أثارت الاشتباكات الدائرة في جمهورية مالي بين جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، المُمثلة لتنظيم القاعدة في دول الساحل الأفريقي، وجيش جمهورية مالي، الحديث حول تموضع التنظيمات المسلحة في المنطقة، سواء تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة المعروف باسم "داعش".
في هذا التقرير، نرصد بالتفصيل خريطة الجماعات المسلحة في منطقة الساحل، وأبرز رموز كل تنظيم، وأنماط نشاطهم، وحجم قوتهم، وأماكن تمركزهم.
أولاً: تنظيم القاعدة
على مدى سبع سنوات، برزت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، الممثلة لتنظيم القاعدة كقوة رئيسية في صراعات منطقة الساحل الأفريقي، وتطورت لتصبح الذراع الأقوى لتنظيم القاعدة في القارة. تأسست الجماعة في مارس 2017 من خلال دمج أربع تنظيمات كبرى: أنصار الدين، المرابطون، كتيبة ماسينا، ومنطقة الصحراء التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وتحت قيادة إياد أغ غالي، أصبحت الجماعة الكيان الجامع لجميع فروع القاعدة في منطقة الساحل. منذ تأسيسها، طورت الجماعة هيكلاً تنظيمياً مرناً يعتمد على مجالس قيادية وولايات ميدانية، مما أكسبها قدرة فائقة على التوسع والتكيف مع التحولات الأمنية المتسارعة في المنطقة.
وفي ما يتعلق بتصاعد الصراع المسلح في منطقة الساحل الأفريقي، يقول الأكاديمي المالي والباحث في شؤون دول الساحل إبراهيم جاغوراغا إنّ المشهد "الجهادي" في بلاده يتصدره تنظيم مرتبط مباشرة بتنظيم القاعدة العالمي، رغم غياب الاسم الرسمي للأخير على الأرض.
يوضح جاغوراغا أن تنظيم القاعدة لا يحمل اسماً رسمياً أو هيكلاً معلناً داخل مالي، لكنه ممثل من خلال جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهي التحالف الأكبر للكيانات الجهادية التابعة للقاعدة في المنطقة. يقود هذه الجماعة إياد أغ غالي، وهو شخصية مثيرة للجدل كانت في الأساس دبلوماسياً قبل أن يتحول إلى زعيم لتنظيم مسلح.
ويشير الباحث إلى أنّ أغ غالي شغل منصب قنصل جمهورية مالي في السعودية حتى عام 2002، قبل أن توجه إليه اتهامات من السلطات السعودية بتبني أفكار تكفيرية وميل إلى الفكر الجهادي. وبناء على ذلك تم استبعاده من العمل الدبلوماسي وإبعاده عن المملكة، ليعود إلى مالي حيث لعب في البداية دور وسيط بين الحكومة والتنظيمات المتشددة المنتشرة في الشمال. إلا أنّ تطورات الأوضاع بعد سقوط نظام العقيد معمر القذافي عام 2011 دفعت أغ غالي إلى الانخراط الكامل في العمل المسلح، فأصبح زعيماً للجماعة التي تمثل القاعدة في مالي.
يكشف جاغوراغا أن علاقة أغ غالي بالقذافي لم تكن بعيدة، إذ كان عدد من أشقائه يقاتلون في صفوف الجيش الليبي خلال حكم القذافي، وهو ما جعله يتأثر بالفكر القتالي ويكتسب خبرات ميدانية وشبكات ارتباط إقليمية. وبعد عودته إلى بلاده، وظف هذه الخبرات في بناء تنظيمه المسلح الذي سرعان ما بات القوة الجهادية الأبرز في مالي.
تزايد نفوذ الجماعة
شهد نفوذ الجماعة توسعاً غير مسبوق منذ عام 2018، متحولة من قوة محلية في وسط مالي إلى شبكة إقليمية تمتد إلى شمال وشرق بوركينا فاسو، وصولاً إلى النيجر وساحل العاج وبنين وتوغو. تستخدم الجماعة تكتيكات هجومية متنوعة تشمل الاغتيالات والكمائن وزرع العبوات الناسفة والهجمات على المعسكرات. كما تعتمد أساليب غير تقليدية مثل الحصار الاقتصادي وفرض الضرائب على السكان.
تستهدف الجماعة حركة التجارة في البلاد عبر فرض الزكاة القسرية وسرقة الماشية وقطع الطرق وإغلاق الأسواق المحلية. وبعد انسحاب القوات الفرنسية وبعثة الأمم المتحدة من مالي، أصبحت قوات فاغنر الروسية الهدف الرئيسي للجماعة. ورغم الدعم الروسي للجيش المالي، ما زالت نصرة الإسلام والمسلمين قادرة على شن هجمات نوعية ضد القواعد العسكرية في مناطق مثل موبتي وتمبكتو، مع توسع نفوذها نحو حدود بوركينا فاسو والنيجر.
في بوركينا فاسو، أصبحت الجماعة اللاعب الأكثر تأثيراً في الشمال والشرق، حيث فشلت الحملات العسكرية في استعادة السيطرة على العديد من المناطق التي باتت تخضع لحكمها الفعلي. وبعد عقد من الحرب في الساحل، أصبحت جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بمثابة "دولة ظل" تمتلك موارد مالية ونظام حكم وأجهزة أمنية خاصة بها، وتتحكم في مناطق واسعة خارج سيطرة الحكومات.
تضم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين – بحسب تقديرات الأكاديمي المالي والباحث في شؤون دول الساحل إبراهيم جاغوراغا – نحو ثلاثة آلاف مقاتل ينتشرون في أنحاء مالي، خصوصاً في المناطق الحدودية الشمالية والوسطى. وترتبط هذه الجماعة بعلاقات وثيقة مع تنظيمات مماثلة في دول مجاورة، لا سيما الجزائر والنيجر وبوركينا فاسو، مما يجعلها جزءاً من شبكة إقليمية متشابكة تعمل تحت مظلة القاعدة.
ويؤكد الباحث أن عدداً كبيراً من مقاتلي الجماعة ينحدرون من القبائل الممتدة على الحدود الجزائرية – المالية، وأن كثيراً منهم من أصول جزائرية. بل إن بعض المصادر – بحسب قوله – تشير إلى أن زعيم الجماعة نفسه يحمل الجنسية الجزائرية، ما يعزز من فرضية الدور الجزائري في تغذية أو توظيف هذه الجماعة لأغراض سياسية وأمنية في المنطقة.
البنية التنظيمية لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين (JNIM):
تتألف الجماعة من عدة مكونات رئيسية تعمل جميعها تحت قيادة موحدة:
أنصار الدين: تتمركز بشكل أساسي في شمال مالي.
كتائب المرابطون: كانت بقيادة مختار بلمختار.
إمارة منطقة الصحراء الكبرى: كانت تابعة سابقاً لتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي (AQIM).

كتائب ماسينا: تضم عناصر من إثنية الفولاني في وسط مالي.
يمكن تقسيم مناطق انتشار التنظيم إلى ثلاث دوائر جغرافية:
أولاً: الدائرة الأساسية (النشاط المركزي): تشمل دول الساحل الثلاث التي تُعد قلب العمليات الجهادية.
مالي:
المقر الرئيسي والبيئة الأساسية لـ JNIM.
تنتشر المعسكرات في الشمال (تمبكتو، كيدال) والوسط (موبتي، سيغو).
توجد بها كتائب ماسينا بقوة.
بوركينا فاسو:
ثاني أكبر معقل بعد مالي.
تشهد هجمات مكثفة في الشمال والشرق والغرب.
أكثر من 40% من أراضي الدولة خارج السيطرة الحكومية (حتى عام 2025).
النيجر:
ينشط التنظيم بشكل خاص في المناطق الغربية (تيلابيري، تاهوا).
تشهد تنافساً بين القاعدة (JNIM) وتنظيم الدولة (ISGS).
ثانياً: الدائرة المتوسعة (انتشار ثانوي / جنوب الساحل): بدأ التنظيم نشاطه فيها بين عامي 2019 و2021 ضمن ما يُعرف بـ"تمدد الجماعات المسلحة نحو خليج غينيا".
بنين:
ظهور جماعات موالية للقاعدة على الحدود الشمالية (منطقة باركوو).
هجمات متزايدة منذ عام 2022.
توجو:
هجمات متفرقة على حدودها الشمالية مع بوركينا فاسو.
تنامي الخلايا المحلية المدعومة من JNIM.
ساحل العاج (كوت ديفوار):
نشاط محدود في الشمال الشرقي قرب الحدود مع بوركينا فاسو.
شهدت عمليات نوعية مثل هجوم غراند بسام عام 2016.
غانا:
يُعتقد أن القاعدة تستهدفها بالتجنيد والتسلل، لكنها لم تشهد عمليات كبيرة بعد.
ثالثاً: الدائرة الشمالية:
موريتانيا:
كانت ساحة نشطة بين عامي 2005 و2011، لكن الدولة طهّرت مناطقها من القاعدة تقريباً.
لا تزال تُستخدم كمنطقة عبور واتصالات محدودة.
الجزائر:
المنطلق التاريخي لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي (AQIM).
تراجع النشاط بشدة بعد عام 2014، لكنها لا تزال مرجعاً لقيادات الساحل.
طبيعة نشاط القاعدة في غرب إفريقيا:
التحالفات القبلية: تعتمد الجماعة على تحالفات مع قبائل الفولاني والطوارق لتأمين الحماية والمجندين.
التمويل: يتم عبر الفدية، والتهريب، وفرض الإتاوات على القرى، وعمليات الخطف.
الاستراتيجية: التمدد البطيء جنوباً عبر الحدود الهشة، وإقامة "مناطق ظل" خارج سلطة الدولة.
الخصوم الرئيسيون: جيوش مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وقوات فاغنر الروسية، وقوة الأمم المتحدة (مينوسما سابقاً)، والقوات الفرنسية سابقاً.
أشار جاغوراغا إلى ما يُتداول داخل مالي من اتهامات لفرنسا بدعم جماعة نصرة الإسلام والمسلمين في إطار صراع النفوذ بينها وبين المجلس العسكري الحاكم في باماكو. فوفقاً لما يتم ترويجه، تسعى باريس إلى إضعاف الجيش المالي من خلال تسهيل تحركات الجماعات الجهادية نكاية في السلطة التي طردت القوات الفرنسية من البلاد. كما لا تخلو الساحة من اتهامات مماثلة للجزائر، التي يُعتقد أن لها تواصلاً غير مباشر مع عناصر الجماعة، خاصة مع وجود امتدادات اجتماعية وقبلية عميقة عبر الحدود المشتركة.
ومن أخطر أساليب الجماعة، كما يوضح الباحث، استخدامها الحرق الممنهج للمحاصيل الزراعية في القرى الريفية والنائية كوسيلة للترهيب والعقاب. فالفلاحون الذين يرفضون دفع ما تسميه الجماعة "الزكاة" يتعرضون لعقوبات قاسية تصل إلى تدمير أراضيهم بالكامل. وقد دفعت هذه الممارسات الحكومة المالية إلى اتخاذ إجراءات استثنائية، من بينها حظر بيع الوقود في المناطق الريفية، في محاولة لقطع الإمدادات عن المسلحين الذين يستخدمونه في عمليات الحرق والتنقل. لكن هذا القرار بدوره أدى إلى تفجر أزمة وقود حادة في عموم البلاد، إذ انعكست القيود على حياة المدنيين، خصوصاً المزارعين وسكان المناطق النائية الذين يعتمدون على الوقود في أنشطتهم اليومية.
ثانياً: تنظيم الدولة "داعش" في منطقة الساحل الأفريقي
يُعد تنظيم الدولة الإسلامية في الساحل من أكثر الجهات المسلحة عنفاً ونشاطاً، وقد استغل الفراغ الأمني الناجم عن انسحاب القوات الفرنسية لتوسيع نفوذه، خاصة في منطقة الحدود الثلاثية "ليبتاكو-غورما" وفي الأجزاء الشمالية من منطقة ميناكا بمالي. منذ اغتيال زعيمه المؤسس عدنان أبو الوليد الصحراوي في أغسطس 2021، خضع تنظيم "داعش" في الساحل لعملية إعادة هيكلة عميقة شملت بنيته القيادية والعملياتية.
القيادة العليا والمكاتب التنظيمية:
تدور القيادة العليا للتنظيم حول "مجلس الشورى" الذي يرأسه "الوالي" أو الحاكم، ويشغل هذا المنصب حالياً أبو البراء الصحراوي. يتفرع عن المجلس مكاتب تنظيمية تُعنى بالشؤون العسكرية والعمليات، واللوجستيات، و"تطبيق العقوبات والحدود الشرعية"، وشؤون المقاتلين الأجانب، والإعلام، علماً بأن المكتب الإعلامي يتبع مباشرة القيادة المركزية.
في البداية، كانت قيادة التنظيم تتألف غالباً من مقاتلين صحراويين، لكن الحملات العسكرية الفرنسية استهدفتهم مباشرة، مما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة منهم. ورغم انسحاب عملية "برخان" من مالي في أغسطس 2022، استمرت الضربات ضد قيادات التنظيم، خاصة من قبل مجموعة فاغنر الروسية والقوات المسلحة المالية، مما أدى إلى استنزاف مستمر في كوادر الصف الأول والثاني.
وعلى الرغم من هذه الخسائر، بدأ التنظيم في التركيز على "الجيل الجديد" من المقاتلين، من خلال إطلاق برامج تدريبية تهدف إلى إعداد قيادات شابة بديلة. ومن أبرز مؤشرات هذا التحول تزايد اعتماد التنظيم على تجنيد الأطفال، وهي استراتيجية رئيسية لكل من "داعش الساحل" وخصمه الرئيسي "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين".
يقول الأكاديمي المالي والباحث في شؤون دول الساحل إبراهيم جاغوراغا إن تنظيم داعش وكذلك جماعة نصرة الإسلام والمسلمين يعتمدان على مسارين لتجنيد عناصر جديدة: الأول هو استقطاب الفقراء والشباب الصغار الذين يعيشون في المناطق الريفية والنائية عبر إغراءات مالية كبيرة للانضمام إليهم.
أما المسار الثاني، كما يوضح جاغوراغا، فهو تجنيد الأطفال دون سن الخامسة عشرة، خصوصاً الفئة التي تعاني من تفكك أسري أو فقدان أحد الوالدين، حيث تُقدَّم لهؤلاء الأطفال إغراءات مادية ومعنوية للانضمام إلى التنظيمات المسلحة.
يكشف الهيكل التنظيمي الحالي لتنظيم "داعش" في منطقة الساحل عن تطور لافت في توزيع مناطق نفوذه، وذلك بناءً على بياناته الدعائية وتقاريره الميدانية. فرغم أن الخطاب الرسمي للجماعة يشير إلى تقسيمها إلى أربع مناطق رئيسية (بوركينا فاسو، والمثلث الحدودي الثلاثي، وأنديرامبوكان السادسة، ومنطقة أزاواغ)، إلا أن الواقع العملياتي يُظهر خمس مناطق عسكرية متكاملة.
المناطق العسكرية الخمس لتنظيم "داعش الساحل":
بوركينا فاسو وغورما (المنطقة 1): تمثل هذه المنطقة القلب الجغرافي لنفوذ التنظيم، خاصة في مقاطعتي أودالان وسينو.
الهاوسا على الضفة اليسرى لنهر النيجر (المنطقة 2): تمتد بين غاو وأنسونغو، وتظل ساحة صراع مفتوحة لم يتمكن التنظيم من بسط سيطرته الكاملة عليها، ويلجأ مقاتلوه إلى العنف المفرط ضد السكان المحليين.
أمالاولاو – أكابار – إن ديليمان (المنطقة 3): تُعد هذه المنطقة الواقعة على الحدود المالية – النيجيرية، بالإضافة إلى بلدتي أمالاولاو وإن ديليمان في غاو، القاعدة التاريخية ومركز القيادة لتنظيم "داعش الساحل".
ميناكا – أنديرامبوكان – أبالا (المنطقة 4): تشكل هذه المنطقة العمود الفقري لعمليات التنظيم في الساحل. فمنذ مارس 2022، تحولت بلدة أنديرامبوكان الحدودية إلى مركز إداري فعلي للتنظيم.
المنطقة الشرقية أو أزاواغ (المنطقة 5): اكتسبت هذه المنطقة الحدودية الاستراتيجية بين مالي والنيجر أهمية متزايدة، ففي عام 2021 قضى التنظيم على ميليشيات محلية نيجيرية وسيطر على معظم ريف تيليا.
تكتيكات تنظيم "داعش في الساحل":
شهد تنظيم "داعش في الساحل" تحولات ملحوظة في تكتيكاته منذ ظهوره، متنقلاً بين استخدام العنف المفرط ومحاولات ترسيخ السيطرة المنظمة والإدارة المحلية، ما يعكس سعيه لبسط نفوذه وتأمين موطئ قدم دائم في المناطق التي يسيطر عليها.
مرحلة العنف المفرط (2018 – منتصف 2022):
استهداف المدنيين: بدأ التنظيم، الذي كان يُعرف بـ"داعش في الصحراء الكبرى" عام 2018، موجة من الهجمات الدموية ضد تجمعات الطوارق والدوسهاك في منطقة ميناكا بمالي، متهماً إياهم بدعم الميليشيات المحلية المتحالفة مع القوات الفرنسية.
القتل الجماعي والابتزاز: في عام 2021 شهدت مناطق تيلابيري وتاهوا في النيجر أعمال قتل جماعي ضد قبائل الجيرما والطوارق بعد رفضهم عمليات الابتزاز التي يمارسها التنظيم وتشكيلهم لميليشيات دفاعية مدعومة من الحكومة.
التحول نحو السيطرة المنظمة
بعد الهجوم الكبير الذي شنّه التنظيم على مدينة ميناكا في مارس 2022، بدأ في تغيير نهجه من العنف المفرط إلى محاولة ترسيخ نمط من السيطرة المنظمة والإدارة المحلية، خصوصًا في شمال شرق مالي.
ومنذ أواخر عام 2022، شرع التنظيم في تطبيق ما يمكن تسميته بـ"نظام الحكم الجهادي"، الهادف إلى ضبط الأسواق والطرق وتنظيم الحياة اليومية في المناطق الخاضعة له.
إدارة المناطق ونظام الحكم الجهادي
أعاد التنظيم فتح الأسواق الأسبوعية في بلدات مثل أنديرامبوكان وإنشينان وتمالات بعد تدميرها، ووضع لوائح لتنظيم التجارة وضمان تدفق السلع. كما فرض قيودًا صارمة على الحركة التجارية بين مناطقه والمدن الخارجة عن سيطرته، وأنشأ "محاكم شرعية" لتطبيق قوانينه الخاصة التي تشمل عقوبات جسدية قاسية، مثل قطع الرؤوس والرجم والتشويه.

شكّل استيلاء التنظيم على قرية تيدارمين شمال ميناكا في أبريل 2023 مرحلة جديدة في ترسيخ سلطته، حيث أطلق حملات دعوية وأنشطة تواصل مجتمعي موسعة. وفي منتصف العام ذاته، أعلن وصوله إلى منطقة تيدجريت، وركّز على كسب دعم الأهالي عبر الدعوة والتجنيد المحلي.
كذلك فرض قيودًا اجتماعية مشددة، منها الفصل بين الجنسين في الأماكن العامة، ومنع تداول السجائر والمخدرات في أسواق البلدات الخاضعة له، مثل تين هاما، فافا، وأوتاغونا.
تثبيت السلطة والتواصل المجتمعي
الهيكل التنظيمي وقيادة العمليات لتنظيم "داعش في الساحل"
يتألف الهيكل التنظيمي لتنظيم "داعش في الساحل" من ثلاثة مستويات رئيسية:
أولًا: القيادة المركزية (مجلس الشورى)
تُعد القيادة المركزية، المتمثلة في مجلس الشورى، أعلى سلطة داخل التنظيم، ويقودها:
الوالي (الحاكم):
ثانيًا: المكاتب التنفيذية
تتولى هذه المكاتب مهام محددة، وتشمل:
مكتب القوانين والعقوبات:
يتولى وضع الأطر العامة لإدارة المناطق التي يسيطر عليها التنظيم، وسنّ العقوبات بحق من يخرق القوانين، مثل حرق المحاصيل الزراعية للفلاحين الذين يرفضون دفع ما يسمى "الزكاة".
مكتب العمليات العسكرية:
مسؤول عن تنسيق العمليات ووضع الخطط العسكرية وتأمين التمويل اللازم لها، إضافة إلى إدارة عمليات التفاوض.
مكتب اللوجستيات (الإمداد):
يختص بتوفير الإمدادات المالية والعسكرية والأسلحة الخاصة بالتنظيم.
مكتب المقاتلين الأجانب:
يتولى شؤون المقاتلين غير المحليين، ومن أبرز قادته: أبو هاشم، أبو عمر الليبي، وأبو جعفر.
المكتب الإعلامي:
يتبع مباشرة مجلس الشورى، ويتولى إنتاج البيانات والتقارير المرئية والمكتوبة الخاصة بالتنظيم.
ثالثًا: التقسيم الميداني (المناطق الخمس)

ينقسم التنظيم ميدانيًا إلى خمس مناطق رئيسية، لكل منها أمير وقادة عسكريون محليون:
المنطقة الأولى:
النطاق الجغرافي: بوركينا فاسو (أودالان وسينو)، غورما في مالي (تسيت)، والنيجر (بانكيلاري وتيرا).
الأمير: سادو تونغوماي (سادو إبراهيم).
القائد العسكري: ألمستافا ولد زيدي.
قادة عسكريون إضافيون: موسى موميني، أومويا ولد ألباكاي، أبو هريرة، ييرو بيلكو، موسى ديبيرولوم، مامودو كاوكا.
المنطقة الثانية:
النطاق الجغرافي: منطقة هاوسا في النيجر (غابيرو، بارا، بورا، أوتاغونا، تين هاما)، وأنسونغو وغاو على الضفة اليسرى لنهر النيجر.
الأمير: بايي أغ عدلي.
القادة العسكريون: أوبيل بوريما، موسى جيبو.
المنطقة الثالثة:
النطاق الجغرافي: تمتد من أمالوالو إلى أكابار وتابانكورت، مع قاعدة رئيسية في إن عربان.
الأمير: أبو البراء الصحراوي.
القادة العسكريون: عبدو تشوغول، عيسى باري.
المنطقة الرابعة:
النطاق الجغرافي: تمتد من ميناكا (مالي) إلى أبالا (النيجر)، مع معقل رئيسي في أنديرامبوكان.
الأمير: زوبييرو.
القائد العسكري: مورتالا ماجادجي.
المنطقة الخامسة:
النطاق الجغرافي: المنطقة الشرقية (أزاواك)، من تيدرمين شمالًا إلى وادي إيزا جنوبًا.
الأمير: جولدي بيروجي (خطّاب).
القائد العسكري: مورتالا ماجادجي.
يقول الأكاديمي المالي والباحث في شؤون دول الساحل، إبراهيم جاغوراغا، إن تنظيم "داعش" لا يشكل قوة رئيسية في مالي، على عكس حضوره في النيجر وبوركينا فاسو. ويؤكد أنه لا توجد اشتباكات مباشرة بين "داعش" و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" داخل الأراضي المالية، إذ يلتزم كل طرف بمناطقه الجغرافية دون تجاوز واضح للحدود، ما يشير إلى توازن ضمني أو اتفاق غير معلن لتجنب الصراع الداخلي واستنزاف القوة.

ويضيف الباحث أنّ ما يجري في مالي هو نتيجة تداخل معقد بين عوامل محلية وإقليمية، من أبرزها: انهيار الدولة في الشمال، غياب التنمية، تنافس القوى الأجنبية، وتوظيف الدين في الصراع السياسي.
ويؤكد أن استمرار غياب الحلول الجذرية يعزز نفوذ الجماعات الجهادية التي ملأت فراغ السلطة وفرضت سيطرتها على مساحات واسعة من الأراضي، بينما يبقى المدنيون الضحايا الرئيسيين بين فكي الجيش والتنظيمات المسلحة.
وبهذه المعطيات، تبدو مالي في مرحلة حرجة من حربها ضد الإرهاب، حيث تتقاطع التحالفات السرية والمصالح الدولية والتحديات المحلية، لتجعل من البلاد ساحة مفتوحة لصراع طويل الأمد بين الدولة والجماعات المتطرفة.