تفاصيل “أوراق ضغط” الحكومة السورية على “قسد” مع اقتراب نهاية مهلة اتفاق مارس

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/17 الساعة 13:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/17 الساعة 13:42 بتوقيت غرينتش
تفاصيل "أوراق ضغط" الحكومة السورية على "قسد" مع اقتراب نهاية مهلة اتفاق مارس-عربي بوست

كشفت مصادر مطلعة في الحكومة السورية وفي "قوات سوريا الديمقراطية" المعروفة باسم "قسد"، أن اتفاق مارس/آذار 2025 يواجه أزمة "ثقة" بسبب الخلافات المتعلقة بتنفيذ بنوده، في ظل تمسك كل طرف بموقفه. وفي الوقت نفسه، اتهمت أنقرة "دولاً لم تذكرها" بتشجيع "قسد" على عدم الاندماج في الجيش السوري، مؤكدة أن محاولات التنظيم لكسب الوقت لن تجدي نفعاً.

وفي سياق موازٍ، كشف مصدر مطّلع داخل الجيش السوري أن دمشق لا تزال متمسكة بتطبيق اتفاق مارس/آذار 2025 الموقّع بين الرئيس السوري أحمد الشرع والقائد العام لـ"قسد" مظلوم عبدي، معتبرة أن الاتفاق يشكّل الإطار الناظم الوحيد لتنظيم الوضع في شمال شرق سوريا، حيث تنتشر قوات "قسد".

وأكد المصدر أن القيادة السورية ترى أن الطرف الآخر لا يتعامل بجدية كافية مع بنود الاتفاق، مشيراً إلى أن مظلوم عبدي وفريقه "يناورون" سياسياً وعسكرياً، ويرفضون حتى الآن الانصياع الكامل لما تم التوقيع عليه سابقاً. وبحسب المصدر، شهدت الأيام الماضية جولات تفاوض غير معلنة بين الطرفين، تم خلالها إرسال مقترح رسمي من الحكومة السورية إلى مظلوم عبدي للاطلاع عليه، على أن تقوم "قسد" بدراسته وتقديم ردها لاحقاً.

ويوضح المقترح، وفق المصدر، أن دمشق أبدت مرونة واضحة عبر موافقتها على وجود قوات "قسد" داخل الجيش السوري على شكل فرق عسكرية منظّمة، تتبع مباشرة لوزير الدفاع السوري، في خطوة تهدف إلى استيعاب هذه القوات ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية دون تفكيكها فورياً. غير أن المصدر لفت إلى أن هذا الانفتاح يقابله مطلب تعتبره الحكومة السورية جوهرياً وغير قابل للتنازل، ويتمثل في السماح بدخول الجيش السوري وقوى الأمن الداخلي إلى مناطق شمال شرق سوريا، والتحرك فيها وفق القوانين السورية النافذة، باعتبارها جزءاً من الجغرافيا السيادية للدولة.

وأكد أن هذه النقطة تحديداً لا تزال موضع خلاف حاد، إذ يرفض مظلوم عبدي حتى الآن القبول بانتشار كامل للقوات الحكومية في تلك المناطق، ما يجعلها العقدة الأساسية في مسار التفاوض الحالي.

في المقابل، أفاد مصدر مطّلع في قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ومقرّب من القائد العام مظلوم عبدي، أن المباحثات الجارية مع الحكومة السورية شهدت خلال الأيام الماضية نقلة غير تقليدية، وانتقلت من مرحلة جسّ النبض إلى مستوى أكثر جدية، بعد أن تلقت قيادة "قسد" مقترحاً جديداً مكتوباً من دمشق يتضمن موافقة رسمية على وجود ثلاث فرق عسكرية تابعة لـ"قسد" ضمن هيكلية الجيش السوري، في تطور لافت يعكس تغيراً في مقاربة الحكومة السورية لهذا الملف الحساس.

وبحسب المصدر، فإن هذا المقترح يشكّل تراجعاً واضحاً عن الطرح الأول الذي كانت تقدمت به دمشق في وقت سابق، والذي كان يقوم على دمج قوات "قسد" بشكل كامل وفردي داخل الجيش السوري، بما يعني عملياً تفكيك بنيتها العسكرية والتنظيمية. وأوضح أن الصيغة الجديدة، التي تقرّ بوجود فرق عسكرية محددة، تفتح الباب أمام نقاش أوسع حول شكل الاندماج وطبيعته، دون المساس بالتماسك الداخلي لـ"قسد"، وهو ما تعتبره القيادة شرطاً أساسياً لأي اتفاق مستقبلي.

وأشار المصدر إلى أن المرحلة المقبلة ستشهد تشكيل لجان اختصاصية مشتركة يجري الإعداد لها حالياً، وستتولى بحث التفاصيل التقنية والعسكرية المعقدة، بما في ذلك طبيعة المهام الموكلة لتلك الفرق، وهيكل القيادة، وآليات التنسيق مع قيادة الجيش السوري، إضافة إلى قضايا الانتشار والصلاحيات. ولفت إلى أن هذه اللجان ستكون الإطار العملي لترجمة التفاهمات السياسية إلى تصورات واضحة قابلة للتنفيذ، في حال تم التوصل إلى توافق نهائي.

مهلة نهاية العام

أما في ما يتعلق بالحديث عن اقتراب نهاية العام الحالي، باعتبارها المهلة التي حددها اتفاق مارس/آذار 2025 الموقّع بين مظلوم عبدي والرئيس السوري أحمد الشرع، قلّل المصدر من أهمية البعد الزمني لهذا الاتفاق، مؤكداً أن تفاهم مارس لا يعدو كونه إطاراً عاماً ينظّم مسار الحوار بين الطرفين، ولا يتضمن التزامات زمنية ملزمة لأي منهما.

وأضاف أن سقف تنفيذ الاتفاق يبقى مفتوحاً إلى حين التوصل إلى تفاهم شامل حول جميع القضايا العالقة، سواء العسكرية أو السياسية أو الإدارية. وشدد المصدر المطلع، والمقرّب من مظلوم عبدي، على أن قوات سوريا الديمقراطية لا تتعامل مع اتفاق مارس/آذار 2025 بمنطق الاستعجال، ولا ترى نفسها مضغوطة بموعد نهاية العام، موضحاً أن أولوية "قسد" تتمثل في بناء أرضية مشتركة ومستقرة مع الحكومة السورية، تضمن معالجة الملفات الشائكة بشكل متكامل، بدلاً من الذهاب إلى حلول جزئية أو متسرعة قد تؤدي إلى تعقيد المشهد لاحقاً.

وأكد المصدر أن المباحثات، رغم تقدمها النسبي، لا تزال في مرحلة حساسة، وأن نجاحها مرهون بقدرة الطرفين على تقديم تنازلات متبادلة، والوصول إلى صيغة توازن بين متطلبات الدولة السورية وهواجس "قسد" الأمنية والسياسية، مشيراً إلى أن أي اتفاق نهائي لن يرى النور قبل حسم جميع التفاصيل الخلافية وضمان تنفيذها على أسس واضحة ومتفق عليها.

أوراق الضغط السورية على "قسد"

أما الحكومة السورية، وفي ما يتعلق بالمهلة الزمنية التي نص عليها اتفاق مارس/آذار 2025، والمحددة بنهاية العام كسقف لتطبيق بنوده، قال مصدر مطّلع في الجيش السوري إن الحكومة ترى أن "قسد" تتعامل مع هذا البند بوصفه ورقة للمماطلة والتنصل من الالتزامات، في حين تعتبره دمشق موعداً سياسياً ملزماً كان من المفترض أن يفضي إلى خطوات عملية على الأرض.

وأضاف أن هذا التعطيل دفع الحكومة السورية إلى التفكير بأدوات ضغط إضافية لدفع "قسد" نحو تنفيذ الاتفاق. وأوضح المصدر أن الورقة الأولى التي تراهن عليها دمشق تتعلق بالتصاعد الملحوظ في نشاط تنظيم "داعش" خلال الأيام الماضية في مناطق متفرقة من سوريا، وهو ما يفرض، من وجهة نظر الحكومة، تنسيقاً أمنياً وعسكرياً كاملاً على مستوى الجغرافيا السورية كلها.

وأشار إلى أن هذا التهديد الأمني المتجدد يمنح دمشق مبرراً للضغط باتجاه انتشار الجيش السوري في مناطق نفوذ "قسد"، باعتبار أن مواجهة التنظيم لا يمكن أن تتم بفاعلية في ظل تعدد القوى العسكرية وتجزئة السيطرة.

أما الورقة الثانية، بحسب المصدر، فتتمثل في العامل الأميركي، حيث أكد أن وزارة الخارجية السورية تلعب دوراً نشطاً في هذا الملف، وتسعى عبر قنوات دبلوماسية إلى دفع الإدارة الأميركية للتدخل والضغط على قوات "قسد" من أجل التحرك جدياً نحو تنفيذ بنود اتفاق مارس/آذار 2025. واعتبر المصدر أن واشنطن، بحكم نفوذها وعلاقتها المباشرة مع "قسد"، تملك القدرة على ترجيح كفة التطبيق إذا قررت ممارسة ضغط فعلي في هذا الاتجاه.

ورجّح المصدر ألا يشهد ما تبقى من العام الحالي أي اختراق حقيقي في مسار تنفيذ الاتفاق، مؤكداً أن رفض "قسد" حتى الآن الجلوس إلى طاولة تفاوض حاسمة لحسم الملفات العالقة يعني عملياً دخول سوريا العام الجديد وملف شمال شرق البلاد لا يزال مفتوحاً دون إنجاز ملموس، في ظل استمرار حالة الشد والجذب بين الطرفين، وتداخل العوامل المحلية والإقليمية والدولية المؤثرة في هذا الملف المعقّد.

تركيا تتهم "قسد" بالتهرب من الاتفاق

في هذا السياق، قال مستشار العلاقات العامة والإعلام في وزارة الدفاع التركية، ذكي آق تورك، إن بلاده تتابع عن كثب ما وصفه بمحاولات قوات "قسد"، التي تصنّفها تركيا تنظيماً إرهابياً، لكسب الوقت والتهرب من تنفيذ اتفاق الاندماج الموقّع في مارس الماضي.

وأكد آق تورك، في تصريحات صحفية له الجمعة 12 ديسمبر/كانون الأول 2025، أن بعض الدول – لم يسمّها – تشجع "قسد" عبر مواقفها وخطابها على رفض الاندماج ونزع السلاح، معتبراً أن هذه المحاولات لن تجدي نفعاً.

وأوضح المسؤول التركي أن موقف أنقرة ووزير الدفاع يشار غولر واضح وثابت، ويتمثل في ضرورة اندماج "قسد" في الجيش السوري أفراداً لا كتلة واحدة، مشيراً إلى أن التنظيم، رغم الاتفاق الموقّع في 10 مارس/آذار 2025، يواصل نشاطه العسكري في سوريا بدلاً من الانخراط في مسار الاندماج، الأمر الذي يضرّ – بحسب تعبيره – بالاستقرار والأمن المنشودين في البلاد.

وشدد على أن أي خيار آخر غير الاندماج لن يكون مجدياً، نافياً في الوقت نفسه صحة الادعاءات المتداولة حول استعداد الجيش التركي لعملية عسكرية، مؤكداً أن التحركات الأخيرة لا تعدو كونها عمليات تناوب اعتيادية للوحدات.

هذا الموقف العسكري-السياسي عززه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي قدّم قراءة أشمل للمشهد خلال مقابلة متلفزة، معتبراً أن تنظيم "قسد" يستمد جزءاً كبيراً من قوته وجرأته من إسرائيل. وأكد فيدان أن هذا التنظيم لم يكن يوماً في صف المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد، بل إن بقاء الأسد – وفق تعبيره – لم يكن رغبة روسية وإيرانية فقط، بل شارك الإسرائيليون أيضاً في عدم الرغبة برحيله، إلى جانب سياسيين أميركيين متأثرين بالنفوذ الإسرائيلي، ما أدى إلى سحب الدعم عن المعارضة السورية في مراحل سابقة.

وأشار فيدان إلى أن جنوب سوريا بات حالياً يشكّل أكبر منطقة خطر بالنسبة لتركيا، ليس بسبب مساحته الجغرافية، بل نتيجة تحوّل إسرائيل إلى طرف متدخل فيه، ما يخلق بيئة تهديد إقليمي مفتوح. وفي هذا الإطار، دعا "قسد" إلى عدم المماطلة في الاندماج مع الحكومة السورية في دمشق تحت أي ذريعة، سواء مكافحة تنظيم "داعش" أو غيرها، مؤكداً أن المسألة لا تتعلق بأمن سوريا فقط، بل تمسّ بشكل مباشر الأمن القومي التركي.

وطالب وزير الخارجية التركي قيادة "قسد" بالتخلي عن موقفها الحالي، والتوصل إلى اتفاق سريع مع الحكومة السورية، والوفاء بالتزامات اتفاق 10 مارس/آذار 2025، الذي وقّعه الرئيس السوري أحمد الشرع مع مظلوم عبدي، وينص على دمج المؤسسات المدنية والعسكرية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة.

هذه الرؤية التركية يشرحها أكاديمي تركي مقرّب من دوائر صنع القرار في أنقرة، في تصريحات خاصة لـ"عربي بوست"، إذ قال إن السلطات التركية تنظر إلى قوات سوريا الديمقراطية "قسد" باعتبارها أداة تستخدمها إسرائيل داخل الساحة السورية، وليس بوصفها فاعلاً سورياً مستقلاً يمكن التوصل معه إلى تفاهمات سياسية طويلة الأمد.

وأوضح أن هذه الرؤية تشكّل أساس المقاربة التركية الحالية تجاه "قسد" وتعاملها الحذر مع مسار المفاوضات الدائر بين دمشق وقيادة القوات. وبحسب الأكاديمي، ترى أنقرة أن "قسد" لا تسعى فعلياً إلى التوصل إلى تفاهم حقيقي مع الرئيس السوري الحالي أحمد الشرع، رغم المحاولات التي تبذلها دمشق للوصول إلى اتفاق شامل وجامع مع مظلوم عبدي، سواء على المستوى العسكري أو الإداري.

وأشار الأكاديمي إلى أن أنقرة تتابع المشهد السوري عن كثب، وتراقب تطورات المفاوضات بين الحكومة السورية و"قسد" دون أن تنخرط بشكل مباشر في تفاصيلها، لافتاً إلى أن تركيا لا تبدي حماسة للدخول في مواجهة عسكرية جديدة ضد قوات "قسد" في المرحلة الراهنة.

وأكد الأكاديمي أن تركيا تفضّل ترك معالجة هذا الملف للإدارة السورية الجديدة، انطلاقاً من قناعة مفادها أن حلّ مشكلة "قسد" ينبغي أن يتم عبر مسار دبلوماسي وسياسي غير عسكري، يقود إلى إنهاء حالة الازدواجية العسكرية والإدارية في شمال شرق سوريا، مشدداً على أن أي تسوية تنجح دمشق في فرضها بالحوار والاتفاق ستكون أقل كلفة وأكثر استدامة من أي خيار عسكري.

تحميل المزيد