أثار السؤال الذي طرحه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، خلال لقاء موسع مع عدد من الإعلاميين والصحافيين، جدلاً واسعاً خاصة وأنه وضع يده على ما يدور في أذهان غالبية المصريين في الوقت الحالي ألا وهو "ماذا لو اندفع الفلسطينيون نحو الحدود المصرية"، وذلك مع بدء إسرائيل شن حملة عسكرية برية على مدينة غزة لاحتلالها وتهجير المواطنين القاطنين فيها جنوباً إلى قرب الحدود المصرية، وهو ما جعلنا نفكر في طرح السؤال نفسه على مصادر وخبراء للإجابة عليه.
خطوات تحذيرية استباقية
في البداية أكد مصدر حكومي مطلع، أن تصريحات رئيس الوزراء جاءت في سياق التأكيد على أن مصر تتعرض لمؤامرة وضغوطات لتنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى، والهدف من التساؤل هو شحذ همم المصريين نحو التكاتف في مواجهة التحديات الخارجية لأن هناك مخاوف من ردود فعل سلبية جراء الإقدام على اتخاذ قرارات تتعلق بخفض دعم المحروقات بنسبة كبيرة خلال الفترة المقبلة.
لكن المصدر ذاته لم ينف بأن هناك استعدادات للتعامل مع أي سيناريوهات يمكن فرضها حال دفعت إسرائيل بالفلسطينيين إلى الحدود المصرية.
وأوضح المصدر ذاته أن الاستعدادات تأخذ أبعاد مختلفة بينها ما هو عسكري بدأت تظهر معالمه في إعادة انتشار الجيش في شبه جزيرة سيناء لردع أي محاولات إسرائيلية لتنفيذ مخططات التهجير، إلى جانب الذهاب باتجاه خطوات دبلوماسية متصاعدة بدأت بخفض التنسيق والاتصالات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال ووصولاً مؤخراً إلى استخدام الرئيس عبدالفتاح السيسي لفظ "العدو" في وصف إسرائيل وهو ما يتنافى مع وضعية السلام القائمة التي قامت عليها اتفاقية كامب ديفيد في إشارة إلى أن القاهرة قاب قوسين أو أدنى من الاتجاه لحالة الحرب حال فرض التهجير.
ولفت المصدر ذاته إلى أن هناك إجراءات أخرى استعدادية تتمثل في تكثيف التعاون والتنسيق الأمني والعسكري مع الدول العربية والإسلامية في حال اتجاه إسرائيل نحو اتخاذ قرارات من شأنها توسيع نطاقها الجغرافي جنوباً باتجاه مصر، وكذلك من خلال زيادة وتيرة التبادل العسكري مع دول لديها أسلحة متطورة ودفاعات جوية متقدمة مثل الصين في حال نشوب صراع عسكري، وهي خطوات تحذيرية استباقية تستهدف دفع إسرائيل للتفكير في خطواتها المستقبلية، مع التأكيد المصري في المقابل على الالتزام بالسلام والحفاظ على الأمن في شبه جزيرة سيناء وفقاً لترتيبات كامب ديفيد ولعل تنفيذ تدريبات النجم الساطع مع عدد من الدول مؤخراً يأتي في صميم هذا التأكيد.
وشدد المصدر ذاته على أن مصر لديها خطواتها الاقتصادية أيضاً التي تجعلها تؤمن الموقف حال اندلاع صراع متوقع بسبب التهجير، وهناك استعدادات لتنفيذ حالة "اقتصاد الحرب" التي سبق وأن تحدث عنها رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أكثر من مرة العام الماضي، كما أن السياسة الإعلامية المستهدفة خلال الفترة المقبلة تعمل على توعية المواطنين باحتمالات نشوب صراعات في أي وقت حال استمرت إسرائيل في خطط التهجير، وهو ما سيتطلب تحمل إجراءات التقشف حيث أن جزء كبير من الميزانية سوف يتجه إلى المجهود الحربي.
وقد أكد رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي على جاهزية الدولة المصرية بخطط واضحة للتعامل مع أي تداعيات محتملة للأوضاع في الأراضي الفلسطينية قائلا إن هناك استعدادات تشمل مختلف أجهزة الدولة والوزارات لمواجهة أي سيناريوهات محتملة للأوضاع، ومؤكدا أن مصر لن تسمح تحت أي ظرف بتهجير الفلسطينيين أو تصفية القضية الفلسطينية، وكشف مدبولي عن وجود خطط طوارئ لوزارات الصحة والتموين وغيرهما من أجهزة ووزارات الدولة المصرية لضمان توفير الاحتياجات الأساسية للأشقاء الفلسطينيين في حال حدوث أي مستجدات.
وتساءل رئيس الوزراء المصري قائلا: السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة خلال الفترة الحالية في ظل العملية الموسعة لإسرائيل في القطاع، هو ماذا لو اندفع الفلسطينيون نحو الحدود المصرية؟
وأشار مدبولي إلى أن "إسرائيل الكبرى" كمخطط مزعوم يهدف إلى توسيع النفوذ الإسرائيلي على حساب الأراضي الفلسطينية والدول المجاورة مستندا إلى تقارير إعلامية وتحليلات سياسية عن خطط إسرائيلية لاحتلال غزة كاملة أو تهجير سكانها، مؤكدا أنه تتم متابعة ودراسة كل شيء بدقة، لوضع خطط مواجهة مختلفة للتعامل مع هذا الأمر.
تجهيزات لكي لا يتم ابتزاز الدولة المصرية
وبحسب مسؤول اقتصادي بالحكومة المصرية، فإن الاستعدادات لحدوث أعمال عنف أو فوضى بالقرب من الحدود المصرية بدأت منذ فترة، وهناك رغبة في أن يكون هناك تجهيزات لكي لا يتم ابتزاز الدولة المصرية سواء فيما يتعلق بتوفير السلع أو توفير العملة الصعبة، وهي إجراءات احترازية في المقام الأول ولا تعني أن الدولة قريبة من الدخول في حرب لكن هي تجهيزات فرضها استمرار الحرب الإسرائيلية لمدة عامين وتمددها في نطاقات دول عربية أخرى، كما أن مصر تعاملت بجدية مع مطالب الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتهجير الفلسطينيين وترى بأنها تعبر عن سياسة أميركية ستحاول تنفيذها على الأرض.
وأوضح المصدر ذاته أن الحكومة المصرية لديها قناعة بأن الاستعداد للأوضاع الأكثر تشاؤماً يمكن أن يخفف من وطأة الأوضاع السيئة ولذلك فإنها اتجهت منذ سنوات لتدشين صوامع تخزين القمح وتعمل على إيجاد بدائل سريعة للطاقة لضمان استمرار تدفقها بشكل منتظم على الأقل لخمس سنوات مقبلة، وأقدمت على إبرام اتفاقيات عديدة للتنقيب عن الغاز والبترول في حقول الاستكشاف المصرية، وتستهدف نزع ورقة الضغط الإسرائيلي عليها بشأن التلويح بقطع إمدادات الغاز، كما أنها تعمل على توفير احتياجات آمنة من السلع الرئيسية لفترات تتراوح ما بين ستة أشهر إلى عام بدلاً من ثلاثة أشهر إلى ستة أشهر.
وذكر أن مصر بدأت بالفعل ترتب إلى عقد اتفاقيات مع مؤسسات دولية مانحة بعيداً عن صندوق النقد الدولي ومع دول ليست حليفة للولايات المتحدة حال وقوع أي تطور وهو ما يفسر الاتجاه نحو تجمع "بريكس" وتدعم مساعيها نحو تدشين بنوك تمويل مع دول إسلامية، إلى جانب تنويع مصادر السلاح، وفي الوقت ذاته تعمل مصر على جذب الاستثمارات الأجنبية وتنشيط مسارات التنمية وترفض الارتكان للحرب النفسية التي يشنها إسرائيل لإدخالها في حالة حرب دون أن تندلع، وهو ما يفسر تنويع الشركاء التجاريين والتوسع في إقامة "شراكات إستراتيجية" مع دول عديدة يمكن أن تدعم وضعية الاقتصاد.
وأوضح أن تسلل الفلسطينيين نحو الحدود سيصاحبه حالة عدم اليقين من توجه الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المنطقة وبالأخص إلى الاقتصاد المصري، وبالتالي فإن القاهرة تعمل بكافة الوسائل عدم الوصول إلى تلك النقطة، متوقعاً أن تواجه مصر في حالة النزوح مزيد من الانخفاض على مستوى العوائد الدولارية وتراجع سعر صرف الجنيه وارتفاع أسعار الذهب وارتفاع معدلات التضخم مرة أخرى وهي إشكاليات تحاول الخروج منها منذ سنوات لكن قد تكون وطأتها أشد في حال كان هناك خطراً أمنياً مباشراً على الدولة المصرية.
وفي شهر أكتوبر الماضي قال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي "لو حدثت تطورات حرب إقليمية سندخل فيما يسمى اقتصاد حرب"، موضحا " أنه في حالة سوء الأوضاع السياسية في المنطقة ستتخذ مصر مزيدا من إجراءات الترشيد".

ويعني اقتصاد الحرب تحويل الاقتصاد الوطني بشكل كامل أو جزء منه لخدمة المجهود الحربي وتوفير احتياجات القوات المسلحة وما تتطلبه لخوض المعارك العسكرية وكذلك الدفاع عن البلاد.
ويلوذ مئات الآلاف من السكان بالمدينة، ويحجم الكثيرون عن الانصياع لأوامر إسرائيل بالتحرك جنوبا بسبب المخاطر على امتداد الطريق والظروف الصعبة ونقص الغذاء في المنطقة الجنوبية والخوف من النزوح الدائم.
وتقدر إسرائيل أن 40% ممّن كانوا في مدينة غزة في العاشر من أغسطس غادروها الآن. ويقول المكتب الإعلامي للقطاع إن 190 ألفا توجهوا إلى الجنوب و350 ألفا اتجهوا إلى مناطق في وسط المدينة وغربها.
مصر بالمرصاد لوأد تطورات تنجح مخطط التهجير
وقال مصدر عسكري مصري، إن مصر تضع في اعتبارها احتمالات إقدام إسرائيل على التهجير وهو ما دفع نحو تعزيز التواجد العسكري في شبه جزيرة سيناء والاستعداد للتعامل وإن كان من الصعب أن تقدم إسرائيل على هذه الخطوة دون مواقفة مصر بخاصة وأن نقل مئات الآلاف لن يكون بالأمر السهل وستعمل طيلة الأشهر القادمة على تهيئة الأجواء التي يمكن تسهل من إنجاح خططها لكن في المقابل فإن مصر ستكون بالمرصاد لوأد أي تطورات تساعد على إنجاح مخطط التهجير.
وذكر أن رفض التهجير يرتبط بمسار دبلوماسي تسير عليه مصر الآن يرتبط بتثبيت مبدأ حل الدولتين وحصار إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة لكن في حال فشل المسار الدبلوماسي واتجه مئات الآلاف نحو الحدود فسيكون هناك تعامل عسكري سيفاجئ الجميع في تلك اللحظة، لأن جميع مسارات وقف الإبادة ورفض التهجير ستكون قد فشلت، كما أن معادلات الأمن والاستقرار في المنطقة ستكون قد اختلفت وستتجه الأوضاع نحو الفوضى.
ولفت إلى أنه في حال دخول الفلسطينيين إلى سيناء فإن عمليات المقاومة ضد إسرائيل لن تتوقف وستكون هناك ردود فعل مختلفة عن ما يجري الآن في قطاع غزة، وسوف تتسع دوامة العنف، وسيتعرض الأمن القومي المصري لهزات عنيفة نتيجة عدم الاستقرار، وبالتالي فإنه من المهم أن يكون هناك إجراءات دفاعية استباقية قام بها الجيش المصري في سيناء ويبقى إلى الآن في إطاره كقوة ردع، كما أن رسائل السيسي في القمة العربية الإسلامية في الدوحة يجب أن تعيها إسرائيل جيداً وأن تستمع لها جيداً، لافتاً إلى أن الجيش المصري لا يهدد أحد لكنه سيردع أي محاولات للمساس بالأمن والحدود.
وذكر المصدر المصري أن أي محاولة لدفع الفلسطينيين نحو الحدود فهو بمثابة إفشال لاتفاق السلام مع إسرائيل وهو يواجه الآن اختباراً بين أن يصمد لسنوات قادمة أو أن يتم الإجهاز عليه، مشيراً إلى أن مصر تتمسك بالسلام طالما أن اسرائيل لم تتجاوز الخطوط الحمراء المرتبطة بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ويبقى التنسيق المصري الأميركي في ملفات أمنية عديدة إطاراً حاكماً يضمن بقاء اتفاقية السلام حتى الآن.
وقبل أيام ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الجلسة الأخيرة للكابينيت شهدت بحث رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مخطط تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.
وبحسب القناة الـ12 الإسرائيلية فإن المؤسسة الأمنية عرضت مخططها على نتنياهو لتهجير الفلسطينيين بدءا من الشهر القادم والذي سيحدث عبر وسائل مختلفة جوا وبحرا، وأضافت أنه من المفترض أن يعرض نتنياهو هذه الخطط على وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الذي زار إسرائيل هذا الأسبوع، كما أوضحت القناة أن إسرائيل سبق وأن تواصلت مع عدة دول لاستقبال الفلسطينيين.
ومؤخرا قال وزير الدفاع المصري الفريق أول عبدالمجيد صقر، إن "الجاهزية العسكرية ليست مجرد رفع معنويات، بل استعداد حقيقي لمواجهة أي تطورات ميدانية"، كما أكد المحافظ السابق لشمال سيناء، الضابط العسكري المخضرم، صرح بحدة: "أي محاولة للمساس بالحدود المصرية – حتى مجرد التفكير بها – ستفاجئ العالم بما لدى مصر، وما لا يعرفه عن قدراتها".