- العلاقات الأمريكية مع المغرب والجزائر تاريخياً
- الصحراء الغربية.. ميزان قياس النفوذ الأمريكي في البلدين
- اقتصادياً.. كيف يبدو التواجد الأمريكي في المغرب والجزائر؟
- المغرب أكبر مستورد إفريقي للسلاح الأمريكي
- موازين القوى الاقتصادية والدبلوماسية
- شبكة النفوذ في واشنطن: من يحرك القرارات؟
- العلاقة الثلاثية: كيف تبدو مستقبلاً؟
الولايات المتحدة انتصرت للمغرب، لا بل انتصرت للجزائر! موقفان متناقضان هيمنا على الإعلام الرسمي في المغرب والجزائر بعد تصويت مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء الغربية، والذي أيد قراراً أمريكياً يعترف بمسار الحكم الذاتي كحل أساسي للقضية، اعتبرته الرباط "انتصاراً دبلوماسياً"، بينما قللت الجزائر من القرار الذي قاطع مندوبها في الأمم المتحدة التصويت عليه.
لكن خلف قرار مجلس الأمن "الأمريكي" الذي صوت عليه بالإجماع في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2025، تبرز مسألة علاقات البلدين المغاربيين بالولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن كل طرف يروج على علاقاته المتينة مع واشنطن ورغبته في توسيع الشراكة معها ويتجنب في نفس الوقت الصدام معها، سواء عندما يتعلق الأمر بالصحراء الغربية أو القضية الفلسطينية.
هذا الوضع دفعنا للبحث عن طبيعة العلاقات التي تجمع كل من المغرب والجزائر بالولايات المتحدة، انطلاقاً من دراسات وأبحاث أمريكية ومعطيات سياسية واقتصادية وعسكرية، قمنا في هذا التقرير بتشريح علاقة كل بلد مع واشنطن، وكيف تمكنت الأخيرة على مدى عقود من خلق توازن براغماتي في علاقتها مع البلدين المغاربيين الساعيين لكي يكونا قوة إقليمية في منطقتهما.
العلاقات الأمريكية مع المغرب والجزائر تاريخياً
قبل الخوض في طبيعة العلاقات الأمريكية مع المغرب والجزائر، وجدنا أنه من الضرورة البحث عن الجذور التاريخية لبدايات العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن والرباط والجزائر، وهو ما سيمكننا من التعرف على أهم المراحل والمطبات التي مرت منها علاقة البلدين المغاربيين بأمريكا.
منذ استقلال المغرب عام 1956 حظيت الرباط بدعم أمريكي قوي، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دوايت أيزنهاور التخلي عن الحقوق الأمريكية في المغرب، وهي قواعد ومواقع عسكرية أنشأتها واشنطن في المغرب لأسباب مرتبطة بالحرب الباردة، وظل المغرب حليفاً وثيقاً للولايات المتحدة في الحلف الأطلسي والمنطقة.
وتتمتع المملكة المغربية بوضع "حليف مهم خارج حلف الناتو" منذ ثمانينيات القرن الماضي، مما عزز التعاون العسكري والأمني بين البلدين، وهو ما سنستفيض فيه في الجزء المخصص للعلاقات العسكرية بين البلدين المغاربيين والولايات المتحدة.
على الجانب الآخر، بدأت علاقات أمريكا بالجزائر فعلياً بعد نيل الجزائر استقلالها عام 1962، فقد أقامت واشنطن علاقات دبلوماسية مع الجزائر في سبتمبر 1962، لكن النزاعات العربية والإسرائيلية ثم حرب 1967 أدت إلى قطع العلاقات حتى عادت للتطبيع عام 1974.
وظلت الجزائر دولة غير متحالفة في الحرب الباردة، وتلقت دعماً عسكرياً واقتصادياً كبيراً من الاتحاد السوفييتي، فيما تبنت واشنطن تجاهها سياسة الحياد الإيجابي.
وشهدت العلاقات تطوراً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي وصلت إلى إبرام "اتفاقية الإطار للاستثمار والتجارة" عام 2001، لكنها لم تصل إلى مستوى اتفاق تجارة حرة كما هو الحال مع المغرب.
عموماً على امتداد فترة ما بعد الاستقلال، حاولت الولايات المتحدة موازنة مصالحها بين البلدين المغاربيين. في الستينيات والسبعينيات، دعمت واشنطن مطالبة فرنسا منح استقلال المغرب والجزائر، لكنها عارضت التدخل العسكري المغربي في الصحراء الغربية بعد انسحاب إسبانيا.
منذ ذلك الحين، تحولت سياسة أمريكا إلى "الحياد الإيجابي" تجاه النزاع بين الرباط والجزائر حول الصحراء: فهي تزود الجيش المغربي بالأسلحة الأمريكية، لكنها تجنبت دعم مطالبه السياسية صراحة.
بينما حافظت الولايات المتحدة على علاقات متقلبة مع الجزائر، معترفة بدورها كمصدر مهم للطاقة وشريك محتمل لمواجهة النفوذ الروسي والصيني في أفريقيا.
الصحراء الغربية.. ميزان قياس النفوذ الأمريكي في البلدين
منذ بدء نزاع الصحراء الغربية عام 1975، اتبعت الإدارة الأمريكية سياسات متغيرة وفق موازنات المصالح الإقليمية.
لا يمكن تجاهل أن مواقف واشنطن منذ 1975 تأثرت أيضاً بانقسام داخل مجلس الكونغرس الأمريكي. فقد انقسمت وجهات نظر المشرعين بين أنصار حق تقرير مصير الصحراويين ومؤيدي الرباط، إلا أن قضية الصحراء غالباً ما كانت هامشية في السياسة الأمريكية ما لم تتقاطع مع مصالح أكبر كالحرب على الإرهاب أو الشراكات الاقتصادية.
وحتى عهد أوباما، حافظت إدارة بايدن على التزامها بالمواثيق الأممية، بالرغم من التأييد الصامت نسبياً لموقف المغرب؛ وقد استمر هذا المسار حتى وصول ترامب للحكم، حين أعلن في ديسمبر 2020 اعترافاً أمريكياً بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
كانت تلك الخطوة نقطة تحول، حيث أكدت إدارة بايدن تبني إطار الحكم الذاتي المغربي كأساس وحيد للتسوية، وأعلنت دعمها صراحةً في مجلس الأمن خطوة مماثلة للقرار الحالي.
بذلك خُتمت عقود من التردد الأمريكي بتحول حاسم: فمن سياسة الحياد واللعب على الحبال بين الطرفين إلى إعلان معلن يدعم مقترح الرباط، وهو ما اعتبره محللون "نصراً دبلوماسياً للمغرب".
اقتصادياً.. كيف يبدو التواجد الأمريكي في المغرب والجزائر؟
تعكس استثمارات التجارة والعلاقات الاقتصادية مدى تأثر العلاقات الدبلوماسية، ففي المغرب ترتبط الولايات المتحدة بعلاقات تجارية واستثمارية متنامية، وصلت إلى إرسال رجال أعمال إلى الأقاليم الصحراوية، بينما ركزت الشركات الأمريكية على الاستثمار في الجزائر بمجال الطاقة.
فالمغرب هو من أوائل البلدان العربية التي وقعت اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، دخل حيز التنفيذ عام 2006، ما أتاح نمواً في الصادرات الأمريكية. وتشير بيانات وزارة التجارة الأمريكية إلى أن فائض الولايات المتحدة التجاري مع المغرب قفز إلى 3.4 مليارات دولار في 2024 (صادرات 5.3 مليارات مقابل واردات 1.9 مليار).
ساعدت اتفاقية التبادل الحر في تخفيض الرسوم الجمركية على نحو 95% من السلع، ما عزز من صادرات شركات أمريكية في قطاعات مثل الصناعات الزراعية والمعدات المتقدمة والمواد الكيميائية، وفق ما كشفته تقارير رسمية أمريكية نُشرت في شهر يوليو/تموز 2025.
وبحسب تقارير رسمية أخرى، هناك نحو 150 شركة أمريكية تعمل في المغرب عبر مجالات متنوعة من التصنيع إلى الخدمات، وتتركز الاستثمارات الأمريكية في قطاعات البنية التحتية والطاقة المتجددة والطيران والزراعة. على سبيل المثال، استثمرت شركات مثل "أمريكان إيركرافت" و"جنرال إلكتريك" في صناعة الطيران بالمغرب، كما قامت شركات الطاقة الأمريكية بدخول مشاريع ضخمة في الرياح والطاقة الشمسية بالمملكة.
أما الجزائر التي تمتلك ثروات نفطية وغازية هائلة، فقد جذبت في السنوات الأخيرة شركات أمريكية كبرى. على سبيل المثال، وقّعت "سوناطراك" الجزائرية اتفاقيات مع شركة "إكسون موبيل" الأمريكية لدراسة تطوير حقول هيدروكربونية في الجنوب الجزائري، ووقّعت اتفاقاً مع شركة شيفرون لتعاون في التنقيب البحري قبالة السواحل الجزائرية.
ومع ذلك، وبسبب الاقتصاد الجزائري الذي "يهيمن عليه القطاع الحكومي والبيروقراطية المعقدة، يظل سوق الجزائر مغلقاً نسبياً أمام الشركات الصغيرة والمتوسطة الأمريكية"، وفق ما جاء في تقرير لوزارة التجارة الأمريكية نُشر في شهر يناير/كانون الثاني 2023.
وتوضح تقارير التجارة الأمريكية أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة السابعة في حجم تجارة الجزائر، حيث تشكل صادرات أمريكا إلى الجزائر نحو 20% فقط من صادرات الصين إليها و40% من صادرات فرنسا اللتين تهيمنان على حصة الأسد في الاقتصاد الجزائري، بينما يظل التبادل التجاري الأمريكي ثانوياً.
المغرب أكبر مستورد إفريقي للسلاح الأمريكي
يعد التعاون العسكري أحد أركان الوجود الأمريكي في المغرب والجزائر، وإن اختلفت طبيعته. ففي المغرب، هناك تحالف عسكري قديم مستمر منذ منتصف القرن العشرين. فقد استضاف المغرب قواعد عسكرية أمريكية خلال الحرب الباردة في مواقع مثل القنيطرة وبن سليمان، ولا يزال البلد شريكاً أساسياً في المناورات والتدريبات المزدوجة.
على سبيل المثال، تجري سنوياً مناورات "الأسد الإفريقي" (African Lion) المشتركة بين القوات المسلحة الملكية المغربية ووحدات من مشاة البحرية الأمريكية والقوات الخاصة. وأكد قادة عسكريون أمريكيون أن هذه التمارين تبرز عمق الشراكة التدريبية، إذ توفر للقوات الأمريكية أرضاً تدريبية متعددة البيئات في المغرب.
كما تزود شركات السلاح الأمريكية الجيش المغربي بعتاد متقدم، فقد وافق الكونغرس الأمريكي خلال الخمس سنوات الماضية، وبالضبط بعد توقيع اتفاقيات "أبراهام"، على مبيعات ضخمة للمغرب تشمل دبابات "إبرامز" وراجمات صواريخ حديثة ومروحيات "أباتشي" وصواريخ مضادة للطائرات من نوع "باتريوت".
وفي السنوات الأخيرة، برز الاهتمام الأمريكي بقطاع الطيران المغربي، فالمغرب يشغّل أسطولاً من مقاتلات F-16 الأمريكية، وقد ضُمّن في عقد صيانة ضخم لدعم رادارات هذه الطائرات بقيمة تقارب 304 مليون دولار.
كما يدرس المغرب حالياً صفقة تاريخية لشراء 32 مقاتلة من طراز F-35 الأمريكية الصنع من شركة لوكهيد مارتن، ما يجعله أول بلد عربي وإفريقي يحصل على هذا الجيل المتقدم من المقاتلات.
ويشير المراقبون إلى أن الشركات الأمريكية الضخمة مثل لوكهيد مارتن، نورثروب غرومان، بوينغ، ريثيون، تستفيد مالياً من هذا التعاون؛ فالمغرب بحسب تقرير حكومي أمريكي هو "أكبر مشتري للأسلحة الأمريكية في إفريقيا".
من الناحية الأمنية، هناك تعاون وثيق أيضاً ضد الإرهاب، إذ يشارك المغرب بفعاليات مكافحة الإرهاب والتدريب الأمني مع الولايات المتحدة عبر برامج "القوة المختلطة" ومراكز التخصص المشترك. وقد زار قادة عسكريون أمريكيون كبار المغرب مؤخراً لتفقد القوات والبنى التحتية، معتبرين الرباط "شريكاً موثوقاً" في استقرار شمال أفريقيا.
في المقابل، شهدت العلاقات العسكرية الأمريكية–الجزائرية دفعة نوعية جديدة بعد سنوات من البرود. ففي يناير/كانون الثاني 2025 وقّع قائد القوات الأمريكية في أفريقيا، الجنرال مايكل لانغلي، مذكرة تفاهم دفاعية تاريخية مع الجزائر، تقضي بتعميق الشراكة بين الجيشين ومتابعة تبادل الأسلحة وتنسيق نشر وحدات مشتركة في بحري المتوسط والصحراء.
كما تتضمن بنوداً للتعاون في البحث والإنقاذ البحري، ومكافحة الإرهاب، والتدريب العسكري، والخدمات الصحية للقوات. وهذا يعد تحولاً كبيراً؛ فقد ظل الجيش الجزائري متمسكاً سابقاً بشراء أسلحته من روسيا والصين، لكنه الآن بدأ يفتح الباب لتعاون عسكري أمريكي غير مسبوق.
وقد أشار مسؤولون أمريكيون إلى أن مذكرة التفاهم ترمز إلى "انفتاح الجزائر على تعميق التعاون مع القيادة الأمريكية في أفريقيا".
موازين القوى الاقتصادية والدبلوماسية
إذا ما قورن التأثير الأمريكي على المغرب والجزائر، فإن الميزان يميل لصالح المغرب دبلوماسياً واقتصادياً، فقوة المغرب الاقتصادية التي تعد خامس أكبر اقتصاد في أفريقيا مرتبطة بعلاقات وثيقة مع الغرب. وحظي المغرب بدعم غربي كبير، فاستقبل شركات أمريكية وكندية وأوروبية استثمارات بالجملة في قطاعاته، وحظي برعاية أمنية من واشنطن.
في المقابل، ورغم امتلاك الجزائر للاحتياطي الأكبر من النفط والغاز في القارة الأفريقية، فإن اقتصادها يظل مغلقاً نسبياً. فهي تعتمد بشكل شبه كامل على النفط والغاز، نحو 95% من الصادرات الحكومية، وحجم تجارة النفط بينها وبين الولايات المتحدة محدود نسبياً مقارنة بتجارتها مع كل من أوروبا أو الصين.
فبينما تتبادل الجزائر الغاز مع أوروبا بنشاط، فإن حجم الصادرات الأمريكية إلى الجزائر يبلغ نحو خمس ما تصدره الصين وربع ما تصدره فرنسا، وفقاً لتقرير رسمي أمريكي.
دبلوماسياً، يكاد المغرب يعانق واشنطن: فالرباط حليف استراتيجي يلتقي رؤساؤه في قمم متعددة، ويشغل سفارة دائمة في الأمم المتحدة، ويحظى بدعم أوروبي ومحلي لسياساته في الصحراء، ووصف الرئيس ترامب العلاقات مع المغرب بأنها "مهمة وقوية" بعد زيارة الوفد المغربي الأخير إلى واشنطن.
في المقابل، لا تزال علاقة الجزائر مع أمريكا في طور تقارب جديد؛ فبالرغم من توقيع مذكرة التفاهم الدفاعية التاريخية منتصف 2025، لم تشهد زيارة رفيعة المستوى أو تبادل سياسي قوي على مستوى الرؤساء. ويُضاف إلى ذلك الوضع الاقتصادي المقفل في الجزائر الذي جعل منها هدفاً لطلبات استثمارات أمريكية شبه حكومية أكثر من استثمارات خاصة.
شبكة النفوذ في واشنطن: من يحرك القرارات؟
في عاصمة القرار الأمريكي تلعب شركات وعناصر ضغط متعددة دوراً في صياغة سياسات الولايات المتحدة حيال المغرب والجزائر. على رأس هذه العناصر تأتي شركات الأسلحة الأمريكية الكبرى، التي تربطها بالمغرب صفقات بمليارات الدولارات.
إذ أن مصانع "لوكهيد مارتن" و"نورثروب غرومان" و"رايثيون" ليس لها مصلحة في تقوية موقف الجزائر في قضية الصحراء الغربية، بل هي حريصة على دعم الحليف الذي يشتري أسلحتها.
ويرى المراقبون أن التوازن العسكري المتزايد لصالح المغرب أصبح من المحركين الرئيسيين للدوائر الأمريكية، فقد جعلت الصفقات الضخمة للمقاتلات والأنظمة المضادة للصواريخ المغربية من الرباط شريكاً استراتيجياً كبيراً بالنسبة للبنتاجون.
إلى جانب شركات الأسلحة، هناك في واشنطن لوبيات سياسية ومجموعات ضغط تدعو لاستمرار التحالف مع المغرب. فقد أنفقت الحكومة المغربية ملايين الدولارات عبر شركات مستشارين قانونيين وإعلاميين للترويج لموقفها، بحسب سجلات قانون الوكالة الخارجية الأمريكية (FARA). وتعزز العلاقات المتوثقة مع إسرائيل ضغط هؤلاء المروجين، خاصةً بعد اتفاق التطبيع.
من جهة أخرى، تمتلك الجالية الجزائرية في أمريكا نفوذاً أقل تنظيماً، لكنها وظفت أيضاً مجموعات ضغط، وُصفت بأنها "جيش من اللوبيات المسعرة والداعمة في واشنطن"، خصوصاً في الصالونات الدبلوماسية التي تعارض تعديل الموقف الأمريكي التقليدي.
أما الساسة والمسؤولون الأمريكيون سابقاً، فلبعضهم ثقل في هذا الملف. فمثلاً، اللاعبون المحافظون مثل إليوت أبرامز، المستشار السابق بوزارة الخارجية، كتبوا تحليلات مؤيدة لموقف الرباط، معتبرين قرار الأمم المتحدة نصراً لدبلوماسية المغرب.
كما أن بعض أعضاء الكونغرس من الحزبين، خاصةً في لجنة القوات المسلحة والخارجية، لهم علاقات دافئة مع المغرب بسبب الدعم التاريخي لواشنطن للرباط في الحرب على الإرهاب.
وفي المقابل، تحضر بعض المعارف القديمة الجزائرية والعربية في دوائر السياسة الخارجية؛ فقد وُصف وزير الخارجية السابق مايك بومبيو بإظهار وديته نحو الجزائر إبان توليه، وشوهد وزير الدفاع السابق مارك إسبر وهو يزور الجزائر لحضها على تغيير مواقفها.
باختصار، تتداخل شبكات مصالح سياسية واقتصادية وعسكرية تجعل المغرب يتقدم في دائرة النفوذ الأمريكي حالياً. فالولايات المتحدة "تتحكم بين يديها" صياغة القرارات حول الصحراء وتمد أيديها عبر اللوبيات الدفاعية الكبرى لدعم الرباط. وفي الوقت نفسه، تحاول واشنطن إشراك الجزائر قدر الإمكان من خلال الشراكات الأمنية الجديدة.
العلاقة الثلاثية: كيف تبدو مستقبلاً؟
في ضوء هذه التحولات الكبرى، تبدو آفاق العلاقات الثلاثية معقدة. فالعلاقة المغربية–الأمريكية دخلت عهداً جديداً من التعاضد الاستراتيجي التي أملته مصالح البلدين المتبادلة، مدفوعة بالاعتراف الأمريكي والسياسات الحكومية المشتركة ضد الإرهاب.
الخبير في العلاقات الدولية، لحسن أقرطيط، قال في تصريحات إعلامية، إن واشنطن "اعتبرت دائماً أن المغرب يشكل نقطة ارتكاز أساسية في السياسة الخارجية الأمريكية، شأنه في ذلك شأن إسرائيل في الشرق الأوسط، وكوريا الجنوبية في آسيا، وبولندا في أوروبا، وكولومبيا في أمريكا اللاتينية"، وأضاف: "في القارة الإفريقية تعد المملكة المغربية الحليف الأقوى لواشنطن".
أما العلاقات الجزائرية–الأمريكية فقد شهدت انفراجة تاريخية عسكرية، لكن الرؤية السياسية لا تزال متأرجحة بسبب خلاف الجزائر مع رؤية واشنطن الخاصة بالحل في الصحراء الغربية، غير أن ذلك لا يمنع من أن واشنطن مطالبة بمراجعة موقفها من الجزائر.
وحسب تقرير لـ"معهد واشنطن" كتبته سابينا هاينبرغ، فإنه "ينبغي لواشنطن، ومن مصلحتها أيضاً، أن تساعد الجزائر على تبني المزيد من الانفتاح، سواء لتعزيز الاستقرار في شمال أفريقيا أو لتعزيز المصالح الأمريكية مثل مكافحة الإرهاب والمنافسة الاقتصادية مع الصين".
وفي الوقت الراهن، ربما تسعى الولايات المتحدة للحفاظ على توازن دقيق في علاقاتها مع كل من المغرب والجزائر، فهي تعزز الروابط مع المغرب وترى فيه شريكاً مميزاً، لكنها في المقابل ترغب في إبقاء أبواب الحوار مفتوحة مع الجزائر لضمان تدفق الغاز ومكافحة الإرهاب.
من وجهة نظر المغرب، فإن الدعم الأمريكي الراهن يعزز موقفه الداخلي والخارجي، ويضع صانع القرار المغربي أمام فرصة ضمنية لدفع عملية السلام المغربية–الجزائرية ولو جزئياً. وقد تشير الأنباء إلى استعداد وسطاء أمريكيين مثل ستيف ويتكوف لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الرباط والجزائر.
وتواترت تقارير إعلامية حديثة ذكرت أن مبعوثين أميركيين مثل ستيف ويتكوف يعملون على مبادرات للتقريب بين المغرب والجزائر أو على مبادرات تخص ملف الصحراء. لكن هذه التصريحات المثيرة للجدل قوبلت بنفي أو تبريرات من جهات جزائرية وقطاعات إعلامية أخرى.
وفي ختام المطاف، يبقى المستقبل مفتوحاً على احتمالات عدة: إما استثمار واشنطن لذلك الزخم لصنع تسوية قد تسهم في إعادة بناء علاقات المغرب والجزائر معاً، أو أن يؤدي التباين في مواقف واشنطن إلى مزيد من التوتر بين البلدين المغاربيين.