منذ اندلاع المواجهات بين المقاومة الفلسطينية وحلفائها من جهة، والاحتلال الإسرائيلي من جهة أخرى في 7 أكتوبر 2023، سيطر القلق على أسواق النفط العالمية خشية تصعيد الأوضاع إلى حرب إقليمية واسعة تشمل مواجهة مباشرة بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وإيران، التي تُعد سابع أكبر منتج للنفط الخام في العالم.
وحتى وقت قريب، بدا أن كلا الطرفين حريصين على تجنب الحرب الشاملة. وهذا يفسر لماذا أفسح التوتر الأولي في أسواق النفط بعد السابع من أكتوبر من العام الماضي المجال للأسعار المنخفضة والمستقرة، أن تسود لمعظم الوقت من هذا العام، على الرغم من الحرب في غزة وإطلاق الحوثيين للصواريخ في البحر الأحمر، كما يقول تقرير لمجلة Economist البريطانية
أطلقت إيران في الأول من أكتوبر 2024 نحو 200 صاروخ على "إسرائيل" رداً على قصف إسرائيل لحزب الله ووكلاء إيرانيين آخرين، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، والأمين العام لحزب الله حسن نصر الله. والآن ينتظر العالم بفارغ الصبر رد "إسرائيل"، وتشعر أسواق النفط بالتوتر الكبير إذا ما استهدفت تل أبيب مصافي النفط الإيرانية.
تعتبر إيران، وهي عضو في منظمة أوبك، لاعبًا رئيسيًا في سوق النفط العالمي، وأي هجوم إسرائيلي يعطل صادرات طهران من النفط البالغة 1.7 مليون برميل يوميًا من شأنه أن يكون له تداعيات على أسواق الطاقة العالمية، في حين أن أي رد انتقامي إيراني يستهدف المصدرين المنافسين للنفط في الشرق الأوسط من شأنه أن يسبب المزيد من الاضطرابات، بحسب صحيفة "فايننشال تايمز".
كيف سيؤدي تدحرج الحرب بين إيران و"إسرائيل" لارتفاع أسعار النفط؟
- في الأسبوع الماضي ارتفعت أسعار النفط الخام بنسبة 10%، إلى 78 دولارا للبرميل، وهو أكبر مكسب أسبوعي لها منذ ما يقرب من عامين، وفي السابع من أكتوبر/تشرين الأول ارتفعت مرة أخرى، قبل أن تتراجع. وعندما اندلعت آخر حرب شملت دولة نفطية كبرى، بين روسيا وأوكرانيا في عام 2022، تجاوزت أسعار الخام 100 دولار للبرميل. فهل يمكن أن يحدث هذا مرة أخرى بسبب الصراع في الشرق الأوسط؟
- تقول "الإيكونومست"، إنه لكي نفهم إلى أي مدى قد ترتفع أسعار النفط، فلننظر أولاً إلى خيارات "إسرائيل" للرد: إذا ما اقتصرت الضربة على الأهداف العسكرية، مثل مواقع إطلاق الصواريخ، وابتلعت إيران الضربة في محاولة لنزع فتيل الموقف، فإن بعض المزايا الجيوسياسية التي تدعم أسعار النفط سوف تتبخر. لكن "إسرائيل" قد تختار التصعيد بقصف البنية الأساسية المدنية الإيرانية، أو منشآت النفط والغاز، أو مواقع التخصيب النووي كما تتحدث التقارير العبرية.
- أياً كان الخيار الذي ستختاره "إسرائيل"، فإن إيران قد تشعر بأنها مضطرة إلى الرد بقوة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى دورة تنتهي بتحويل المجمع الصناعي النفطي الإيراني، شريان الحياة بالنسبة للنظام، إلى هدف. وعلى هذا فإن الأصول النفطية لن تحتاج إلى التعرض للقصف أولاً حتى تصاب الأسواق العالمية بالقلق.
ماذا سيحصل إذا تم استهداف مصافي النفط الإيرانية؟
- إذا هاجمت "إسرائيل" منشآت النفط الإيرانية، فقد تستهدف الأصول التي تحول النفط الخام الإيراني إلى منتجات بترولية. ومن بين الخيارات المحتملة مصفاة عبادان التي يبلغ عمرها قرناً من الزمان، والتي تزود السوق المحلية بنحو 13% من إمداداتها من البنزين. وتقدر شركة كبلر للبيانات أن إيران قد تعوض بعض النقص في الوقود عن طريق تهريب المزيد من البراميل من كردستان العراق. وسوف يظل الألم محلياً؛ بل إن مثل هذه الضربات قد تعزز حتى إمدادات النفط الخام العالمية لأنها قد تتيح المزيد من النفط الإيراني غير المكرر للتصدير، كما تقول "الإيكونومست".
- لكن إذا أرادت "إسرائيل" توجيه ضربة قاسية لصادرات إيران من الطاقة، فربما ستهاجم محطات النفط في جزيرة خرج في الخليج – والتي يتم شحن تسعة أعشار جميع براميل النفط الخام الإيراني منها – أو حتى حقول النفط نفسها.
- تقول المجلة البريطانية، إن ذلك سيأتي ذلك بتكلفة دبلوماسية، ستشعر إدارة بايدن بالانزعاج من خطر ارتفاع أسعار البنزين قبل أقل من شهر من الانتخابات الرئاسية الأمريكية. كما ستكون الصين، وجهة جميع صادرات النفط الإيرانية تقريبًا، غاضبة أيضًا. وهذا مهم: تدير الصين ميناء حيفا، وهو الأكبر في "إسرائيل"، وهي مستثمر كبير في قطاع التكنولوجيا في البلاد.
- ولكن "إسرائيل" قد ترى أن التكلفة تستحق أن تتحملها، فتختار ضرب المحطات. ذلك أن الضربة الناجحة من شأنها أن تحرم الأسواق العالمية من كميات كبيرة من النفط: ففي الشهر الماضي، صدرت إيران مليوني برميل يومياً، وهو ما يعادل نحو 2% من الإمدادات العالمية.
كيف سيؤثر ذلك على تحالف أوبك بلس؟
- حتى في هذه الحالة، ربما كان من الممكن احتواء التداعيات العالمية. فعلى النقيض من الوضع بعد غزو روسيا لأوكرانيا، عندما كان العالم يضخ النفط بكامل طاقته وكان الطلب يتعافى بعد الجائحة، فإن العرض اليوم وفير والطلب بطيء. وبعد سلسلة من تخفيضات الإنتاج، تمتلك منظمة البلدان المصدرة للبترول وحلفاؤها، المعروفون مجتمعين باسم أوبك +، أكثر من 5 ملايين برميل يوميا من الطاقة الاحتياطية ــ وهو ما يزيد على ما يكفي لتعويض خسارة الخام الإيراني. وتمتلك المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وحدهما أكثر من 4 ملايين برميل يوميا من الاحتياطي.
- لكن من غير المرجح أن ينتظروا طويلا قبل زيادة الإنتاج. فقد كان أعضاء أوبك بلس، الغاضبون من تراجع حصتهم في السوق في الأشهر الأخيرة، ينتظرون مثل هذه الفرصة بالذات لفك تخفيضاتهم. وفي الأسبوع الماضي أكدوا خططهم لرفع الإنتاج بمقدار 180 ألف برميل يوميا كل شهر لمدة عام، بدءا من ديسمبر/كانون الأول. والواقع أن الانضباط يتآكل في التحالف ــ فقد تجاوزت العراق وكازاخستان حدود العرض لعدة أشهر ــ وهو ما قد يدفع أعضاء آخرين، وليس أقلهم المملكة العربية السعودية، إلى استعادة إنتاجهم المحدود بشكل أسرع. ويبدو السعوديون عازمون على عدم التنازل عن المزيد من الحصص لدرجة أنهم تراجعوا عن هدفهم المتمثل في إعادة النفط إلى 100 دولار للبرميل، وهو المستوى المطلوب لموازنة دفاتر المملكة مع شروعها في سلسلة من المشاريع الضخمة.
- الواقع أن الإنتاج يتزايد في أميركا وكندا وغويانا والبرازيل وأماكن أخرى. وتتوقع وكالة الطاقة الدولية أن ينمو الإنتاج من خارج أوبك بنحو 1.5 مليون برميل يوميا في العام المقبل، وهو ما يزيد على ما يكفي لتغطية أي ارتفاع في الطلب العالمي. لذا فإن الضربة على جزيرة خرج من شأنها بلا شك أن تهز الأسواق. ولكن الأسعار ربما تستقر عند مستوى 5 إلى 10 دولارات فقط فوق مستوياتها الحالية.
ما السيناريوهات الأخطر؟
- قد تصبح الأمور "أكثر جنونا" إذا شنت إيران أو حلفاءها هجوما على دول أخرى في الخليج ترى أنها تدعم "إسرائيل". ففي السنوات الأخيرة، كانت العلاقات بين إيران وجيرانها مستقرة: فقد أعادت البلاد رسميا الاتصال الدبلوماسي مع المملكة العربية السعودية في عام 2023. وفي الأيام الأخيرة، التقى مسؤولون من دول الخليج العربية بنظرائهم الإيرانيين في الدوحة، العاصمة القطرية، لمحاولة طمأنتهم على حيادهم. ومع ذلك، وفي ظل قلة الخيارات المتاحة، قد تسعى إيران إلى استهداف حقول النفط الخليجية لدول مثل الإمارات والسعودية، وقد هددت جماعات عراقية مسلحة مدعومة من إيران باستهداف منشآت نفطية للدول المطبعة مع "إسرائيل" بالطائرات المسيرة.
- أما الأداة الأخرى التي قد تستخدمها إيران لخلق الفوضى في الأسواق العالمية هي إغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره 30% من النفط الخام المنقول بحراً في العالم و20% من الغاز الطبيعي المسال. وهذا من شأنه أن يرقى إلى الانتحار الاقتصادي، لأنه سيجعل إيران غير قادرة على شحن أي نفط أو صادرات أخرى فحسب، بل وأيضاً على نقل العديد من الواردات. وربما من شأن هذا أن يزعج الصين إلى حد كبير، التي تحصل على نحو نصف نفطها الخام من دول الخليج.
- من الصعب تخمين كيفية استجابة السوق لمثل هذه السيناريوهات، فعلى سبيل المثال من المحتمل أن ترسل أميركا والصين قواتهما البحرية لإعادة فتح مضيق هرمز. ومع ذلك، بافتراض أن الاضطرابات كبيرة بما يكفي للتسبب في نقص في النفط الخام يستمر لفترة من الوقت، فإن أسعار النفط من المحتمل أن ترتفع إلى النقطة التي تكبح فيها شهية النفط، وبعد ذلك تبدأ في الانخفاض. ويعتقد المحللون أن مثل هذا "التدمير للطلب" سيحدث بمجرد أن يصل سعر النفط الخام إلى 130 دولارًا للبرميل – وهو المستوى الذي بلغه تقريبًا في عام 2022.
- لقد أربك الصراع المستمر منذ عام واحد في الشرق الأوسط العديد من التوقعات. ولكن لكي تصل أسعار النفط إلى أرقام ثلاثية مرة أخرى، فلا يزال يتعين على الكثير من الأمور أن تسير على نحو خطير للغاية.