هل أصبح السلام  بين مصر وإسرائيل هشاً؟ مصادر مصرية: هناك درجات متزايدة من العداء وكل الاحتمالات مفتوحة

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/14 الساعة 14:15 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/14 الساعة 14:18 بتوقيت غرينتش
هل يجمد نتنياهو اتفاقية تصدير الغاز لمصر؟

تزايدت وتيرة التصعيد بين مصر وإسرائيل على مستويات عدة خلال الأيام الماضية، وهو ما يشير إلى تحولات واضحة في العلاقة بينهما بعد ما يقرب من 46 عاماً على توقيع معاهدة السلام، مع مضي إسرائيل قدما في تنفيذ خطتها لتهجير الفلسطينيين خارج قطاع غزة، مع التلويح بتجميد التعاون بينهما في مجال الغاز الطبيعي، وفي ظل تصعيد إسرائيلي ضد الدولة المصرية التي اتخذت في المقابل إجراءات احترازية لأي تهديدات محتملة.

قلق وتوتر وخيارات مفتوحة

وقال مصدر حكومي مسؤول على صلة بملف العلاقات المصرية الإسرائيلية، إن العلاقات أخذت في التدهور خلال الأشهر الماضية، منذ أن تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي عن مخطط "إسرائيل الكبرى"، والتي تضمنت خريطة أشار فيها إلى مناطق من شبه جزيرة سيناء، وهو ما اعتبرته مصر إجراءً عدائياً مباشراً وطالبت بتوضح ما جاء على لسانه من تصريحات، وما ضاعف هذا التوتر أن إسرائيل تجاهلت المبادرة المصرية القطرية الجزئية لوقف إطلاق النار رغم أنها راعت الجزء الأكبر من مطالبها.

وأوضح المصدر ذاته، أن ما زاد من وتيرة التوتر تجاه إسرائيل "تعليق" اتفاقية الغاز الموقعة بين البلدين في أغسطس/آب الماضي، وبرهن ذلك على أن العلاقات ذات البعد التجاري التي ظلت ثابتة أخذت في التدهور أيضاً.

ونتيجة لذلك – بحسب المصدر – تقلصت مستويات التواصل والتنسيق الأمني، وبدأ الأمر من الرئاسة ثم وزارة الخارجية إلى أن وصلت إلى مستويات أقل على مستوى الأجهزة الأمنية في ملفات تتعلق بوساطة الهدنة وبعض التنسيقات الأمنية بشأن اتفاقية السلام.

ولفت المصدر ذاته أن مصر شعرت بالقلق منذ أن اندلعت أحداث السابع من أكتوبر، وكان هناك رؤية مسبقة بأن هدف إسرائيل من استمرار الضربات على قطاع غزة هو تهجير الفلسطينيين، وهو ما دفع الرئيس عبدالفتاح السيسي في ذلك الحين للكشف عن ذلك بشكل علني.

وأوضح المصدر أنه منذ ذلك الحين هناك حالة من القلق كانت موجودة بالأساس، لكنها أخذت في التزايد لأن ما تطمح إليه إسرائيل يتعارض مع أسس الأمن القومي المصري، خاصة وأن إسرائيل تعاملت مع المشروعات التنموية في شبه جزيرة سيناء على أنها موجهة ضدها، وشكل ذلك دافعاً لمصر لأن تؤمن قواتها هناك وتعزز حضورها خشية أي تهديدات أو إجراءات إسرائيلية غادرة.

ولفت المصدر إلى أن مصر لا تريد الانجراف نحو التصعيد الإسرائيلي الذي يهدف لجرها إلى صراع، ولكن في الوقت ذاته تضع الاحتمالات كلها نصب أعينها للتعامل مع الواقع الراهن، وهناك رغبة في الحفاظ على اتفاق السلام، وهو أمر تحرص عليه أيضاً دوائر إسرائيلية بعيداً عن المتطرفين الذين يتصدرون المشهد الآن.

وأكد المصدر – في الوقت ذاته – أن انتشار القوات في سيناء يبقى عاملاً مهماً لردع محاولات تهجير الفلسطينيين، كما أن القاهرة تكثف جهودها الدبلوماسية لكشف الجرائم الإسرائيلية في الهيئات الدولية والدول الغربية القريبة من دولة الاحتلال وتعمل على ما يمكن وصفه بـ"الحصار الدبلوماسي".

وذكر أن القاهرة لديها أهداف ترفض أن تحيد عنها، تتعلق برفض القبول بالتهجير ورفض المساس بسيادتها، والتوصل إلى اتفاق يؤدي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، إلى جانب الحفاظ على أسس معاهدة السلام طالما التزمت إسرائيل بها، وتعمل على تنسيق المواقف العربية لاتخاذ مواقف جماعية يمكن أن توقف "بلطجة إسرائيل مع اعتدائها على دول عربية مختلفة خلال الأشهر الماضية، وطالت سوريا ولبنان واليمن وأخيراً قطر، وهناك قناعة بأن الاستهدافات قد تتوسع ما لم يكن هناك تنسيق عربي إسلامي في مقابلها"، على حد تعبيره.

محددات رئيسية للتعامل مع التهديدات الإسرائيلية

ومنذ اتفاقية السلام عام 1979، لم تشهد العلاقات المصرية – الإسرائيلية توتراً كالذي تشهده هذه الفترة، وبحسب وسائل إعلام عربية وإسرائيلية فإن مصر قررت خفض مستوى التنسيق الأمني مع إسرائيل حتى إشعار آخر، في أعقاب التصعيد الأخير، لا سيما الهجوم الجوي الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، وأضافت المصادر أن الجانب المصري يعكف حاليًا على إعادة ترتيب آليات الاتصالات الأمنية مع تل أبيب، في ضوء التطورات الأخيرة التي أثارت استياءً إقليميًا واسعًا.

الموقف المصري انعكس بوضوح فيما أكده لسان زعيم الأغلبية البرلمانية ونائب رئيس حزب مستقبل وطن، عبد الهادي القصبي، "دعمه الكامل للموقف السيادي الصادر عن الدولة المصرية في أعقاب العدوان الغاشم على العاصمة القطرية الدوحة" ، مشيراً إلى أن قرار القاهرة بخفض مستوى التنسيق الأمني مع إسرائيل حتى إشعار آخر ..يؤكد أن مصر تتحرك انطلاقاً من قوة واستقلالية قرارها، بما يحفظ مكانتها الإقليمية والدولية.

تصدير الغاز الطبيعي إلى مصر
لرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال اجتماع مع رئيس وزراء إسرائيل بنتيامين نتنياهو عام 2017 – رويترز

وأضاف زعيم الأغلبية، أن هذه الخطوة تحمل رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي بأن مصر لا تقبل انتهاك سيادة الدول أو المساس بالقانون الدولي، وأنها ستظل سنداً داعماً للقضايا العربية العادلة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي تمثل حجر الزاوية في الأمن والاستقرار بالمنطقة.

وقال مصدر عسكري مطلع على هذا الملف، إن مصر لا تلتفت كثيراً إلى التقارير الإعلامية المنشورة في الإعلام الإسرائيلي، وإن كانت فإنها تعد مؤشر على أن هناك درجات متزايدة من العداء وقد يترتب عليها مواقف مغايرة تبتعد عن علاقات السلام المستمرة منذ عقود، وفي الوقت ذاته فإن مصر تضع محددات رئيسية للتعامل مع التهديدات الإسرائيلية في مقدمتها المساس بالسيادة والأرض المصرية، أو في حال اتخذت إسرائيل إجراءات تهدف إلى الإضرار بالأمن القومي مستقبلاً مثلما الوضع إذا ما ذهبت باتجاه تهجير الفلسطينيين، ومازالت تحافظ على درجات منخفضة من التنسيق الأمني.

ولفت المصدر ذاته، أن مصر تسعى لعدم خلط الأوراق وتعمل على وضع إطار محدد لكل أزمة على حدة، ودائما ما كانت تحذر من تمدد الصراع ومآلاته السلبية، وهو ما يجعلها وسيطاً في أزمات أخرى مرتبطة أيضاً بـ "البلطجة الإسرائيلية" (وهو نفس المصطلح الذي استخدمه المصدر الحكومي) في المنطقة بينها الملف النووي الإيراني، بهدف انتزاع أي حجج تمنح إسرائيل الفرصة لشن حرب جديدة على إيران، وبالتالي فإن الاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على استئناف المفاوضات إلى جانب حشد الجهود الدولية للاعتراف بالدولة الفلسطينية وحل الدولتين تأتي ضمن خيارات التعامل مع دولة الاحتلال.

وأشار المصدر إلى أن التعديلات التي جرى إدخالها على الملحق الأمني مع إسرائيل سمح بزيادة أعداد القوات المصرية في شبه جزيرة سيناء، ومثلما تعترض إسرائيل على تلك القوات، فإن القاهرة أيضاً لديها تحفظات على دور القوات المتعددة الجنسيات مع تجاهل الانتهاك الإسرائيلي في المنطقة "د" مع التركيز فقط على المنطقة "ج"، وليس من المستبعد أن يتم وقف التعامل في حال وجدت القاهرة أن القوات لا تمارس صلاحيتها بالشكل المطلوب.

وأكد أن مصر في الوقت ذاته تنفتح على أي جهود تفاوض من شأنها تقويض أي مساعي للتهديدات الإسرائيلية للأمن القومي المصري، وكذلك الانخراط في صفقة شاملة توقف الحرب في قطاع غزة، لكن إذا أصرت إسرائيل على مواقفها العدائية من مصر والشعب الفلسطيني، فإن "المواقف المصرية ستأخذ في التصعيد أيضاً بدءاً من خفض العلاقات الدبلوماسية ووصولاً للأدوات الخشنة التي تضمن حماية الأمن القومي، كما أن القاهرة تعتبر أن الاعتداء على دولة وسيطة في الصراع بين الاحتلال وحماس هو بمثابة رسالة لها أيضاً وهو ما يجعل الاحتمالات مفتوحة"، على حد قوله.

تنسيق عربي إسلامي مشترك في مواجهة إسرائيل

وفي جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي، أعرب السفير أسامة عبد الخالق، مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة، عن إدانة القاهرة للعدوان الإسرائيلي على قطر، معتبرًا إياه استهدافًا مباشرًا لدور الوساطة الذي تبذله الدوحة بالتنسيق مع مصر والولايات المتحدة.

ووجه عبد الخالق رسالة دعم واضحة إلى قطر، متحدثًا بشكل مباشر إلى الشيخ محمد بن جاسم آل ثاني، رئيس وزراء قطر، قائلاً:قطر ليست وحدها، سمو الشيخ محمد، وأمن قطر هو من أمن مصر، بل هو جزء لا يتجزأ من الأمن القومي العربي بأكمله".

أفادت شبكة "سي إن إن" الأمريكية، الخميس، أن مصر وجهت رسالة إلى الولايات المتحدة تحمل تحذيراً من "عواقب وخيمة" في حال محاولة إسرائيل تنفيذ عمليات على أراضيها، ونقلت الشبكة الأمريكية عن مسؤول مصري، لم تسمه، قوله إن مصر "وجّهت رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن أي محاولات إسرائيلية للعمل على الأراضي المصرية مثل الغارات التي استهدفت الدوحة هذا الأسبوع ستكون لها عواقب وخيمة"، دون تفاصيل أكثر.

وبحسب مصدر دبلوماسي مصري مطلع على تفاصيل الاتصالات، فإن القاهرة تتحرك الآن في عدة اتجاهات بينها

  • بحث إمكانية إيجاد آلية لتنسيق عربي إسلامي مشترك في مواجهة إسرائيل سواء كان ذلك عبر تدشين القوة العربية المشتركة والتي واجهت صعوبات من قبل.
  • أو أنها تعمل على زيادة حجم التنسيق العسكري بين الدول العربية والإسلامية.
  • وتدشين اتفاقيات للدفاع يمكن أن تردع تل أبيب،

وهي الآن تحمل مشروعية بعد الاعتداء على قطر وكذلك اعتراف الأغلبية الساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة بالدولة الفلسطينية.

وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي / رويترز
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي / رويترز

وأوضح المصدر ذاته أن مصر تواجه ضغوطات إسرائيل بتسريع عملية التهجير القسري وبعثرة أوراق الوساطة مع حماس بالتحركات في مسارات دبلوماسية سريعة أيضاً، وهو سباق يهدف لتأمين الحدود المصرية ومنع تصفية القضية الفلسطينية.

وفي الوقت ذاته فإن مصر تتمسك أمام المجتمع الدولي بخطاب دبلوماسي متزن لا ينزلق لمسألة معاداة إسرائيل مع التأكيد على الثوابت المصرية، بما يحافظ على المصالح المصرية التي سوف تتضرر بشدة حال تصدير الأزمة في غزة إلى شبه جزيرة سيناء وسيكون ذلك انتهاكاً للحدود ومساس بالسيادة المصرية.

وأكد المصدر ذاته على أن مصر تستعد لسيناريوهات الحرب بشكل مستمر بعدما تصاعدت حدة التوترات في العلاقات منذ السابع من أكتوبر، بخاصة وأنها كانت تهدف للتهجير وهو ما دفع لمزيد من التحوط، سواء كان ذلك عسكرياً أو دبلوماسياً، كما أن جرائم الإبادة جعلت هناك رأي عام ضاغط في مصر نحو التعامل معها وهو ما تطلب تصعيداً في الخطاب الدبلوماسي أيضاً وهو ما يتم وصفه في إسرائيل بأن هناك ملاحقة مصرية لتلك الجرائم في المنظمات الدولية وتطور الأمر لاتهام مصر باختراق اتفاق السلام.

الاستعداد لكل السيناريوهات

كما أوضح مصدر حكومي ثان أن مصر استعدت اقتصادياً أيضاً لأي طارئ في العلاقات وكثفت عمليات التنقيب عن الغاز مستفيدة من توفر العملة الصعبة، ودفع متأخرات شركات التنقيب التي عادت للعمل مرة أخرى مع مضاعفة صفقات استيراد الغاز والتعاقد على العديد من ناقلات الغاز الطبيعي لدرجة تفوق الاحتياجات في الوقت الحالي لكنها يمكن أن تكون مفيدة في المستقبل.

كما أوضح أن مصر عززت تعاونها العسكري والاقتصادي مع دول مهمة مثل تركيا والصين وباكستان، إلى جانب انفتاح الخليج على الاستثمار الذي يساهم في حركة نشاط الاقتصاد ويوفر عوائد العملة الصعبة.

وتحدثت تقارير إسرائيلية عن تحركات عسكرية لافتة للجيش المصري في سيناء منذ ديسمبر 2023.، وتتضمن هذه التحركات تعزيزات عسكرية، وبنية تحتية دفاعية، وتدريبات نوعية على مواجهة جيوش متقدمة. ويُفسَّر هذا التحرك كرسالة واضحة بأن القاهرة لا تتهاون في حماية حدودها.

وقررت مصر في شهر مايو الماضي إرجاء تسمية سفير جديد في تل أبيب وعدم قبول تعيين أوري روثمان سفيراً إسرائيلياً جديداً في القاهرة خلفاً للسفيرة أميرة أورون، التي انتهت مهمتها قبل عام، من دون سقف زمني محدد.

وتحدث موقع "ناتسيف نت" الإسرائيلي عن أن مصر تقوم بخرق متكرر للملحق العسكري لاتفاقية (كامب ديفيد) عبر نشر قوات عسكرية مسلحة وأنظمة أسلحة ثقيلة في سيناء، بما يتجاوز الحدود المسموح بها في المنطقة منزوعة السلاح، وطالب في تقرير نشرته وسائل إعلام عربية، الجمعة، بـقطع إمدادات الغاز عن مصر.

ومنذ أوائل سبتمبر الحالي، تصاعد التوتر بين إسرائيل ومصر، وهدد رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بقطع الغاز عن القاهرة. وهو ما عقب عليه رئيس هيئة الاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، عبر تصريحات متكررة بأنه "لن يستطيع ذلك وأنه الخاسر"، وتحداه أن يفتح المعابر لعودة الفلسطينيين، وحذره من أن "المسافة بين العريش وتل أبيب ليست بعيدة".

تحميل المزيد