الخطر القادم من سيناء”.. كيف يروج اليمين الإسرائيلي لاحتمال اندلاع مواجهة عسكرية “وشيكة” مع مصر؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/24 الساعة 07:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/24 الساعة 07:10 بتوقيت غرينتش
اليمين المتطرف الإسرائيلي يروج لاحتمال اندلاع حرب مع مصر/ عربي بوست

بات احتمال اندلاع حرب بين إسرائيل ومصر حديث وسائل إعلام إسرائيلية، خاصة تلك المعروفة بدعمها لليمين المتطرف وسياسة بنيامين نتنياهو، التي صعّدت مؤخراً من حملتها على القاهرة، خصوصاً في ظل التحركات الميدانية العسكرية الأخيرة لمصر على الحدود في سيناء، والتصريحات الأخيرة للمسؤولين المصريين التي وصلت إلى حد وصف إسرائيل بـ"العدو".

وزعمت تقارير إعلامية إسرائيلية أن هذه التطورات الأخيرة تفسح المجال للتكهن بإمكانية تطور الموقف العملياتي إلى مواجهة مسلحة حقيقية بين إسرائيل ومصر، قد تكون الأولى منذ خمسين عاماً، في حال عجز البلدين عن إيجاد حلول عاجلة أو تسويات للإشكاليات العالقة بينهما، لا سيما تلك المتعلقة بتبعات حرب الإبادة الإسرائيلية الدائرة في قطاع غزة.

من خلال هذا التقرير سنرصد كيف يروج ضباط ومسؤولون سابقون لنظرية التهديد القادم من مصر، عبر تصريحاتهم لمواقع وقنوات إخبارية إسرائيلية، وكيف يتسبب ذلك في تهييج الداخل الإسرائيلي، وهل فعلاً يمكن الحديث عن تهديد عسكري مصري محتمل لإسرائيل، أم أن لهذا التجييش أهدافاً أخرى؟

تضخيم إسرائيلي للتعزيزات العسكرية المصرية في سيناء

شهدت وسائل الإعلام الإسرائيلية في الأيام الأخيرة ما يشبه "ضخاً" مكثفاً للأخبار المتعلقة بمواصلة مصر إرسال قواتها إلى سيناء، ظاهرياً لمنع فلسطينيي غزة من العبور إلى أراضيها، لكن بعض الإسرائيليين يحذرون من مفاجأة أخرى قادمة من الحدود الجنوبية.

وقدم نتنياهو لوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو، خلال لقائهما في القدس المحتلة، قائمة بما زعم أنها أنشطة مصر في سيناء، وطلب من إدارة ترامب الضغط على القاهرة لتقليص حشدها العسكري فيها، عقب فشل المحادثات المباشرة مع المصريين في إحراز أي تقدم، وفقاً للصحفي باراك رافيد.

واتهم السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل لايتر، مصر بارتكاب انتهاكات خطيرة لاتفاقية السلام، بزعم إقامة قواعد عسكرية في سيناء تُستخدم للعمليات القتالية، ونقل الجيش المصري للأسلحة الهجومية.

وتساءل لايتر عن مدى الاستعداد للحرب معها، وإذا استؤنف القتال في قطاعات أخرى، فهل ستبقى الجبهة المصرية هادئة، بعد أن علّمنا السابع من أكتوبر أن نواصل طرح الأسئلة مراراً وتكراراً، كما أوردته صحيفة "إسرائيل اليوم".

أما عميحاي شيلو، مراسل موقع "الصوت اليهودي"، فطرح سؤالاً صادماً نصّه: هل نحن على شفا حرب مع مصر، رغم حديث الجميع عن عدم رغبتهما في خوضها؟ لكن المصريين يستعدّون في سيناء، وتتزايد أحاديثهم عنها، بمن فيهم كبار مسؤوليها.

وأضاف شيلو أنه رغم أن خريطة مصالحهم لا تشمل الحرب مع إسرائيل، إلا أنه يستحيل تجاهل التقييمات المتزايدة للمصريين على الحدود، في ظل تنامي دخول قواتهم الكبيرة إلى سيناء، بزعم منع سكان غزة من العبور إليها، وهو أمر يخشاه الإسرائيليون بشدة.

ودعا إيريز فينر، مسؤول فريق التخطيط العملياتي في القيادة الجنوبية للجيش ومساعد رئيس الأركان الأسبق غابي أشكنازي، في مقابلة مع القناة 12، إلى استخدام أدوات الضغط على مصر لتخفيف قواتها المنتشرة في سيناء، وإلا فإن "الشر قد يتطور من الجنوب".

وبحسب فينر، فإن المصريين يسلّحون أنفسهم ويتجهزون باستمرار، وتهديدهم الرئيسي هو إسرائيل، وسيناء مليئة وتفيض بأنظمة الأسلحة المتقدمة، بما يتجاوز بكثير ما هو مسموح به، والآن لدى إسرائيل فرصة وهي اتفاقية الغاز مع مصر التي تُعد رافعةً لتطبيق الاتفاقية و"تصحيح التجاوزات".

كما زعم مسؤولان إسرائيليان أن المصريين ينشئون بنية تحتية عسكرية يمكن استخدام بعضها لأغراض هجومية، في مناطق يُسمح لهم فيها بحمل أسلحة خفيفة فقط، وبالتالي فما يفعلونه في سيناء خطير للغاية، ونحن قلقون جداً، وفقاً لما نقله أريئيل كهانا محرر الشؤون السياسية بصحيفة "إسرائيل اليوم".

وقدّر أريئيل كهانا أن "مصر ليست في حالة "سلام بارد" مع إسرائيل، بل في "حرب باردة"، وما دامت لم تغيّر مسارها، فيجب أن نستعد للوضع الجديد معها".

انتشار الجيش المصري في سيناء بأعداد أكبر يثير قلق إسرائيل
انتشار الجيش المصري في سيناء بأعداد أكبر يثير قلق إسرائيل

قدرات الجيش المصري وتخوّف من اقترابه أكثر من الحدود

يوني بن مناحيم، المستشرق والضابط السابق في جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، زعم في مقال على منصة "إيبوتش" أن التوترات مع مصر منذ اندلاع حرب غزة تصل إلى مستوى جديد، لاسيما عقب مهاجمة قطر، حيث خفّضت مستوى العلاقات الدبلوماسية، واقتصرت العلاقة فقط على إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، وهي المستويات الأدنى منذ بداية الحرب.

وأوضح مناحيم أنه بعد تراجع الاتصالات، اتخذت الولايات المتحدة إجراءات لنقل معلومات أساسية بين الطرفين، مما يجعل المستوى السياسي الإسرائيلي يُبدي قلقاً بالغاً، في ضوء القناعة السائدة بأن لمصر مصلحة في إضعاف إسرائيل عسكرياً وسياسياً.

وأضاف أن ما تشهده سيناء من تحركات مصرية "يؤكد انتهاك اتفاقية السلام" التي تُقيّد نطاق قواتها العسكرية، وتتجاوز الحدود المنصوص عليها، حيث يشير توسيع المطارات العسكرية، وبناء المخابئ والحواجز المضادة للدبابات، وإنشاء مستودعات الذخيرة والوقود، وحفر سبعة أنفاق تحت قناة السويس، إلى حشد عسكري مستمر في المنطقة، والتقييم الحالي أن مصر نشرت قوة أكبر بأربع مرات مما هو مسموح به.

وبدا لافتاً أن يقدّم الضابط الرفيع يارون بوسكيلا، المدير العام لحركة "الأمنيين" التي تضم مئات كبار الضباط والجنرالات المتقاعدين من الجيش والشرطة والموساد والشاباك، إحاطةً أمنيةً في الكنيست بخصوص التحركات العسكرية المصرية.

وذكر بوسكيلا أن الحشد العسكري المصري، والخطوات الميدانية الجارية، ونقل القوات إلى سيناء، وإنشاء البنية التحتية العسكرية فيها، وتصعيد الخطاب السياسي، كلها مؤشرات تحذيرية تتطلب من إسرائيل الانتباه لها، وإجراء نقاش استراتيجي حولها.

كما دعا الضابط الإسرائيلي المتقاعد إلى دراسة كيفية الاستعداد لسيناريو حرب معها، كي تكون على أهبة الجاهزية، وتحتفظ بخطط طوارئ لاحتمالية تغيّر الواقع، بما فيها تكوين صورة استخباراتية واضحة عن الجيش المصري وقدراته، وبناء قوة عسكرية كردّ فعلٍ مناسب للظروف، وفي الوقت نفسه العمل للحفاظ على اتفاقية السلام معها بما يتماشى مع مصالحها.

القناة 14 أجرت مقابلة مع المستشرق إيدي كوهين، زعم فيها أن مصر لديها واحد من أقوى جيوش الشرق الأوسط، بأسلحة حديثة وطائرات مقاتلة ودبابات وتكنولوجيا متقدمة، مما يدفع للتساؤل عن إمكانية فتح جبهة عسكرية معها دون سابق إنذار، بما قد يهدد وجود إسرائيل، رغم أنها لا تملك القدرة أو الرغبة في بدئها.

لكن في ضوء التصريحات الإعلامية الهجومية، والتسليح، والكراهية الشديدة من المصريين لإسرائيل، يقول كوهين، لم يعد التهديد من القاهرة نظرياً فحسب، حتى لو لم تكن لها حالياً مصلحة مباشرة في صراع عسكري، لكن واقع الشرق الأوسط يُظهر أن كل شيء قابل للتغيير في لحظة، ولا يمكن لإسرائيل الاستسلام لوهم السلام المستقر.

فيما استحضرت وكالة الأنباء اليهودية تحذيراً لقائد الجيش السابق هآرتسي هاليفي من التهديد القادم من مصر، التي تحوز على جيش ضخم مُزوّد بأسلحة متطورة، وطائرات مُتقدمة، وغواصات وصواريخ، وعدد كبير من الدبابات ومقاتلي المشاة، وقد يتغير الوضع فيها فجأة كما حصل في 2011.

ورغم مرور 46 عاماً على اتفاق السلام، وحديث زعماء الجانبين أنه "لا مزيد من الحروب وسفك الدماء والدموع"، فقد جرت الكثير من المياه في النيل، ويبدو أن رياح الحرب بينهما تهبّ من جديد، وسط تزايد الحديث عن استعدادهما للحرب، وفقاً لما ذكره دين شموئيل ألماس مراسل مجلة "غلوبس"، الذي زعم أن الجبهة المصرية تستيقظ لأول مرة منذ عام 1979.

إيلي ديكل، الرئيس السابق لفرع الأهداف في قسم الأبحاث بجهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، زعم في مقال بموقع "ميدا" أن مصر لديها مصلحة كبيرة في الاستعداد لصراع عسكري مع إسرائيل في وقت يحدده ميزان القوى العالمي، تمهيداً لزوالها، وإلى أن تحقق هذا الهدف، فهي تبذل قصارى جهدها لتقزيم قدرات تل أبيب.

وفي مقابلة مع موقع "هيدبروت"، زعم إيلي ديكل أن الجنود المصريين أصبحوا اليوم على بُعد أمتار من الحدود فقط، مما يعني أن مصر تُجهز نفسها للحرب مع إسرائيل.

ووصل الأمر بالتحريض على مصر إلى اتهامها بالإعداد لكارثة أخرى على إسرائيل، قد تنتهي نهاية سيئة للغاية، لأنها تتخلى عن اتفاق السلام دون إعلان ذلك صراحةً، وتدير ظهرها لها، وتُنشئ علاقات عمل تشمل شراء وسائل قتالية وتدريبات عسكرية مشتركة مع دول معادية.

وتمتلك مصر اليوم أكبر وأقوى جيش في الشرق الأوسط، وليس لدى إسرائيل ردّ عليه إن قررت خوض حرب ضدها، لأنها تعيش حالة "ضباب المعركة"، كما جاء في صحيفة معاريف على لسان الجنرال يتسحاق بريك، الملقب بـ"نبي الغضب"، لأنه تنبّأ بطوفان الأقصى.

اليمين يبثّ "أجواء حرب بين إسرائيل ومصر"

ليئور بن آري ويوآف زيتون، مراسلا صحيفة "يديعوت أحرونوت"، ذكرا أن الأسابيع الأخيرة شهدت تزايد الخطاب الإسرائيلي حول استعداد مصر لحرب وشيكة.

ونُشرت مقاطع فيديو صادمة تُظهر طوابير طويلة من مركباتها العسكرية، وتهديدات مزعومة لمفاعل ديمونا، وتسجيلات لتدريبات ضد مواقع وقواعد إسرائيلية، مما تسبب في إثارة غضب الجمهور، وأجّج مشاعر الحرب لديهم، وزاد الخوف والذعر في صفوفهم، وهم لا يزالون يعانون من صدمة السابع من أكتوبر.

وتبين أن من يقف خلف هذه الموجة التحريضية لـ"حرب بين إسرائيل ومصر" وسائل إعلام يمينية، ومواقع إخبارية بديلة، ومؤثرون، وصحفيون متورطون في آلة التضليل، التي تعترف بأن الجنود على محور فيلادلفيا اعتادوا على استفزاز نظرائهم المصريين، حيث لا تزال الشتائم والاستفزازات تُسمع من حين لآخر.

ورصد تشين أغيري، الكاتب في موقع "العين السابعة"، حملة إلكترونية موجهة بشأن التعزيز المزعوم للجيش المصري، ومحاولة الجهات اليمينية تقويض استقرار اتفاق السلام مع مصر بنظر الجمهور الإسرائيلي.

ووجّه الاتهام إلى المنظمة الدينية "تورات لهيما"، ومؤسسة "كيكيوني"، وموقع "ميدا" اليميني، بجانب القناة 14، التي لا تملّ من إجراء نقاشات على شاشاتها وصفحاتها الإلكترونية حول الحرب المحتملة مع مصر، واستضافة عدد من الضباط والجنرالات "المهووسين" بهذا السيناريو الذين وضعوا حجر الأساس لمؤامرة "المصريون على الأسوار".

نتنياهو وسكرتيره العسكري رومات جوفمان/ يديعوت أحرونوت
نتنياهو وسكرتيره العسكري رومات جوفمان/ يديعوت أحرونوت

ويعتقد الإسرائيليون أن أول ما يجب فهمه أن علاقة الجانبين بالغة الأهمية وحساسة للغاية، مما يتطلب تجنّب الشعبوية، والانخراط في خطاب حاد، ولأن الوضع هش بسبب السلام البارد جداً.

فمن المهم التعامل بحذر مع كل ما يتعلق بالعلاقة، دون تجاهل الحشد العسكري المصري، كما جاء على لسان روث فاسرمان لاندا، عضوة الكنيست السابقة، والمسؤولة السابقة في السفارة بمصر، والباحثة في معهد ميسغاف، في حديثها لصحيفة "إسرائيل اليوم".

أصوات "عقلانية" تنبّه من التورط الشعبوي

رغم سيل التهديدات الإسرائيلية الموجهة إلى مصر بقرب مواجهة عسكرية، إلا أن أصواتاً أخرى طالبت بكبح جماح ما اعتبرته خطاباً شعبوياً مكلفاً، ومنها روث فاسرمان لاندا، نائبة السفير الإسرائيلية السابقة في القاهرة.

الدبلوماسية السابقة أوضحت أن مصر "لا ترغب ببدء حرب معنا، رغم أنها تشهد تصريحات متصاعدة ضدنا، وإن كنت أؤيد متابعة الاستعدادات العسكرية المصرية في سيناء، لكني أراها مجرد عملية إعلانية، لأنهم لا يرغبون بهذه الحرب"، في مقابلة أجرتها مع القناة السابعة.

كما رأى الدبلوماسي والسفير السابق مايكل هراري، والباحث بمعهد "ميتفيم" للسياسات الإقليمية غابرييل ميتشيل، في مقال نشرته مجلة "فورين بوليسي"، أن سياسات نتنياهو تضع العلاقات مع مصر على المحكّ، وتنذر بتهديد إحدى ركائز الأمن الإقليمي الإسرائيلي التي أعاد تشكيلها هجوم الطوفان، لاسيما من خلال توتير علاقتها الحيوية بمصر.

وأوضحا أن القرارات التي اتخذتها تل أبيب على مدار عامي الحرب في غزة، أضعفت الروابط معها، مما عرّض الإطار الاستراتيجي الذي أُرسي منذ اتفاقيات كامب ديفيد للخطر.

بينما ذكر باروخ شابيرا، الكاتب في وكالة الأنباء اليهودية، أنه رغم التوترات الأخيرة، فمن الواضح أن مصر وإسرائيل لا ترغبان بمواجهة عسكرية، فالأخيرة تخوض معارك على جبهات متعددة، ولا تطمح لفتح جبهة أخرى، والأولى تدرك أن فرصها الواقعية معدومة في هزيمة الجيش الإسرائيلي في مواجهة مباشرة.

ولذلك، يقول شابيرا، يمكن اعتبار نشر القوات المصرية في سيناء ليس إشارة للحرب، بل ردّ فعل دفاعي، لأن العقيدة العسكرية المصرية دائماً دفاعية، والجيش المصري لم يبادر قط بحرب، وسيستمر تعاونهما الأمني والاقتصادي والاستخباراتي، رغم وجود خلافات "لفظية".

وفي الوقت ذاته، دعا إسرائيليون إلى عدم النظر إلى نشر القوات المصرية بأنه استفزاز، بل خطوة استراتيجية للحفاظ على مصالحهما الأمنية المشتركة، رغم أن خيبة الأمل الإسرائيلية تجاه سياسة مصر بعد هجوم السابع من أكتوبر أمر مفهوم بالتأكيد، حيث تبددت ثقتهما نتيجةً لإدانات مصر للحرب، وتعاطفها الواضح مع حماس، والحشد السريع للقوات على الحدود دون إبلاغ إسرائيل.

ولكن بالنظر إلى المستقبل، فمن المتوقع أن يعود التعاون الأمني بين القاهرة وتل أبيب إلى طبيعته، بل سيتعمق أكثر، لأن السلام المكتوب ليس وحده ما يربطهما، بل الفهم الاستراتيجي العميق للتهديدات العابرة للحدود، وطالما ظلت غزة غير مستقرة، وسيناء معرضة للخطر، ستظل القاهرة وتل أبيب متماسكتين، حتى لو اختلفتا في وجهات النظر، وفقاً لما أورده مقال نشره مركز ديان للدراسات الاستراتيجية.

دانيال هيرتس، مراسل موقع "كيكار"، زعم أنه رغم التصريحات العلنية المصرية ضد إسرائيل في قمة الدوحة، والمخاوف التي أعربت عنها مختلف الأطراف في الأيام الأخيرة، يستمر تنسيقهما الأمني كالمعتاد، بل وبكامل طاقته، لأنه من أجل التأثير على غزة، وبقاء مصر لاعباً مهماً في الساحة، يجب عليها الحفاظ على العلاقة الاستراتيجية والأمنية مع إسرائيل، رغم إعلانها التخطيط لإنشاء "قوة عربية مشتركة"، وتوقف الإسرائيليون عند لقاء وزيري الدفاع الأردني والمصري في القاهرة، ورئيسي أركان الجيشين، لتعزيز العلاقات العسكرية.

ووفقاً لقراءة إيفي دوفيرين، المسؤول السابق لقسم التعاون الدولي في الجيش، في مقابلة مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن سيناء تشهد تضارباً في مصالح الجانبين: فعندما طالبت إسرائيل بمعرفة سبب وجود ثلاثة مطارات في سيناء مخالفة للاتفاقية، ردّت مصر بأنها مدنية، رغم أن لديها مدارج مناسبة للطائرات المقاتلة.

لكنه استبعد رؤية سيناريو هجوم مصري محتمل في القريب العاجل على إسرائيل، محذراً من وجود محاولة من جهات ما لخلق حدث لم يحدث، وربما لن يحدث، في إشارة إلى احتمال اندلاع حرب بين إسرائيل ومصر، لأن الأخيرة لا تزال تعتبر اتفاقية السلام رصيداً استراتيجياً لمصالحها.

احتمالات المواجهة ضئيلة، والتصعيد "أغراضه داخلية"

إيتان دانغوت، السكرتير العسكري السابق لوزراء الحرب شاؤول موفاز وعمير بيرتس وإيهود باراك، يدرك حساسية الموقف تجاه القاهرة نظراً لعدم الاستقرار في الشرق الأوسط خلال العامين الماضيين، مما يتطلب من إسرائيل توسيع نطاق مراقبتها لها. ورغم أن إمكانية نشوب مواجهة مسلحة بينهما قائمة، إلا أن احتمالاتها ضئيلة جداً، مشككاً في أن الهجوم المصري على إسرائيل خطوة معقولة على المدى القريب.

البروفيسور عوزي رابي، من مركز ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، ذكر في صحيفة معاريف أن السيسي لا يريد خوض حرب مع إسرائيل، لكن هناك تراكمات حوله قد تدفعه لإظهار نوع من استعراض القوة، يهدف بالأساس إلى الداخل المصري.

المصادر الأمنية الإسرائيلية التي ترصد تنامي تسليح جيش مصر تؤكد أنه بعيد عن الاستعداد للحرب ضد إسرائيل، لأن هناك مسافة بين التسلح وبين الاستعداد الفعلي للقتال. لكنها لا تستبعد أن تمر مصر، كما تركيا، يوماً ما بـ"منعطف" قد يتصاعد لمواجهة عسكرية معها، مثلاً في حال حدوث تغير سياسي مفاجئ، يمتلك فيه نظام جديد ومعادٍ واحداً من أقوى جيوش المنطقة وأكثرها تحديثاً.

هيئة البث "كان" نقلت عن حاييم كورين، السفير السابق في مصر، نفيه أن يكون إرسال مصر مزيداً من قواتها إلى سيناء مؤشراً على تغيير في سياستها أو استعداداً لحرب.

الرئيس المصري خلال اجتماع مع رئيس وزراء إسرائيل عام 2017 - رويترز
الرئيس المصري خلال اجتماع مع رئيس وزراء إسرائيل عام 2017 – رويترز

آيال بينكو، من قسم العلوم السياسية ومركز بيغن السادات بجامعة "بار إيلان"، الذي يتابع البناء العسكري المصري منذ 16 عاماً، قدّر أن مصر ليس لديها نية لشن حملة ضد إسرائيل، بسبب أزمتها الاقتصادية، وبسبب حرب غزة التي تجعلها تخشى تسلل عناصر مسلحة إلى سيناء. لكنه أكد أن "كل شيء وارد في الشرق الأوسط".

أميرة أورين، السفيرة السابقة في القاهرة، دعت في ورقة لمعهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب إلى تجديد التزام مصر وإسرائيل بمعاهدة السلام، وتأكيد ذلك بالحوار المباشر على أعلى المستويات، وضمان استمرار عمل القنوات العسكرية والأمنية، مثل اللجنة العسكرية المشتركة والقوة متعددة الجنسيات لمراقبة سيناء.

الجنرال موشيه إلعاد، الرئيس السابق للتنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية، أكد في صحيفة "معاريف" أن الوجود العسكري المكثف في سيناء لا يتعلق بالاستعداد لحرب مع إسرائيل، واعتبره افتراضاً مبالغاً فيه. وأضاف أنه حتى لو أتى زعيم مصري آخر يوماً ما واعتبر إسرائيل عدواً، فإن معالجة الخلافات تكون عبر القنوات الدبلوماسية وليس عبر التوترات.

المعهد الإسرائيلي للديمقراطية أشار في ورقة بحثية إلى أن زيادة مصر لقواتها في سيناء جرت بموافقة إسرائيلية أحياناً، لكنها لا تمثل حجماً مناسباً لحرب، إذ تحتاج لحجم فرقة كاملة على الأقل. كما أن القتال في صحراء سيناء المفتوحة يختلف عن غزة أو لبنان، ويصب في مصلحة الجيش الإسرائيلي.

عيران ليرمان، نائب رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن، قال إن التحركات المصرية مقلقة، لكن هناك مبالغة "أحياناً جنونية" في حدّة الوضع.

صحيفة "إسرائيل اليوم" ذكرت أن إسرائيل ومصر تشتركان في أصول استراتيجية منذ 46 عاماً، منها حماية البحر الأحمر، ومكافحة داعش في سيناء، والتعاون الاستخباراتي في أفريقيا. لذلك فإن أي انتهاك للاتفاقية قد يضر بمصالحهما، لكنهما لا ترغبان في ذلك. بل إن حرب غزة عززت تنسيقهما الأمني.

أسطوانة المهربين والمُسيّرات القادمة من مصر

في خضم التحريض، نشرت وسائل إعلام إسرائيلية تقارير عن "قطار جوي" من عشرات المُسيّرات التي اجتازت الحدود من مصر إلى النقب في عمليات تهريب أسلحة، عجز الجيش عن منعها، وفق مراسلة "يديعوت أحرونوت" إيلانا كوريل.

وأفادت بأن الأشهر الأخيرة شهدت زيادة في المُسيّرات الصغيرة المخصصة للتهريب، مما يعقد مهمة رصدها. ونقلت عن عيران دورون، رئيس مستوطنة حدودية، أن التعود على المُسيّرات القادمة من مصر يشبه التعود على صواريخ غزة قبل هجوم الطوفان، محذراً من أن تُستخدم مستقبلاً كضربة افتتاحية للتسلل إلى المستوطنات.

إيمانويل فابيان، مراسل "زمان إسرائيل"، أشار إلى أن الحدود مع مصر هادئة منذ سنوات، لكن استخدام المُسيّرات يُغير المعادلة، خاصة مع نقص المعلومات الاستخبارية. وحذّر المقدم شيمر رافيف، قائد لواء "باران"، من احتمال اشتعال هذه الجبهة، كما حدث في دول محيطة كسوريا.

كما تزعم تقارير إسرائيلية أن مصر تجري مناورات تحاكي حرباً مع إسرائيل، وتركز على التحصينات والقدرة على نقل قوات بسرعة إلى سيناء. لكن النخبة الأمنية تتفق على أن الحفاظ على اتفاق السلام مصلحة عليا، وأن التعامل مع هذه "الانتهاكات" يجب أن يكون بحذر لتجنب التصعيد.

آساف مشنيوت، كاتب في موقع القناة السابعة، قال إن منذ حرب غزة اشتعلت "الأضواء الحمراء" في تل أبيب بسبب التحركات المصرية، مع تقدير أن أي "سابع من أكتوبر جديد" قد يأتي من الحدود المصرية، لكنه انتقد تجاهل كبار الضباط لهذه الفرضية، مؤكداً أن المؤشرات لا تعني حرباً وشيكة.

مؤشرات مقلقة على التوتر

معهد القدس للاستراتيجية والأمن رأى أن سيناء أصبحت مركزاً للتوتر بين مصر وإسرائيل، حيث يجتمع التعاون الأمني مع الخلافات المتزايدة. وأشار إلى قلق القاهرة من تداعيات حرب غزة: تدفق محتمل للاجئين، تهديد لقناة السويس، وخطر استيراد الصراع الفلسطيني إلى سيناء.

كما أضاف أن مصر ترى في الترحيل إلى سيناء تهديداً أخطر من الحرب نفسها، لأنه يعني استيراد "الكابوس الجيوسياسي" إلى أراضيها.

موقع "ناتسيف" العسكري قال إن نشر أنظمة دفاع جوي حديثة في سيناء هو رسالة ردع لإسرائيل، وليس استعداداً مباشراً لهجوم.

هيئة البث الإذاعي والتلفزيوني "كان" ذكرت أن تمركز الجيش المصري على حدود غزة، خشية تدفق موجات الفلسطينيين نحو سيناء، دفع نظيره الإسرائيلي للتأهّب الأمني الكامل، دون الإقدام على تجميد الاتفاقيات أو البروتوكولات الأمنية المشتركة، رغم زيارة وزير الدفاع عبد المجيد صقر لوحدات النخبة في الجيش، وتشديده على أهمية الحفاظ على جاهزيته القتالية، مما يعني تلميحاً لإمكانية تصعيد عسكري فوري في حال وجود عدد كبير من النازحين، كما أوردت القناة 13.

كما رصد الإسرائيليون استخدام مندوبي مصر في المؤسسات الدولية لهجة حادة للتعبير عن مدى الاستياء من إسرائيل، كما تجسّد في تجميدها مؤقتاً تعيين سفيرها في تل أبيب، ورفضها تعيين أوري روتمان سفيراً جديداً لديها، مما يعكس أزمة عميقة في علاقاتهما، وفقاً لما ذكره موقع كيبا.

وتوقفت إسرائيل عند خطاب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أمام القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة، حين وصفها بـ"العدو". وتساءل جاكي خوجي، محرر الشؤون العربية في صحيفة معاريف، عن سبب استخدام هذا الوصف لأول مرة على الإطلاق، مؤكداً أنه لم يُقل اندفاعاً أو يُضف للخطاب في اللحظة الأخيرة، بل كان وصفاً مدروساً بعناية.

وحسب خوجي، فإن الهدف من ذلك توجيه رسالة جادة لتل أبيب مفادها التلويح بالبطاقة الصفراء الآن، وقبل فوات الأوان، لأن كرة الثلج وصلت إلى مرحلتها الثالثة، وهي الأخطر، إذ تعتقد مصر أن إرسال إسرائيل صواريخها الدقيقة إلى الدوحة يعني أنها قد تكون في دائرة النار غداً، وإذا اكتشفت إسرائيل خلية فلسطينية مسلحة في الإسكندرية، فسترسل طائراتها للقضاء عليها.

تحميل المزيد