إثيوبيا تمدّ نفوذها في أفريقيا: تفاصيل تحركات أديس أبابا الاستخبارية والعسكرية وأسباب قلق القاهرة والخرطوم

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/31 الساعة 09:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/31 الساعة 09:11 بتوقيت غرينتش
رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد/رويترز

سعت إثيوبيا في الشهور القليلة الماضية إلى "القفز" على المعوقات الجغرافية التي تواجهها، لتتحول إلى فاعلٍ إقليمي يسهم في إعادة تشكيل موازين القوى في القارة الإفريقية، وذلك من بوابة الاقتصاد والتجارة والتكنولوجيا وحتى الإعلام والطاقة، وهي تحركات يراها خبراء وبرلمانيون مصريون أنها تأتي على حساب نفوذ القاهرة والخرطوم في منطقة شرق إفريقيا.

تبدو ملامح هذا التوجه الجديد لإثيوبيا جلية في سلسلة من التحركات الدبلوماسية والاستراتيجية التي اتخذتها الحكومة الإثيوبية خلال الأشهر الأخيرة: من إعادة فتح قنوات التواصل مع أرض الصومال، إلى تعزيز التعاون مع روسيا في مجال الطاقة النووية، والانخراط رسميًا في اتفاقية التجارة الحرة القارية الأفريقية، وصولًا إلى إطلاق مبادرة إعلامية قارية، وتوقيع شراكات عسكرية مع نيجيريا لتصنيع المسيَّرات، واتفاق عسكري مع كينيا.

هذه الخطوات، مجتمعة، لا تعكس فقط طموحًا اقتصاديًا أو سعيًا نحو التكامل، بل مشروعًا سياسيًا متكاملًا لتكريس إثيوبيا قوةً محورية في إفريقيا.

في هذا التقرير، نرصد مظاهر تحركات إثيوبيا في إفريقيا، وكيف تنظر القاهرة والخرطوم إلى ذلك.

مظاهر تحركات إثيوبيا في أفريقيا

أولًا: تفاهمات جديدة مع أرض الصومال

منذ استقلال إريتريا عام 1993 وفقدان إثيوبيا منفذها البحري، أصبح الوصول إلى البحر هدفًا استراتيجيًا لأديس أبابا. واليوم، يبدو أن إثيوبيا قد وجدت ضالتها في أرض الصومال. بعد فترة من الجمود الدبلوماسي عقب انهيار اتفاقية القاعدة البحرية، شهدت العلاقات بين الطرفين تحسنًا ملحوظًا مع زيارة رئيس أرض الصومال، عبد الرحمن إيرو، إلى أديس أبابا في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2025، في أول لقاء رسمي له منذ توليه السلطة.

لم تكن الزيارة، التي شملت محادثات مع رئيس الوزراء آبي أحمد وكبار المسؤولين الإثيوبيين، مجرد زيارة بروتوكولية، بل كشفت عن رغبة حقيقية في بناء شراكة استراتيجية. وتشمل هذه الشراكة اتفاقيات لتصدير الغاز من مشروع أوغادين عبر ميناء بربرة، وتسهيل التبادل التجاري بين الميناء والمناطق الداخلية لإثيوبيا. بالنسبة لأديس أبابا، يمثل التعاون مع أرض الصومال منفذًا بحريًا بديلاً لميناء جيبوتي، الذي تعتمد عليه إثيوبيا حاليًا في أكثر من 90% من وارداتها.

كما تسعى الحكومة الإثيوبية لربط هذا التعاون بمشاريع الطاقة القادمة من سد النهضة، حيث أبدت هرجيسا اهتمامًا بالحصول على الكهرباء المولَّدة من السد. هذا يمنح أديس أبابا نفوذًا إضافيًا في منطقة القرن الأفريقي ويعزز مكانتها كقوة إمداد إقليمية. ورغم أن مستشار آبي أحمد، غيتاتشو رضا، أشار إلى أن بلاده "لن تكون أول من يعترف بأرض الصومال"، إلا أن هذه التصريحات تعكس رغبة في استخدام ملف الاعتراف كورقة ضغط سياسية لخدمة المصالح الإثيوبية مستقبلًا.

ثانيًا: الطاقة النووية من روسيا

بالتوازي مع تحركاتها الإقليمية، تبني إثيوبيا شبكة علاقات استراتيجية مع قوى دولية كبرى، وعلى رأسها روسيا. فقد زار وزير الخارجية الإثيوبي جيديون تيموثيوس موسكو مؤخرًا، حيث التقى وزير التنمية الاقتصادية الروسي ماكسيم ريشيتنيكوف وعددًا من كبار المسؤولين لبحث توسيع التعاون في مجالات الطاقة والتجارة والتكنولوجيا النووية. تمثل هذه الزيارة، وفق معهد الشؤون الخارجية الإثيوبي، خطوة مهمة في جهود الحكومة لتوطيد شراكاتها خارج الدائرة الغربية التقليدية. والأهم أنها تأتي في سياق رغبة أديس أبابا في تقليل اعتمادها على الطاقة الكهرومائية عبر تنويع مصادر الطاقة.

وقد توّجت الزيارة بتوقيع خطة عمل بين شركة "روساتوم" الروسية وشركة الكهرباء الإثيوبية لتطوير أول محطة للطاقة النووية في البلاد، بعد سنوات من التعاون الفني بدأت بتوقيع خارطة طريق عام 2019. هذا المشروع، الذي يُعد سابقة في شرق أفريقيا، سيمنح إثيوبيا قدرات تكنولوجية متقدمة ويعزز استقلالها الطاقوي، وهو ما تراقبه القاهرة عن كثب، خاصة أن مصر هي الدولة الأفريقية الوحيدة التي تمتلك برنامجًا نوويًا متقدمًا قيد التنفيذ بالتعاون مع روسيا أيضًا.

ثالثًا: محاولة لتحقيق التكامل الاقتصادي القاري

لم تكتف إثيوبيا بالتحالفات الثنائية، بل اتجهت إلى تعزيز حضورها داخل المؤسسات القارية الكبرى. فقبل شهرين أعلنت رسميًا دخولها المرحلة التشغيلية لاتفاقية منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، وهي أكبر تكتل تجاري في العالم من حيث عدد الدول المشاركة.

يُنظر إلى هذه الخطوة باعتبارها نقلة نوعية في السياسة الاقتصادية الإثيوبية، وتحولًا من الانغلاق إلى الاندماج القاري. فالاتفاقية، التي تهدف إلى إزالة الحواجز الجمركية وتسهيل حركة السلع والخدمات عبر 54 دولة أفريقية، يمكن أن تفتح أمام أديس أبابا أسواقًا جديدة لصادراتها الصناعية والزراعية. كما أنها تمثل مكسبًا سياسيًا كبيرًا، كون إثيوبيا تستضيف المقر الرئيسي للاتحاد الأفريقي، ما يمنحها نفوذًا مؤسسيًا مضاعفًا في رسم أجندة القارة الاقتصادية.

وتحاول أديس أبابا من خلال هذه الخطوة تقديم نفسها كقوة اقتصادية صاعدة قادرة على قيادة التكامل الأفريقي، في مقابل نفوذ القاهرة التي لطالما احتفظت بدور مركزي داخل الاتحاد الأفريقي. ومع أن مصر هي إحدى الدول الداعمة للاتفاقية، فإن بطء اندماجها الاقتصادي الإقليمي يمنح إثيوبيا فرصة لتصدر المشهد الاقتصادي القاري.

لكن التحدي الأكبر أمام نجاح الاتفاقية في الحالة الإثيوبية هو الداخل المضطرب. فبعد سنوات من الحرب في تيغراي والصراعات في أمهرة وأوروميا، تواجه الحكومة تحديًا يتمثل في تحويل الاستقرار النسبي إلى قاعدة للنمو الاقتصادي. ومع ذلك، فإن إصرارها على تنفيذ الاتفاقية الآن يعكس رغبة في توظيف الاقتصاد كأداة لاستعادة الشرعية وتعزيز النفوذ الخارجي.

رابعًا: نبض أفريقيا – مشروع إعلامي بنَفَس سياسي

في خطوة رمزية بارزة، أطلق رئيس الوزراء آبي أحمد في أديس أبابا مبادرة "نبض أفريقيا" (Pulse of Africa)، وهي منصة إعلامية جديدة تسعى إلى "إعادة صياغة صورة القارة" في الإعلام العالمي. تتجاوز هذه المبادرة، التي تبدو ثقافية في ظاهرها، كونها مجرد مشروع ثقافي، لتكون جزءًا أساسيًا من استراتيجية القوة الناعمة الإثيوبية. تهدف الحكومة من خلالها إلى ترسيخ مكانة أديس أبابا كمركز فكري وإعلامي للقارة الأفريقية. ويأتي ذلك طبيعيًا بالنظر إلى أن العاصمة الإثيوبية ستكون المقر الرئيسي للمبادرة، وهي تحتضن أيضًا مقر الاتحاد الأفريقي والعديد من المنظمات الإقليمية، ما يجعلها نقطة ارتكاز مثالية للنفوذ الثقافي والسياسي.

خلال حفل الإطلاق، شدد آبي أحمد على أهمية "ملكية السرد" التي لا تقل عن "ملكية الموارد"، مؤكدًا ضرورة أن "تحكي أفريقيا قصتها بنفسها". ووفقًا للمسؤولين الإثيوبيين، تهدف المبادرة إلى التعاون مع هيئات البث الوطنية والصحفيين المستقلين في القارة لإنتاج محتوى إعلامي يسلط الضوء على قصص النجاح الأفريقية ويعزز الوحدة والتكامل في القارة.

خامسًا: تحالف الطائرات المسيَّرة مع نيجيريا

على الجانب العسكري، دخلت إثيوبيا مرحلة جديدة من التصنيع الدفاعي بالشراكة مع نيجيريا، حيث يعمل البلدان على مشروع لتصنيع طائرات مسيَّرة (درونز) محلية الصنع لأغراض مدنية وعسكرية. ففي الأسابيع الماضية، استقبلت أديس أبابا وفدًا من القوات الجوية النيجيرية في جولات داخل منشآت التصنيع العسكرية، بينما تعهدت أبوجا باستقبال وفد إثيوبي لزيارة مؤسسات التدريب العسكري. وتُعد هذه الشراكة تتويجًا لتوجه أفريقي متصاعد نحو تقليص الاعتماد على الموردين الخارجيين من الصين وتركيا وإيران.

نيجيريا تمتلك خبرة معتبرة في هذا المجال منذ إطلاقها أول مسيَّرة محلية "تسايغومي" عام 2018، ثم تطوير مسيَّرة انتحارية باسم "داميسا" عبر مصنع "تيرا هابتكس" القادر على إنتاج 10 آلاف مسيَّرة سنويًا. أما إثيوبيا، فقد دشنت في مارس الماضي مصنعها الوطني للمسيَّرات عبر شركة "سكاي وين إيرونتيكس"، وهو ما اعتبره آبي أحمد "إنجازًا وطنيًا يعكس تحول البلاد من مستهلك إلى مُنتج للتكنولوجيا العسكرية".

ومنذ الحرب في تيغراي، أثبتت المسيَّرات دورًا حاسمًا في المعارك، ما جعل تطويرها محليًا هدفًا استراتيجيًا لإثيوبيا التي تريد خفض الاعتماد على الموردين الخارجيين وتوطين الصناعة الدفاعية. ويتوقع أن التعاون بين نيجيريا وإثيوبيا، وهما أكبر دولتين سكانًا في القارة، قد يشكل نواة لمجمع صناعي دفاعي أفريقي، ويمنح القارة استقلالية أكبر في إدارة أمنها بعيدًا عن النفوذ الأجنبي.

سادسًا: التحالف العسكري مع كينيا

شهدت العاصمة الإثيوبية أديس أبابا توقيع اتفاقية دفاعية جديدة بين إثيوبيا وكينيا، هي الثانية منذ اتفاق عام 1963، في ظل توترات حدودية وتنافس إقليمي متصاعد. وتهدف الاتفاقية إلى تعزيز الاستقرار الإقليمي عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية، والتدريب العسكري، وتطوير الصناعات الدفاعية، ومكافحة الإرهاب، وحماية الحدود.

يمتد التعاون ليشمل مجالات الطاقة والاقتصاد، من خلال اتفاقية لشراء الكهرباء وإنشاء خط نقل بطول 1045 كيلومترًا يربط إثيوبيا بكينيا بطاقة مبدئية قدرها 200 ميجاوات ترتفع إلى 400 ميجاوات، اعتمادًا على فائض إنتاج سد النهضة. ويُتوقع أن يعزز المشروع التكامل الاقتصادي ويوفر طاقة نظيفة بأسعار تنافسية، مع خطط لتوسيع الشبكة لتشمل دولًا أخرى في شرق أفريقيا. كما يشمل التعاون مكافحة الإرهاب والمشاركة المشتركة في بعثة الاتحاد الأفريقي بالصومال، إلى جانب تدريبات عسكرية متقدمة تشمل سيناريوهات للهجمات الإرهابية والكوارث الطبيعية. وبذلك تمثل الاتفاقية إطارًا عمليًا يجمع بين الدفاع والأمن والتنمية الاقتصادية، ويعكس توجه البلدين نحو شراكة متوازنة ومستدامة في شرق القارة.

وتشعر إريتريا بالتهديد من النفوذ الإثيوبي المتزايد ومساعيها للوصول إلى البحر الأحمر، ما دفعها لإقامة تحالفات مع دول مثل مصر لمواجهة أي تحركات إثيوبية محتملة. وفي المقابل، ترى إثيوبيا في تحالفها مع كينيا فرصة لتعزيز وجودها الإقليمي وإعادة توازن القوى في شرق أفريقيا. ويهدف هذا التعاون إلى التصدي للتهديدات الأمنية المشتركة، مثل تهريب الأسلحة والمخدرات والهجمات الإرهابية، وخاصة نشاط حركة الشباب في الصومال، فضلاً عن مواجهة محاولات إثارة النزاعات في مناطق مثل تيغراي وأوروميا.

توسيع نفوذ إثيوبيا

لا يرى الجانب الإثيوبي أزمة في هذه التحركات، بل يعتبرها طبيعية في ضوء ما تسعى إليه إثيوبيا من التقدم والنهضة في مختلف مساراتها السياسية والعسكرية، وهو ما يشير إليه موسى شيخو، نائب المسؤول في مكتب الاتصالات الحكومي بإقليم أوروميا، في تصريحاته ، بأن إثيوبيا تتخذ خطوات واضحة لتعزيز نفوذها في القارة الأفريقية بصفتها دولة كبيرة ولها مكانة مرموقة بين دول القارة.

وأوضح شيخو أن هذه التحركات الإثيوبية "لا علاقة لها بمصر أو السودان"، مشيرًا إلى أن ما تقوم به إثيوبيا يأتي من منطلق سعيها لتأمين مصالحها الوطنية وتحقيق أهدافها التنموية والسياسية، وهو أمر طبيعي لكل دولة تسعى لحماية مصالحها وتحقيق طموحاتها.

وأشار شيخو إلى أن الاتفاقية التي أبرمتها إثيوبيا مع روسيا للحصول على الطاقة النووية تُعد خطوة طبيعية ضمن خطة إثيوبيا لتطوير قدراتها التكنولوجية والصناعية، مؤكدًا أن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يسعى إلى دفع إثيوبيا نحو مرحلة جديدة من التطوير والازدهار. وأضاف أن هذه الخطوة تأتي بعد النجاحات التي حققتها إثيوبيا على الصعيد التنموي، أبرزها مشروع سد النهضة، الذي تم افتتاحه في الأسابيع الأخيرة، وهو ما يعكس قدرة إثيوبيا على تنفيذ مشاريع كبرى تؤهلها لتكون دولة فاعلة ومؤثرة إقليميًا ودوليًا.

وعن الاتفاقية الدفاعية بين إثيوبيا وكينيا، شدد شيخو على أن هذه الخطوة تأتي في إطار تحولات إقليمية عميقة، متزامنة مع تجدد نذر صراع مسلح محتمل بين إثيوبيا وإريتريا خلال السنوات الأخيرة. وبيّن أن هذا السياق الإقليمي يشهد تدخلات متباينة من دول وجهات مختلفة، ما يجعل من التعاون الدفاعي بين إثيوبيا وكينيا خطوة استباقية مهمة للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.

وأشار شيخو إلى أن إريتريا تشعر بالتهديد من توسع النفوذ الإثيوبي ومحاولاته للوصول إلى البحر الأحمر، لذلك قامت بتكوين تحالفات مع دول مثل مصر لمواجهة أي تحرك إثيوبي محتمل. وفي المقابل، يمثل التحالف الإثيوبي–الكيني فرصة لإثيوبيا لتعزيز وجودها الإقليمي وإعادة رسم موازين القوة في شرق أفريقيا. وأكد شيخو أن هذا التحالف يتيح لإثيوبيا مواجهة أي محاولات لإثارة النزاعات في مناطق حساسة مثل تيغراي وأوروميا، التي تشهد أحيانًا نشاطًا مسلحًا معقدًا يتطلب تنسيقًا استخباراتيًا وعسكريًا محكمًا، بما يعكس وعي الحكومة الإثيوبية بأهمية إدارة الأزمات داخليًا وإقليميًا.

وأوضح شيخو أن الاتفاقية الدفاعية بين إثيوبيا وكينيا تعكس إدراك الدولتين المتزايد لأهمية الأمن الجماعي والاستقرار في المنطقة، وأنهما تسعيان من خلال هذا التعاون إلى بناء آلية دفاع مشتركة قادرة على الردع وإدارة النزاعات دون الحاجة إلى تدخل أجنبي. وأضاف أن التحالف الإثيوبي–الكيني يظهر حنكة سياسية ودبلوماسية، ويعكس قدرة الدولتين على تجاوز الضغوط الإقليمية والدولية لصالح المصلحة المشتركة، ويعد رسالة واضحة للقوى الغربية والدول المجاورة بأن إثيوبيا وكينيا قادرتان على صياغة استراتيجيات دفاعية متكاملة تشمل مواجهة تهديدات مثل الإرهاب وتهريب الأسلحة والهجمات العابرة للحدود.

وبخصوص الحديث المصري عن تأثير النفوذ الإثيوبي على القاهرة، شدد شيخو على أن أفريقيا قارة واسعة ومتنوعة، وأن لكل دولة الحق في التحرك وصنع تحالفات أو إنشاء اتفاقيات جديدة بما يخدم مصالحها الوطنية. وأضاف أن ما تقوم به إثيوبيا يعد جزءًا طبيعيًا من الديناميكيات السياسية والإقليمية في القارة، وهو مؤشر على قدرة الدولة على حماية مصالحها دون النظر إلى ضغوط أي دولة أخرى.

وفيما يتعلق بعلاقات إثيوبيا مع أرض الصومال، أكد شيخو أن بناء علاقات استراتيجية مع الإقليم أمر طبيعي ولا يشكل أي عقبة، موضحًا أن مصلحة إثيوبيا تقتضي إقامة علاقات متوازنة مع جميع دول أفريقيا على حد سواء، وأن هذا النهج يعكس فهمًا عميقًا للدور الذي يمكن أن تلعبه إثيوبيا في تعزيز الاستقرار والتنمية الإقليمية. وأوضح أن العلاقات مع أرض الصومال ليست استثناءً، بل جزء من رؤية إثيوبيا الشاملة لتعزيز حضورها الإقليمي بطريقة مدروسة ومتوازنة، بما يضمن مصالحها وأمنها القومي.

رفض مصري

في المقابل، ورصدًا لهذه التحركات الإثيوبية في شرق إفريقيا، اعتبرت أصوات فاعلة في القاهرة أن هذه التحركات ما هي إلا جزء من مساعي أديس أبابا لتعزيز نفوذها الإقليمي على حساب الدور المصري التقليدي في القارة. حيث قالت النائبة أسماء الجمال، عضو لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان المصري، إن إثيوبيا لم تلتزم بأي من المعاهدات الدولية المتعلقة بنهر النيل، وهو ما تجلى في بناء سد النهضة دون تنسيق مع الدول المتأثرة، لا سيما مصر والسودان. ووفقًا للجمال، فإن هذا التصرف يعكس رغبة إثيوبيا في تقديم نفسها كدولة كبرى داخل المشهد الأفريقي، بينما تُهمّش قواعد التعاون والالتزام القانوني التي عادة ما تتبعها الدول الكبرى.

وأشارت الجمال إلى أن الدول الكبرى تتميز بالالتزام بالقوانين والمعاهدات مع الدول الأخرى، بينما تتبع إثيوبيا سياسة مغايرة، ساعية إلى منافسة النفوذ المصري في مناطق استراتيجية بالقارة. وأضافت أن إثيوبيا تحاول أن تضع نفسها في نفس المواقع الجغرافية التي يتمتع فيها النفوذ المصري بقوة، مستشهدة بحالات عدة، مثل الصومال وإريتريا. ففي حين أبرمت مصر اتفاقيات عسكرية وأمنية مع هاتين الدولتين خلال الأسابيع الأخيرة، سارعت إثيوبيا إلى توقيع اتفاقيات مماثلة مع إدارة أرض الصومال، في محاولة لإظهار وجودها ضمن نفس البيئة الجغرافية التي يتمركز فيها النفوذ المصري.

وأوضحت الجمال أن الاتفاق الإثيوبي–الكيني الأخير لا يعدو أن يكون محاولة واضحة لمواجهة النفوذ المصري في شرق إفريقيا. وأشارت إلى أن مساعدة إثيوبيا لكينيا في تطوير مشاريع مائية على نهر النيل تستفيد من خبرة إثيوبيا في بناء وتشغيل سد النهضة، بما قد يمس المصالح المائية لمصر ويهدد استقرار حصتها من مياه النيل.

وأكدت الجمال أن التمدد الإثيوبي في علاقاته مع نيروبي يعكس استراتيجية ممنهجة لزيادة حضور إثيوبيا الإقليمي على حساب الدور المصري التقليدي في القارة. وقالت إن الاتفاق المصري–الصومالي–الإريتري الذي تم قبل عدة أشهر لدعم الأمن والاستقرار في منطقة القرن الإفريقي كان دافعًا لإثيوبيا للبحث عن حلفاء جدد في إفريقيا، في ظل توترات مستمرة مع جارتها إريتريا والصومال. هذا التوسع يعكس ديناميكيات جديدة في المنطقة، حيث تسعى كل دولة إلى تعزيز حضورها الاستراتيجي وتحقيق مكاسب جيوسياسية على حساب الجيران، في بيئة متشابكة من النفوذ والمصالح الإقليمية.

وفي هذا السياق، تبدو إثيوبيا وكأنها تتبع نهجًا مزدوجًا؛ حسبما تقول البرلمانية المصرية، فهي من جهة تقدم نفسها كدولة كبرى قادرة على فرض حضورها، ومن جهة أخرى تستفيد من الفراغات الأمنية والسياسية في بعض الدول الأفريقية لتوسيع دائرة نفوذها، بما يخلق تحديات جديدة أمام التحالفات التقليدية التي تقودها القاهرة في شرق إفريقيا. ووفقًا للجمال، فإن هذه التحركات لن تقتصر على المستوى السياسي فحسب، بل قد تمتد لتشمل استثمارات استراتيجية ومشاريع مائية واقتصادية، في محاولة لإعادة تشكيل خريطة النفوذ الإقليمي وفق مصالح إثيوبيا.

تحذير من نفوذ متصاعد

وفي ظل تصاعد تحركات إثيوبيا على الساحة الأفريقية، يبدو أن القاهرة والخرطوم أمام تحديات استراتيجية متعددة، تستدعي اهتمامًا دبلوماسيًا واستخباراتيًا متواصلًا. السفير المصري حسن هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أكد أن المرحلة الراهنة تمثل اختبارًا لقدرة مصر والسودان على حماية مصالحهما في ضوء التوسع الإثيوبي، مشيرًا إلى أن هناك واجبًا كبيرًا على البلدين لتعزيز التنسيق والتشاور المشترك لمواجهة أي تداعيات محتملة نتيجة سد النهضة أو أي تحركات أخرى تسعى إثيوبيا من خلالها إلى توسيع نفوذها في القارة.

وأوضح هريدي أن مصر والسودان يوليان أهمية قصوى للتنسيق المستمر بشأن سد النهضة، حيث إن الموقف المصري، حسب قوله، يتميز بالوضوح والحزم تجاه أي تصرفات من جانب إثيوبيا قد تؤثر على إدارة السد أو تحاول استغلاله كأداة للضغط السياسي أو المائي. ومع ذلك، شدد هريدي على أن مجرد الحزم في المواقف لا يكفي، بل يتطلب الأمر متابعة دقيقة ومستوى عالٍ من التنسيق بين القاهرة والخرطوم لمواجهة أي سيناريوهات محتملة، سواء كانت سياسية أو مائية أو اقتصادية، قد تنشأ نتيجة هذه التحركات.

وأكد هريدي أن مصر لا ترفض أي اتفاقيات أو تحركات إثيوبية على المستوى الأفريقي، شريطة ألا تمس الحقوق المائية لمصر في نهر النيل، أو تقلل من النفوذ المصري في القارة، موضحًا أن السد يجب أن يكون أداة للتنمية المشتركة بين الدول الثلاث، وليس وسيلة للضغط السياسي أو لتعزيز النفوذ الأحادي. وأضاف أن هذا الموقف يعكس الحرص المصري على الحفاظ على التوازن بين مصالحه الوطنية وحقوقه المائية، وبين الحفاظ على العلاقات الإقليمية في شرق أفريقيا.

وأشار هريدي بشكل خاص إلى اتفاقية إثيوبيا وكينيا، واعتبرها نموذجًا للتحركات الإثيوبية التي تشمل مشاريع مائية مشتركة، فضلاً عن تعاون استخباراتي وعسكري محتمل، مشددًا على أن هذه التحركات قد تسعى لتقليص النفوذ المصري في القارة وفي نهر النيل على حد سواء. ورغم ذلك، أكد السفير أن مصر ترحب بالتحركات الإثيوبية المشروعة طالما أنها لا تمس الوضع القائم للنيل ولا تهدد الدور الاستراتيجي لمصر والسودان في المنطقة، مشيرًا إلى أن الهدف الرئيسي يجب أن يظل التنمية المشتركة والاستفادة من الموارد بشكل متوازن.

وعن الاستراتيجية المصرية لمواجهة هذه التحركات، شدد هريدي على أن الأمر لا يقتصر على الموقف الدبلوماسي الرسمي، بل يشمل مراقبة دقيقة للاتفاقيات والمشاريع الإثيوبية، وتحليل تأثيراتها على المصالح المصرية والسودانية، إضافة إلى تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين على مستوى الاستخبارات، والتنسيق السياسي، ورفع مستوى الوعي حول المخاطر المحتملة. وأوضح أن التنسيق المستمر بين القاهرة والخرطوم يمكن أن يحول أي تحركات إثيوبية محتملة إلى فرص للتعاون الإقليمي بدلاً من أن تكون مصدر توتر، إذا ما تم التعامل معها بذكاء وحكمة.

وأكد هريدي على أن المرحلة الحالية حساسة جدًا، وأن مصر والسودان أمام مسؤولية تاريخية للحفاظ على مصالحهما المائية والاستراتيجية في مواجهة أي محاولات لإعادة تشكيل النفوذ في شرق أفريقيا، مؤكدًا أن سد النهضة يجب أن يظل أداة للتنمية المشتركة، وليس سلاحًا للضغط أو للابتزاز السياسي، وأن اليقظة والمتابعة الدقيقة لكل التحركات الإثيوبية هي السبيل للحفاظ على التوازن الاستراتيجي في المنطقة.

علامات:
تحميل المزيد