار الدعم الأمريكي لسياسة الإبادة، يمضي الاحتلال في قصفه بلا حدود أو تفرقة بين المدنيين والمسلحين. وفي تطور خطير ولافت، بدأت طائرات الاحتلال مؤخرًا بإلقاء البراميل المتفجرة لأول مرة على الأحياء السكنية شمال قطاع غزة، وليس هذا الإجراء الوحيد الذي اتبعه الاحتلال للتحايل على نقصان الذخيرة، فقد عان في بداية حربه على غزة من نقص في الدبابات ما جعله يلجأ إلى الاستعانة بدبابات قديمة كان ينوي إبعادها عن الخدمة.
فما هي هذه البراميل المتفجرة؟ وما مدى خطورتها؟ ولماذا يلجأ الاحتلال إلى أسلحة بدائية أو قديمة في حربه على غزة الآن؟
ما هي البراميل المتفجرة؟
البراميل المتفجرة هي أسلحة بدائية الصنع شديدة الفتك وفي نفس الوقت أرخص من حيث التكلفة بكثير من القنابل الموجهة أو الذكية أو حتى القنابل القديمة التي ترمى من الطائرات، لكنها أقل دقة بكثير، وتعتبر عشوائية إلى حد كبير.
ولها سجل من الاستخدام ضد المدنيين في الحروب، حيث برزت بشكل خاص في سوريا بعد استخدامها من قبل النظام السوري ضد المدنيين.
تتكون البراميل المتفجرة عادة من قوالب معدنية أو إسمنتية تحمل مواد متفجرة، تحتوي على مروحة دفع وصاعق ميكانيكي لضمان تفجيرها عند الاصطدام.
وتُحشى هذه البراميل عادةً بـ 200 إلى 300 كيلوغرام من مادة "تي إن تي"، إلى جانب مواد نفطية لتعزيز قوة التفجير وإحداث حرائق مدمرة، كما تحتوي على مسامير أو قطع معدنية حادة وأجزاء من الخردة تُستخدم كشظايا قاتلة تطال البشر والمباني. ويمكن ملء البراميل المتفجرة – نظريا – بعوامل كيميائية أخرى أو حتى عوامل بيولوجية.
وهذه البراميل غير دقيقة وقد تحدث دماراً واسعاً قد يصل انفجارها لتشكيل دائرة نصف قطرها يصل إلى 250 متراً، مما يجعلها فتاكة للاستخدام في المناطق السكنية المكتظة، ويعني قرار استخدامها في مدينة ما، أن الجيش الذي يستخدمها يريد إحداث أكبر ضرر ممكن في المدينة، دون الالتفات إلى الخسائر في أرواح المدنيين.
متى تم استعمالها لأول مرة؟
يُعتقد أن البراميل المتفجرة قد تعود إلى الحقبة السوفيتية، حيث ارتبطت فكرة صناعتها بالقنابل من نوع FAB.
ووفقاً للخبير العسكري حاتم الفلاحي، في حديثه للجزيرة، كان جيش الاحتلال الإسرائيلي من أوائل الجيوش التي استخدمت البراميل المتفجرة، إذ ألقى في عام 1948 ثلاثة براميل على بلدة صفورية الفلسطينية في الجليل (شمالي فلسطين المحتلة) خلال النكبة، مما تسبب في تدمير كامل للبلدة ورعب كبير بين سكانها.
لاحقاً، ظهرت البراميل المتفجرة كأداة لتدمير الغابات خلال حرب فيتنام على يد القوات الأمريكية في عام 1968، ومن ثم عاد استخدامها بشكل واسع النطاق على يد النظام السوري خلال الثورة، حيث أسقط ما يزيد عن 82 ألف برميل بين عامي 2012 و2021، مما تسبب في تدمير شامل للعديد من المدن السورية، وذلك بعد أن أوشكت ذخيرته من القنابل التقليدية على النفاد.
ثم انتقل استعمالها إلى العراق عام 2014، حيث بدأت الحكومة العراقية إلقاء البراميل المتفجرة على الأحياء السكنية في المناطق الخارجة عن سيطرتها في محافظة الأنبار.
لماذا تلقي بها طائرات الاحتلال الآن في غزة؟
وخلال حرب الإبادة في غزة، يبدو أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يتبنى استراتيجية مشابهة لتلك التي استخدمها النظام السوري، بهدف تدمير الأحياء السكنية وإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر في صفوف المدنيين والبنية التحتية.
فقد أشار بعض المحللين إلى أن الجيش الإسرائيلي سبق أن استخدم براميل متفجرة بوضعها داخل أحياء سكنية وتفجيرها عن بُعد، إلا أن المرة الحالية شهدت إلقاء البراميل المتفجرة من الجو مباشرة على الأحياء السكنية شمال قطاع غزة، يشير إلى تطور خطير.
إذ يتزامن استخدام البراميل المتفجرة مع اجتياح جيش الاحتلال الإسرائيلي لمخيم جباليا منذ ثلاثة أسابيع، وسط حصار خانق ومنعٍ لدخول المواد الغذائية والمساعدات. وبحسب تحليل بعض المراقبين، فإن الهدف من هذا التصعيد يتمثل في إجبار السكان على النزوح، في ظل إصرار الاحتلال على إفراغ المنطقة ضمن خطة غير معلنة.
ومن زاوية أخرى، أفادت وسائل إعلام إسرائيلية أن جيش الاحتلال أصبح يقيد استخدام الذخائر الثقيلة، وقد ذكرت صحيفة "هآرتس" بالتحديد أن جيش الاحتلال بات يفرض موافقة كبار القادة العسكريين على استخدام القذائف ووسائل القتال الأخرى بسبب تراجع مخزون الذخيرة، وهو ما أكدته أيضًا صحيفة "فايننشال تايمز" بقولها إن إسرائيل تواجه نقصًا حادًا في الصواريخ الاعتراضية.
وذكرت دانا سترول، المسؤولة السابقة عن ملف الشرق الأوسط في وزارة الدفاع الأمريكية، أن الولايات المتحدة لا تستطيع الاستمرار في تزويد كل من أوكرانيا وإسرائيل بالمعدلات ذاتها، مما يزيد من احتمال أزمة ذخيرة.
وبناءً على ذلك، يرى بعض المحللين أن الاحتلال الإسرائيلي ربما لجأ إلى استخدام البراميل المتفجرة كخيار أقل تكلفة لتعويض النقص في الذخائر الأخرى، بالإضافة إلى كونها أسهل في الاستخدام، إذ توفر الوقت والجهد في حرب إبادته، مما يسمح له بإزالة مناطق سكنية بالكامل على طول مسارات تقدمه العسكري، ليتمكن من السيطرة على الأرض بشكل أسرع.
بالإضافة لذلك، يبدو أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تسعى من خلال هذه العمليات إلى "كي الوعي" الفلسطيني وإضعاف الحاضنة الشعبية للمقاومة.
فالبراميل المتفجرة، إلى جانب تكلفتها المنخفضة مقارنة بالذخائر التقليدية، تملك طاقة تدميرية هائلة وتوفر للجيش الاحتلال، تغطية من أي أخطار بشرية أو إنشائية قد تعيق تقدمه من خلال خطر القتال التصادمي الذي تتجنبه القوات العسكرية، والذي قد يوقعه في اشتباك حاسم ودام قد يسبب له خسائر كبيرة.
بالتالي يتمكن الاحتلال من خلال البراميل المتفجرة من إحداث دمار واسع وإجبار السكان على النزوح الجماعي، وبالتالي تحقيق مكاسب عسكرية بأقل تكلفة.
العودة للقديم.. إعادة استخدام الدبابات القديمة بعد تدمير الجديدة في الحرب؟
نقص بعض الأسلحة لدى جيش الاحتلال ليس بجديد، فقبل شن الاحتلال الحرب على لبنان، نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوليو/تموز الماضي خبرا مفاده أن جيش الاحتلال اعترف لأول مرة منذ بداية الحرب بفقدانه للعديد من الدبابات، بسبب تضررها بنيران المقاومة في القطاع.
وقد أضافت الصحيفة حينها أنه بسبب النقص في عدد الدبابات ونقص المدربين بسبب إصابتهم أو مقتلهم في الحرب، فقد أجّل الجيش تجربة دمج المجندات في تشكيل المدرعات.
بينما قالت صحيفة هآرتس، أن العدد الحالي من الدبابات لدى جيش الاحتلال لا يلبي احتياجات المجهود الحربي.
وأشارت عدة تقارير، إلى قيام إسرائيل بالدفع بآليات قديمة الطراز خلال غزوها البري لقطاع غزة، منها مدرعات "إم-113" بدلا من مدرعة "النمر" الحديثة، ودبابات "ميركافا 3" بدلا من الطراز الأحدث "ميركافا 4".
بينما قد ذكرت "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية في بداية الحرب، أن جيش الاحتلال قد قرر إنشاء كتيبة مدرعة جديدة من الاحتياط تضم دبابات "ميركافا 3" من النماذج القديمة التي كان مقررًا التخلص منها، وذلك بسبب النقص في المدرعات جراء الضغط الميداني على الجيش نتيجة تعدد جبهات القتال.
بالإضافة لذلك، أوقف الاحتلال تصدير مئات الدبابات القتالية من طراز ميركافا القديمة إلى الجيوش الأجنبية، بما في ذلك أوروبا، بسبب استمرار حربه في غزة ولبنان وحاجته إليها، إذ يعتبر الاحتلال سلاح الدبابات من أهم الأسلحة الحربية في المواجهات البرية الذي يضمن بها تحقيق الأفضلية في حروبه.
فمنذ إعلانه عن التوغل البري داخل قطاع غزة، تكبد الجيش الإسرائيلي خسائر فادحة في الدبابات والمعدات والجنود، ورغم محاولة جيش الاحتلال التغطية على خسائره، (مثلما يفعل مع خسائره البشرية التي أظهرت تقارير إعلامية إسرائيلية أنها أكبر بكثير من المعلن)، كشفت صور وفيديوهات وبيانات كتائب عز الدين القسام تعرض المدرعات الإسرائيلية لخسائر كبيرة بما فيها دبابات ميركافا 4، فقد أعلنت المقاومة الفلسطينية، تدمير أكثر من 1500 آلية عسكرية إسرائيلية -كليا أو جزئيا- منذ بداية الحرب على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.