هل استغلت الحكومة المصرية التأييد الشعبي بعد وقف حرب غزة لرفع أسعار الوقود؟ 

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/23 الساعة 13:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/23 الساعة 13:38 بتوقيت غرينتش
مديرة صندوق النقد الدولي ورئيس الوزراء المصري في القاهرة/ رويترز

جاء قرار الحكومة المصرية برفع أسعار الوقود بعد أيام من التوقيع على اتفاق "وقف إطلاق النار" في قطاع غزة والذي حظي بترحيب شعبي واسع، وكذلك بعد أن حصدت مصر منصب مدير منظمة اليونسكو بعد انتخابات سهلة حسمها وزير السياحة السابق خالد العناني، وبالتزامن مع ارتفاع قيمة الجنيه في مقابل الدولار ووجود تصريحات عن مؤشرات اقتصادية عديدة أكدت تحسن الاقتصاد المصري وارتفاع معدلات النمو، وهو ما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الحكومة قد وظفت هذه الحالة الإيجابية لصالح اتخاذ هذه القرارات التي واجهت اعتراضات شعبية.

حالة الرضا والتحمل لسنوات ليس شيكاً مفتوحاً

وقال مصدر حكومي مطلع، إن توقيت اتخاذ القرار لا يخلو من بعد سياسي إلى جانب آخر يرتبط بموعد مسبق يرتبط بموعد انعقاد لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية، مشيراً إلى أن الحكومة رأت في حالة الرضا الشعبي بعد نجاح الدولة المصرية في وقف الحرب على قطاع غزة قيادتها مسار التهدئة فرصة مناسبة لتمرير قرارات صعبة كان من الصعب الإقدام على اتخاذها في حال كانت هناك حالة من السخط في الشارع، إذ أنها تضع اتجاهات الرأي العام في اعتبارها في جميع المرات التي أقدمت عليها في زيادة أسعار الوقود والخدمات بوجه عام.

وأوضح أن أوقات الغضب من سياساتها يصعب معه اتخاذ قرارات تؤدي لمزيد من التململ في الشارع، وهي سعت خلال السنوات الماضية لاتخاذ قرارات صعبة عديدة تحت تأثر المصريين بحالات الفوضى التي شهدتها دول مجاورة وسعيهم للحفاظ على حالة الاستقرار في بلدهم، إلى جانب اقتناع قطاعات كبيرة من المصريين بأنهم أمام دواء مر لابد أن يتجرعونه بحثاً عن الخروج من المأزق الاقتصادي الصعب الذي يواجهونه.

وأشار إلى أن الحكومة يغيب عنها أن حالة الرضا والتحمل لسنوات ليس شيكاً مفتوحاً، وأن المواطنين رغم صبرهم على الأزمات المعيشية التي يمرون بها لكنهم ينتظرون التطلع لتحسن حياتهم ورؤية سياسات عادلة لتوزيع الأعباء بإنصاف بعد أن تحملت الطبقة الوسطى والفقراء بالطبع الجزء الأكبر من فاتورة سياسات رفع الدعم خلال السنوات الماضية، وهؤلاء ليس لديهم غضاضة في تحمل المزيد شريطة أن يكون هناك إصلاح اقتصادي حقيقي يشعرون به.

ولفت إلى أن المصريين لا يرفضون خفض الدعم من حيث المبدأ لكنهم يرفضون أن يتم رفعه دون أن يروا بدائل حقيقية تساعدهم على تحمل تكاليف المعيشة، وليس لدى أغلبهم شبكات أمان اجتماعي تحميهم من آثار القرارات الاقتصادية، والمصريين أصبحوا أكثر وعياً الآن ورغم أن ذلك توظفه الحكومة لصالح مزيد من اتخاذ القرارات الصعبة لكنه قد ينقلب عليها بين ليلة وضحاها إذا شعروا بأنه لا أمل وأنه لا يوجد حساب لمن أخطأوا في اتخاذ قرارات اقتصادية لم تؤتي العائد منها.

وكانت لجنة التسعير التلقائي للمواد البترولية، قررت الخميس الماضي رفع أسعار البنزين والسولار مرة جديدة بواقع جنيهين للتر، أي بنسبة تتراوح ما بين 10.5٪ و13٪ بداية من صباح الجمعة الماضي، كما رفعت رفع سعر بنزين 95 بنسبة 10.5٪، ليصل إلى 21 جنيها للتر، مقابل 19 جنيها حاليا، وبنزين 92 بنسبة 11.6٪، ليصل إلى 19.25 جنيه مقابل 17.25 جنيه.

وارتفع سعر بنزين 80 بنسبة 12.7٪، إلى 17.25 جنيه، مقابل 15.25 جنيه، في حين بلغت الزيادة في سعر السولار نحو 13٪، ليصل إلى 17.5 جنيه للتر، وقررت اللجنة رفع اسعار متر الغاز للسيارات بنحو 3 جنيهات، ليصل إلى 10 جنيهات للمتر مقابل 7 جنيهات في السابق.

وسبق لمصر أن رفعت أسعار الوقود في أبريل الماضي بنحو جنيهين للتر، أي ما يعادل زيادة تقارب 15٪، متوقعةً أن تحقق وفراً قدره 35 مليار جنيه (نحو 700 مليون دولار) في ميزانية السنة المالية 2025-2026.

وأعقب ذلك قرارات أخرى من شأنها أن تزيد العبء على المواطنين منها موافقة مجلس الوزراء منذ يومين على رفع أسعار العائد في مبادرة التمويل العقاري لمحدودي الدخل من 3% إلى 8%، ومتوسطي الدخل من 8% إلى 12% مما يعني أن المواطن الذي يريد الحصول على وحدة سكنية مدعومة سيجد نفسه مكبل بمجموعة من الشروط والتكاليف تمنعه من الحصول عليها. 

تسكين المواطنين بتصريحات معسولة

وقال نائب برلماني معارض، تحدث شريطة عدم ذكر اسمه، إن توقيت اتخاذ قرار الحكومة المصرية يبدو غريباً لأنها كانت منتهية للتو من معركة خارجية حققت فيها إنجازاً مهماً وكان من المفترض استثمار هذه الحالة لكسب مزيد من التأييد لدى الشارع وإزالة أسباب احتقان سابقة، لكن جاء قرار رفع أسعار الوقود ليحدث انتكاسة في علاقة الحكومة بالمواطنين، وبدلاً من تعزيز الجبهة الداخلية وتحصينها ذهبنا إلى منعطف آخر وهو زيادة في الأسعار ليس فقط في الوقود ولكن في كثير من السلع وخدمات النقل.

وأوضح أن الحكومة لم تراعي التأثيرات السلبية لارتفاع أسعار السولار وانعكاساته السلبية على غالبية المجتمع، كما أنها خدعت المواطنين حينما قالت أننا أمام زيادة أخيرة قبل أن تغير رأيها لتقول أنها سوف تثبت الأسعار لمدة عام ما يشير لوجود زيادات أخرى منتظرة، والأكثر من ذلك أنها ليس لديها رقابة حقيقية على الأسواق لمنع انفلات الأسعار، مشيراً إلى أن حكومة مدبولي بحلتها الحالية قامت برفع أسعار الوقود ثلاث مرات في غضون عام وشهرين وهو أمر غير منطقي.

ولفت إلى أن زيادات الأسعار هذه المرة تأتي رغم انخفاض أسعار الوقود عالمياً، وأن الحكومة اعتادت على تقديم مسكنات للمواطنين قبل أن تتراجع عنها إذ أنها سبق وقالت أنها سوف تخفض أسعار الوقود حال تراجع سعر الوقود عالميا لكن هذا لم يحدث، وبدا أنها توظف تسكين المواطنين بتصريحات معسولة قبل أن تُقدم على اتخاذ قرارات معاكسة، مشيراً إلى أنه في حال استطاعت الحكومة تجاوز السخط الشعبي الحالي فإنها لابد أن تعرف بأن المواطنين قد وصلوا أقصى مراحل الصبر، وسيكون عليها مراجعة توقيتات اتخاذ القرارات القادمة.

ويعتقد المصدر ذاته أن الحكومة لا تضع في اعتبارها كثيراً مدى اهمية استثمار موقف حظيت فيه بتأييد شعبي واسع، وليس لديها الحس السياسي الذي يجعلها تفكر بهذا المنظور، بخاصة وأننا كنا أمام انتصار مفصلي في أزمة غزة ووقف الحرب وتجاوز إشكالية غرق بعض أراضي الدلتا بسبب سد النهضة والحصول على منصب عالمي إلى جانب افتتاح المتحف المصري الكبير الذي ينتظره العالم ويتحمس إليه المصريين.

وفي أبريل الماضي، قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي إن الحكومة تعتزم تنفيذ خطة لرفع دعم الوقود تدريجيًا بحلول نهاية عام 2025، مع الاستمرار في تقديم دعم جزئي لمنتجات محددة، أبرزها السولار وأسطوانات غاز الطهي.

وبلغ متوسط سعر برميل النفط في موازنة العام المالي الحالي عند 75 دولارًا، مقابل 82 دولارًا في موازنة 2024-2025.

وخفضت الحكومة في موازنة العام المالي الحالي مخصصات دعم الوقود في مصر إلى 75 مليار جنيه، مقابل 154 مليار جنيه مُقدرة في العام المالي المنتهي في يونيو/ حزيران الماضي.

ضغوط صندوق النقد

توقع محللون أن يدفع تطبيق مصر زيادة جديدة على أسعار الوقود إلى تسارع معدلات التضخم خلال الشهرين المقبلين ليرتد لمستويات تتراوح بين 12.5% و14%، وذلك بعد أن شهدت معدلات التضخم في مصر سلسلة تراجعات متتالية على مدار الأشهر الماضية، لينخفض من مستوى 16.8% في مايو 2025 إلى 11.7% في سبتمبر الماضي.

قال خالد صبري، المتحدث باسم شعبة المخابز، إن رفع أسعار البنزين والسولار أدى إلى توقعات بارتفاع أسعار الخبز السياحي بنسبة 10 إلى 15%، لكنه شدد على أن سعر رغيف الخبز التمويني المدعوم سيظل كما هو 20 قرشًا للرغيف.

وقال نائب برلماني آخر، إن الحكومة سرقت الفرحة من المصريين، لكنها لديها مبرراتها السياسية والاقتصادية وراء اتخاذ القرار في هذا التوقيت لأنها تريد أن تخفف من ضغوط صندوق النقد عليها والذي يطالب بالإسراع في تنفيذ برنامج الطروحات والتخارج من المشروعات لصالح القطاع الخاص، وهي تنتظر تمرير الشريحة الخامسة والسادسة من قرض الصندوق وهو ما يوفر لديها مزيد من الوعاء الدولاري الذي يقود لتحسين وضعية الجنيه في مقابل الدولار.

ولفت إلى أن الحكومة التي تجعل المواطنين يطرحون تساؤلات عديدة حول أسباب الانقضاض على لحظات الفرحة لم توضح ما هي المعادلة السعرية التي تعتمدها في تسعير المحروقات، وكيف سيتم تعويض المواطنين اجتماعياً ولماذا تمضي في  سياسة قديمة قائمة على توفير بعض الحماية الاجتماعية للفقراء دون أن تنظر إلى الطبقات المتوسطة والتي أصبحت فقيرة، وإلى أي مدى سوف تعتمد على جيب المواطن لحل أزماتها دون أن تفكر في رؤى مبتكرة لتحسين الوضع الاقتصادي؟

وقالت وزارة البترول أن قرار زيادة أسعار الوقود يأتي في إطار حرص الدولة على تحقيق استقرار في تكلفة الطاقة، وتقليل الفجوة بين الأسعار المحلية والعالمية، مع استمرار تشغيل معامل التكرير بكامل طاقتها وسداد مستحقات الشركاء الأجانب، وإقرار حوافز جديدة لجذب الاستثمارات وزيادة الإنتاج المحلي لتقليل الاعتماد على الاستيراد.

مبررات اقتصادية تسوقها الحكومة بسبب تراكم الخسائر

وأوضح الرئيس عبدالفتاح السيسي، إن الأموال التي تدفعها الحكومة لدعم أسعار البنزين والوقود "من السلف"، مضيفا خلال الندوة التثقيفية، الأحد: "الفرق بين سعر الوقود ودعمه رقم أقل من اللي بتقول عليه ده، صحيح، بس أنت عارف إني بدعم الوقود ده بالسلف، فالجنيه اللي بحطه في الوقود ده، مش جنيه، ده جنيه مضاف إليه السلف، اوعوا تتخلوا عن مسؤوليتكم في تغيير الواقع، اوعوا، لازم ناخد بالأسباب وبالجهد والتحمل".

ويأتي القرار ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي، في وقت تترقب فيه القاهرة صرف شريحة جديدة بقيمة 1.2 مليار دولار عقب المراجعتين الخامسة والسادسة المقررتين خلال أكتوبر الجاري.

وقال صندوق النقد الدولي في مارس آذار الماضي إن مصر لا تزال ملتزمة بخفض دعم الطاقة وجعل الأسعار المحلية متماشية مع التكلفة الفعلية بحلول ديسمبر كانون الأول المقبل، في الوقت الذي تعمل فيه على خفض العجز الكبير في ميزان المعاملات الجارية.

وبحسب خبير اقتصادي بوزارة المالية، فإن هناك مبررات اقتصادية تسوقها الحكومة لرفع أسعار الوقود في هذا التوقيت لأنها تعاني تراكم خسائر سابقة بين سعر التكلفة والبيع في حين أنها تتبنى سياسة اقتصاديات السوق الحر فيما يتعلق بأسعار الخدمات على أن تبقى أكثر حضوراً في المشروعات القومية الكبرى، مشيراً إلى أن فاتورة استهلاك المشتقات البترولية تضاعفت خلال هذا العام مع تراجع الإنتاج المحلي من الغاز الطبيعي والتحول من التصدير إلى الاستيراد وبالتالي كان لابد من تحميل المواطنين جزء من هذه الفاتورة.

وأكد أن زيادة أسعار الوقود كان من المتوقع أن تبقى أكبر من ذلك غير أن انخفاض أسعار النفط عالمياً أنقذ المصريين، وتخشى الحكومة من ارتفاعات جديدة في أسعار النفط العالمي حال لم تستقر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي تركب الباب مفتوحاً أمام زيادات أخرى، موضحاً أن تراجع قيمة الجنية واستمرار عجز الموازنة المرتفع يتم ترجمته في الزيادات الأخيرة بخاصة بعد أن بلغ دعم المواد البترولية في الموازنة نحو 150 مليار جنيه قبل احتساب الزيادة الأخيرة، وفي حال عدم الزيادة كان من المتوقع أن يصل قيمة الدعم إلى 200 مليار جنيه الموازنة الحالية.

ارتفع الدين الخارجي لمصر بنحو 6 مليارات دولار منذ بداية 2025، ليصل إلى 161.2 مليار دولار في نهاية الربع الثاني، وفق ما أظهرت بيانات البنك المركزي ووزارة التخطيط.

كان الدين الخارجي قد سجل 155.1 مليار دولار في الربع الرابع من 2024، قبل أن يواصل مساره التصاعدي خلال 2025.

تحميل المزيد