منذ أن شنت إيران هجوماً كبيراً بالصواريخ الباليستية استهدف مواقع إسرائيلية قبل عدة أيام رداً على اغتيال إسماعيل هنية وحسن نصرالله والحديث لا يتوقف عن رد إسرائيلي محتمل وطبيعة هذا الرد والأهداف الإيرانية المحتملة، والتي قد تشمل منشآت نفطية واغتيالات سرية، والأهم من ذلك ضرب المنشآت النووية الإيرانية، بحسب العديد من التقارير الغربية.
انشغال العالم باحتمالية توجيه ضربة إسرائيلية للنووي الإيراني، وصل إلى حد توجيه سؤال للرئيس الأمريكي جو بايدن عما إذا كان يؤيد توجيه ضربة إسرائيلية إلى المنشآت النووية الإيرانية، فأجاب بشكل لا لبس فيه: "الجواب هو لا".
الرفض الأمريكي القاطع بعدم استهداف المنشآت النووية الإيرانية يصعب مهمة إسرائيل وقد يجعلها مستحيلة إذا التزمت أمريكا فعلياً بهذا الموقف المعلن من قبل بايدن.. فلماذا إذن من الصعب على إسرائيل استهداف منشآت إيران النووية؟
تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، الجمعة، 4 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أشار إلى أنه بدون دعم الولايات المتحدة، فإن الضربة الجوية الإسرائيلية المنفردة على المنشآت النووية الإيرانية ستكون محفوفة بالمخاطر، وفي أفضل الأحوال لن تؤدي إلا إلى تأخير برنامجها بدلاً من تدميره، وفقاً لمحللين.
وهو ما يتطابق كذلك مع ما ذكره إيهود باراك من أن قصف المنشآت النووية الإيرانية لن يعرقل البرنامج النووي الإيراني بشكل كبير.
ويمكننا أن نرصد في النقاط التالية أبرز الصعوبات التي قد تواجهها إسرائيل في حال اختارت توجيه ضربة لمنشآت نووية إيرانية.
لماذا ستكون العملية الإسرائيلية صعبة؟
رصد تقرير فايننشال تايمز ثلاثة أسباب تصعب من مهمة القوات الإسرائيلية نجملها فيما يلي:
- المسافة: تبعد إسرائيل عن القواعد النووية الرئيسية الإيرانية أكثر من 1600 كيلومتر، وللوصول إليها، يتعين على الطائرات الإسرائيلية عبور المجال الجوي السيادي للسعودية والأردن والعراق وسوريا وربما تركيا.
- الوقود: وفقاً لتقرير صادر عن دائرة أبحاث الكونغرس، فإن الطيران إلى الأهداف والعودة من شأنه أن يستنزف كل قدرة إسرائيل على التزود بالوقود جوًّا ولا يترك مجالاً للخطأ.
- الدفاع الجوي الإيراني: تخضع المواقع النووية الرئيسية في البلاد لحراسة مشددة، وسوف تحتاج القاذفات الإسرائيلية إلى الحماية بواسطة طائرات مقاتلة.
ووفقاً لتقرير مركز أبحاث الكونغرس، فإن هذا يتطلب حزمة من الضربات التي يتطلب القيام بها نحو 100 طائرة، وهو ما يعادل ثُلث الطائرات القادرة على القيام بعمليات قتالية، والتي تمتلكها القوات الجوية الإسرائيلية والتي يبلغ عددها 340 طائرة.
إلى أي مدى تحظى المنشآت النووية الإيرانية بالحماية الكافية؟
- إن تدمير المنشأتين النوويتين الرئيسيتين في إيران سوف يشكل التحدي الأكبر الذي تواجهه إسرائيل، بحسب فايننشال تايمز.
- يقع مصنع تخصيب الوقود الضخم في نطنز، الذي تحيطه جبال زاغروس من الغرب، على عمق كبير تحت الأرض، لدرجة أن بعض القنابل الخارقة للتحصينات الأكثر تطوراً في العالم قد تكافح من أجل الوصول إليه، بحسب صحيفة التايمز البريطانية.
- في حين أن ثاني أكبر مصنع في فوردو محفور في جبل. وسوف يتطلب تدمير هاتين المنشأتين أسلحة قادرة على اختراق عشرات الأمتار من الصخور والخرسانة المسلحة قبل أن تنفجر.
- ويعتقد أن منشأة تخصيب اليورانيوم الأساسية في نطنز تتكون من ثلاثة مبانٍ تحت الأرض، اثنان منها مصممان لحمل 50 ألف جهاز طرد مركزي، وفقاً لمبادرة التهديد النووي، وهي منظمة أمنية غير ربحية.
- وتوجد ستة مبانٍ أخرى فوق الأرض، ويتكون اثنان منها من قاعات يبلغ طولها 2.5 كيلومتر تستخدم لتجميع أجهزة الطرد المركزي للغاز. وتتمتع المنشأة بحماية بطاريات مضادة للطائرات وسياج محيطي وقوات الحرس الثوري الإيراني.
- وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللها مركز جينز لتحليل صور الأقمار الصناعية على مدى أربعة أشهر هذا العام أن أعمال البناء في الموقع استمرت، مع زيادة كومتين من التراب عند مدخلي النفق الغربي والشرقي.
- واستناداً إلى حجم مواد الحفر العام الماضي، فإن إيران ربما تقوم ببناء منشأة على عمق يتراوح بين 80 و100 متر.
ما هي القنابل المطلوبة لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية؟
- بينما تمتلك إسرائيل قنابل خارقة للتحصينات، مثل قنابل جي بي يو 31 التي يبلغ وزنها 2000 رطل، والتي ألقتها القوات الجوية الإسرائيلية الأسبوع الماضي على أربعة مبانٍ في بيروت لقتل حسن نصر الله، إلا أن التقارير الإسرائيلية أشارت إلى أن 80 قنبلة استخدمت في تلك الضربة، ومن غير المرجح أن يؤدي وابل مماثل الحجم إلى تدمير المنشآت النووية الإيرانية الأكثر حماية.
- ويقول المحللون إن هناك سلاحاً تقليدياً واحداً فقط قادر على القيام بهذه المهمة وهو القنبلة العملاقة الموجهة بدقة جي بي يو 57. ويبلغ طول هذه القنبلة العملاقة الموجهة بدقة نحو 6 أمتار، وتزن 30 ألف رطل، ويمكنها أن تخترق 60 متراً من الأرض قبل أن تنفجر، وفقاً للجيش الأمريكي.
هل طوَّرت إسرائيل قنابلها الخارقة للدروع الخاصة بها؟
- من غير الواضح ما إذا كانت إسرائيل تمتلك مثل هذه القدرات. وقد اقترح بعض صنَّاع السياسات الأمريكيين السابقين مرارًا وتكرارًا أن واشنطن لابد أن تزودها بهذه القنابل.
- ولكن إيهود إيلام، الباحث السابق في وزارة الدفاع الإسرائيلية، قال إنه حتى لو تمكنت إسرائيل من الحصول على القنبلة الخارقة للدروع، فإن "طائراتها المقاتلة من طراز إف-15 وإف-16 وإف-35 لن تتمكن من حملها".
- وعلاوةً على ذلك، قال إيلام إنه "لا توجد فرصة" لأن تتمكن إسرائيل من شراء قاذفة أمريكية استراتيجية، مثل B-2 سبيريت، اللازمة لإسقاط مثل هذه القنبلة.
- ولكن حتى القنبلة GBU-57 قد لا تكون كافية لتدمير المنشآت النووية. فقد أشارت دراسة أجراها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وهو مؤسسة بحثية أمريكية، في عام 2010 إلى أن بعض الخبراء يعتقدون أن الأسلحة النووية هي "الأسلحة الوحيدة القادرة على تدمير الأهداف في أعماق الأرض أو في الأنفاق".
- ومن الناحية النظرية، يمكن لإسرائيل بدلاً من ذلك استخدام واحدة من طائرات النقل C-130J هيركوليز لإسقاط قنبلة خارقة للدروع من أبواب الشحن، وهي عملية معقدة تعرف باسم "إسقاط المنحدَر". ولكن القنبلة الخارقة للدروع ليست مُصمَّمة لهذا النوع من الإسقاط.
هل هناك بدائل لإسرائيل؟
- يمكن للطائرات الإسرائيلية تعطيل المواقع النووية بقصف مداخل الهواء والبنية الأساسية الداعمة الأخرى. قد يؤدي هذا إلى تعطيل الدرجة العالية من الدقة التي تحتاجها أجهزة الطرد المركزي المستخدمة لتخصيب اليورانيوم للعمل بشكل صحيح، على الرغم من أنها لن تُدمِّرها.
- التخريب هو الاحتمال الأخير. في عام 2021، ضرب انقطاع التيار الكهربائي، الناجم على ما يبدو عن انفجار مخطط له، نظام الطاقة الداخلي في نطنز الذي يزوِّد أجهزة الطرد المركزي تحت الأرض.
- وفي عام 2010، يُزعم أن الولايات المتحدة وإسرائيل أوقفتا أيضًا البرنامج النووي الإيراني بفيروس الكمبيوتر ستوكسنت. لكن مثل هذه الهجمات لم تنجح في إيقاف عمله إلى أجل بعيد.
في نهاية المطاف، فإن حجم القوة المطلوبة لإلحاق أضرار جسيمة بالمنشآت الرئيسية في إيران "سيتطلب دعماً أمريكياً واسع النطاق، إن لم يكن مشاركة مباشرة"، حسبما ذكر المحللان يول داريا دولزيكوفا وماتيو سافيل من معهد رويال يونايتد للخدمات في ورقة بحثية حديثة.
وتابعا: حتى هذا "لن يضمن التدمير الكامل".
وهي النتيجة التي خلصت إليها أيضًا صحيفة التايمز التي قالت إن إسرائيل، التي تُعتبر واحدة من القوى العسكرية الأكثر قوة وتقدماً من الناحية التكنولوجية في العالم، سوف تجد صعوبة في تدمير المواقع النووية الإيرانية بالأسلحة التقليدية التي تمتلكها في ترسانتها.
وقال ماثيو سافيل، مدير العلوم العسكرية في المعهد الملكي للخدمات المتحدة: "ربما لا تستطيع إسرائيل تدمير البرنامج ولكنها قادرة على إحداث الكثير من الضرر وإعادته إلى الوراء بضع سنوات".
وأضاف أن "المشكلة الرئيسية هي أن منشأتي التخصيب المدفونتين في أعمق مكانين يقعان تحت الجبال وربما يحتاجان إلى قنابل أمريكية ضخمة لا يستطيع أحد استخدامها سواهما".