تفاصيل أعمق: هل تسعى مصر للخروج من عباءة الغرب عسكرياً بالانفتاح على تركيا والصين؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/12/03 الساعة 22:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/12/03 الساعة 22:48 بتوقيت غرينتش
مصر تبحث عن شراكات بعيداً عن الغرب/ عربي بوست

في تحول لافت عن سياساتها التسليحية السابقة، تتجه مصر نحو ترسيخ شراكات دفاعية جديدة تقوم على التصنيع العسكري المشترك، وتوسيع الاعتماد على صناعتها المحلية، بعد سنوات من ارتهان الجيش المصري لصفقات السلاح القادمة من الشرق والغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تربطها بمصر علاقات عسكرية تمتد لعقود.

هذا التحول لا يأتي من فراغ، بل تغذيه عوامل متشابكة أبرزها تلكؤ واشنطن في إتمام صفقات حيوية، وضغوط إسرائيلية مستمرة لتحجيم قدرات الجيش المصري، وتهديدات أمريكية بعقوبات حال إقدام القاهرة على اقتناء أسلحة متطورة من دول أخرى، خاصة روسيا أو الصين اللتين تعتبران أبرز منافسي واشنطن في سوق السلاح عالمياً.

معرض "إيديكس 2025" الذي افتُتحت دورته الرابعة في القاهرة في الأول من ديسمبر/كانون الأول، قدّم مشهداً واضحاً لهذا التوجه الجديد؛ إذ وقّعت مصر خلاله عدداً من مذكرات التفاهم واتفاقيات التعاون مع دول كتركيا والصين وبلغاريا وكوريا الجنوبية وفرنسا، بهدف تعزيز التصنيع المشترك. فهل تسعى القاهرة للخروج عن عباءة واشنطن عسكرياً؟

ملامح التوجه الجديد للقاهرة

قال مصدر عسكري مطلع لـ"عربي بوست" إن التعقيدات الغربية، خاصة من جانب واشنطن، تزايدت خلال السنوات الأخيرة، رغم أن القاهرة تؤكد بشكل مستمر أن امتلاك القوة والردع يهدف للحفاظ على السلام وليس لتهديد أي خصوم أو أعداء، في وقت تتزايد المخاطر على الحدود المصرية المختلفة خاصة في قطاع غزة، والتهديدات في البحر الأحمر واحتمال اندلاع حروب وصراعات خلال الفترة المقبلة.

وأوضح المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن القاهرة لم تتلق ردوداً حاسمة بشأن إتمام صفقة "إف – 15" الأمريكية وكذلك تطوير قدرات طائرات "إف -16" الأمريكية، في حين أن هناك طفرة في مقاتلات الجيل الخامس التي تتميز بتقنيات التخفي، وقدرات الاتصال المتقدمة، والقدرة على العمل المشترك مع الطائرات الأخرى، مثل طائرات "إف-22″ و"إف-35" الأمريكية.

وبالتالي فإن القاهرة، يضيف المصدر، اتجهت إلى الحصول على بدائل من خلال إبرام صفقات مع دول أخرى صديقة مثل:

  • تركيا: دخلت معها مصر في شراكات تصنيعية، خاصةً وأنها تمتلك المقاتلة التركية "قآن" التي تتميز بقدرة عالية على المناورة والتخفي.
  • كوريا الجنوبية: اتجهت نحو المقاتلة الخفيفة "أف إيه -50" وهي المنافس الأبرز للمقاتلة الأمريكية (F-16)، بالتوازي مع خطط لنقل خطوط الإنتاج إلى مصنع الطائرات المصري في حلوان.

المهم في هذه المقاتلة أنها تحتفظ بنحو 80% من القدرات القتالية والعملياتية للمقاتلة الأمريكية "إف – 16" لكن بتكاليف تشغيل وصيانة أقل؛ ما يجعلها خياراً استراتيجياً لسد الفجوات اللوجستية.

  • الصين: توطين تكنولوجيا تصنيع نظم دفاعية متقدمة تكنولوجياً من خلال الاستفادة بالإمكانيات التصنيعية المتطورة.

وذكر المصدر ذاته أن مصر لديها تعاون تصنيع مشترك مع دول في تصنيفات متقدمة على العالم بشأن القوة العسكرية بينها فرنسا وألمانيا وإنجلترا وتركيا وكوريا الجنوبية والصين، وهناك ميزة في التصنيع المشترك تتمثل في كونه يساهم في عملية تمويل الصناعات الحربية وهو باهظ للغاية ويبقى الوضع بحاجة إلى شركاء من الخارج يمكن أن يساهموا في تقاسم الأعباء.

وعلى هامش معرض "إيديكس 2025" استقبل وزير الدولة للإنتاج الحربي المصري، محمد صلاح الدين مصطفى، نائب رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية، جوكهان أوتشار، كما وقعت الهيئة العربية للتصنيع المصرية مذكرة للتفاهم مع كبرى الشركات الباكستانية GIDS لتعميق التصنيع المحلي وتوطين التكنولوجيا في عدد من مجالات الصناعات الدفاعية.

هل تدخل مصر في صدام مع الدول الغربية؟

المصدر العسكري الذي صرح لـ"عربي بوست" أوضح أن القاهرة لا تريد صداماً مع الدول الغربية التي تضع خطوطاً حمراء على تصدير منظومات التسليح المتقدمة لكنها في الوقت ذاته تبحث عن تعزيز قوتها العسكرية ويشكل هذا التوجه نوعاً من الضغط للحصول على ما تريده من تقنيات.

وشدد على أن خيارات القاهرة المتعددة يمكن أن تدفع نحو طلب إسرائيل من الدول الغربية والولايات المتحدة إبرام صفقات تسليح مع مصر خشية تطور التصنيع العسكري الذي يسمح بامتلاك التقنية بدلاً من استيرادها.

وأضاف المصدر أن القاهرة لا تستبعد تغييراً في المواقف الغربية بخاصة من جانب الولايات المتحدة بشأن صفقات التسليح خلال الفترة المقبلة، غير أن ذلك لن يكون على حساب الصناعات المشتركة التي أخذت في التمدد مع افتتاح عشرات خطوط الإنتاج الجديدة خلال السنوات الماضية.

بحسب مصدر عسكري آخر، فإن مصر بدأت التصنيع العسكري المشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية منذ ثمانينيات القرن الماضي غير أن الولايات المتحدة كانت لديها رغبة في تقديم السلاح إلى مصر في شكل صفقات عسكرية سواء كان ذلك ضمن المساعدات العسكرية المرتبطة باتفاقية كامب ديفيد أو وفقاً لصفقات منفصلة تحصل عليها مصر بين الحين والآخر.

وأضاف أن ما شجع على التوسع في الصناعات العسكرية مع دول أخرى أن القاهرة تمكنت من تصنيع الدبابة الأمريكية "إم أي" بنسبة مكونات محلية تصل إلى 90% بعد أن كانت 40% عند بدء التصنيع في الثمانينات وهو ما برهن على أنه يمكن الاستفادة من الخبرات الخارجية في تطوير الصناعات المحلية من الأسلحة.

المصدر أشار إلى أن مصر واجهت ضغوطاً تتعلق بملف حقوق الإنسان والحريات العامة وهي ترفض أن يتم ربط حصولها على السلاح المتقدم بتلك الشروط السياسية كما أن هناك رفض الانصياع لرغبة غربية في أن تكون إسرائيل محافظة على تطور عسكري تقني مقارنة بالجيش المصري.

ويعد ذلك بمثابة شرط أمني، وهو ما جعل هناك استراتيجية موضوعة منذ عام 2014 تهدف إلى التحول التدريجي نحو التصنيع المشترك إلى جانب تطوير التصنيع المحلي وذلك لتحقيق الاكتفاء الذاتي وخفض فاتورة الاستيراد من الخارج التي تضاعفت خلال العشر سنوات الماضية في ظل التطور المستمر في أسلحة الجيش المصري.

نقل تكنولوجيا حديثة إلى الجيش المصري

وفق المصدر العسكري المصري الذي تحدث لـ"عربي بوست" فإن القاهرة تركز الآن على نقل التكنولوجيا الحديثة مع دول مثل روسيا والصين وكوريا الجنوبية وفرنسا وتركيا وألمانيا وقد يكون هناك تعاون مشترك مستقبلي مع الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً.

وتهدف تلك الخطط إلى التركيز على الصناعات الجوية والبحرية عن طريق تصنيع الطائرات المسيرة والفرقاطات ولنشات الصواريخ والطائرات المقاتلة الهجومية، وهو ما يساهم في تطوير قاعدة صناعية محلية تشمل الإنتاج الكامل أو المشترك والانطلاق نحو التصدير إلى دول إفريقية عديدة مشيراً إلى أن القاهرة تقوم بتصدير السلاح الآن إلى نحو 30 دولة إفريقية وعربية وبعض الدول الأوروبية.

وأكد أن مصر استطاعت الآن تصنيع أجزاء مهمة من أسلحة متطورة بينها أجزاء من الطائرة "رافال" الفرنسية ومدفع "الكي ناين" الكوري وكذلك الصواريخ الباليستية مثل "ردع 300″، كما أن مصر تعد واحدة من ست دول حول العالم تنتج الصلب المدرع إلى جانب 50 منتجاً محلياً مثل "المدرعة تمساح" والطائرة المسيرة "جبار 150".

وذكر أن مصر تتكبد تكاليف باهظة الآن لأنها تتوسع في افتتاح خطوط إنتاج جديدة ورغم أنها تتشارك مع الدول لكن ذلك له فاتورة كبيرة للغاية لكن مع طول أمد التصنيع تتضاءل الكلفة وتحقق الصناعات الدفاعية عوائد مهمة نتيجة التصدير، وتهدف الخطة أيضاً إلى أن تخلق فرص عمل للشباب وتحفز سلسلة التوريدات المحلية للخارج، كما أنه يعزز مكانة مصر الإقليمية كدولة مصدرة للسلاح ويخفف من الضغوط السياسية والعسكرية.

صورة سابقة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقادة الجيش/ رويترز
صورة سابقة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وقادة الجيش/ رويترز

ماذا عن التصنيع العسكري المصري؟

رئيس الهيئة العربية للتصنيع المصرية قال إن الهيئة تشارك في معرض "إيديكس 2025" بعدد (57) منتجاً منهم (18) منتجاً جديداً يعرض لأول مرة. وأشار إلى أن إقامة هذا الحدث العالمي في نسخته الرابعة بالقاهرة يعكس قوة مصر وتقدمها في مجال الصناعات الدفاعية، ما يساهم في إقامة شراكات صناعية ناجحة مع مختلف الجهات المشاركة بالمعرض.

وعرضت مصر في "إيديكس 2025" بعض أسلحة التصنيع المشترك بينها مسيرة "الفرد المقاتل" بالتعاون مع الصين، ومركبة "العقرب" بالتعاون مع تركيا التي تعاونت معها أيضاً في إنتاج المسيرة التكتيكية العمودية الإقلاع "في تي أو إل – يو آي في".

ومن أهم المشاريع التي عُرضت على هامش "إيديكس 2025" مشروع "التصنيع المشترك لمنظومة الهاوتزر" (K9A1EGY) بالتعاون مع كوريا الجنوبية، وهي واحدة من أحدث منظومات المدفعية ذاتية الحركة على مستوى العالم.

وتتميز بقدرتها على ضرب الأهداف بدقة على مسافات تتجاوز 40 كيلومتراً، إضافة إلى قدرتها على إطلاق عدة قذائف في زمن قصير جداً، ما يمنحها قوة نيرانية عالية وسرعة كبيرة في التعامل مع الأهداف المتحركة والثابتة.

ويمثل المشروع نموذجاً للتعاون الاستراتيجي والتصنيع المشترك بين مصر وكوريا الجنوبية، في إطار خطة القاهرة لتوطين أحدث تكنولوجيات التصنيع العسكري ونقل الخبرات المتقدمة إلى شركات الإنتاج الحربي التابعة للدولة.

وبحسب مصدر عسكري مطلع فإن معرض "إيديكس" كان بمثابة فرصة لتسليط الضوء على التوسع المصري في التصنيع المشترك مع دول عديدة وذلك في ظل صراع عالمي لم ينته في منطقة الشرق الأوسط وهو ما يجعل هذا التعاون من ضرورات الأمن القومي.

وشدد على أن التصنيع المشترك يساهم في بناء قوات مسلحة حديثة تستطيع مواجهة التحديات القائمة بخاصة وأن العديد من دول المنطقة حققت تقدماً عسكرياً مهماً خلال السنوات الماضية من خلال التصنيع المحلي والمشترك وهناك رغبة مصرية في الاستفادة من تلك التجارب.

كما أن التصنيع المشترك، يقول مصدر "عربي بوست"، من الممكن أن يبقى وسيلة للحصول على أسلحة قد يكون من الصعب الحصول عليها عبر الصفقات المباشرة، لأن جذب شركات السلاح الدولية وتوسيع نطاق عملها في مناطق مختلفة يدعم التعاون المشترك ويساهم في زيادة معدلات مبيعات الأسلحة.

تحميل المزيد