هاجمت طائرات إسرائيلية البنية التحتية المدنية الحيوية في ميناء الحديدة في اليمن يوم السبت 20 يونيو/تموز 2024 ٬ وذلك بعدما هاجمت طائرة بدون طيار تابعة لجماعة "أنصار الله" الحوثيين وسط تل أبيب الجمعة، بحسب منظمة مواطنة، وهي منظمة يمنية مستقلة رائدة في مجال حقوق الإنسان. فيما زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه ضرب "أهدافا عسكرية"، لكن "مواطنة" أفادت بأن الضربات ألحقت أضرارا جسيمة بالمنشآت النفطية وخزانات الوقود ورصيف الميناء والرافعات، وهي كلها ضرورية لتزويد السكان المدنيين في شمال اليمن بالوقود والغذاء الذي يحتاجون إليه بشدة.
وقالت المنظمة أيضاً إن الضربات أدت إلى تدمير محطة الطاقة المركزية التي توفر الطاقة للمدينة بأكملها. وتقول السلطات المحلية التابعة للحوثيين٬ إن الضربات قتلت ثلاثة أشخاص على الأقل وأصابت 87. وعلق الباحث في الشؤون اليمنية نك برومفيلد على اختيار الإسرائيليين للأهداف هذه بالقول: "لم يكن الهجوم الإسرائيلي على مستودع النفط في الحديدة بسبب قيام الحوثيين بإخفاء الأسلحة في البنية التحتية المدنية. أفضل ما أستطيع أن أقول، أن هذا هو استهداف إسرائيل المتعمد للبنية التحتية المدنية الحيوية للمدينة في حد ذاتها".
إسرائيل تحاول عقاب اليمن وضرباتها تخدم مصالح الحوثيين فقط
يقول موقع responsible statecraft الأمريكي المتخصص في الشؤون الجيوسياسية٬ إن الحكومة الإسرائيلية استخدمت في اليمن نفس التكتيكات التي استخدمتها لتحقيق نتائج مدمرة وعقابية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023.
ويمثل الرد الإسرائيلي تصعيداً كبيراً وغير مسبوق ضد الحوثيين، الذين أطلقوا طائرات بدون طيار وصواريخ على أهداف إسرائيلية -لم تحدث أثراً كبيراً- منذ بعد بدء الحرب على غزة. لكن تلك الهجمات خلفت خسائر مادية فادحة: فقد أصبح ميناء إيلات الإسرائيلي مفلساً الآن بعد إعادة توجيه كل سفن الشحن إلى أماكن أخرى، بعيداً عن البحر الأحمر الذي حاصره الحوثيين وهاجموا فيه عدداً من السفن الإسرائيلية أو تلك التي كانت تتجه نحو إسرائيل٬ رداً على الحرب المدمرة في قطاع غزة.
وأنفقت البحرية الأمريكية وحدها أكثر من مليار دولار من الموارد لاعتراض أسلحة الحوثيين الأقل تكلفة بكثير في البحر الأحمر.
وكما كانت الحال مع حملة القصف الأمريكية البريطانية غير الفعّالة ضد الحوثيين والتي بدأت في يناير/كانون الثاني الماضي، فإن هذه الضربات الإسرائيلية تخدم مصالح الحوثيين، الجماعة المسلحة المدعومة من إيران٬ والحركة السياسية التي كانت تشكل الحكومة الفعلية في شمال اليمن على مدى السنوات العشر الماضية٬ كما يقول الموقع الأمريكي.
ويضيف موقع "responsible statecraft" أن الصراع المباشر مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل يشكل في الواقع دفعة قوية للمكانة السياسية المحلية للحوثيين، كما أن معارضتهم للحرب في غزة أدت إلى رفع مكانتهم الدولية.
وتقول الصحافية الأمريكية إيونا كريج على قناة "بلو سكاي" أن الضربات الإسرائيلية هي بمثابة هدية للحوثيين: "بالنسبة لمجموعة يعتمد وجودها وتطورها وتوسعها على الحرب، فإنهم يحصلون على كل ما يحتاجون إليه".
الضربات الإسرائيلية ستؤدي لمزيد من التصعيد الحوثي ضد تل أبيب
وبالإضافة إلى كونها رداً غير متناسب على هجوم طائرة بدون طيار، يبدو من المؤكد أن الضربات على ميناء الحديدة ستستفز الحوثيين لشن المزيد من الهجمات الأعنف على إسرائيل. وكانت الحديدة هدفاً متكرراً لغارات جوية للتحالف السعودي قبل سريان هدنة 2022، لكن هذا لم يفعل شيئاً لوقف هجمات الحوثيين على أهداف سعودية وإماراتية. وبعد أكثر من تسع سنوات من قصف الحكومات الأجنبية للمدن اليمنية، يجب أن يكون من الواضح أن هذا لا يحقق أي شيء سوى إلحاق البؤس والموت بالمدنيين اليمنيين فقط.
وبحسب صحيفة هآرتس، فإن الجيش الإسرائيلي يدرك أن ضرب اليمن من غير المرجح أن يردع الحوثيين عن إطلاق المزيد من الطائرات بدون طيار والصواريخ. ولن يؤدي التصعيد ضد الحوثيين إلى زيادة أمن إسرائيل، لكنه سيزيد من استنزاف موارد إسرائيل مع اقتراب المنطقة من حرب أوسع نطاقاً.
وطالما استمرت الولايات المتحدة في دعم حرب إسرائيل في غزة وشن حملتها العسكرية الخاصة في اليمن، فإن الولايات المتحدة معرضة لخطر كبير بالتورط بشكل أكبر في تلك الحرب الإقليمية.
تقول الصحفية إيونا كريج إن "الشعب الذي سيعاني أكثر من غيره من جراء الضربات الإسرائيلية هو دائماً الشعب اليمني٬ الذي عانى بالفعل من عقد من الحرب والحرمان". وأضافت: "بينما تساعد هذه الضربات الحوثيين وتقوي شوكتهم، فإن الضرر الوحيد الذي تسببه هو للشعب اليمني من خلال استهداف ميناء يعتبر نقطة الدخول الرئيسية للغذاء في بلد يستورد أكثر من 70٪ من إمداداته الغذائية و90٪ من قمحه".
المزيد من المبررات لهجمات الحوثيين على خطوط الشحن البحري
في الواقع، امتنعت الولايات المتحدة عن استهداف الميناء في حملتها الجوية بسبب مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الأزمة الإنسانية المستمرة في البلاد. لذلك فإن الضربات الإسرائيلية في اليمن ستجعل من الصعب على إدارة بايدن التظاهر بأن هجمات الحوثيين على الشحن التجاري في البحر الأحمر لا علاقة لها بالحرب في غزة.
وتريد الإدارة الأمريكية إبقاء هذه الصراعات في "صناديق منفصلة" للحفاظ على الوهم بأنها "منعت الحرب في غزة من زعزعة استقرار المنطقة"، لكن من الواضح أن كل هذه الصراعات مترابطة٬ ولن يفيد أحداً تجاهل هذا الواقع وما تفعله حكومة نتنياهو.
وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن ترى نهاية للهجمات الحوثية على السفن وتلك الموجهة إلى إسرائيل، فيتعين عليها أن تضغط نحو التهدئة، وأن تمارس ضغوطا حقيقية على الحكومة الإسرائيلية لإنهاء حملتها العسكرية المدمرة في غزة. حيث أن الحرب في غزة هي المحرك الرئيسي لكل هذه الصراعات الأخرى مثل لبنان أيضاً، ولن يتم حل أي منها بنجاح حتى يتم التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار وإنهاء الحصار الذي يخنق الشعب الفلسطيني هناك منذ 17 عاماً.
ويرى الموقع الأمريكي أنه على أقل تقدير، يتعين على الولايات المتحدة أن تضغط على الحكومة الإسرائيلية لتجنب أي تصعيد آخر ضد دول أخرى في المنطقة. ومن بين أمور أخرى، يتطلب هذا إيصال رسالة واضحة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو عندما يأتي إلى واشنطن هذا الأسبوع٬ مفادها أن الولايات المتحدة لن تنقذه إذا ذهب إلى الحرب في لبنان. فالمنطقة لا تستطيع تحمل المزيد من الصراعات، ويتعين على الولايات المتحدة أن تكف عن تأجيج الصراعات القائمة بمزيد من الأسلحة والدعم لإسرائيل.